الصحافة الإسرائيلية الملف اليومي صادر عن المكتب الصحفي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين الخميس 2/5/2025 العدد 1297

الصحافة الاسرائيل– الملف اليومي
افتتاحيات الصحف + تقارير + مقالات
هآرتس 2/5/2025
جذور الاخفاق في 7 اكتوبر والاصلاح اللازم
بقلم: شلومو يناي
كارثة 7 أكتوبر حدثت نتيجة فهم وتفسير خاطيء للتغييرات في الواقع المحيط بنا، ونتيجة عمليات مدمرة استمرت لفترة طويلة، التي اضرت بشكل كبير بالقدرة العملياتية للجيش الإسرائيلي على أن ينفذ في يوم الامتحان هدفه: الدفاع عن مواطني دولة إسرائيل.
التحقيقات التي تنشر في هذه الاثناء من قبل الجيش تتناول بالأساس توضيح الحقائق والعوامل المباشرة لاخفاقات معينة حدثت في أماكن معينة. ولكن من اجل الإصلاح ومنع الإخفاقات في المستقبل يجب رؤية كل الصورة المتعلقة بكامل البنية. التركيز على التحقيقات الخاصة يمكن أن يؤدي الى وضع فيه جوهر الأمور لا يجد تعبيره ولا يحصل على الاهتمام المناسب، كما لو أننا من كثرة الأشجار لا نرى الغابة. يجب أن نحقق ونشخص العوامل الجذرية للفشل، والظروف والعمليات التي أدت اليه.
الفشل حدث في 7 أكتوبر، لكنه جاء من مشكلات جذرية كانت موجودة قبل فترة طويلة. للأسف الشديد، “العنوان كان موجود على الحائط” خلال سنوات، وكان يمكن رؤية احرفه منذ نتائج حرب لبنان الثانية وجولات القتال في قطاع غزة في العقد الأخير.
من المهم التأكيد على أنه لا يوجد في الاقوال التي تقال هنا ما يمكنه أن يبريء المستوى السياسي أو المستوى الأمني من المسؤولية عن الكارثة. فهي يجب أن تتضح في اطار لجنة تحقيق رسمية، التي ستفحص كل العوامل والجهات المشاركة في فشل 7 أكتوبر. في نفس الوقت حقيقة أن لهم مسؤولية عن الفشل ليس فيها ما من شأنه أن يقلل من خطر فشل الجيش الإسرائيلي الذي سأكز عليه.
برؤية متعددة الجوانب يجب الإشارة الى مفارقة مؤلمة: فحص حروب إسرائيل وجولات قتال الجيش الإسرائيلي منذ حرب الاستقلال وحتى حرب 7 أكتوبر، يظهر بأنه كلما كانت الفجوة بيننا وبين العدو قد تم سدها وتحسنت في صالحنا، فان منحى الإنجازات العملياتية كان في حالة انخفاض. بكلمات أخرى، رغم أن الفجوة النوعية والكمية في الوسائل وحجم القوات، قد زادت لصالحنا فان إنجازات الجيش الإسرائيلي في المواجهات أخذت في التناقص. وبصورة متناقضة، بالتحديد عندما كنا متدنيين في الكمية وفي نوعية الوسائل القتالية فان الجيش الإسرائيلي وصل الى الإنجازات الكبيرة.
فشل الجيش الإسرائيلي في 7 أكتوبر كانت له خمسة عوامل جذرية بنيوية: قراءة خاطئة للوضع الأمني وتبني استراتيجية امنية خاطئة، التركيز على الامن الداخلي على حساب الاستعداد للحرب، الاعتماد الزائد على التفوق التكنولوجي، تآكل كبير في القدرات العملياتية، ضعف القيم الأساسية للجيش الإسرائيلي.
عدم فهم التغيرات في المحيط وتبني استراتيجية امنية خاطئة. منذ العام 1973 لم يواجه الجيش الإسرائيلي جيوش نظامية لدول، بل واجه منظمات إرهابية، ولم يدرك فهم أن حماس قامت ببناء، إضافة الى قدرات إرهابية، أيضا قدرات عسكرية. نموذج العمل في مواجهة الجيش، أيضا لمنظمة إرهابية، يختلف أساسا عن محاربة الإرهاب. خلافا لحزب الله، الذي بخصوصه ادرك الجيش الإسرائيلي ذلك بعد حرب لبنان الثانية واستعد لمحاربة قدراته العسكرية، فان نظرته لحماس واصلت كونها نظرة لمنظمة إرهابية. رغم المعلومات التي كانت لدينا بشأن بناء القدرة العسكرية لحماس إلا أن الجيش الإسرائيلي لم يتوصل الى الاستنتاجات المطلوبة من هذه المعلومات ولم يغير نظرته تجاه حماس. لقد كانت لذلك تعبيرات كثيرة، وأنا سأكتفي هنا بمثالين. الأول هو اهمال الاستخبارات العملياتي. فخلافا للاستخبارات المخصصة لإحباط أو ضرب الأهداف يجب أن تفحص القدرات العملياتية العسكرية للعدو من خلال عيون قيادية. الثاني هو عدم وجود خطة دفاعية مهنية مناسبة تعالج القدرات العسكرية لحماس.
الجيش الإسرائيلي واصل في ان يرى بحماس منظمة إرهابية، وركز على احباط وعلى الاستخبارات حول الأهداف. هذه القراءة الخاطئة للقدرات التي بنتها حماس في القطاع أدت الى تبني نظرية امنية للاحتواء، التي في أساسها الاعتماد الزائد على التكنولوجيا. الجدار، قوة النيران وتجنب عملية برية هجومية. هذه الرؤية أدت خلال سنوات الى تحلل قدرات العمل البري، وحتى الخوف وتجنب استخدام العمليات البرية، رغم أنه أسلوب العمل الضروري لمواجهة التهديد العسكري.
التركيز على الامن الداخلي على حساب الاستعداد للحرب. منذ الانتفاضة الأولى (1987) يستثمر الجيش الإسرائيلي معظم الوقت، وموارد متزايدة، في مهمات الامن الداخلي مثل الحفاظ على النظام في الضفة الغربية ومواجهة الإرهاب الفلسطيني، هذا على حساب اعداد القوة والتدريبات والاستعداد لحرب مع أعداء من الخارج لديهم قدرة عسكرية.
مهمات الامن الداخلي تختلف في جوهرها عن مهمات محاربة عدو له قوة عالية. معالجة عمليات تخريبية معادية، وإرهاب وخرق للنظام، تحتاج الى قوة محددة، شرطية في طابعها وتوجهاتها، مع اعداد معين ووسائل معينة لمهماته، باختصار، حرس حدود ووحدة شرطة خاصة.
