الصحافة الإسرائيلية الملف اليومي صادر عن المكتب الصحفي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين الاحد 16/11/2025العدد 1461

الصحافة الاسرائيل- الملف اليومي

افتتاحيات الصحف + تقارير + مقالات

 

 

 

 

ملحق هآرتس 16/11/2025

 

 

روايتان لا أساس لهما تُؤججان الصراع على هذه الأرض

 

 

بقلم: يوفال نوح هراري

 

 موضوعيًا، لا يوجد سببٌ يدفع الإسرائيليين والفلسطينيين إلى الاقتتال. فالأرض الممتدة بين البحر الأبيض المتوسط ​​ونهر الأردن واسعة وغنية بما يكفي ليعيش الشعبان في أمنٍ وازدهارٍ وكرامة. لو تجاهلنا للحظةٍ جميع الأحكام القيمية والادعاءات الأيديولوجية، وحسبنا ببساطةٍ عدد الدونمات في هذا البلد، وكم كيلوغرامًا من القمح يمكنه انتاجه، وكم كيلوواط من الكهرباء يمكنه توليده، وكم جزيء ماء يمكنه ضخه أو تحليته، لوجدنا أن هذا البلد قادرٌ بسهولةٍ تامة على إعالة كل من يعيش فيه حاليًا، بمن فيهم جميع الإسرائيليين وجميع الفلسطينيين.

إن ما يُحرك الصراع الإسرائيلي الفلسطيني ليس نقصًا موضوعيًا في الأرض والموارد، بل قصص تاريخية سخيفة تُولّد عمىً أخلاقيًا. كثيرٌ من الإسرائيليين والفلسطينيين مُقتنعون تمامًا بأنهم على حق، وأن الطرف الآخر مخطئ تمامًا، وبالتالي لا حق له في الوجود. لذلك، حتى لو أجبرتهم الظروف على توقيع اتفاقية أو أخرى، يميل كلا الجانبين إلى اعتبار كل اتفاقية مجرد تسوية مؤقتة، على أمل تحقيق العدالة المطلقة على المدى الطويل والاستيلاء على الأرض بأكملها. علاوة على ذلك، يدرك كلا الجانبين عمى الآخر الأخلاقي – وكلاهما مرعوب منه. اليهود مرعوبون من أن الفلسطينيين يريدون إبادتهم، والفلسطينيون مرعوبون من أن اليهود يريدون إبادتهم – وكلاهما مرعوب بحق.

لا يمكن كسر دائرة الغرور والعنف إلا بتحرر الطرفين من عماهما الأخلاقي والسعي إلى حلول عملية وسخية بدلًا من العدالة المطلقة القاسية. لفهم مصدر هذا العمى الأخلاقي، لا بد من النظر إلى التاريخ الطويل لأرض ما بين البحر والنهر، وإلى الروايات التاريخية المشوهة التي روج لها الإسرائيليون والفلسطينيون وغيرهم الكثيرون لفترة طويلة جدًا. القصة التي يرويها العديد من الإسرائيليين لأنفسهم، والتي تُغذي العمى الأخلاقي، هي كالتالي: اليهود هم السكان الأصليون لأرض ما بين البحر والنهر. طردنا الرومان قسرًا من هنا. لطالما تمنينا العودة، لكن كل أنواع الإمبراطوريات الشريرة حالت دون ذلك. أخيرًا، في أواخر القرن التاسع عشر، حفزت الصهيونية الشعب اليهودي على تجاوز عقبات هائلة، والعودة إلى أرض أجدادنا، والمطالبة بحقنا فيها. أما بالنسبة للفلسطينيين، فيعتقد الكثير من الإسرائيليين أنه ببساطة لا وجود لشعب فلسطيني. هذا افتراء محض. عندما وصل الصهاينة الأوائل إلى هذه الأرض، كانت خالية. كان بعض الفلاحين والبدو هنا، لكنهم لم يكونوا “شعبًا”، وكان عددهم قليلًا جدًا.

تقول الرواية الفلسطينية المضادة: نحن السكان الأصليون للأرض الواقعة بين البحر ونهر الأردن. لم نغادرها قط. كانت دائمًا ملكنا حتى جاء الصهاينة وسرقوها منا. الصهاينة مستعمرون أوروبيون. جاؤوا إلى الشرق الأوسط في أواخر القرن التاسع عشر كجزء من الحركة الاستعمارية الأوروبية. وكما غزا الأوروبيون المسيحيون جنوب أفريقيا واستوطنوا فيها، كذلك غزا الأوروبيون اليهود فلسطين. قد نكون ضعفاء الآن ولا خيار لنا سوى التنازل للمحتلين اليهود، لكننا في أعماقنا نعلم أن اليهود لا صلة لهم بهذه الأرض ولا حق لهم في العيش فيها.

كلتا هاتين الروايتين تُشوهان الحقائق التاريخية تمامًا. دعونا ندرس بعض هذه الحقائق، ثم نرى كيف يمكننا التوفيق بين الروايتين.

 

 أخطاء الرواية الفلسطينية

 

إن الادعاء بأن الفلسطينيين هم السكان الأصليون للأرض ادعاء باطل. الأرض الواقعة بين البحر ونهر الأردن، كمعظم بقاع العالم، خالية من سكانها الأصليين، إلا إذا كنت ترغب في الوقوف إلى جانب إنسان نياندرتال الذي عاش هنا لمئات الآلاف من السنين قبل وصول أول إنسان عاقل من أفريقيا واستقراره فيها. البشر ليسوا أشجارًا. ليس لدينا جذور، بل أرجل. الشعوب والثقافات في حالة ذهاب وإياب وتغير مستمر. شهدت هذه الأرض غزاةً لا حصر لهم وموجات هجرة، خلّفت كل منها وراءها طبقة إنسانية وثقافية جديدة. على مدى مئات وآلاف السنين، غزاها واستوطنها شعوب مختلفة مرارًا وتكرارًا، ولم تشهد المنطقة الواقعة بين البحر ونهر الأردن قط خلال هذه الآلاف من السنين دولة قومية تُدعى “فلسطين”.

اسم “فلسطين” قديمٌ بلا شك. فهو يُحافظ على اسم الفلسطينيين، واسم “سوريا فلسطين” – وهو الاسم الذي أطلقه الإمبراطور الروماني هادريان على مقاطعة يهودا الرومانية بعد قمع ثورة بار كوخبا. إلا أن المنطقة التي يُشير إليها هذا الاسم كانت في أغلب الأحيان مُقسّمة بين العديد من الكيانات السياسية الصغيرة (على سبيل المثال، خلال العصر الفلستيني) أو جزءًا من إمبراطورية أكبر بكثير (على سبيل المثال، خلال العصر الروماني). فمنذ الفتح البابلي عام 586 قبل الميلاد وحتى قيام دولة إسرائيل عام 1948، لم تحكم ممالك محلية مستقلة معظم المنطقة الواقعة بين البحر المتوسط ​​ونهر الأردن لعدة أجيال سوى مرتين. وهما مملكة الحشمونائيم (141-37 قبل الميلاد) والمملكة الصليبية (1099-1291).

في القرن السابع الميلادي، استولت الإمبراطورية العربية على الأرض من الإمبراطورية البيزنطية، لكن هذه الإمبريالية العربية لم تكن أكثر نبلاً من الإمبريالية الأوروبية في القرنين التاسع عشر والعشرين – بل حدثت فقط قبل سنوات طويلة. يجب على أولئك الذين يعتقدون أن البريطانيين لم يكن لديهم مبرر لاحتلال جنوب إفريقيا في القرن التاسع عشر أو فلسطين في أوائل القرن العشرين أن يتفقوا على أن العرب لم يكن لديهم مبرر لاحتلال هذه الأرض في القرن السابع أيضًا.

في الواقع، كانت الإمبراطورية البريطانية، وليست الإمبراطورية العربية، هي التي قررت من سيكون فلسطينيًا. حتى حماس تحدد حدود فلسطين وفقًا للخطوط التي رسمها الإمبرياليون البريطانيون، وليس وفقًا لأي خطوط طبيعية أو تاريخية. قبل الاحتلال البريطاني، لم تكن هناك دولة فلسطينية مستقلة، أو مقاطعة تسمى “فلسطين” في الإمبراطورية العثمانية. بعد أن استولت الإمبراطورية العثمانية على المنطقة من المماليك عام 1517، غيرت مرارًا وتكرارًا حدود مقاطعات إمبراطوريتها. في بعض الأحيان، قُسِّمت المنطقة الواقعة غرب نهر الأردن إلى ثلاث مقاطعات، وأحيانًا إلى مقاطعتين، وأحيانًا كانت مجرد جزء صغير من مقاطعة واحدة أكبر بكثير. على سبيل المثال، بين عامي 1864 و1872، كانت المنطقة بأكملها تابعة لولاية دمشق. في عام 1872، أُسِّست مقاطعة القدس، والتي شملت أيضًا يافا وغزة – لكن معظم السامرة والجليل والنقب بقيت في مقاطعة دمشق. في عام 1888، أُسِّست مقاطعة بيروت. نُقِل الجليل والسامرة إلى مقاطعة بيروت الجديدة، لكن أجزاء من الجليل الأعلى والنقب الجنوبي بقيت في مقاطعة دمشق – بينما استمرت القدس وغزة ويافا في تشكيل مقاطعة منفصلة. لذلك، عندما اندلعت الحرب العالمية الأولى في عام 1914، كان سكان عكا وسكان غزة، على سبيل المثال، ينتمون إلى مقاطعات عثمانية مختلفة. بعد الحرب العالمية الأولى، تقاسم البريطانيون والفرنسيون المنطقة فيما بينهم، وكان البريطانيون هم من قرروا أن يكون سكان عكا وغزة من الآن فصاعدًا جزءًا من كيان سياسي جديد يُسمى الانتداب البريطاني على فلسطين. أما ادعاء الفلسطينيين بأن اليهود مستعمرون أوروبيون، فهو بالطبع عارٍ عن الصحة تمامًا. فهو ينكر وجود سكان يهود في هذه الأرض منذ 3000 عام، وأن الصلة بين اليهود والأرض ليست اختراعًا حديثًا. عندما حفر المستعمرون البريطانيون في تراب جنوب إفريقيا، لم يعثروا على أي نقوش إنجليزية هناك تعود إلى 2000 عام. وعندما يحفر الإسرائيليون في تراب هذه الأرض، يجدون نقوشًا عبرية تعود إلى 2000 عام. بالطبع، هذا لا يمنح اليهود ملكية الأرض – ففي النهاية، توجد هنا أيضًا العديد من النقوش القديمة باللغات العربية واللاتينية واليونانية والآرامية والكنعانية ولغات أخرى. لكن هذا يعني أن الاعتماد على الاستعمار الأوروبي كنموذج لفهم الحياة اليهودية في الشرق الأوسط خطأ تاريخي. ومن المزعج بشكل خاص وصف يهود إسرائيل بالمستعمرين الأوروبيين، نظرًا لأن حوالي نصف يهود إسرائيل ينحدرون من لاجئين شرق أوسطيين طُردوا من دول مثل مصر والعراق واليمن بعد عام 1948 انتقامًا للهزائم العربية على يد إسرائيل.

