من العقارات إلى السياسة: ويتكوف يبرر حصار غزة بتصريحات هزلية

مشهد جديد من مشاهد العبث السياسي، خرج ستيف ويتكوف، المبعوث الأميركي الخاص إلى الشرق الأوسط، بتصريح مثير للجدل مفاده أن "لا توجد مجاعة في غزة"، متجاهلًا بذلك الحقائق الميدانية والتقارير الطبية والحقوقية التي توثق موت الأطفال والمرضى بسبب الجوع وسوء التغذية. هذا التصريح لا يمكن قراءته إلا باعتباره استهتارًا صارخًا بالمعاناة الإنسانية، ومحاولة مكشوفة لتلميع صورة الاحتلال الإسرائيلي الذي يفرض حصارًا خانقًا على أكثر من مليوني إنسان في قطاع غزة، في ظل صمت دولي مريب وتواطؤ سياسي متعمد، تتقاطع فيه المصالح مع تجاهل متعمد للحقائق والضمير.
ويتكوف، الذي لم يمضِ على تعيينه سوى أشهر، ولم يسبق له العمل في السياسة أو الدبلوماسية، يطلق حكمًا بهذا الحجم على كارثة إنسانية بهذا التعقيد، وكأن الخبرة والمعرفة لم تعد شرطًا فيمن يتحدث باسم دولة تدّعي الدفاع عن حقوق الإنسان. فالرجل، الذي لم يزر غزة إلا في جولة دعائية معدّة مسبقًا، يتحدث عن "عدم وجود مجاعة" بينما أعلنت وزارة الصحة في غزة وفاة أطفال بسبب الجوع، وأكدت منظمات دولية أن القطاع يواجه كارثة إنسانية غير مسبوقة، تتجاوز المجاعة إلى انهيار شامل في النظام الصحي والغذائي.
من هو ستيف ويتكوف؟ إنه رجل أعمال وملياردير أميركي من أصل بلغاري، وُلد في نيويورك عام 1957، وبدأ حياته المهنية كمحامٍ في مجال العقارات قبل أن يؤسس مجموعة "ويتكوف" التي استحوذت على فنادق ومباني شهيرة في مانهاتن. لم يُعرف عنه أي نشاط سياسي أو دبلوماسي قبل تعيينه في نوفمبر 2024 من قبل الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، بناءً على علاقة تجارية قديمة لا علاقة لها بالسياسة أو فهم تعقيدات المنطقة. هذا التعيين يطرح تساؤلات جدية حول معايير اختيار المبعوثين الأميركيين، وهل باتت العلاقات التجارية معيارًا كافيًا لتولي مناصب دبلوماسية في مناطق مشتعلة بالصراعات والدماء؟
تصريحات ويتكوف لا تعكس فقط جهله السياسي، بل تكشف عن ازدواجية المعايير الأميركية في التعامل مع حقوق الإنسان، حيث تُستخدم المناصب الدبلوماسية لتبرير الجرائم بدلًا من العمل على وقفها. فبينما تتحدث واشنطن عن دعم الشعوب وحقها في الحياة، يأتي مبعوثها إلى الشرق الأوسط لينكر وجود المجاعة في منطقة يموت فيها الأطفال بسبب نقص الغذاء والدواء، في مشهد لا يمكن وصفه إلا بأنه نزعٌ للضمير الإنساني من الخطاب السياسي الأميركي. هذا ليس مجرد تجاهل، بل تواطؤ سياسي متعمد، تُستخدم فيه التصريحات الرسمية كأدوات لتضليل الرأي العام وتبرير استمرار الحصار والقتل، في انتهاك صارخ لكل القيم التي يُفترض أن تحكم العلاقات الدولية.
غزة لا تحتاج إلى تصريحات من رجال أعمال تحولوا فجأة إلى دبلوماسيين، بل تحتاج إلى رفع الحصار، وقف القتل، وإنهاء الاحتلال. أما تصريحات ويتكوف، فهي لا تستحق الرد بقدر ما تستحق الإدانة، لأنها تمثل صوتًا مأجورًا يردد ما يُطلب منه، لا ما تفرضه الحقيقة والضمير. إن ما يحدث في غزة ليس أزمة غذائية عابرة، بل جريمة مستمرة بحق الإنسانية، والسكوت عنها مشاركة في ارتكابها، مهما تنكرت خلف الألقاب والمناصب.
لقد آن الأوان أن يتحرك المجتمع الدولي، لا بالاكتفاء بإصدار بيانات القلق، بل باتخاذ خطوات عملية لوقف هذه الجريمة. على المؤسسات الحقوقية، والهيئات الأممية، وكل من يدّعي الدفاع عن الكرامة الإنسانية، أن يخرج من دائرة الحياد الكاذب، ويواجه الحقيقة كما هي: غزة تُقتل عمدًا، والوقت ليس في صالح الضحايا. الصمت لم يعد خيارًا، والتواطؤ لم يعد مستترًا. من لا يدين، فهو شريك. ومن لا يتحرك، فهو متواطئ. والضمير العالمي مطالب اليوم، أكثر من أي وقت مضى، بأن يثبت أنه لا يزال حيًّا.