بعد اكثر من خمسين سنة لم نتمكن من استيعاب أن التحدي الذي نواجهه في مجال الامن الداخلي غير مؤقت، تحد يمكن أن نرتجل له حل مع قوات الجيش الإسرائيلي، وأن هذه المهمة المختلفة يجب أن تكون ملقاة على جهاز محدد لمعالجة الامن الداخلي. في الواقع ليس هناك “أي شيء من ذلك”، استخدام الجيش، النظامي والاحتياط، في مهمات شرطية لفترة طويلة، خلال سنوات كثيرة، جبت منا ثمنا باهظا يتمثل بالمس بالاعداد والتدريبات القليلة وعدم استعداد القوات لمواجهة اهدافها العسكرية.
خلال عشرات السنين نمت في الجيش البري أجيال من القادة بدون اعداد كاف، ومع نقص في الخبرة والمعرفة في إدارة معركة بقوة كبيرة امام عدو. هذا الواقع المستمر أدى الى المس الشديد بمهنية الجيش. عندما لا تكرس القيادة معظم وقتها للتعلم والتدرب على جوهر المهنة العسكرية – إدارة معركة واستخدام قوة عسكرية – فانها تفقد خبرتها الحاسمة، الفهم الاستراتيجي والتكتيكي لساحة المعركة وجوهر التهديد العسكري.
تعبير عن التآكل المقلق في القدرة العسكرية يمكن رؤيته في الخطط العملياتية، الأخطاء والإنجازات الصغيرة للقتال في حرب لبنان الثانية، وفي جولات قتال الجيش في قطاع غزة في العقود الأخيرة. الاعلام الحمراء رفعت منذ ذلك الحين.
الاعتماد الزائد على التفوق التكنولوجي. التفوق التكنولوجي لإسرائيل أدى الى الاعتماد الزايد للجيش على التكنولوجيا. في العقود الأخيرة تطورت جدا قدرة التشغيل من بعيد للنيران، النيران الدقيقة بشكل خاص، وازداد الاعتماد عليها. ان الاستخدام الذكي للتكنولوجيا هو امر يضاعف القوة بدرجة كبيرة ويمكن ان يساهم كثيرا في تحقيق النصر، وتقصير مدة القتال وحتى تقليص الخسائر والاضرار. ولكن الاعتماد الزائد على التكنولوجيا أدى الى تفضيل، بشكل غير اشكالي، الاحتياجات العملية البرية والبعد الإنساني للقوة العسكرية – في الاعداد والتدريب.
الاعتماد الزائد على التكنولوجيا أدى الى تآكل متواصل في القدرة على المناورة للقوات البرية والقدرة على تنفيذ مهماتها وتحقيق أهدافها، وخلق وهم أنه يمكن حسم الحروب باستخدام النار عن بعد فقط، والاعتماد الزائد على الجدار والتكنولوجيا التي حوله، الامر الذي الحق الضرر باستعداد القوات لمهمة الدفاع. وعلى المستوى الوطني: التسليم بواقع اطلاق الصواريخ على السكان المدنيين وتبني سياسة احتواء واستيعاب.
للمفارقة، التكنولوجيا المدهشة للقبة الحديدية التي قللت الاضرار، مكنت من وشجعت هذه السياسة. أيضا في العصر الحديث يتم الانتصار في الحروب ليس فقط بواسطة التكنولوجيا. في المدرعات يقولون: “الانسان الذي يوجد في الدبابة هو الذي ينتصر”. الانسان وليس الدبابة.
تآكل القدرة العملياتية للجيش الإسرائيلي. هناك فهم أساسي يعرف القدرة العملياتية بأنها “نتاج قدرة القوة والسلاح، قدرة التحمل وحالة الاستعداد. القدرة بحد ذاتها تشمل التدريب والمناورة، والقدرة على التحمل تشمل الموارد المتاحة للجيش والاستعداد والدافعية لعملية متواصلة. ويتم تعريف جاهزية القوة بأنها درجة توفر القوة ووعيها للقتال. كل عامل من هذه العوامل في المعادلة يؤثر على النتيجة. واذا ضعف أحدها أو هبط الى الصفر فان القدرة العسكرية تتأثر وفقا لذلك. السلاح المتقدم الذي يستخدمه الجنود غير المدربين سيكون غير ناجع، أيضا الجنود المدربون والمجهزون، غير المتأهبين كما هو مطلوب، سيكونون غير فعالين أيضا.
خلال سنوات لم يتم تنفيذ التوازن المطلوب بين التسلح بسلاح جديد وبين التدريبات، وبين بناء القوة والحفاظ عليها وبين عوامل القوة العسكرية، أي بين المناورة والنار. الوزن غير المتزن الذي يعطى للسلاح وغياب التوازن المطلوب أدى مع مرور السنين الى تآكل كبير في القدرة العملياتية للجيش الإسرائيلي.
لكن تدني القدرة العملياتية ساهم فيه عامل آخر وهو الزيادة في النفقات التنظيمية للجيش الإسرائيلي. فخلال السنين أضيفت قيادات وكوادر قيادية كثيرة، كبار وصغار. هذا الوضع أدى الى ضعف العلاقة بين منظومة القوة المحاربة وبين منظومات الدعم والمساعدة في غير صالح منظومة القوة المقاتلة. عبء النفقات الثابتة في الميزانية، الذي ازداد، اضر بمرونة بناء القوات، لا سيما احتياجات صيانة القوات، في التدريب والاستعداد. وبدلا من جيش “رشيق” مشبع بالتركيز على العمليات تم انشاء نظام سمين يتم فيه توجيه جزء كبير من اهتمام القيادة والإدارة الى إدارة البيروقراطية بدلا من بناء القوة وتدريب القوات واعدادها للمعركة.
أبحاث مقارنة جرت في العالم أظهرت انه توجد علاقة مباشرة بين نسبة النفقات والقوة المقاتلة وبين نوعية الجيش، وأيضا بين نسبة عدد الضباط وعدد الجنود وبين نوعية الجيش.
اضعاف القيم الأساسية للجيش الإسرائيلي. الجيش القوي يتم بناءه ليس فقط على قوة النار، بل أيضا على الإخلاص التي لا هوادة فيه تجاه قيمه. القيم هي البوصلة التي بدونها حتى الجيش الأقوى لن يحقق الأهداف. الانضباط هو احد الأسس الرئيسية لوجود الجيش وادائه. مستوى الانضباط العالي يمكن القادة والجنود من تنفيذ الأوامر والمهمات في ظروف قاسية، تعرض الحياة للخطر. الانضباط حيوي لتحقيق مستوى عال للاداء ومنع تكرار أخطاء سابقة.
لكن الانضباط بحاجة الى صيانة الوعي، التعليم، الحرص، وبالاساس مواجهة لا هوادة فيها مع احداث انضباطية، تجاهل، غض النظر من قبل القادة وعدم المواجهة هي منحدر زلق. يجب التصرف مع خرق الانضباط البسيط هو مثل الخرق الخطير. والتنازل عن الخرق البسيط يؤدي الى الخرق الشديد.