 

 أخطاء الرواية الإسرائيلية

 

لا شك أن التحريفات الفادحة في الرواية الفلسطينية لا تثبت خلوها من الأخطاء. أولاً، مثل الفلسطينيين، ليس اليهود هم السكان الأصليون لهذه الأرض. لا وجود لما يُسمى “السكان الأصليين”. صحيح أنه كانت هناك مئات السنين في الألفية الأولى قبل الميلاد عندما كان اليهود على الأرجح يشكلون غالبية سكان المنطقة الواقعة بين البحر ونهر الأردن. ولكن حتى في ذلك الوقت، لم يكونوا السكان الوحيدين؛ فقد سبقهم في هذه الأرض الكنعانيون، والنتوبيون، والنياندرتال؛ وليس من الواضح لماذا يبدأ تاريخ هذه الأرض في الألفية الأولى قبل الميلاد بدلاً من الألفية الثالثة قبل الميلاد أو الألفية الأولى الميلادية.

ثانيًا، لم يُطرد اليهود من هذه الأرض على يد الإمبراطورية الرومانية، ولا على يد أي إمبراطورية لاحقة. فبعد الثورة الكبرى وثورة بار كوخبا، استُعبد العديد من اليهود على يد الرومان، ومُنع اليهود من العيش في أجزاء معينة من البلاد، وخاصة في القدس. لكن لم يُصدر أي إمبراطور روماني مرسومًا يمنع اليهود من العيش في الأرض الواقعة بين البحر والنهر. والحقيقة أن عددًا لا بأس به من اليهود استمروا في العيش هناك حتى بعد قمع ثورة بار كوخبا – على سبيل المثال، مؤلفو المشناه وتلمود القدس. اعتنق بعض اليهود الذين بقوا في البلاد المسيحية أو الإسلام في نهاية المطاف، ويُشكل أحفادهم جزءًا من السكان الفلسطينيين اليوم. غادر آخرون البلاد طواعيةً، بحثًا عن فرص اقتصادية وحياة أفضل. في الواقع، حتى قبل الثورة الكبرى، كان حوالي نصف اليهود يعيشون بالفعل خارج البلاد، في أماكن مثل مصر وبلاد ما بين النهرين وروما.

ثالثًا، بعد أن غادر معظم اليهود البلاد، لم يمنعهم أحد من العودة. في أي وقت تقريبًا أراد فيه اليهود الاستقرار في الأرض الواقعة بين البحر ونهر الأردن، كانوا قادرين على ذلك. على سبيل المثال، في القرن السادس عشر، كانت الإمبراطورية العثمانية القوة الأكثر تأييدًا لليهود في العالم، وبعد أن استولت على الأرض من المماليك عام 1517، رحبت بالمهاجرين اليهود بأذرع مفتوحة، وخاصة اللاجئين اليهود من إسبانيا والبرتغال. في ستينيات القرن السادس عشر، وضعت سيدة أعمال يهودية تُدعى دونا غراسيا مينديز ناسي خطة لتشجيع الهجرة اليهودية إلى الأرض، وحصلت على موافقة عليها من السلطات في إسطنبول. في عامي 1565/1566، أجر السلطان سليمان القانوني مدينة طبريا والعديد من المناطق المجاورة لدونا غراسيا لهذا الغرض. لكن قلة قليلة من اليهود استفادوا من العرض السخي من السلطان ودونا غراسيا. فضل معظم المهاجرين اليهود الاستقرار في أماكن أخرى، مثل إسطنبول وسالونيك والقاهرة. على سبيل المثال، عائلة زوجي، عائلة رودريغيز، فرت من إسبانيا بعد عام 1492 وهاجرت إلى الإمبراطورية العثمانية، لكنها فضلت أن تزرع جذوراً جديدة على ضفاف النيل بدلاً من ضفاف بحر الجليل.

على مر السنين، ظلّ بعض اليهود يعيشون في الأرض الواقعة بين البحر ونهر الأردن، مما يُثبت عدم وجود أي تحريم لذلك. ولكن قبل ظهور الصهيونية الحديثة، لم تكن نسبة اليهود تُشكّل أكثر من 5 في المئة إلى 10 في المئة من السكان. استمرّ اليهود في جميع أنحاء العالم يحلمون بأرض صهيون، وكانوا يدعون كل عام “العام القادم في القدس!”، ولكن كان ذلك دائمًا من أجل العام القادم – وليس هذا العام. والدعاء ليس من المحرمات. إذا كان لدى جاري منزل جميل، وأدعو كل يوم أن ينتقل هذا المنزل إلى ملكيتي، فبعد كم صلاة يُمكنني أن أتجاوز المحرمات وأن أنقل منزل جاري إلى اسمي؟

أما ما يقوله الإسرائيليون عن الفلسطينيين، فحسنًا، عندما وصل الصهاينة الأوائل إلى الأرض في نهاية القرن التاسع عشر، لم تكن خالية. كانت مئات القرى والبلدات هنا، بالإضافة إلى العديد من المراكز الحضرية الكبيرة نسبيًا مثل عكا ويافا وغزة والخليل والقدس. يمكن للمرء أن يجادل في مدى قوة الوعي الوطني الفلسطيني في القرن التاسع عشر، لكن هذا لا يهم حقًا. حتى لو لم يكن هناك وعي وطني فلسطيني قوي في القرن التاسع عشر، فهذا لا يعني عدم وجود شعب فلسطيني اليوم. الزمن هو ما يخلق الأمم، وقد مرّ وقت طويل منذ القرن التاسع عشر. من يعيش في بيت من زجاج لا ينبغي أن يرمي بيوت جيرانه بالحجارة. لم يكن لليهود وعي وطني قوي بشكل خاص في القرن التاسع عشر أيضًا. رفضت الغالبية العظمى من اليهود في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين الفكرة الصهيونية، ولم يكونوا مهتمين بمغادرة بلدان إقامتهم. اليهود الذين اختاروا الهجرة من أماكن مثل بولندا بسبب معاداة السامية والحروب فضلوا الاستقرار في الولايات المتحدة أو كندا أو الأرجنتين بدلاً من الأرض الواقعة بين البحر ونهر الأردن. بين عامي 1880 و1924، توجه حوالي 3.5 في المئة فقط من المهاجرين اليهود إلى صهيون.

 

 سلام الكرم

 

ما هي النتيجة لكل هذا؟ من له الحق التاريخي الأقوى في هذه الأرض؟ يمكن للمرء أن يتخيل شقيقين يهوديين يعيشان في أرض إسرائيل في الأيام التي أعقبت ثورة بار كوخبا ويزرعان بستان زيتون العائلة. قرر أحدهما، واسمه إسحق، الهجرة إلى الإسكندرية – أرض الإمكانيات غير المحدودة في تلك الأيام – وظل أحفاده يهودًا وهاجروا في النهاية إلى إسبانيا والمغرب وبولندا والولايات المتحدة. قرر الأخ الثاني، واسمه إسماعيل، البقاء في ملكية العائلة مهما كلف الأمر، واعتنقت أحفاده المسيحية والإسلام في النهاية، لكنهم استمروا في العيش في نفس المكان. في أحد الأيام، طرق أحد أحفاد إسحق باب عائلة إسماعيل. وقف أحد أحفاد إسحق على الباب وقال: “لقد عدت! ارحلوا عن منزلي”.

في عام 1920، عندما كان البريطانيون يرسمون حدود انتدابهم في فلسطين، كان من الواضح تمامًا أن السكان الذين كانوا يعيشون بالفعل في الأرض الواقعة بين البحر ونهر الأردن في ذلك الوقت هم أصحاب الحق الأقوى فيها. لم يكن اليهود آنذاك يشكلون سوى حوالي 10 في المئة من السكان. ورغم وجود مملكة يهودية في البلاد قبل ألفي عام، إلا أن هذه الحجة ليست قوية. ولم يبرر ذلك منح اليهود ملكية الأرض كاملة. في الواقع، في النصف الأول من القرن العشرين، تعرض اليهود للاضطهاد في أماكن إقامتهم، وكانت هذه مشكلة كبيرة بلا شك، لكنها لم تكن مشكلة خلقها الفلسطينيون، ولم يكن من المفترض أن يحلوها.

إلا أن اليوم ليس العام 1920. ففي التاريخ، يُغير الزمن كل شيء. واعتبارًا من العام 2025، لكل من الإسرائيليين والفلسطينيين حق قوي في الأرض، لسبب بسيط هو أنهم جميعًا يعيشون هنا وليس لديهم مكان آخر يذهبون إليه. يعيش اليوم أكثر من 7 ملايين يهودي في هذا البلد، معظمهم وُلدوا هنا، وليس لديهم مكان آخر يستوعبهم. ويعيش هنا أيضًا أكثر من 7 ملايين فلسطيني وُلدوا هنا، ولا ينتظرهم أي بلد آخر. كل هذا يعني أن لا الإسرائيليين ولا الفلسطينيين على حق تمامًا، وأن أيًا من الطرفين ليس لديه سبب كافٍ للرغبة في القضاء على الآخر. لن يُنقذ أي قدر من العنف في الحاضر ضحايا الماضي. من المستحيل إحياء من قضوا في حروب سابقة، ومن المستحيل محو آلام السنوات الماضية بعد وقوعها. لكن لا يزال من الممكن منع حروب وأهوال المستقبل. ولتحقيق ذلك، لا يكفي التوصل إلى صيغة تسوية يوقعها الطرفان بقلبٍ مثقلٍ وترددٍ كبيرٍ كـ “تحسينٍ مؤقتٍ للأوضاع”. ما دام الطرفان مقتنعين بأن كل شيء على ما يُرام، وأن أعدل شيءٍ هو زوال الطرف الآخر، فلن تدوم أي صيغة تسوية.

