غزة تحت المجهر نظرة قريبة لحياة الشباب في ظل حرب الإبادة

حين نكتب ونحن في غزة نعيش تفاصيل الحياة القاسية، يُراودنا شعور ممزوج بالغرابة وفقدان الشهية للكتابة أمام الجحيم الذي نعيشه، ويُراودنا سؤال مهم: هل تصل كلماتنا إلى أصحاب الضمير؟ هل العالم مهتم فعلاً بقضايانا؟

حتى جاءت الإجابة عبر طلب من عدد من المنظمات الشبابية والطلابية حول العالم لترجمة بعض المقالات التي كتبتها سابقًا، كي يُساهموا في نشر الرواية ويُطلعوا جمهورهم على غزة الحقيقية.

في قطاع غزة، حيث تتحوّل الحياة إلى اختبار للبقاء، لم تعد الحياة تشبه تلك التي كنا نعرفها أو يعيشها أي إنسان على هذا الكوكب. أصبحت الحرب واقعًا يوميًا، والخوف رفيقًا دائمًا، والدمار جزءًا من المشهد الطبيعي. ومع استمرار الاعتداءات والقصف، تُزهق الأرواح وتُهدم البيوت، لكن الأكثر فتكًا هو ما لا يُرى: انهيار الأحلام، وتفتت النفوس، واغتيال المستقبل.

وفي قلب هذا الجحيم، يقف الشباب الفلسطيني عاريًا أمام مصيرٍ غامض، يحاول التشبث بما تبقى من حلم، أو حتى بذرة أمل إن وُجدت.

تطلعات الشباب وسلب الأمنيات

كان من المفترض أن يكون هذا الجيل الأكثر طموحًا، والأكثر استعدادًا لتغيير الواقع. شباب غزة يمتلكون طاقات جبّارة، وأفكارًا جريئة، وطموحات تتعدى الحدود. لكن الحرب لم تأخذ منهم فقط أرواح أحبائهم، بل سلبت أيضًا أحلامهم، وأغلقت أمامهم أبواب المستقبل.

بدلاً من الاستثمار في الإبداع والتعليم، صاروا يبحثون عن النجاة، وعن لحظة هدوء واحدة في بحر الضجيج الدموي.

تفاصيل الحياة اليومية القاسية تأخذ حياة الشباب في غزة لتسير بهم على حافة الألم: فالروتين اليومي مهدّد بالقصف، مع إدراك أن كل صباح قد يكون الأخير، وكل لحظة هدوء قد تنقلب إلى كابوس.

يقضي الشباب ساعات في تأمين الحاجيات الأساسية بدلاً من تطوير الذات، كما أن الحصار والدمار جعلا من الخروج للعمل أو حتى للنزهة أمرًا مستحيلًا.

التعليم... حلم بعيد المنال

بين قصف المدارس والجامعات، وانقطاع الإنترنت والكهرباء، أصبحت العملية التعليمية رفاهية غير متاحة. كثير من الجامعات باتت غير قادرة على استقبال الطلبة، والمكتبات تحوّلت إلى أنقاض، والمعلمون أنفسهم غادروا أو استشهدوا.

الطلاب باتوا يبحثون عن بدائل لا وجود لها، وبعضهم اضطر لترك التعليم تمامًا بحثًا عن لقمة العيش.

عزلة ثقافية وغياب الحياة الاجتماعية

لا توجد ملاعب، ولا مراكز شبابية، ولا فعاليات ثقافية أو مساحات للترويح عن النفس.

انعدام الرياضة والترفيه جعل الجيل الذي كان من المفترض أن يمارس هواياته يعيش في عزلة خانقة.

ولا لقاءات مع الأصدقاء؛ فالقصف والنزوح فرّق العائلات وشتّت الأصدقاء، وبالتالي انهارت اللحظات الجميلة.

غابت "لمة الصحاب"، وبات الهاتف والفيسبوك متنفسًا وحيدًا إن وُجد الإنترنت، وغالبًا ما يكون غير متوفر.

الجوع وسوء التغذية

مع تدمير الأراضي الزراعية والحصار الاقتصادي الخانق، انخفضت جودة الطعام المتاح.

الشباب يعتمدون على مساعدات غذائية محدودة تفتقر للتوازن، ومع إغلاق المعابر حتى هذه المساعدات لم تعد موجودة.

وبالتالي، أصبحت حصة الفرد وجبة واحدة في اليوم غير مشبعة.

انتشرت حالة الجوع المزمن، وكثيرون ينامون دون طعام كافٍ.

هذا الجوع ليس مجرد حاجة جسدية، بل يرسّخ الشعور بالهوان والحرمان.

الاكتئاب النفسي وانعدام الأفق

بات الاكتئاب شائعًا بين الشباب، وانتشرت مشاعر العجز واللاجدوى.

في ظل غياب فرص العمل والتعليم، يُترك الشباب في فراغ وجودي.

ومع غياب العلاج النفسي، لا توجد مؤسسات متخصصة ولا حملات دعم نفسي.

الضغط الداخلي الهائل جعلهم يشعرون بأنهم يقاتلون داخل أنفسهم يوميًا.

غياب الرؤية والبنية التحتية

حتى على المستوى الرسمي، لا يوجد مشروع ناهض يستوعب هذا الجيل أو يوجّهه.

انعدام الخطط الاستراتيجية للشباب: لا رؤية واضحة لمستقبلهم، غياب البنى التحتية المخصصة لهم، لا جامعات مؤهلة، لا مراكز تدريب، ولا بيئة حاضنة للطاقات.

الأمل كوسيلة للمقاومة

ورغم كل شيء، هناك من لا يزال يتمسك بالأمل:

- شباب يكتبون على جدران المنازل المدمّرة رسائل حب وسلام

- مبادرات شبابية صغيرة تنتشر في الزوايا رغم القصف

- إصرار على التعلم والابتكار والتعبير عن الذات عبر الإنترنت، حتى وإن كان العالم لا يسمع

ختامًا: الفرح كفعل مقاومة

شباب غزة لا ينتظرون أحدًا ليمنحهم الحياة، بل هم يصنعونها من بين الأنقاض.

فرحتهم الصغيرة – صورة على إنستغرام، نكتة بين الأصدقاء، كتاب يقرؤونه تحت ضوء شمعة – هي بمثابة انتصار على آلة الحرب.

هؤلاء الشباب لا يقاتلون فقط من أجل بقائهم، بل من أجل ألا تُطمس أحلامهم، وألا يُنسى صوتهم.

وعندما ننصت إليهم، نكون قد بدأنا أول خطوة نحو العدالة.

disqus comments here