واقع المجتمع الإسرائيلي والاحتكاك المحتوم مع الفلسطينيين منذ سنوات طويلة، أدى الى تدهور قيم وسلوك قادة وجنود الجيش الإسرائيلي. أيضا الافراط في تخصيص القوة للامن الجاري على حساب النشاطات المطلوبة لبناء القوة والحفاظ عليها كان له اثر كبير في اضعاف القيم الأساسية للجيش. وقد ساهم هذا الضعف في خلق حالة من الرضا عن الذات والشعور المفرط بالامن، الامر الذي حال دون التساؤل وتحديد نقاط الفشل واستخلاص الدروس الحقيقية. من المؤسف أن هذه الممارسات اضرت أيضا بمبدأ قول الحقيقة وتقديم التقارير غير المتحيزة عن الحقيقة في التحقيقات المتعلقة بالنشاطات العملياتية وفي الحوادث والتدريب.
إن اضعاف القيم أدى الى ثقافة تنظيمية تجاهلت الضوء الأحمر الذي اشتعل في جولات القتال السابقة وادت الى المفاجأة والفشل.
الإصلاح المطلوب. مثلما في تحليل عوامل الفشل أيضا في موضوع الإصلاح المطلوب أنا ساركز فقط على المباديء التي تمكن من الإصلاح وتحسين القدرة العملياتية للجيش الإسرائيلي. هنا ساشير الى خمسة مواضيع رئيسية بمثابة أسس خطة عمل مفصلة من اجل الوصول الى الإصلاح المطلوب، وهي تركيز الجيش الإسرائيلي على الهدف، إدارة موجهة الى الإنتاج، جودة الضباط، تحسين الرقابة والتفتيش، والثقافة التنظيمية.
تركيز الجيش على الهدف. هدف الجيش هو الدفاع عن دولة إسرائيل من الأعداء الخارجيين. الحديث يدور عن مهمة معقدة جدا في عدد كبير من الجبهات. يجب على الجيش التركيز على هذا الهدف فقط. المهمات الأخرى، خاصة الامن الداخلي – الحفاظ على النظام في الضفة ومحاربة الإرهاب – يجب القاءها على أجهزة امنية أخرى مثل حرس الحدود أو جهاز آخر تتم اقامته لهذا الهدف. تعزيز القوات لاحتياجات الامن الجارية سيتم بصورة استثنائية وفي حالات طواريء معينة فقط.
التعزيز سيكون لفترة محدودة وبحجم لا يمس بعدد القوات واستعدادها. كجزء من تركيز الجيش على هدفه يجب اخراج من الجيش كل النشاطات غير العسكرية في طابعها والتي يمكن أن تنفذها جهات أخرى، وضمن ذلك مهمات تطوير السلاح، الإنتاج، البناء وكل نشاطات الصيانة التي يمكن تنفيذها من قبل جهة خارجية. الجيش الإسرائيلي عليه التركيز فقط على عمل ونشاطات تخدم مباشرة الهدف الحربي وليس لها بدائل أخرى.
الجيش الإسرائيلي يواجه قضية الاستعانة بمصادر خارجية بنجاح جزئي لسنوات كثيرة، مع مراعاة الاعتبارات المتعلقة بالميزانية والكفاءة الاقتصادية. يجب أن تتم الاستعانة بمصادر خارجية في المقام الأول لتحرير المورد الأكثر أهمية وهو اهتمام القيادة والإدارة بهدف الجيش ومهمته الأساسية. وأيضا ينبغي أن تكون الاعتبارات الأخرى ثانوية في هذا السياق.
إدارة تستهدف تحقيق الهدف والإنتاج. من اجل استخدام افضل للميزانية المعطاة للجيش يجب على المنظومة العسكرية أن تنتقل من توجه يستهدف المداخيل الى توجه يستهدف المخرجات. هذه قضية واسعة وجوهرها يتجاوز التركيز على النتيجة – القدرة العسكرية الناتجة عن الميزانية وليس على النضال من اجل المزيد من الموارد. من الواضح أن التحول الى نهج الإنتاج يحتاج الى تحسين قدرة القياس لكل النشاطات العسكرية الجارية وبناء القوات وكفاءتها وجاهزيتها.
جودة الضباط. الجودة هي كلمة كبيرة. العامل الأكثر أهمية في تحديد جودة الجيش هو جودة مستوى الضباط. هذه حقيقة معروفة يتم طرحها خلال كل التاريخ العسكري. يجب تحسين خبرة الضباط في الجيش الإسرائيلي. العمل العسكري هو مهنة فريدة تدمج الرسالة مع الخبرة، تطوير التفكير العسكري، امتلاك المعرفة والخبرة في تشغيل ودمج منظومات معقدة ومواجهة أوضاع طارئة تحتاج الى ضباط بمستوى شخصي عالي، الذين يجتازون تدريب مهني واسع ومعمق ويحصلون على تجربة ويصبحون مهنيين في مجالهم.
تحسين الرقابة والاشراف. كتنظيم له دور حاسم في وجودنا فان الجيش الإسرائيلي “يعاني” من ميزتين تؤثران بشكل جوهري على قدرته على التحسن. الأولى هي أن الجيش الإسرائيلي جهة احتكارية. ليس له تنظيم منافس. ومثل أي احتكار هو يعاني من غياب عامل المنافسة الذي يحث ويجبر أي تنظيم على زيادة النجاعة والتحسن والتطور. ثانيا، لا يوجد للجيش الإسرائيلي مجلس إدارة يوجه ويصادق على نشاطاته واستراتيجية عمله وبناء القوة والحفاظ عليها، ويقوم بالرقابة والاشراف. يبدو أن هذا الدور ملقى على حكومة إسرائيل التي تعتبر في القانون “قائد الجيش الإسرائيلي”، (رئيس الأركان ليس هو قائد الجيش، هو المستوى القيادي الأعلى في الجيش)، وبدرجة معينة على لجنة الخارجية والامن في الكنيست وعلى جهات اشراف مثل مراقب الدولة. عمليا، لاسباب لن افصلها هنا، التوجيه، الاشراف والرقابة، ناقصة وجزئية حتى أنها غير موجودة. النتيجة هي أن الجيش الإسرائيلي يعمل بدون توجيه ورقابة ناجعة منذ عشرات السنين.
الثقافة التنظيمية. يكثرون الحديث عن أهمية الثقافة التنظيمية وبحق. الثقافة التنظيمية تأتي ليس من استشارة تنظيمية، بل من قيادة ضباط الجيش، من رئيس الأركان وحتى آخر الضباط، تقدير التميز، السلوك الأخلاقي في نشاطات الجيش على ضوء القيم الأساسية مثل الصدق والاستقامة، الانضباط الذي لا هوادة فيه، تشجيع التشكك والتواضع (العلاج للغطرسة) وتقديم المثال الشخصي، كل ذلك ضروري لوجود جيش قوي يمكنه القيام بمهماته.