كتب يهودا عميحاي: “من حيث نكون صالحين، لن تنبت الأزهار أبدًا/ في الربيع/ المكان الذي نكون صالحين فيه،/ مُداسٌ وقاسٍ/ كحقل” – أو، كما كان عميحاي ليكتب، كساحة عرض. كتب الشاعر الفلسطيني محمود درويش: “عندما تخوض حروبك، فكر في الآخرين (لا تنسَ صانعي السلام)/ عندما تدفع فاتورة الماء، فكر في الآخرين (لا تنسَ أولئك الذين يمتصون الماء من السحاب)/ عندما تعود إلى منزلك، فكر في الآخرين (لا تنسَ أهل الخيام)”. لتحقيق سلام دائم، يحتاج كلا الجانبين إلى أن يكونا أقل استقامة، وأن يفكرا أكثر في الآخر. يحتاج كلا الجانبين إلى استيعاب أن الطرف الآخر موجود وله أيضًا الحق في الوجود، وعلى هذا الأساس، يجب التوصل إلى اتفاق قائم على الكرم لا ضيق الأفق. يجب أن يكون السؤال الرئيسي لكلا الجانبين: إذا كنت في مكان الطرف الآخر، فماذا سأحتاج لأعيش في أمن وازدهار وكرامة؟

قبل كل شيء، على الجانبين أن يكونا كرماء. على الإسرائيليين أن يكفوا عن المساومة على كل تلة ونبع. السلام الجيد لإسرائيل ليس سلامًا يمنح الإسرائيليين دونمًا آخر وعنزة آخرى، بل سلامًا يمنحهم جيرانًا طيبين. من مصلحة إسرائيل أن تكون فلسطين دولة مزدهرة، وهذا لا يتحقق إلا إذا كانت دولة حقيقية، لا مجرد تجمعات سكنية مسيّجة.

على الفلسطينيين أيضًا أن يكونوا كرماء. ما يمكنهم منحه لإسرائيل ليس جبلًا صخريًا آخر أو شجرة زيتون أخرى، بل شيئًا أثمن بكثير – الشرعية. يعيش الإسرائيليون في خوف دائم من الفناء، وهذا الخوف مبرر. فبينما يميل ميزان القوى حاليًا لصالح إسرائيل، لا يزال العالمان العربي والإسلامي أكبر منا بكثير، والمستقبل سيحمل حتمًا تحولات في ميزان القوى، ربما على حسابنا. إذا اعترف الفلسطينيون بحق إسرائيل في الوجود بصدق وإخلاص، فسيُسهّل ذلك على العرب والمسلمين الآخرين الاعتراف بهذا الحق أيضًا. حينها فقط سيتمكن الإسرائيليون من تنفس الصعداء، وهذا سيسمح للفلسطينيين بالتمتع بالسلام أخيرًا.

على كلا الجانبين إظهار الكرم، لأن هذا هو السبيل الوحيد لتحقيق السلام قبل فوات الأوان. لطالما أحب المتعصبون الحديث عن الأبدية، ويعتقدون أن لديهم كل الوقت في العالم. لكن الأبدية وهم، والوقت ينفد منا جميعًا. قبل ملايين السنين لم يكن هناك فلسطينيون ولا إسرائيليون، ولا أي بشر. في القرن الحادي والعشرين، أصبح مستقبل جميع البشر في خطر بسبب التقنيات الجديدة التي نطورها – مثل الجيل القادم من الأسلحة النووية، وأسراب الطائرات بدون طيار التي تعمل بالذكاء الاصطناعي، وجيوش كاملة من الروبوتات ذاتية التحكم. ستكون هذه أسلحة الحرب القادمة. إذا لم نتمكن من جعل الناس يثقون ببعضهم البعض، فلن يكون لأحد مستقبل في الأرض الواقعة بين البحر ونهر الأردن، أو في أي مكان آخر في العالم. لعقود، ردد أولئك الذين أرادوا حل الصراع الإسرائيلي الفلسطيني شعار “دولتان لشعبين” كشعار مقدس. وإذا فشل كلا الشعبين في أن يكونا أكثر كرماً، فسوف يصبح الحل لصراعنا المحلي قريباً ــ مثل العديد من الصراعات الأخرى ــ هو “صفر دولة لصفر شعوب”.

-------------------------------------------

 

هآرتس 16/11/2025

 

 

ترامب يليّن رسائله للفلسطينيين كي يسرع خططه في القطاع

 

 

بقلم: ليزا روزوفسكي

 

مجلس الامن من شانه ان يصوت مساء الغد (ليلة الاثنين – الثلاثاء) على مشروع القرار الأمريكي بشان قطاع غزة. في مركزه يقف منح شرعية رسمية لتشكيل قوة الاستقرار الدولية التي ستعمل في القطاع. الاقتراح الذي عرض على أعضاء مجلس الامن قبل أسبوعين تقريبا تم تحديثه من قبل الأمريكيين منذ ذلك الحين مرتين. التغييرات استهدفت تلبية جزء من الطلبات التي طرحها الشركاء المركزيون لواشنطن في اتفاق غزة. بعضها مثل مصر، قطر وتركيا، الموقعة على اعلان شرم الشيخ – هي ضامنة رسمية لوقف اطلاق النار. البعض الاخر مثل اتحاد الامارات والسعودية وحتى اندونيسيا يمكن ان تلعب دور مهم في نجاح العملية.

منذ بداية وقف اطلاق النار تعمل الولايات المتحدة امام هذه الدول من اجل تشكيل قوة الاستقرار التي من شانها ان تدخل الى غزة كضمانة كي لا تتجدد الحرب. دور القوة، في الواقع وجودها في المنطقة، سيكون من اجل تقييد إسرائيل وحماس أيضا والتصعيب. حسب الاقتراح المطروح فانه سيلقى على هذه القوة خمس مهمات رئيسية: المساعدة في حماية الحدود، ضمان تجريد غزة من السلاح بواسطة تدمير البنى التحتية الإرهابية واخراج سلاح المنظمات المسلحة من مجال الاستخدام، حماية المواطنين والعمليات الإنسانية، تدريب قوات شرطية فلسطينية ودعمها، وتنسيق وحماية الممرات الإنسانية.

 

على الأقل ثلاثة من البنود في الاقتراح تلقي على قوة الاستقرار مهمة كبح إسرائيل. بكلمات أخرى، سيتعين على هذه القوة ان تلعب الدور الذي تلعبه الان الولايات المتحدة. من اجل ان تستطيع حماية حدود القطاع مطلوب استعداد إسرائيلي للانسحاب اليها. ومن اجل تنسيق الممرات الإنسانية والدفاع عن المدنيين والعمليات الإنسانية سيكون على القوة التأكد (امام إسرائيل) من ان البضائع والأشخاص يمكنهم التحرك بامان في داخل القطاع واليه.

البند الذي يلقي على القوة مواجهة حماس ونزع سلاحها هو بند ضبابي ويتوقع ان يثير عدد غير قليل من الأسئلة، على رأسها هل معالجة هذه القضية يمكن ان تتم بالاتفاق، بأسلوب “إخراجها من مجال الاستخدام”، على يد التنظيم السري الايرلندي في بداية سنوات الالفين؟. هذه الاحتمالية تبدو تقريبا خيالية في الشرق الأوسط، ولكن من جهة أخرى، هذا كما يبدو الخيار الوحيد: لا توجد أي دولة عربية أو إسلامية ستوافق على المشاركة في نزع سلاح حماس بالقوة.

من اجل ان يكون بالإمكان البدء في الإجابة على هذه الأسئلة فان الولايات المتحدة يجب عليها التغلب على العقبة الرئيسية في طريق تشكيل قوة الاستقرار: تمرير القرار في مجلس الامن. هذا الأسبوع وضعت روسيا عائق اخر في الطريق عندما قدمت للمجلس اقتراح خاص بها. الاقتراح الروسي ذكر بشكل عرضي قوة الاستقرار والقى مهمة تشكيلها على الأمين العام للأمم المتحدة. وهكذا فان القوة ستصبح مرتبطة تماما بالأمم المتحدة، وطبقا لذلك لم يكن هذا الاقتراح مقبول على أمريكا، وبالاساس على إسرائيل. المصادر التي تحدثت مع “هآرتس” قالت انه بدلا من التلميح بخصوص خطة من اجل تقرير مصير فلسطيني، التي تحرص الولايات المتحدة عليها من اجل إرضاء إسرائيل نتنياهو، فان الاقتراح الروسي ملتزم بحل الدولتين، وهو مليء بالصياغات الإضافية المصممة “لاستعراض العضلات” امام الولايات المتحدة.

اول امس نشرت الولايات المتحدة بيان تاييد مشترك للاقتراح الى جانب عدة دول إسلامية، من اجل التوضيح لروسيا وأعضاء اخرين في مجلس الامن بان الشرق الأوسط يقف خلفها. لقد وقع على  البيان الشركاء الرئيسيين في عملية الرئيس ترامب في غزة: قطر، مصر، اتحاد الامارات، السعودية، اندونيسيا، باكستان، الأردن وتركيا. الى جانب تاييد الاقتراح يتضمن البيان مقولة هامة أخرى: الدول الموقعة تعرب عن ثقتها بان العملية الامريكية “تطرح خطة لتقرير المصير ولدولة فلسطينية”، وتمنح خطة دائمة للسلام والاستقرار في كل المنطقة.

يصعب تجاهل تزامن هذا البيان والتصويت عليه في الأمم المتحدة مع الزيارة التاريخية لولي عهد السعودية محمد بن سلمان في واشنطن. ابن سلمان يتوقع ان يلتقي مع ترامب في اليوم التالي للتصويت، حيث في الخلفية هناك رغبة السعودية في ضمان تحقيق حلف دفاع مع الولايات المتحدة وتطلعها لشراء من الأمريكيين طائرات اف35، التي في هذه الاثناء يوجد لإسرائيل ملكية حصرية عليها في الشرق الأوسط. من الجهة الأخرى، هناك رغبة ترامب في ان يضم السعودية الى اتفاقات إبراهيم. في محادثة مع مراسلين في نهاية الأسبوع ذكر الرئيس بانه يفحص طلب السعودية، وعبر عن امله في انضمام السعودية للاتفاقات “في القريب”.

ربما انه من ناحية الولايات المتحدة، فان البيان المشترك اكثر من كونه عملية موجهة لروسيا هو يعتبر بادرة حسن نية لتخفيف حدة المواقف من الدول العربية نفسها – على رأسها ولي عهد السعودية وقيادة اتحاد الامارات. في بداية الأسبوع وصف المستشار الدبلوماسي لرئيس الامارات أنور قرقاش خطة ترامب لانها “غير مكتملة ولكنها مهمة”. وأضاف قرقاش الذي على الاغلب ما يكون الصوت العلني الأبرز في الامارات، ان بلاده “لا يتوقع ان تشارك في قوة الاستقرار” في ظل الظروف الحالية لانها لا ترى اطار واضح لنشاطاتها. ورغم ان مصادر سبق ان ذكرت بان الامارات لا تنوي نشر قوات عسكرية في غزة، فمن الواضح ان لديها خيارات واسعة ودور حاسم في الدعم اللوجستي والاقتصادي للقوة.

