إنشاء جامعة فلسطينية في لبنان .. خطوة ملحة لمواجهة واقع تعليمي متأزم.
Sun 03 August 2025

مع تصاعد الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التي تعصف باللاجئين الفلسطينيين في لبنان، تتزايد الحاجة إلى حلول جذرية ومستدامة تضمن حقهم في التعليم العالي، الذي بات رفاهية يصعب تحقيقها. فمع الارتفاع المتواصل في أقساط الجامعات اللبنانية وتراجع المنح الدراسية، يطفو على السطح مجددًا الحديث عن إمكانية إنشاء جامعة فلسطينية مجانية، كخطوة ضرورية لمواجهة هذا الواقع المتأزم.
يواجه آلاف الطلاب الفلسطينيين في لبنان معضلة حقيقية بعد إنهائهم المرحلة الثانوية، إذ يجدون أنفسهم أمام خيارين أحلاهما مرّ: إما البحث عن منح دراسية نادرة وفرص محدودة في الجامعات اللبنانية، أو التخلي عن حلم التعليم العالي والانخراط المبكر في سوق العمل غير المستقر. وقد فاقم الوضع تراجع وكالة "الأونروا" عن تقديم المنح الجامعية التي كانت تشكل متنفسًا للكثيرين، في ظل غياب أي برنامج دعم جدي من الجهات الفلسطينية الرسمية. ونتيجة لهذا الفراغ، لجأ بعض الطلاب إلى مؤسسات خيرية، أبرزها "مؤسسة محمود عباس"، التي فرضت مؤخرًا شروطًا أكثر صرامة من السنوات السابقة، ما زاد من تعقيد المشهد.
في هذا السياق، رفع اتحاد الشباب الديمقراطي الفلسطيني – أشد، منذ عام 2011، شعار: "نريد جامعة فلسطينية مجانية في لبنان"، إيمانًا منه بأن لا حل لمشكلة التعليم العالي إلا عبر مشروع جذري ومستدام. فهذه الجامعة لن تكون مجرد صرح أكاديمي، بل مشروعًا استراتيجيًا يهدف إلى حماية مستقبل الأجيال الفلسطينية. إذ ستتيح الفرصة لآلاف الطلاب لمتابعة دراستهم، ما من شأنه أن يرفع مستوى التعليم، ويحد من معدلات التسرب الجامعي، ويعزز في الوقت ذاته الهوية الوطنية والانتماء، من خلال مناهج متخصصة في التاريخ الفلسطيني، ودراسات اللاجئين، وحقوق الإنسان، إلى جانب التخصصات الأكاديمية التقليدية.
وعلى الصعيد الاقتصادي، من شأن إنشاء الجامعة أن يساهم في تأهيل جيل جديد من الشباب الفلسطيني القادر على الانخراط في سوق العمل، سواء في لبنان رغم القيود القانونية المفروضة، أو في الخارج. كما يمكن للجامعة أن تكون منبرًا للبحث العلمي والابتكار، تتيح للطلاب تطوير حلول إبداعية للمشكلات التي يعاني منها مجتمعهم، بدلًا من اضطرارهم للهجرة بحثًا عن فرص تعليمية أفضل.
الجدير بالذكر أن المجلس الوطني الفلسطيني كان قد صوت بالإجماع، عام 2018، على مشروع قدمته كتلة الجبهة الديمقراطية، ينص على مطالبة منظمة التحرير الفلسطينية بإنشاء جامعة فلسطينية في لبنان. ورغم مرور سبع سنوات على إقرار المشروع، إلا أنه لم يشهد أي خطوات تنفيذية جدية، لا على مستوى تشكيل لجنة وطنية مختصة، ولا على صعيد وضع خطة عملية.
وفي هذا السياق تُعد "الأونروا" شريكًا أساسيًا في تنفيذ هذا المشروع، نظرًا لطبيعة دورها وانطلاقاً من مسؤولياتها تجاه اللاجئين الفلسطينيين، الامر الذي يحتم عليها تحمل مسؤولياتها التربوية والتعليمية الى جانب الأطر المعنية.
ان غياب المتابعة الجدية من الجهات المعنية، وتجاهل القرار من قبل المؤسسات الرسمية، ولّد شعورًا عامًا بالإحباط بين أوساط الشباب الفلسطيني، الذين يرون في هذا المشروع أولوية وطنية لا تحتمل مزيدًا من التأجيل. وفي المقابل، مؤخراً أعيد طرح هذا المطلب مجدداً من قبل بعض الأطر الطلابية والشبابية، إلى جانب الدعوات الى أوسع تحرك شعبي ومؤسساتي من أجل إعادة إحياء القرار، والضغط على الاونروا ومنظمة التحرير والجهات المانحة لتحمل مسؤولياتها تجاه هذا الاستحقاق التعليمي والوطني.
في ظل استمرار الأزمات التي تحاصر اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، يبقى إنشاء جامعة فلسطينية مجانية حلمًا مشروعًا، لكنه يحتاج إلى إرادة سياسية صادقة، وتكاتف الجهود الشعبية والرسمية، وتوفير مصادر تمويل مستدامة. وعندها فقط، يمكن لهذا المشروع أن يتحول من فكرة طموحة إلى واقع فعلي، يسهم في تمكين الشباب الفلسطيني، وتعزيز صمودهم في وجه التحديات التي تواجههم يوميًا.