الجيوش لا تقوم بالإصلاحات العميقة بسبب الرؤية المستقبلية. الجيوش تتحسن في اعقاب الازمات والحروب. الفشل الفظيع هو فرصة يجب عدم تفويتها لاجراء علاج جذري للجيش الإسرائيلي. الاكتفاء بسد الثغرات وحلول معينة فقط سيزرع بذور الكارثة القادمة.
اذا لم يكن الآن فمتى؟
-------------------------------------------
إسرائيل اليوم 2/5/2025
وماذا كان كان جديا
بقلم: يوسي بيلين
حسني الزعيم، عسكري من أصل كردي، ولد في دمشق، ومثل شبان عرب آخرين بمن فيهم أنور السادات كان معجبا بهتلر واقام شراكة مع حكومة فيشي التي حكمت سوريا برعاية النازيين في الحرب العالمية الثانية. بعد أن حرر جيش فرنسا الحر، بقيادة الجنرال ديغول سوريا، وبعد أن حصلت هذه على استقلالها، لم تكن للزعيم أي مشكلة في الارتباط بالجيش السوري التقدم بسرعة والحصول على منصب قائد الشرطة، وبعد وقت قصير من ذلك على منصب قائد الجيش.
في 30 اذار 1949 قام بانقلاب عسكري، مدعوم بريح اسناد من وكالة الاستخبارات الامريكية، من بريطانيا ومن فرنسا. في الغداة أعلن عن نفسه رئيسا وفرض حكما عسكريا. من اللحظة التي دخل فيها الى منصبه الجديد روج لفكرة السلام مع إسرائيل، والمهر الذي عرضه على إسرائيل كان استيعاب 300 الف لاجيء فلسطيني في منطقة معدة للتنمية في شمال سوريا.
طلب البحث في ذلك مع بن غوريون. بن غوريون لم يتحمس للفكرة وطرح شروطا مسبقة للقاء (مثل انسحاب سوري من المناطق المجردة التي حدده اتفاق الهدنة). وزير الخارجية موشيه شاريت اقترح اللقاء بنفسه مع الزعيم، لكن الزعيم السوري اصر على بن غوريون. بعد 137 يوما من الحكم، في 14 آب اعدمته ثلة اطلاق نار بأمر من الجنرال الذي حل محله.
هجوم الثوار في سوريا في تشرين الثاني الماضي كان سريعا ومحدودا في عنفه. وفي 8 كانون الأول رفع الى الحكم ا حمد الشرع الذي يسمى أبو محمد الجولاني، الذي يشبه هرتسل بعض الشيء، بعد نحو 50 سنة من حكم سلالة الأسد. يوجد له ماض اشكالي جدا كداع لمنظمات إرهاب إسلامية، ومن اقام هيئة تحرير الشام – تحالف منظمات جهادية. وكانت الولايات المتحدة أعلنت عن جائزة 10 مليون دولار لمن يقدم معلومات تؤدي الى القبض عليه.
منذئذ نجح في أن يسيطر على دمشق وعلى أجزاء أخرى في سوريا وأصبح رئيس الدولة الذي يتحدث بشكل لطيف لاذان الغرب. في كتاب بعث به في الايام الأخيرة الى وزارة الخارجية الامريكية، فان سوريا تتعهد الا تشكل تهديدا عل إسرائيل وتمنع جماعات مسلحة للعمل في سوريا. في حديث مع كوري ميلس، عضو كونغرس جمهوري يعتبر مقربا من الرئيس ترامب، قال له الجولاني انه معني بان ينضم الى اتفاقات إبراهيم. وهو يتوقع من الولايات المتحدة ان ترفع عن سوريا العقوبات الاقتصادية التي فرضت عليها في الماضي، ومساعدة اقتصادية لاعمار بلاده.
نتنياهو، الذي يحرص على تنفيذ القول “احترمه وشُك فيه” وأساسا في قسمه الثاني، يدير سياسة بموجبها واجب البرهان ملقي على الشرع والى أن يثبت خلاف ذلك، فانه مثابة إرهابي في جلد خروف. من هذه الناحية هو يذكر بموقف بن غوريون من حسني الزعيم.
يحتمل أن إسرائيل كانت محق في 1949. ويحتمل أنها محقة اليوم أيضا. لكن من هو مستعد لان يأخذ مخاطر واضحة في سياقات حربية، ملزم بان يعرف كيف يأخذ مخاطر في سياقات السلام أيضا. فلو تحقق اتفاق سلام في 1949، كانت إسرائيل ستعفي نفسها من غير قليل من الدم. معقول الافتراض انه لو كان مثل هذا الاتفاق مثابة حقيقة ناجهزة، فان خلفاء الزعيم أيضا كانوا سيحترمونه (مثلما حصل في مصر، عندما انتخب رجل الاخوان المسلمين والمعارض المتطرف لاتفاق السلام مع إسرائيل، محمد مرسي، رئيسا واحترم معاهدة السلام معنا).
يحتمل أن يكون الشرع يتخفى في زي رجل سلام، واذا وافقت إسرائيل الحديث معه فانها ستتمسك برأيها في أن يكون لسانه وقلبه متساويين – لكن تنكر القدس للرئيس السوري الجديد هي سياسة غير مسؤولة. اذا كان حقا مستعدا لان ينضم الى اتفاقات إبراهيم – فجدير فحص هذا بجدية، قبل أن يصبح مرعيا كاملا لاردوغان، الذي اصبح احد كبار كارهينا. الرئيس ترامب سيرى في مثل هذا الحوار إنجازا شخصيا وعن حق – فيما أنه من ناحيتنا مثل هذه الخطوة ستبعد سوريا أكثر فأكثر عن الارتباط بايران. لا يوجد أي مبرر لعدم فحص الخيار بجدية.
-------------------------------------------
يديعوت احرونوت: 2/5/2025
الحملة التي فشلت، الحملة التي على الطريق
بقلم: ناحوم برنياع
وأحيانا ينتهي الاحتفال”، كتبت نوعامي شيمر في احدى قصائدها التأسيسية. بالنسبة للكثيرين فان احتفال يوم الاستقلال هذه المرة انتهى حتى قبل ان يبدأ. فمن الصعب الفرح في استعراض عظيم في جبل هرتسل حين يكون في منحدر الجبل، مئة متر في اقصى الأحوال، يوجد هذا القدر الكبير من القبور حديثة العهد. الحزن والغضب لا يرحمان. وهما لا يرحمان لان أيا من المشاكل التي حملتنا الى كارثة 7 أكتوبر لم تحل، لا في اثناء العيد ولا قبله. “ننهض صباح الغد ونبدأ من البداية”، كتبت نوعامي شيمر لاحقا. ليس هذه المرة – هذه المرة نحن ننهض في الصباح التالي للعيد مع العلم انه لن يحصل اليوم أي شيء يعد بالبدء من البداية: لا بشرى، لا رؤيا، لا زعامة. سنة الاستقلال الـ 77 انتهت بمروحيات الإطفاء التي لم تكن لان واحدا ما، صاحب السوابق ايتمار بن غفير، أراد أن يغيظ مفتشه العام، وواحد ما، بنيامين نتنياهو، الذي حُذر مسبقا، خطيا، غفا مرة أخرى في الحراسة. هذه ليست بداية واعدة لسنة الاستقلال الـ 78.