وقد صرحت مسؤولة بارزة في وزارة الخارجية السعودية، منال رضوان، في وقت سابق في هذا الشهر خلال مؤتمر عقد في البحرين بان “انسحاب إسرائيلي واضح ومحدد بجدول زمني من غزة هو الخطوة التي يتوقع السعوديون رؤيتها في خطة يفترض ان تؤدي الى قيام دولة فلسطينية. والرياض تتوقع أيضا خطوات لتوحيد الضفة الغربية وغزة تحت سيطرة السلطة الفلسطينية”. المحلل البحريني عبد الله الجنيد قال لـ “هآرتس” بانه مهما رغب اللوبي الإسرائيلي وبعض الجهات في إدارة ترامب في رؤية التطبيع، فان “هذا التطبيع بين السعودية وإسرائيل غير مطروح على الطاولة ولن يحدث”.

لكن يبدو ان ترامب وادارته يواصلون التطلع الى الاقتراب من هذا الهدف، حتى لو لم يكن بالإمكان الوصول اليه بشكل فوري. ان إشارات النقد وخيبة الامل والإحباط الصادرة من الامارات الى جانب رفع سقف التوقعات من السعوديين، تدفع الأمريكيين الى صياغة بياناتهم وقراراتهم بسخاء اكبر تجاه الفلسطينيين وتشجعهم على تسريع الخطوات من اجل انشاء قوة الاستقرار.

العائق الأكبر الذي يقف الان في الطريق امام الانتقال الى المرحلة الثانية في خطة غزة والى انطلاقة سياسية مهما كانت، هو رئيس حكومة إسرائيل بنيامين نتنياهو. الشركاء العرب للولايات المتحدة يعتبرونه شخص لن يسمح بأي تقدم نحو الدولة الفلسطينية. في نفس الوقت نتنياهو يشير بصراحة الى انه سيفشل أيضا الانتقال الى المرحلة الثانية: حل ازمة مسلحي حماس العالقين شرق الخط الأصفر في رفح لا يلوح في الأفق. هذا رغم انه حسب بعض المصادر فان هناك وعود أمريكية أرسلت بهذا الشأن لحماس مقابل إعادة جثة هدار غولدن. “المستوى السياسي” يصمم أيضا على عدم فتح معبر رفح، حسب مصدر امني تحدث مع “هآرتس” في هذا الأسبوع، رغم ان فتح المعبر الوحيد غير الخاضع لسيطرة إسرائيل كان مدرج في المرحلة الأولى في الاتفاق.

في هذه الاثناء تجري في مركز التنسيق العسكري – المدني في كريات غات مفاوضات يومية بين الولايات المتحدة وإسرائيل بشان كمية المساعدات الإنسانية التي تدخل الى القطاع، والسلع والمواد المسموح دخولها. وحسب دبلوماسي تحدث مع “هآرتس” فانه تجرى هذه المفاوضات بشكل ودي بين شريكين، وتنتهي بتسويات. ولكن هذا الوضع الغريب لا يمكن ان يستمر طويلا، بينما تتارجح جميع الأطراف على شفا الهاوية في غزة، بدون افق يمكن التوجه نحوه معا.

------------------------------------------

 

يديعوت احرونوت: 16/11/2025

 

 

تسونامي امريكي في غزة

 

 

بقلم: د. ميخائيل ميلشتاين

 

بعد أكثر من شهر من التوقيع على اتفاق انهاء الحرب في القطاع (9 أكتوبر) يتضح الماضي، الحاضر والمستقبل. أولا، ينكشف بشكل ثاقب الجواب على سؤال كيف وصلت إسرائيل الى نهاية القتال. إعلانات كبار رجالات الإدارة الامريكية، وعلى رأسهم الرئيس ترامب والمقابلات الصحفية معهم لا تدع مجالا للشك: إسرائيل أجبرت على انهاء القتال في اعقاب الهجوم الفاشل في قطر الذي اثار في واشنطن اشتباها جسيما بشأن خروج استراتيجي عن التوازن. فالحرب لم تنتهي لان الضغط العسكري نجح بل لان ترامب قرر بان حربا بلا حدود زمنية وتخطيط تلحق ضررا بإسرائيل لكن بواشنطن أيضا.

منذ 9 أكتوبر يتبين أيضا ما هو الواقع الجديد في القطاع. فمن خلف التباهي الإسرائيلي بانه لم يكن انسحاب من كل القطاع، تختبيء حقيقة أن الجهة التي تملي اليوم التالي في المنطقة هي الامريكيون، وهؤلاء يصادرون من إسرائيل بالتدريج الحصرية على مجالات الفعل المختلفة. القيادة التي أقيمت في كريات جات يفترض أن تكون القدم المتقدمة في تدخل غير مسبوق من واشنطن في النزاع، وحسب تقارير مختلفة ستضاف اليها قاعدة كبرى في حدود القطاع.     لقد ثبتت الهيمنة الامريكية في غزة بضع مرات: موافقة ترامب على قبول جواب حماس على خطة العشرين نقطة خاصته رغم أنه لم يتضمن استعدادا لنزع السلاح؛ المطالبة بمواصلة المسيرة رغم خروقات فظة من جانب حماس (أساسا الحوادث التي سقط فيها ثلاثة جنود إسرائيليون في منطقة رفح والتأخير في إعادة جثامين المخطوفين)؛ المطالبة بالاذن لكل خطوة مدنية لكن أيضا عسكرية في غزة.

في إسرائيل لا يزال مقررو السياسة يعلنون بانه يمكن في كل لحظة معينة العودة الى القتال، احتلال أراض من القطاع بل وكله، وفي النهاية إبادة حماس. في هذا تنعكس فجوة آخذة في التعمق مقابل موقف الأمريكيين من غزة. فضلا عن ذلك، يبدو ان كل خطوة يدفع بها الامريكيون قدما تستهدف تثبيت واقع جديد على الأرض بشكل يقيد حرية عمل إسرائيل ويصعب عليها جدا العودة الى القطاع.

ذرى جديدة في التسونامي الأمريكي ستكون في الأسبوع القريب القادم حين يؤتى للتصويت في مجلس الامن بخطة ترامب لليوم التالي في غزة وفي مركزها نشر قوات اجنبية في المنطقة. إقرار المقترح ليس مضمونا (في ضوء تحفظ روسيا والصين)، لكن يبدو ان المسودات المطروحة منذ الان تكشف تحديات مركبة: ادماج رجال السلطة الفلسطينية في إدارة غزة والاشارة الى إمكانية إقامة دولة فلسطينية.

قضية المخربين العالقين في الانفاق في رفح تعكس هي الأخرى الفجوة المتسعة بين القدس وواشنطن. في إسرائيل تتصاعد أصوات كثيرة – أساسا من جانب سياسيين ومحللين – ممن يطالبون بابادة او على الأقل اعتقال مخربين، بخلاف الولايات المتحدة التي تطالب بان يضعوا سلاحهم ويتمكنوا من العودة الى الأراضي التي تحت سيطرة حماس او يتم نفيهم الى الخارج ما يعبر بالطبع عن الرفض لضعضعة وقف النار.

بقدر ما تصر إسرائيل على التمسك بخيالات ضارة مثلما في نصف السنة منذ 18 اذار وحتى نهاية الحرب، فانها ستفقد حضورها، واساسا قدرتها على فرض الفيتو في مواضيع هامة: حكومة مستقبلية في القطاع مع شخصيات ترتبط بحماس او قوات دولية على حدود إسرائيل من دول معادية (وعلى رأسها تركيا).

ان تطلع ترامب للتقدم في حفظ الاتفاق من شأنه أن يدفع واشنطن لقبول حلول وسط، حتى وان كانت على حساب إسرائيل – مثلا الموافقة على أن ينزع السلاح الهجومي من حماس، دون ان يكون مطلوبا الإعلان عن نزع كامل للسلاح. في ضوء التقرب من استكمال المرحلة الأولى من الاتفاق قد يتزايد الضغط الأمريكي على إسرائيل لتعميق الانسحاب من الخط الأصفر.

تقف إسرائيل في مفترق استراتيجي وعليها أن تعترف بانها تقف في هذه اللحظة امام امكانيتين فقط: الصدام مع ترامب ووضع خطوط حمراء امامه (سيناريو قابل للتنفيذ – لكن سيجبي ثمنا باهظا) او الاعتراف بالواقع المتغير ومحاولة الحفاظ على حرية عمل قصوى (أساسا الحق في الضرب المتواصل للتهديدات الناشئة، مثلما في لبنان)، وكذا حق الفيتو في ضوء قرارات تكون في تضارب حاد مع المصالح الإسرائيلية. في المستقبل الابعد يحتمل أن تطرح مرة أخرى إمكانية العودة الى القتال – اذا ما رفع ترامب يديه في ضوء إصرار حماس فيقر ذلك لإسرائيل.

يتيح انهاء القتال المكثف في غزة لإسرائيل نظرة استراتيجية واضحة على ساحات مواجهة أخرى. هكذا تتجلى حقيقة أنه رغم الإنجازات المبهرة في لبنان وايران – فان العمل لم يكتمل، ويستوجب جهدا إضافيا لتعميق الضربة التي لحقت بالعدو. تركيز الاهتمام في غزة والتمسك بالعودة الى قتال واسع هناك يضعفان القدرة على الاهتمام بساحات اهم، وليس اقل أهمية – بالشرعية الدولية وبخاصة الامريكية.

-------------------------------------------

 

 

يديعوت احرونوت 16/11/2025

 

 

تنازل نتنياهو في صفقة F15 الضخمة مع السعودية

 

 

بقلم: رونين بيرغمان

 

هل رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو مستعد لتقديم تنازل حاسم قد يُعرّض أمن دولة إسرائيل للخطر، مقابل عدم الاعتراف بحل الدولتين؟ يتضح ذلك من التصريحات المقلقة للغاية لمسؤولي الأمن بشأن الاتفاقية التي يجري تشكيلها بين السعودية والولايات المتحدة في الأيام الأخيرة.

أعرب مسؤولون أمنيون عن مخاوف جدية في الأسابيع الأخيرة في ضوء الأنباء الواردة إلى إسرائيل حول استعداد الولايات المتحدة لبيع عدد كبير جدًا من طائرات F35 الشبحية للسعودية. في اجتماع عُقد مؤخرًا حول هذا الموضوع، اتفق عدد من كبار المسؤولين المعنيين بالأمر على أن هذا يُشكل “خطرًا واضحًا ومباشرًا على التفوق النوعي لسلاح الجو”، وأنه لو كان الأمر يعتمد عليهم، لكان على إسرائيل معارضة هذه الصفقة بأي شكل من الأشكال.