ما الذي ينتظرنا حقا؟ ينبغي الانصات الى خطابات رئيس الوزراء ورئيس الأركان في احتفالات العيد. كلاهما وعدا بان يوسع في الأيام القريبة القتال في غزة. نتنياهو وعد بالتقويض، زمير وعد بالحسم. “سنفعل هذا قريبا”، قال رئيس الأركان. “سنزيد وتيرة العمل والقوة. سنستخدم كل القوة التي في أيدينا. سنفعل هذا بتصميم: الجيش الإسرائيلي جاهز ومستعد لان يضربهم ضربة ساحقة”.
جميل: هكذا، بتصميم، بقوة، يتحدث رؤساء الأركان. المشكلة هي ان هذه المرة لا يدور الحديث فقط عن خطابية لزمن الاحتفال – هذه هي الخطة العملياتية التي توشك على أن تنفذ. الخطابات ينبغي أن تستقبل بالتصفيق. الخطط العملياتية ينبغي أن تستقبل بالاسئلة.
سؤال اول: حملة “بأسف وسيف” التي بدأها الجيش الإسرائيلي والشباك في منتصف اذار، استهدفت ممارسة الضغط على حماس كي تلين وتوافق على تحرير مخطوفين وفقا لمطالب إسرائيل. اغلب عائلات المخطوفين عارضت الحملة لانها تخوفت من ان يؤدي استئناف النار الى موت اعزائها، بقصف الجيش او بنار المخربين. فقد اشتبهت بان الدافع للحملة سياسي: مواصلة القتال بكل ثمن والحفاظ على وحدة الائتلاف.
هذه ليست خطة الحكومة – هذه خطتنا، أوضح الجيش الإسرائيلي. هكذا سنصل الى تحرير المخطوفين. مر شهر ونصف وهو زمن كثير بمقاييس حروب إسرائيل حتى الحرب الحالية. صفي مخربون، قتل وأصيب مقاتلون، قتل غير مشاركين.
في اختبار النتيجة الحملة فشلت. فهي لم تؤدي الى تحرير مخطوف واحد. الفجوة بين حماس وحكومة إسرائيل بقيت كما كانت. فهل الخوف من أن يمس القتال بحياة مخطوفين تحقق؟ لا ادري. لكن التلميحات التي اطلقها نتنياهو وعقيلته، في محاولة لتقزيم مسألة المخطوفين، لم تبشر بالخير.
الان، حين يعلن الجيش الإسرائيلي عمليا عن نهاية “بأس وسيف” والانتقال الى حملة جديدة، أوسع، اشد فمسموح لنا أن نتوقع أجوبة من الجيش: لماذا لم تحقق الحملة هدفها؟ بماذا تختلف الحملة الجديدة عن الحالية؟ لماذا يؤمن الجيش بان هذه المرة الحملة ستحقق هدفها بالفعل؟
ما لا ينجح بالقوة، قلنا في صبانا، ينجح بمزيد من القوة: اخشى ان يكون هذا هو التفكير الاستراتيجي من خلف الحملة الجديدة. وكبديل، يحتمل أن تكون قيادة الجيش أيضا، مثل قيادة الحكومة، اختارت التخلي عن المخطوفين. الحرب ضد حماس تعود لتكون هدف الحرب الأول، الحقيقي، في غزة. المخطوفون هم هدف ثانوية في افضل الأحوال، ذريعة في أسوأ الأحوال.
لغرض توسيع القتال في غزة سيكون مطلوبا على ما يبدو تجنيد متجدد لفرق احتياط. الأوامر لن تستقبل في بيوت عديدة بسهولة. النساء سيسألن لماذا مرة أخرى، ما هو الهدف وهل هو يبرر الثمن؛ في أماكن العمل سيسألون. اذا كان الجيش يتوقع أن يقوم نتنياهو وكاتس بمهمة الاقناع بدلا منه فانه يتوقع عبثا. فليس منهما يتوقع رجال الاحتياط الأجوبة. من يصدقهما يصدق؛ كل الباقين سيتطلعون الى رئيس الأركان.
يحتمل ان يكونوا في الجيش الإسرائيلي قد توصلوا الى الاستنتاج بان فقط التجويع الجماعي والاحتلال سينهيان عصر حماس. لا يوجد حل آخر. هذا أيضا لن يعفي الجيش الإسرائيلي من الأسئلة الثاقبة منذ بداية المناورة البرية، قبل سنة واكثر. ما هو الحل لغزة في اليوم التالي لحماس. هل إسرائيل تسعى الى احتلال، ترحيل واستيطان هناك؟ هل يوجد لها ما يكفي من الفرق لصيانة الاحتلال؟ هل تتمنى إعادة نمو حماس من جديد.
رئيس الأركان لا بد يعرف القول الذي يأتي في الأصل في “أليس في بلاد العجائب” بقلم لويس كارول: “اذا كنت لا تعرف الى اين تسير، فان كل طريق تختاره ستؤدي بك الى اللامكان”.
-------------------------------------------
هآرتس 2/5/2025
السباق نحو اتفاق نووي أو حرب مع ايران يمر عبر السعودية
بقلم: تسفي برئيل
الجدول الزمني الذي وضعه الرئيس ترامب للتوقيع على اتفاق نووي جديد مع ايران آخذ في النفاد وبسرعة. في 7 آذار اعلن ترامب بأنه ارسل رسالته الى الزعيم الروحاني في ايران، علي خامنئي، ولكن لأن الرسالة وصلت الى هدفها في 12 من ذلك الشهر فانه مسموح الافتراض أن الموعد النهائي الرسمي سينتهي في نفس الموعد في شهر أيار، قريبا من موعد زيارة ترامب في السعودية. ولكن المواعيد للتوقيع على الاتفاقات ليست دائما محفورة في الصخر. وإزاء وتيرة المحادثات بين الولايات المتحدة وايران والتقدم الأخير، على الأقل حسب تقارير الطرفين، فانه يمكن التقدير بأن الاتفاق مع ايران يمكن أيضا أن يحظى بفترة سماح إضافية حتى استكماله، هذا اذا حدث ذلك.
بيان وزارة خارجية عُمان أمس، اللقاء الذي خطط لاجرائه في الغد في روما بين الوفدين سيتم تأجيله “لاسباب لوجستية” الى موعد سيتفق الطرفين عليه، يدل على أنه للجدول الزمني له حياة خاصة به. على الرغم من بيان وزير خارجية ايران عباس عراقجي، الذي بحسبه ايران مستعدة لتسريع وتيرة المفاوضات، إلا أنه من غير الواضح لماذا تم تأجيل المحادثات التي حتى الآن قيل بأنها كانت “مفيدة” و”جيدة جدا”، وأنها دفعت قدما باحتمالية التوقيع على الاتفاق. يمكن فقط الافتراض أنه بمفاهيم “أسباب لوجستية” لا توجد نية في أن الفندق الذي ستنزل فيه الوفود لن يكفي حتى يوم السبت لتجهيز الشراشف أو ملء البار الصغير للايرانيين بالمشروبات غير الكحولية.
مرحلة المحادثات الحالية يتوقع أن تكون الأكثر تعقيدا التي سيناقش فيها الطرفان ما يسمى بـ “الجوانب التقنية” للاتفاق. هذه الجوانب يمكن أن تشمل تحديد سقف التخصيب الذي يمكن لإيران الوصول اليه. ابعاد فائض المواد المخصبة الى دولة ثالثة، وعدد أجهزة الطرد المركزي التي يمكن لإيران تشغيلها (الى جانب تحييد الأجهزة الزائدة التي ركبتها ايران أو إعادة تشغيلها منذ 2019)، وترتيبات الرقابة على تطبيق هذه البنود، وإجراءات رفع العقوبات عن ايران، والضمانات التي تطلبها ايران كي تنفذ الولايات المتحدة الاتفاق الذي سيتم التوقيع عليه.
هذه القضايا طرحت سابقا في المفاوضات في الأسبوع الماضي بين بعثات الخبراء من الطرفين وبين عراقجي والأمين العام للوكالة الدولية للطاقة النووية، رفائيل غروسي الذي زار طهران في الأسبوع الماضي. ولكن قضية المفتاح الرئيسي لم تحل حتى الآن.
هل تستطيع ايران في الأصل أن تواصل تخصيب اليورانيوم حتى بالمستوى المتدني الذي يبلغ 3.67 في المئة كما يسمح الاتفاق النووي الأصلي؟ أو أنه سيكون عليها تدمير كليا المشروع النووي، مثلما تطالب إسرائيل (“نموذج ليبيا”)؟. هذا الطلب يؤيده وزير الخارجية الأمريكي، ماركو روبيو، ومستشار الامن القومي مايك وولتس، الذي يتوقع انهاء منصبه في القريب، ولكن حتى الآن لم يسمع موقف ترامب النهائي، الذي حتى الآن قال فقط بأنه لن يسمح لإيران بالحصول على السلاح النووي.
من المهم التذكير بأن ايران وافقت على استئناف المفاوضات مع الولايات المتحدة على أساس الفهم بأنه حتى لو اخذت على عاتقها قيود على تخصيب اليورانيوم إلا انه يمكنها مواصلة المشروع النووي “لأغراض سلمية”. هذا الفهم يستند، ضمن أمور أخرى، الى الاقوال الصريحة لستيف ويتكوف، المبعوث الخاص لترامب الى الشرق الأوسط، والى بعض الازمات الدولية التي بحسبها ترامب يسعى “فقط” الى إقامة آلية رقابة ناجعة تمنع تطوير السلاح النووي. بعد ذلك نشر ويتكوف اقوال مناقضة لتصريحه الأول، لكن حقيقة أن ايران لم توقف المفاوضات يمكن أن تدل على أن الأمور التي سمعها مندوبوها في غرف المفاوضات كانت مختلفة عن التي تسمع في وسائل الاعلام، وأن الشرط الأساسي الذي طرحته لمواصلة المفاوضات ما زال قائما حتى في نظر الولايات المتحدة.
لكن ايران لا تكتفي بافتراضات عمل التي استقرارها يرتبط بمزاج الرئيس ترامب، خاصة عندما لا يتوقف الرئيس الأمريكي عن تهديدها بفتح باب جهنم اذا لم توقع على الاتفاق. عن ضعف موقفها العسكري نتيجة الحرب في غزة، التي أدت الى انهيار حزب الله الذي كان محور مركزي في “حلقة النار” التي اسستها خلال عقود، الى جانب سقوط نظام الأسد – هي تطمح الى التعويض ببناء جدار سياسي واقي.
روسيا والصين، حليفاتها الاستراتيجية، تتم حتلنتها بشكل جار حول مضمون المحادثات مع الولايات المتحدة، وأيضا حسب الاتفاقات الاستراتيجية التي وقعت بينهما وبين ايران، فهما غير ملزمتين بمساعدتها في حالة هجوم عسكري ضدها. من يمكنها ترجيح الكفة هي بالذات الجارات العربيات، بالأساس السعودية ودولة الامارات. في 17 نيسان هبط في طهران وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان، شقيق محمد بن سلمان، الحاكم الفعلي للمملكة، واحضر معه رسالة من الملك سلمان الى علي خامنئي.
هذه كانت زيارة تاريخية دوت في كل المنطقة، وجرت بعد عقود لم يصل فيها الى ايران أي ممثل رفيع للعائلة المالكة. التوقيت، عشية جولة المحادثات الثانية بين أمريكا وايران، ليس صدفيا. الأمير خالد هو شخص معروف في واشنطن، ومنذ فترة طويلة كان سفير السعودية في الولايات المتحدة اثناء تفجر قضية الصحافي جمال الخاشقجي على يد عملاء المخابرات السعودية. حسب المخابرات الامريكية فانهم عملوا بتوجيه مباشر من محمد بن سلمان. هذه كانت القضية التي حولت ابن سلمان الى شخص غير مرغوب فيه في واشنطن، الى درجة أن السناتور ماركو روبيو، الذي هو الآن وزير الخارجية الأمريكي، قال عنه بأنه اصبح “رجل عصابات يحول علاقات الولايات المتحدة مع السعودية الى غير ممكنة”.
بعد ذلك أصبحت العلاقات ممكنة اكثر. والأمير خالد تمكن من الالتقاء مع روبيو ووزير الدفاع الأمريكي بيت هيغست، الذي يشرف الآن على مشروع تسلح السعودية بالسلاح الأمريكي بمبلغ يتوقع أن يكون أكثر من 100 مليون دولار. هو سيكون أيضا المسؤول عن البرنامج النووي السعودي عندما سيتفق عليه مع الإدارة الامريكية. زيارة الأمير خالد في ايران وصفها السفير الإيراني في السعودي، علي رضا عنياتي، بـ “لقد دخلنا عهد جديد في علاقات الدولتين مع زيارة وزير الدفاع السعودي”.
بعد سنتين على استئناف العلاقات الدبلوماسية بين الدولتين ما زال يصعب تشخيص خطة مبلورة لتحالف اقتصادي بينهما، ناهيك عن تحالف استراتيجي. ولكن الرسالة واضحة وهي أن السعودية، مثلما صرحت علنا، لا تريد حرب إقليمية جديدة، أمريكية – إسرائيلية ضد ايران. حسب تقرير في موقع “أمواج”، الذي يختص بشؤون ايران والعراق، فان رسالة الملك سلمان لخامنئي تتضمن تأييد واضح للمفاوضات التي تجريها ايران مع الولايات المتحدة، وهو يشجع طهران على التوصل الى اتفاق يجلب معه الاستقرار للمنطقة، خلافا لموقف السعودية في 2015، حيث في حينه عارضت بشكل شديد الاتفاق النووي الأصلي.