ووفقًا لمصادر قانونية اطلعت على القضية في المؤسسة الأمنية، من المحتمل جدًا أن يُشكل بيع الأسلحة للسعودية انتهاكًا لمجموعة القوانين الأمريكية المصممة لضمان الحفاظ على “التفوق العسكري النوعي” لإسرائيل، والتي تُلزم الولايات المتحدة بالتشاور مع إسرائيل وضمان حصولها في الوقت نفسه على قدرات أخرى (أو نسخ مُحسّنة من قدراتها الخاصة) – تُحافظ على الفجوة التكنولوجية لصالحها.

لكن وفقًا لمعلومات وصلت إلى المؤسسة الدفاعية، ستكون الحكومة الإسرائيلية مستعدة للتخلي عن معارضتها – مقابل تنازلات سعودية بشأن القضية الفلسطينية، التي كانت العقبة التي أعاقت حتى الآن الاتفاق وإمكانية إقامة علاقات دبلوماسية بين البلدين. ووفقًا لأحد المصادر، فإن نتنياهو “مستعد الآن للتنازل عن جزء كبير من التفوق النوعي لسلاح الجو، شريطة أن يتمكن من تحقيق التطبيع دون التطرق إلى حل الدولتين لشعبين”. وقال مصدر عسكري رفيع المستوى: “لا يُمكن وصف هذا إلا بأنه ضربة موجعة للجيش الإسرائيلي، حيث تُبدي الحكومة استعدادها للتخلي عن كل شيء، كما كانت مستعدة للتخلي عن أوراق بالغة الأهمية في مفاوضات الرهائن، والأهم هو عدم إشراك السلطة الفلسطينية. نحن مستعدون للتخلي عن أمن الدولة، والأهم هو عدم إغراق القاعدة بوعود إقامة دولة فلسطينية”.

ووفقًا لمسؤولين كبيرين، أحدهما في وزارة الدفاع والآخر في الجيش الإسرائيلي، بدأت التقارير الأولية بالوصول قبل نحو شهرين – من خلال محادثات مع مسؤولين أمريكيين وحتى من رجال أعمال مطلعين على ما يحدث في السعودية – تُفيد بأن الرئيس دونالد ترامب على وشك الموافقة على صفقة ضخمة، يقول البعض إنها أكبر صفقة أسلحة في التاريخ، بين واشنطن والرياض. كما تتضمن الصفقة جزءًا هامًا من طائرات F35 الأكثر تطورًا وتحديثًا.

 

 

 خريطة الاهتمامات: “خطة نتنياهو للانتخابات القادمة”

 

أُثيرت هذه القضية في عدة اجتماعات عُقدت في سلاح الجو وقيادة الجيش الإسرائيلي. ووزارة الدفاع – وأعرب هؤلاء عن قلقهم البالغ إزاء توريد الأسلحة، مما قد يُعرّض حرية طيران سلاح الجو الإسرائيلي في جميع أنحاء الشرق الأوسط للخطر إذا وقعت المملكة وسلاحها الجوي في أيدي عناصر متطرفة. وقال أحد المصادر: “إن وجود طائرة F35 في أيدي دولة قريبة كالسعودية لا يضر بقدرة سلاح الجو الإسرائيلي على العمل في ساحات بعيدة كاليمن أو إيران فحسب، بل يضر أيضًا بقدرة سلاح الجو الإسرائيلي على حماية أجواء البلاد”.

حتى الآن، لم تتوصل إسرائيل والسعودية إلى اتفاق بشأن التطبيع بينهما، على الرغم من الجهود الكبيرة التي بذلتها إدارتا بايدن وترامب، والرغبة القوية للدول الثلاث في التوصل إلى اتفاق. الولايات المتحدة معنية بصفقة الأسلحة، التي ستساعدها أيضًا في تمويل مشروع F35، الذي أصبح أغلى مشروع أسلحة وأكثرها إثارة للجدل في التاريخ؛ بينما تهتم السعودية باتفاق دفاع مع الولايات المتحدة، والموافقة على عقود لمشروع نووي مدني، وهي مسألة أخرى يُبدي نتنياهو استعداده للتخلي عنها؛ وفي إسرائيل معنيون بالتطبيع مع السعودية، وهو إنجازٌ بالغ الأهمية لنتنياهو، “وربما الطائرة التي يمكنه ركوبها في طريقه إلى الانتخابات المقبلة”، كما قال أحد المصادر.

لكن هذا لم يحدث حتى الآن، لأن إسرائيل لم توافق على أي تنازل في القضية الفلسطينية. لم توافق إسرائيل حتى على المطالب السعودية بإحراز تقدم ملموس، دون التزام واضح بجدول زمني لإقامة دولة فلسطينية، حيث تم تجاوز هذا الحد بعد 7 أكتوبر. منذ هجوم حماس والحرب على غزة، زادت السعودية من مطالبها بالتزام إسرائيلي كامل بحل الدولتين لشعبين، وفق جدول زمني معروف ومحدد مسبقًا.

والآن، يحاول الرئيس ترامب إبرام صفقة تمنح كل طرف ما يريده بشدة – السعوديون اتفاق الدفاع وقاذفات الشبح الخاصة، وإسرائيل التطبيع دون أي شروط مسبقة.

نتنياهو يُبقي أوراقه طي الكتمان، ولا يُطلع المؤسسة الأمنية على ما تم الاتفاق عليه، ولكن بحسب المعلومات المتوفرة حاليًا في الجيش الإسرائيلي ووزارة الدفاع، من المقرر أن يوافق نتنياهو على بيع 50 طائرة من طراز F35 من أحدث طراز، وربما يصل عددها إلى 100 طائرة (بِيعَت لإسرائيل 75 طائرة، سُلِّم منها حوالي 50 طائرة) مقابل تخلي السعودية عن الالتزام الإسرائيلي بحل الدولتين لشعبين. إضافةً إلى ذلك، وفي مقابل تجاهل إسرائيل لتحذيرات سلاح الجو، يطالب نتنياهو السعودية بالالتزام بالتنسيق مع إسرائيل بشأن قضية غزة، وبتنازل السعودية عن مطالبها المتعلقة باليوم التالي في غزة، “بألا تُطالب السعودية بما لا نريده”.

 

 

 

 “التأميم الأمريكي” للأمن القومي الإسرائيلي

 

صرّح أحد المسؤولين الرفيعين الليلة الماضية: “على عكس الإحاطات الصادرة عن مكتب رئيس الوزراء، والتي تُحاول تبييض هذه الصفقة، فإن الخطر لا يكمن في التطبيع. حتى لو لم يكن هناك تطبيع، فلا يوجد خطر كبير من أن يُعلن النظام السعودي الحالي الحرب على إسرائيل. ولكن ماذا سيحدث إذا دخل نظام آخر إلى هناك؟!”

وأضاف: “هذه الحادثة ليست حادثة منفردة، بل هي تعبير آخر عن التأميم الأمريكي للأمن القومي الإسرائيلي. نحن في أيديهم تمامًا، في أيديهم، في إرادتهم، سواء أردنا أم لا، وسواء قاتلنا أم لا. وبالتالي، في جوهر الأمر، ليس لنتنياهو أي رأي في صفقات الأسلحة حتى لو ألحقت بنا ضررًا مباشرًا – لكن الأهم هو وجود رسالة من ترامب يطلب فيها العفو”.

-------------------------------------------

 

معاريف 16/11/2025

 

 

تأهب في إسرائيل قبيل قمة ترامب – ابن سلمان

 

 

بقلم: افي اشكنازي

 

يوم الثلاثاء العظيم يقترب بخطى واسعة. فالرئيس الأمريكي دونالد ترامب سيستضيف في البيت الأبيض محمد بن سلمان بن عبد العزيز آل سعود، ولي العهد السعودي. على جدول الاعمال، صفقات شراء كبرى تتضمن بناء مفاعلات نووية مدنية، مشاريع طاقة خضراء، شراء سربين من طائرات F35 و F15EX – طائرة القصف المتطورة في العالم، شراء منظومات دفاع مضادة للصواريخ وغيرها.

بالتوازي على جدول الاعمال المطلب الأمريكي لاعادة تصميم شكل الشرق الأوسط، في ظل دفع السعودية للتوقيع على اتفاقات إبراهيم. وذلك كجزء من خلق جبهة سُنية معتدلة في الشرق الأوسط تتضمن السعودية على رأسها، دول الخليج، الأردن، مصر وربما سوريا أيضا – لتجري تطبيعا مع إسرائيل.

المرة الأخيرة التي كاد هذا يتجسد فيها كانت في صيف 2023. في حينه كانت إسرائيل ضعيفة، تخشى حزب الله ومردوعة من حماس في غزة. هكذا روى في نهاية الأسبوع رئيس لجنة الخارجية والامن النائب السابق تسفي هاوزر. بالتوازي، واصلت ايران السباق نحو النووي وبناء مشروع الإبادة لدولة إسرائيل، مع جيش من الوكلاء ومنظومة من الصواريخ الباليستية.

حماس عملت في 7 أكتوبر ضمن أمور أخرى كي تمنع المسيرة، على أمل توحيد الساحات – حزب الله، الفلسطينيين في الضفة، الحوثيين في اليمن، الميليشيات في العراق، ايران بل وعرب إسرائيل. كيف انتهى هذا – الكل يعرف.

في المستوى الاستراتيجي، في اطار اتفاقات إبراهيم تفقد إسرائيل تفوقها النوعي. سباق التسلح في الشرق الأوسط الذي يضم تركيا والسعودية ينبغي أن يقلق الجميع في إسرائيل. في المستوى التكتيكي على الجيش الإسرائيلي أن يكون متحفزا جدا في الأيام القريبة القادمة. فلدى قدر كبير جدا من المحافل في المنطقة مصلحة في منع تقرب إسرائيل من المحور السني المعتدل.

حماس، حزب الله ومنظمات أخرى، من شأنها أن تجر إسرائيل الى قتال يؤدي الى وقف المسيرة. في الفرقة 91 على الحدود اللبنانية مثلما أيضا في فرقة البشان في الجولان وفي فرقة جلعاد وفرقة المناطق في الشرق – “الضفة” – فان الجيش الإسرائيلي مطالب بان يكون يقظا، متحفزا وجاهزا لكل سيناريو في كل ساعة من النهار والليل.