“أمواج” يقول أيضا بان الأمير خالد عرض توسطه بين أمريكا وايران وطرح إمكانية استدعاء شخصيات إيرانية رفيعة الى السعودية اثناء زيارة ترامب في السعودية. يشارك موقف السعودية أيضا دولة الامارات التي تطلعت بنفسها الى أن تكون الدولة المستضيفة لمحادثات التفاوض، لكنها رفضت من قبل ايران بسبب علاقتها مع إسرائيل. يمكن الافتراض أنه في حين يتوقع ترامب استثمارات سعودية في الولايات المتحدة بمبلغ تريليون دولار، وعندما أبو ظبي تناقش استثمارات بمبلغ مشابه، فان قرار هل يتم شن حرب ضد ايران لا يعتمد على مواقف إسرائيل، التي لا تحظى حتى بمكانة مراقب، وستفضل السطر الأخير في ميزان الاستثمارات. هكذا حدثت المفارقة التي فيها السعودية، العدوة الاستراتيجية والأيديولوجية لإيران، والدولة التي يمكن أن تكون محور مركزي في حلف الدفاع الإقليمي ضد ايران، هي أيضا التي من شأنها أن تمنع هجوم ضد ايران.
في هذه الاثناء مطلوب من ايران ومن الولايات المتحدة مناقشة بالتفصيل نفس “القضايا اللوجستية” ووضع اتفاق لا يذكر بصياغته بالاتفاق الأصلي الذي انسحب منه ترامب في 2018، لكنه سيكون مشابه له في جوهره. على راس طاقم الخبراء الامريكيي يوجد مايكل أنطون، رجل قسم التخطيط السياسي في وزارة الخارجية والذي كان في السابق كاتب الخطب لرودي جولياني وكونداليزا رايس، لكنه تنقصه المعرفة في المجال النووي. امامه يقف نائب وزير الخارجية الإيراني مجيد تحتي – رواندسي، الخبير في المجال النووي والذي كان عضو في بعثة المفاوضات للتوقيع على الاتفاق النووي الأصلي.
هذه الفجوة في المعرفة ستحتاج من الولايات المتحدة اشراك في صياغة الاتفاق الوكالة الدولية للطاقة النووية، التي تمتلك في يديها كل المعرفة والخبرة. حول هذا الامر يتناقشون الآن مع الأمين العام غروسي. “بدوننا هذا الاتفاق سيقف على ارض غير مستقرة”، قال غروسي في مقابلة مع صحيفة “يو.اس نيوز آند وورد ريبورت” التي نشرت في يوم الأربعاء، وأوضح فيها بأن الوكالة هي الجهة الوحيدة التي يمكنها فحص تطبيق التزام ايران. “هذا لن يكون اتفاق دقيق مثل الذي وقع عليه في 2015، هذا يجب أن يكون اتفاق واضح ومباشر وجريء ويعطي الجميع الضمانات بأن لا يكون لإيران مسار للقنبلة النووية”.
السؤال هو كيف يحبسون كل هذه الخصائص في ورقة عمل متفق عليها، وهل سيكون بالإمكان بلورة مسودة، على الأقل الى حين عناق ابن سلمان وترامب في الرياض.
-------------------------------------------
يديعوت احرونوت 2/5/2025
أزرق وأبيض وهوة بينهما
بقلم: نداف ايال
أسبوع الذكرى والاستقلال انتهى. ومعه نشرت المعطيات الاحتفالية لمكتب الإحصاء المركزي. معدل مواطني دولة إسرائيل، عدد المواليد هذه السنة وكم هم سكان إسرائيل شباب او من مواليد البلاد، تقاليد العيد.
لكن إسرائيل في حرب. مخطوفوها في انفاق حماس. جنودها يقاتلون في غزة. الدولة عالقة في صراع سياسي استقطابي وغير مسبوق. المدافع تصم الاذان والحوريات لا تسكت بل اسكتت. فقد استبدلت بشرخ عميق، شرخ لا يمكن التنكر له. المعطيات في هذه الصفحات ليست احتفالية مثلما هي في يوم الاستقلال. توجد فيها مؤشرات على التفاؤل الإسرائيلي الشهير، بداية نماء خلاصي، لكن سحابة سوداء تظلل فوقها. سحابة انعدام ثقة وغضب.
معهد الحرية والمسؤولية في جامعة رايخمن استدعى معظم أسئلة الاستطلاع الذي امامكم بالتنسيق مع ملحق “السبت”. معطيات أخرى تأتي من معهد بحوث الامن القومي. الاستطلاعان تما مؤخرا حقا، في عينة تمثيلية وواسعة نسبيا للمجتمع الإسرائيلي. الانباء الطيبة: رغم كل شيء، لا تزال اغلبية الجمهور متفائلة. 51 في المئة. هذا ليس قليلا بالنسبة لدولة توجد في حرب لا تنتهي. لكن الفجوة بين التفاؤل والتشاؤم صغيرة؛ بالاجمال 9 في المئة. والشرخ السياسي هو الذي يلعب الدور. يكاد يكون 8 من اصل 10 من مصوتي الائتلاف الحالي متفائلون. لكن هذا الائتلاف يوجد الان في الأقلية في الجمهور. ومعظم المعارضة له، يهودا وعربا، متشائمون بالنسبة للمستقبل. واحد من كل خمسة إسرائيليين فكر منذ نشوب الحرب ان يأخذ عائلته الى دولة أخرى. في نظري، هذه بالذات نتيجة مبهرة بالنسبة لإسرائيل؛ كيف كانوا سيردون في مجتمعات أخرى على حرب وحشية كهذه، بدأت بالفظاعات ولا تنتهي. يمكن الافتراض بان هناك عادات اكبر كانت ستفكر بالهجرة.
لقد اضرت الحرب ضررا شديدا بالثقة العامة بجهاز الامن. وبينما تظهر واضحة علائم الصدمة، لا شك ان الجيش يبدي علائم إعادة بناء متسارعة. وفقا لمعطيات الاستطلاع فان 51 في المئة يعطون للجيش علامة “جيد” منذ نشوب الحرب. منظمات المجتمع المدني (!) توجد في المكان الثاني بعد الجيش، مع 4 من كل 10 إسرائيليين يعتقدون انها تصرفت جيدا في الحرب. في النهاية الجمهور يفهم ويعرف من جاء للتطوع، في اللحظات الأصعب. الشباك في المكان الثالث مع نحو ثلث الجمهور رغم الحملة النشطة ضده. الحكومة تحصل على “جيد” فقط من 15 في المئة من الجمهور، والكنيست تحظى بهذه العلامة من 8 في المئة. بالمناسبة الصحافة العبرية تحصل على العلامة المخيبة للآمال “جيد” فقط من 18 في المئة. لكن اكثر من السياسيين – كما يعرف جميعنا بان هذا مستوى منخفض جدا.