اللقاء يوم الثلاثاء في البيت الأبيض كفيل بان يغير الواقع في الشرق الأوسط. السؤال هو كيف تستمد منه إسرائيل افضل ما يكون، اذا ما استمدت شيئا على الاطلاق.

-------------------------------------------

 

إسرائيل اليوم 16/11/2025

 

 

جهاديون في البيت الابيض

 

 

بقلم: ايال زيسر

 

كيف أصبح احمد الشرع الشاب جهاديا؟ حسب شهادته أدى به اندلاع الانتفاضة الثانية في بداية سنوات الالفين لان يتبنى مذهبا فكريا إسلاميا متطرفا، فينتقل من سوريا الى العراق وينضم الى صفوف القاعدة وداعش كي يقاتل القوات الامريكية التي احتلت تلك الدولة. هؤلاء القوا القبض عليه فقضى بضع سنوات في السجون الامريكية الى ان تحرر. عندما عاد الى سوريا في العام 2012 بعد أن نشبت فيها الحرب الاهلية، اقام تنظيم جبهة النصرة كفرع سوري لتنظيم داعش. لكن في السنوات التي تلت ذلك بدأ يلطف حدة تصريحاته، فك ارتباطه عن داعش وعن القاعدة بل واعلن بان الولايات المتحدة ليست عدوا وان رجاله لن يمسوا باهداف أمريكية. رجاله الذين سيطروا في حينه على هضبة الجولان السورية حرصوا على الحفاظ على الهدوء على طول الحدود مع إسرائيل. هذه الاقوال لم تترك اثرها على الأمريكيين. فقد عرّفوا تنظيم الشرع/الجولاني كتنظيم إرهابي، قرروا جائزة مالية بمقدار 10 ملايين دولار على رأسه وبعثوا بطائرات وقوات خاصة للمس به وبرجاله.

غير أنه منذئذ تدفقت مياه كثيرة في النهر في واشنطن وفي الأسبوع الماضي استقبل الشرع كضيف شرف في البيت الأبيض فيما ان الجميع، وبخاصة الرئيس ترامب، رغبوا في تكريمه.

دفاعا عن نفسه يشرح الشرع بان ماضيه الجهادي في صفوف القاعدة وداعش كان مثابة طيش شباب لشاب في العشرينيات من عمره، وانه منذئذ نضج وغير طريقه واراءه. في الولايات المتحدة يعزون في صالحه أيضا حقيقة أنه منذ استولى على الحكم في سوريا كاد لا يرتكب أخطاء، وهو يحرص على أن يقول ويفعل الأمور الصحيحة من ناحية الأمريكيين. حيال إسرائيل أيضا يبقي على موقف في الظل، ويكرر المرة تلو الأخرى رغبته في الوصول معها الى اتفاق امني يضمن الهدوء على الحدود التي بين الدولتين.

ومع ذلك يدور الحديث عن جهاد تنغرس جذوره في القاعدة وفي داعش. وفي الوقت الذي يطلق فيه ابتسامات للغرب ولاسرائيل يحول سوريا الى دولة إسلامية متزمتة ومضطهدة – وغير مرة ذابحة أيضا – لابناء طوائف الأقليات، العلويين والدروز بل وحتى المسيحيين، دولة تسعى لان تفرض نمط حياة إسلامي ديني على الأغلبية العلمانية (بتعابير شرق أوسطية) التي تعيش فيها.

لكن للرئيس ترامب لا يحرك كل هذا ساكنا، فقد اتخذ القرار بان الشرع هو رجله في سوريا. ودفاعا عن موقف ترامب يمكن أن نقول ان سوريا لا تهمه حقا، ومذكور تصريحه من العقد الماضي بان سوريا هي “رمال وموت” وسكانها غارقون في نزاعات قبلية. وعليه فقد شرح في حينه ترامب بان ادارته ليس لها أي نية للتدخل في ما يجري في هذه الدولة.

وفضلا عن ذلك، مرت الأيام التي كان فيها قمع الأقليات او حريات الانسان تقلق احد ما في واشنطن. يبدو أيضا انه مرت الأيام التي درج فيها الامريكيون على أن يتشاوروا مع إسرائيل ويسألوا رأيها وينسقوا معها الخطوات في المنطقة. اما اليوم ففي البيت الأبيض لم يعودوا يحصون إسرائيل. ومن أصبحا حبيبي ترامب هما صديقاه المقربان الرئيس التركي اردوغان، الدكتاتور المؤيد والمتحمس حماس والى جانبه أمير قطر، زعيم متنور آخر لدولة تنشر التطرف والإرهاب، وهذان الاثنان تبنيا كما هو معروف الشرع الى حضنهما، والان يسير في اعقابهما الرئيس الأمريكي أيضا.

وفي هذه الاثناء يسوق الشرع نفسه لترامب كمن سيعمل على انهاء الحرب الدامية في سوريا، يقاتل إرهاب داعش، يخدم بولاء المصالح الامريكية وحتى يوقع على اتفاق مع إسرائيل.

رغم التخوف المفهوم في إسرائيل ما بعد 7 أكتوبر، لا يشكل الشرع تهديدا اليوم وبالتأكيد ليس تهديدا فوريا ومباشرا علينا، إذ انه يقف في رأس دولة خربة بلا جيش ويواصل رؤية حزب الله وايران العدو المكروه والتهديد المركزي الذي يقف امامه.

يمنح هذا الامر إسرائيل مجال مناورة تجاه الشرع، لكن لهذا الغرض حكومة إسرائيل مطالبة بان تبلور سياسة في المسألة السورية، الامر الذي لم تفعله حتى اليوم. وبغياب سياسة إسرائيلية، فان ترامب هو من يقرر عنا – في الشهر الماضي بالنسبة لغزة والان بالنسبة لسوريا أيضا.

-------------------------------------------

 

 

 

هآرتس 16/11/2025

 

 

عنف المستوطنين هو روتين يحظى بدعم أيديولوجي من جمهوره وممثليه في الكنيست

 

 

بقلم: ايريس ليعال

 

بالنسبة للمستوطنين فان كل يوم هو “ليلة البلور”، ومسموح أيضا اجراء المقارنة. لفترة طويلة جدا قللوا من شان التهديد أو قاموا بتجميله. لقد كانوا بالنسبة لنا حفنة من المتطرفين، شبان بحاجة الى مساعدة اجتماعية، اشخاص ضالين. ولكن يشعياهو لايفوفيتش اطلق عليهم اسم، وقد حان الوقت لاستخدامه في كل مرة نتعامل فيها معهم: يهود نازيون. قبل أسبوع قاموا باقتلاع عيون الأغنام الحية، وفي هذا الأسبوع ارسلوا اغنامهم للرعي في مقبرة في أم الخير كل يوم. الأغنام التي تتغذى على الزهور والنبابات في المقبرة لا تعرف ان تدنيس القبول هو أداة فاشية لنزع الإنسانية والإرهاب السياسي والعنصرية. ولكن في الجيش والشرطة يعرفون دوافع هذا العمل الفظيع. يعرفون أسماء المستوطنين، لكن بدلا من اعتقالهم يراقبون من بعيد في افضل الحالات.

خلافا لما يتم تصويره فان عنف المستوطنين ليس مجرد سلسلة احداث استثنائية، بل هو روتين مماسس، ويحظى بدعم أيديولوجي من جمهوره، ممثليه في الكنيست وسلطته الدينية. كما يتم تنسيقه مع الجيش والشرطة. والدليل على ذلك ان الجيش اعلن في يوم الجمعة بان قرية بورين هي منطقة عسكرية مغلقة. وفي تناقض تام مع قرار ينص على ان واجبه هو حماية الفلسطينيين والسماح لهم بفلاحة أراضيهم وقطف الزيتون، فقد منعهم من دخول أراضيهم واعترض حافلات تحمل مئات النشطاء الذين جاءوا لمساعدتهم في قطف الزيتون.

انقلاب الوضع هذا، حيث يحظى من يخالفون القانون بحماية الدولة، ويتم تجريد الضحية من انسانيتها، هو صفة نموذجية للأنظمة التي يطبق فيها القانون بشكل مختلف على فئات مختلفة، حتى داخل حدود سيادتها.

كل الفضاء الإسرائيلي، ليس فقط في الضفة الغربية، مشبع بالعنف القومي، الفاشي واليميني. لقد استبدلت السياسة الحقيقية بالتجمعات والفعاليات العلنية التي تغذيها الكراهية والخوف ونظرية المؤامرة وتحديد ووصم أعداء الشعب. في يوم الأربعاء الماضي عمت الفاشية في جامعة بن غوريون. فقد اقتحم الموغ كوهين، نائب الوزير من حزب “قوة يهودية”، قاعة محاضرات كان يعلم فيها سبستيان بن دانييل، الذي كان يكتب في الشبكات الاجتماعية تحت اسم مستعار هو جون براون، انتقاد ضروري لافعال الجيش وتم تفجير المحاضرة. لقد عملت الذاكرة التاريخية على اكمل وجه، ففي كثير من قاعات المحاضرات في الجامعات كتب على اللوح “لن يمروا”، وهي شعارات القوات التي قاتلت فاشيي فرانكو في اسبانيا. ولكن للأسف، هؤلاء الطلاب هم اقلية.

مراسل القناة 14 لم يفهم كيف يمكن ان رئيس جامعة تل ابيب يدين الدخول الفظ لكوهين الى الصف، في حين انه يسمح باحتجاج الطلاب ضد سمحا روتمان. كل شاب درس عدة دروس في المدنيات يعرف انه عندما يقتحم نائب وزير قاعة محاضرات الذي مواقفه لا تروق له، فانه يمارس ممارسة فاشية، بينما احتجاج الطلاب ضد عضو في الكنيست هو عمل ديمقراطي. ولكن عندما نفحص تدهور البلاد السريع الى هذا الوضع الذي نعيش فيه فيجب علينا ان نعرف ان روتمان نفسه وعميت سيغال، وهو صحافي كبير، شاركا تغريدة المراسل في القناة 14. في ضوء ذلك فان التهديدات العنيفة ضد زميل سيغال، وهو صحافي في اخبار 12، غاي بيلغ، تبدو منطقية.

مثل كل دولة لها سمات فاشية أصبحت إسرائيل مكان يقتل فيه الرسول ومعه الحقيقة. مقاتلو القوة 100 المتهمين بالاعتداء الوحشي على الشاب الغزي يتم استقبالهم في المحكمة كابطال. وفي شركة الاخبار لسيغال وبيلغ يوجد مراسلون يعتقدون ان نشر الفيلم الذي يظهرون فيه وهم ينكلون بالشاب هو عمل غير وطني. اشخاص مثل بيلغ في وسائل الاعلام أو مثل دانييل في سلك الاكاديميا أو نشطاء السلام الذين يساعدون المزارعين الفلسطينيين، هم الآن أعداء الدولة. التحذير من الاغتيال السياسي القادم هو أمر من الماضي. فالحرب الاهلية بين الفاشيين والديمقراطيين أصبحت الان سيناريو محتمل تماما.

-------------------------------------------

 

هآرتس 16/11/2025

 

 

2.8 مليون إسرائيلي يعيشون انعدام أمن غذائي

 

 

بقلم: ران شمعوني 

أكثر من ربع العائلات في إسرائيل تعيش في انعدام أمن غذائي. هذا ما يتضح من تقرير التامين الوطني الذي نشر صباح أمس عن العام الماضي. حسب البيانات، فإن 27.1 % من العائلات في إسرائيل – 2.8 مليون إسرائيلي، بينهم نحو مليون طفل، لا ينجحون في شراء الطعام بكمية أو بنوعية كافية. الحديث يدور عن انخفاض معتدل مقابل السنة الماضية، حيث بلغت النسبة 30.8 %. في التامين الوطني يشرحون ذلك أن التحسين ينبع جزئيا من الحرب، حيث إنه خلالها تم إخلاء مئات آلاف السكان من منطقة الشمال ومنطقة الجنوب، إلى الفنادق التي تم فيها توفير الطعام لهم بصورة منظمة.

الاستطلاع أجري في شهري أيار (مايو) – تشرين الثاني (نوفمبر) من العام الماضي، على عينة من 5 آلاف شخص بالغ في إسرائيل، في سن 21 سنة فما فوق. الاستبيان الذي يرتكز عليه الاستطلاع هو صيغة مختصرة للصيغة التي كتبت في وزارة الزراعة الأميركية. وهي تشمل ستة أسئلة مفهومة فيما يتعلق بكمية الطعام ونوعيته والتواتر الذي كان يمكن للعائلة الوصول إليه.

حسب النتائج، فإن انعدام الأمن الغذائي يظهر بشكل خاص في الوسط العربي، الذي فيه 58 % من العائلات تعيش في مثل هذا الوضع. فقط 10 % من العائلات العربية تعيش في مستوى عال من الأمن الغذائي. في أوساط السكان العرب توجد احتمالية لعائلة مع ولد أو اثنين بالعيش في حالة انعدام الأمن الغذائي هي أعلى بـ3.5، مقارنة مع اليهود غير الحريديين الذين لديهم  العدد نفسه من الأولاد. في أوساط المجتمع الحريدي تبلغ نسبة انعدام الأمن الغذائي 25 %. في المجموعتين السكانيتين لا يوجد لـ30 % من الأشخاص قدرة اقتصادية من أجل الوصول إلى الطعام الصحي – الأمر الذي يعاني منه 26.5 % من العائلات في إسرائيل.

في التقسيم الجغرافي، فإن البيانات الأكثر خطورة لانعدام الأمن الغذائي سجلت في شمال البلاد، 36.7 % يعانون من مستوى متدن للأمن الغذائي (22.3 %) أو متدن بشكل خاص (14.4 %). التقرير يشير إلى علاقة مباشرة بين الدخل والأمن الغذائي، حيث تقريبا نصف العائلات (47.6 %) في العشريات الخمسة الدنيا، تعيش في انعدام أمن غذائي. حسب جهات مهنية في التامين الوطني، فإن هذه النتائج تؤثر على اقتصاد إسرائيل وتهدد حصانته. التقرير أشار أيضا إلى أن الحرمان الغذائي يؤدي إلى انخفاض إنتاجية العمل، وزيادة نفقات نظام الرعاية الصحية وإلحاق الضرر برأس المال البشري للجيل الشاب.

كل انخفاض بنسبة 1 % في معدل انعدام الأمن الغذائي، كما كتب، من شأنه أن يوفر على الاقتصاد عشرات ملايين الشواكل في السنة. "انعدام الأمن الغذائي ليس فقط مشكلة اجتماعية، بل هو قضية اقتصادية تحتاج إلى تدخل منهجي"، قالت نيتسا كلينر كسير، نائبة المدير العام للأبحاث والتخطيط في التامين الوطني.

"العائلات التي لا تستطيع السماح لنفسها بتناول غذاء صحي هي عائلات مع مخاطر متزايدة للإصابة بالمرض والغياب عن العمل وتحقيق إنجازات تعليمية متدنية". لذلك فإنهم في التامين الوطني يدعون إلى بلورة خطة وطنية لتقليص انعدام الأمن الغذائي، تشمل زيادة ميزانيات المساعدة المباشرة للطعام وتوسيع برامج التغذية في المدارس في المناطق الفقيرة، ورفع مخصصات المعيشة طبقا لارتفاع غلاء المعيشة.

-------------------------------------------

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

"راكيفت": السجن الإسرائيلي تحت الأرض

 

إيما غراهام-هاريسون* - (الغارديان) 8/11/2025

يعرض سجن "راكيفت" شكلًا فريدًا من الإساءة. فاحتجاز الناس تحت الأرض من دون ضوء النهار لأشهر متواصلة له "آثار نفسية شديدة"، على حد قول شتاينر، التي أضافت: "من الصعب جدًا أن تظل سليمًا نفسيًا عندما تُحتجز في مثل هذه الظروف القمعية والصعبة".

كما تؤثر هذه الظروف على الصحة الجسدية، حيث تُضعف وظائف بيولوجية أساسية، مثل الإيقاعات اليومية الضرورية للنوم وإنتاج فيتامين "د".

*   *   *

تحتجز إسرائيل عشرات الفلسطينيين من غزة في سجن تحت الأرض، حيث لا يرون ضوء النهار أبدًا، ويُحرمون من الطعام الكافي، ويُمنعون من تلقي أي أخبار عن عائلاتهم أو عن العالم الخارجي.

ومن بين هؤلاء المعتقلين مدنيان اثنان على الأقل احتُجزا لأشهر من دون تهمة أو محاكمة: ممرّض اعتُقل وهو يرتدي ملابس عمله الطبية، وبائع طعام شاب، كما قال محامون من "اللجنة العامة لمناهضة التعذيب في إسرائيل" (PCATI) الذين يمثلون كلا الرجلين.

نُقل الرجلان إلى مجمّع "راكيفت" تحت الأرض في كانون الثاني (يناير)، ووصفا تعرضهما للضرب المنتظم والعنف، بما يتّسق مع أنماط التعذيب الموثقة جيدًا في مراكز الاعتقال الإسرائيلية الأخرى.

افتُتح سجن "راكيفت" في أوائل الثمانينيات لإيواء عدد محدود من أخطر عناصر الجريمة المنظمة في إسرائيل، لكنه أُغلق بعد بضع سنوات بحجة أنه غير إنساني. لكنّ وزير الأمن القومي اليميني المتطرف، إيتمار بن غفير، أمر بإعادة تشغيله بعد هجمات السابع من تشرين الأول (أكتوبر) 2023.

وفي هذا السجن، تقع جميع الزنازين، وساحة التمارين الصغيرة، وغرفة لقاء المحامين، كلها تحت الأرض، ما يعني أن السجناء يعيشون من دون أي ضوء طبيعي.

كان السجن مصممًا في الأصل لاستيعاب عدد صغير من النزلاء ذوي الخطورة العالية في زنازين فردية، وكان يضم 15 رجلًا عند إغلاقه في العام 1985. لكنّ نحو 100 معتقل سُجنوا فيه في الأشهر الأخيرة، وفق بيانات رسمية حصلت عليها "اللجنة العامة لمناهضة التعذيب في إسرائيل".

بموجب اتفاق وقف إطلاق النار بين إسرائيل و"حماس" الذي تم التوصل إليه في منتصف تشرين الأول (أكتوبر)، أفرجت إسرائيل عن 250 سجينًا فلسطينيًا كانت قد صدرت بحقهم أحكام قضائية في المحاكم الإسرائيلية، و1.700 معتقل فلسطيني من غزة كانوا محتجزين إلى أجل غير مسمى من دون تهمة أو محاكمة. وكان بائع الطعام الشاب المحتجز في "راكيفت" من بين المفرج عنهم.

لكنّ حجم الاعتقالات كان واسعًا جدًا إلى درجة أنه حتى بعد ذلك الإفراج الجماعي، ما يزال هناك ما لا يقل عن ألف معتقل آخرين محتجزين لدى إسرائيل في الظروف ذاتها، من بينهم الممرّض الذي تمثله "اللجنة العامة لمناهضة التعذيب في إسرائيل".

وقالت اللجنة: "على الرغم من أن الحرب انتهت رسميًا، فإن [الفلسطينيين من غزة] ما يزالون مسجونين في ظل ظروف حرب عنيفة ومتنازع على قانونيتها، والتي تنتهك القانون الإنساني الدولي وتشكل تعذيبًا".

كان الرجلان اللذان التقيا بمحامي "اللجنة العامة لمناهضة التعذيب في إسرائيل" في أيلول (سبتمبر) هما ممرّض يبلغ من العمر 34 عامًا تم اعتقاله أثناء عمله في مستشفى في كانون الأول (ديسمبر) 2023، وبائع شاب أُلقي القبض عليه في تشرين الأول (أكتوبر) 2024 بينما كان يمر عبر حاجز إسرائيلي.

وقالت المحامية جنان عبده من اللجنة: "في القضايا الخاصة بعملائنا الذين زرناهم، نحن نتحدث عن مدنيين. الرجل الذي تحدثت إليه كان في الثامنة عشرة من عمره، ويعمل في بيع الطعام، وقد أُخذ من حاجز على الطريق".

كان بن غفير قد قال لوسائل الإعلام الإسرائيلية ولأحد أعضاء الكنيست إن سجن "راكيفت" يُعاد تأهيله لاحتجاز مقاتلي "النخبة" من ’حماس‘ الذين قادوا المجازر داخل إسرائيل في 7 تشرين الأول (أكتوبر)، ومقاتلي النخبة من "حزب الله" الذين أُسروا في لبنان. وذكر مسؤولون إسرائيليون أنه لم يتم الإفراج عن أي فلسطينيين متورطين في هجمات العام 2023 بموجب اتفاق وقف إطلاق النار الذي أدى إلى إعادة السجين المراهق إلى غزة. ولم تردّ مصلحة السجون الإسرائيلية على الأسئلة المتعلقة بوضع وهوية السجناء الآخرين المحتجزين في "راكيفت"، الذي يعني اسمه بالعبرية "زهرة بخور مريم".

تشير بيانات إسرائيلية سرّية إلى أن غالبية الفلسطينيين الذين أُسروا في غزة خلال الحرب كانوا مدنيين. وقد قضت المحكمة العليا الإسرائيلية في العام 2019 بأن احتجاز جثامين الفلسطينيين لاستخدامها كورقة تفاوض في المستقبل هو فعل قانوني، واتهمت المحكمة جماعات حقوقية إسرائيلَ بممارسة الشيء نفسه على الأحياء من معتقلي غزة.

 

إساءة فريدة

 

تقول تال شتاينر، المديرة التنفيذية لـ"اللجنة العامة لمناهضة التعذيب في إسرائيل"، إن ظروف الفلسطينيين في جميع السجون الإسرائيلية كانت "فظيعة عن قصد". وقد وصف معتقلون حاليون وسابقون، إلى جانب مُبلّغين عن المخالفات من الجيش الإسرائيلي، انتهاكات منهجية للقانون الدولي تجري في هذه السجون.

ومع ذلك، يعرض سجن "راكيفت" شكلًا فريدًا من الإساءة. فاحتجاز الناس تحت الأرض من دون ضوء النهار لأشهر متواصلة له "آثار نفسية شديدة"، على حد قول شتاينر، التي أضافت: "من الصعب جدًا أن تظل سليمًا نفسيًا عندما تُحتجز في مثل هذه الظروف القمعية والصعبة".

كما تؤثر هذه الظروف على الصحة الجسدية، حيث تُضعف وظائف بيولوجية أساسية، مثل الإيقاعات اليومية الضرورية للنوم وإنتاج فيتامين "د".

وعلى الرغم من عملها كمحامية في مجال حقوق الإنسان وزياراتها المتكررة لسجون المجمع في مدينة الرملة، جنوب شرق تل أبيب، حيث يقع سجن "راكيفت"، قالت شتاينر إنها لم تسمع من قبل عن هذا السجن تحت الأرض قبل أن يأمر بن غفير بإعادة تشغيله.

ولأنه أُغلق قبل تأسيس "اللجنة العامة لمناهضة التعذيب في إسرائيل"، فقد لجأ الفريق القانوني إلى أرشيفات إعلامية قديمة وإلى مذكرات رفائيل سويصا، رئيس مصلحة السجون الإسرائيلية في منتصف الثمانينيات، لمعرفة المزيد عن هذا السجن.

تقول شتاينر: "كتب [سويصا] أنه أدرك أن احتجاز إنسان تحت الأرض على مدار 24 ساعة يوميًا هو شيء قاسٍ جدًا، وغير إنساني إلى درجة لا يمكن لأي شخص أن يتحملها، بغض النظر عمّا ارتكبه من أفعال".

في هذا الصيف، طُلب من محامي "اللجنة العامة لمناهضة التعذيب في إسرائيل" تمثيل رجلين محتجزين في السجن تحت الأرض، فتمكنت المحامية عبده وزميلتها من زيارة السجن للمرة الأولى.

قادهما حراس أمن ملثمون ومدججون بالسلاح إلى الأسفل عبر درج متسخ إلى غرفة تتناثر على أرضيتها بقايا حشرات ميتة. وكان المرحاض متسخًا إلى درجة تجعله غير صالح للاستخدام فعليًا.

كانت كاميرات المراقبة المثبّتة على الجدران تنتهك الحق القانوني الأساسي في إجراء محادثة سرية مع المحامين، وحذّر الحراس من أن الاجتماع سيُقطع فورًا إذا تحدثوا عن عائلات المعتقلين أو عن الحرب في غزة.

تقول عبده: "سألت نفسي: إذا كانت ظروف غرفة المحامين بهذه الكيفية المهينة -ليس لنا شخصيًا فحسب، بل للمهنة أيضًا- فكيف تكون أوضاع السجناء؟ وجاء الجواب سريعًا عندما التقينا بهم".

وأضافت أن موكليها أُحضرا مطأطئي الرؤوس، فيما كان الحراس يجبرونهما على إبقاء رأسيهما منحنيين نحو الأرض، وظلا مكبّلين من اليدين والقدمين طوال اللقاء.

وقالت سجى مشرقي برانسي، وهي المحامية الثانية من "اللجنة العامة لمناهضة التعذيب في إسرائيل" التي شاركت في الزيارة، إن المعتقلين الاثنين كانا في سجن "راكيفت" منذ تسعة أشهر، وبدأ الممرّض المعتقل اللقاء بسؤال: "أين أنا؟ ولماذا أنا هنا؟". لم يخبره الحراس باسم السجن الذي نُقل إليه.

كان القضاة الإسرائيليون الذين أجازوا احتجاز الرجلين خلال جلسات فيديو قصيرة للغاية -لم يحضرها أي محامٍ ولم يسمع المعتقلون فيها أي دليل ضدهم- قد قالوا فقط إنهما سيبقيان هناك "حتى تنتهي الحرب".

ووصف الرجلان زنازين بلا نوافذ ولا تهوية، تحتوي كل منها على ثلاثة أو أربعة معتقلين، وقالا إنهما غالبًا ما يشعران بالاختناق وضيق التنفس.

وأخبر السجناء المحامين أنهم يتعرضون بشكل منتظم لسوء معاملة جسدية، تشمل الضرب، وهجمات من كلاب ترتدي أطواقًا حديدية، وقيام الحراس بالدوس عليهم، بالإضافة إلى حرمانهم من الرعاية الطبية الكافية ومنحهم حصصًا غذائية شبه معدومة. وقد قضت المحكمة العليا الإسرائيلية هذا الشهر بأن الدولة تحرم السجناء الفلسطينيين من الغذاء الكافي.

ويُسمح للسجناء بقضاء وقت محدود جدًا خارج الزنزانة في مساحة صغيرة تحت الأرض، أحيانًا لا تتجاوز خمس دقائق كل يومين. وتُؤخذ الفرشات في وقت مبكر جدًا من الصباح، عادة حوالي الساعة الرابعة فجرًا، ولا تُعاد إلا في وقت متأخر من الليل، ما يترك المعتقلين على هياكل حديدية في زنازين خالية تقريبًا.

وتطابقت أوصافهم مع الصور التي بُثت خلال زيارة تلفزيونية أجراها بن غفير إلى السجن للترويج لقراره إعادة تشغيل السجن تحت الأرض، حيث قال في ذلك الحين: "هذا هو المكان الطبيعي للإرهابيين، تحت الأرض".

وقد تباهى بن غفير مرارًا بسوء معاملة المعتقلين الفلسطينيين، وهي خطابات يقول رهائن سابقون ممن اختُطفوا خلال هجمات السابع من تشرين الأول (أكتوبر) إنها أدت إلى تصعيد سوء المعاملة التي مارسها عناصر "حماس" أثناء احتجازهم.

وشمل رد الفعل احتجاز الرهائن في أنفاق تحت الأرض لأشهر، وحرمانهم من الطعام، وعزلهم عن أخبار أقاربهم والعالم الخارجي، إلى جانب ممارسة العنف والتعذيب النفسي، بما في ذلك إجبارهم على حفر قبر أمام الكاميرا. وقد حذّرت أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية من أن معاملة السجناء الفلسطينيين بهذه الطريقة تُعرّض المصالح الأمنية الأوسع للبلاد للخطر.

قالت المحامية مشرقي برانسي إن الممرّض المعتقل لم يرَ ضوء النهار منذ 21 كانون الثاني (يناير) من هذا العام، عندما نُقل إلى "راكيفت"، بعد عام قضاه في التنقل بين سجون أخرى، بينها مركز "سديه تيمان" العسكري سيّئ السمعة.

ولم يتلق الممرّض، وهو أب لثلاثة أطفال، أي خبر عن عائلته منذ اعتقاله. والمعلومة الشخصية الوحيدة التي يُسمح للمحامين بمشاركتها مع المعتقلين من غزة هي اسم أحد الأقارب الذي فوّضهم بمتابعة القضية.

وتقول مشرقي برانسي: "عندما قلت له: لقد تحدثت إلى والدتك، وهي التي فوّضتني بلقائك، كنت أقدّم له شيئًا ضئيلًا جدًا، على الأقل أخبره بأن والدته على قيد الحياة".

وعندما سأل المعتقل الآخر عبده عمّا إذا كانت زوجته الحامل قد أنجبت بسلام، قطع الحارس الحديث فورًا وهدده. وعندما أخذ الحراس الرجلين بعيدًا، سمعت عبده صوت مصعد، ما يشير إلى أن الزنازين التي يُحتجزان فيها تقع في مستوى أعمق تحت الأرض.

قال لها المراهق: "أنت أول شخص أراه منذ اعتقالي"، وكانت آخر كلماته لها: "أرجوكِ عودي لزيارتي مرة أخرى". وفي وقت لاحق، تم إبلاغ محاميه بأنه أُفرج عنه وأُعيد إلى غزة في 13 تشرين الأول (أكتوبر).

وجاء في بيان لمصلحة السجون الإسرائيلية أن الهيئة "تعمل وفقًا للقانون وتحت إشراف الجهات الرسمية الرقابية"، وأضافت الهيئة أنها "ليست مسؤولة عن الإجراءات القانونية أو تصنيف المعتقلين أو سياسة الاعتقال أو عمليات الاعتقال ذاتها".

وأحالت وزارة العدل الأسئلة المتعلقة بسجن "راكيفت" والمعتقلين إلى الجيش الإسرائيلي، بينما أحال الجيش الأسئلة بدوره إلى مصلحة السجون.

 

*إيما غراهام-هاريسون Emma Graham-Harrison: صحفية بريطانية بارزة تعمل حاليًا كبيرة المراسلين في شؤون الشرق الأوسط لدى صحيفة "الغارديان"، حيث تعمل ومقرها في القدس. عملت قبل ذلك مراسلة دولية لوكالة رويترز وصحيفة "الأوبزيرفر". وغطّت على مدى سنوات طويلة النزاعات والحروب في أفغانستان، وباكستان، وسورية، والعراق، واليمن، إضافة إلى الشأنين الإيراني والفلسطيني-الإسرائيلي. تمتاز تقاريرها بالعمق الميداني والدقة في توثيق الانتهاكات الإنسانية والقانونية في مناطق النزاع، كما نالت إشادات واسعة لعملها في التحقيقات الصحفية التي تكشف ممارسات الاحتلال الإسرائيلي ضد الفلسطينيين. تُعرف غراهام-هاريسون بأسلوبها المتوازن والإنساني في تناول قضايا الحرب والسلام، وبدفاعها المستمر عن المبادئ المهنية وحقوق الإنسان في الصحافة الدولية.

*نشر هذا التقرير تحت عنوان: Israel’s underground jail, where Palestinians are held without charge and never see daylight

-----------------انتهت النشرة-----------------

disqus comments here