هل كل إسرائيل متكافلون الواحد مع الاخر؟
65 في المئة من الجمهور يؤمنون بانه ستكون صفقة سلام مع السعودية في أيام حياتهم؛ ثلث الجمهور يعتقد ان هذا سيحصل مع لبنان. وماذا بالنسبة للفلسطينيين، الشعب الذي نوجد نحن في حرب معه منذ 7 أكتوبر؟ فقط 8 في المئة من الجمهور يعتقد أنه سيكون سلام معهم، في أيام حياتهم. 83 في المئة يتنبأون باننا سنعيش على حرابنا مع الفلسطينيين – الى أن يتبدل الجيل، على الأقل.
في هذه الاثناء، معطيات معهد بحوث الامن القومي تجسد اين يوجد اجماع حربي كامل: بالنسبة لإيران. ثلثا الإسرائيليين يعتقدون بان على إسرائيل ان تهاجم ايران؛ 17 في المئة يقولون ان نفعل هذا حتى بخلاف موقف الولايات المتحدة و47 في المئة يريدون ضربة جوية على منشآت النووي، لكن بالتنسيق مع الأمريكيين.
وعندما سُئلوا ما هو مدى التزام الرئيس ترامب بالحفاظ على المصالح الأمنية لإسرائيل، أجاب نصف الإسرائيليين أنه يدعم إسرائيل فقط عندما يخدم هذا مصالحه. الثلث قالوا: ترامب ملتزم جدا، و 20 في المئة آخرون اختاروا: “ترامب غير متوقع وبالتالي من الصعب التعويل عليه”. هذه نتائج مشوقة تجسد وعيا سياسيا سليما. يمكن التخمين بانه كلما تواصلت الحرب، سيزداد الوعي؛ للولايات المتحدة توجد تحديات وانشغالات خاصة بها. وهي تسبق في سلم الأولويات الحرب هنا.
واذا كنا نتحدث عن الحرب، فان الجمهور الإسرائيلي يقدم قولا واضحا بالنسبة لغايتها. فوفقا لمعطيات معهد بحوث الامن القومي فان النصر في غزة هو أولا وقبل كل شيء إعادة المخطوفين، مع اكثر من 60 في المئة يعتقدون ذلك. الضم يوجد بعيدا بعيدا في الأسفل، مع اقل من 20 في المئة. لكن الإسرائيليين لا يعرفون كيف ستنتهي هذه الحرب. في جامعة رايخمن فحصوا هل يعتقد الناس بان حماس ستسيطر في غزة لسنة أخرى؛ 56 في المئة قالوا نعم، ربع الجمهور اجابوا لا. وربع قالوا – في واقع الامر كيف يمكن لنا أن نعرف على الاطلاق.
لا تزال اغلبية الجمهور تعتقد ان الجيش الإسرائيلي سينتصر، لكن 3 من اصل 10 يقولون: لا، هذا لن يحصل. فلماذا يوجد شك كهذا؟ ربما لان 7 من كل 10 إسرائيليين يقولون ان ليس لإسرائيل خطة لانهاء الحرب. معظم الإسرائيليين في الاستطلاع إياه (56 في المئة) يقولون ان الحرب تتواصل “أساس” لدوافع سياسية.
الجواب الأكثر تشاؤما يأتي من السؤال عن إعادة المخطوفين الذي رفعه معهد الحرية والمسؤولية. ومرغوب فيه اقتباسه بدقة: “في حالة اني أنا او أحدا ما من عائلتي القريبة تختطفه منظمة إرهاب، فاني اثق في ان الدولة ستبذل كل الجهود كي تعيدنا”. وبالفعل، 60 في المئة من الإسرائيليين يقولون انهم لا يؤمنون بان الدولة ستبذل جل الجهود او ستبذل بقدر قليل. فقط 17 في المئة يقولون بقدر كبير. 14 في المئة كانوا في الوسط “بقدر معين”.
لعل هذه النتيجة هي الأكثر حزنا في كل هذا الاستطلاع. الكثيرون تحدثوا في السنة والنصف الأخيرتين عن الطريق الذي سيتضرر فيه إحساس التكافل لدى المجتمع هنا من أزمة المخطوفين. الإحساس هو أن المؤسسة السياسية خيبت الامل. والى قدس اقداس الجهود لاعادة المخطوفين تسللت اعتبارات شخصية، للائتلاف ولرئيس الوزراء. هذا الاستطلاع يجسد ما انكسر. إحساس “كل إسرائيل متكافلو الواحد مع الاخر” لم يعد ينعكس في المعطيات.
وفقا لذلك، فان 64 في المئة من الإسرائيليين يعتقدون بان الاعتبارات الشخصية الائتلافية هي الأساس (47 في المئة) او اعتبارات قومية استراتيجية بقدر متساوٍ مع اعتبارات شخصية (17 في المئة) هي التي توجه بنيامين نتنياهو كرئيس وزراء. ربع الجمهور فقط يصدق نتنياهو في أنه توجهه مصلحة إسرائيل الموضوعية والقومية.
-------------------------------------------
هآرتس 2/5/2025
اذا لم تقترح المعارضة بديلا فسيكونون مسؤولين بدرجة لا تقل عن نتنياهو
بقلم: اهارون تشحنوبر ويوسف م. ادرعي
احد الأسباب لبقاء الحكومة الحالية الفظيعة، وقدرتها على زرع الدمار والخراب في المشروع الصهيوني، هو ضعف المعارضة. لنفترض أن اوري مسغاف على حق وأن البيبية تنهار (“هآرتس”، 24/4)، فماذا بعد؟ هل الأغلبية العقلانية والصامتة التي تؤيد أحزاب المعارضة مستعدة لمعركة التحدي على ثقافة وطبيعة الدولة؟ هل هناك احتمالية في أن رؤساء المعارضة سيضعون يشبكون أيديهم ويوافقون على مرشح لرئاسة الحكومة؟ لماذا بني غانتس، الذي فشلت رسائله التصالحية، لا يتوجه بشكل نبيل الى غادي ايزنكوت ويقترح عليه تولي القيادة؟ هل التجربة الإدارية والأمنية ليئير لبيد ستكون مرضية لمعظم الناخبين؟ هل يئير غولان، عديم التجربة الوزارية، ناضج ومستعد للقيادة؟ هل افيغدور ليبرمان، الذي يستبعد أي حديث مع العرب، هو الذي سيقوم برأب الشرخ الموجود في اسرائيل؟ وماذا بالنسبة لنفتالي بينيت الموجود فقط في الاستطلاعات ولا احد يعرف ما هو موقفه واذا ما غير رأيه المسيحاني بخصوص استيطان ارض إسرائيل؟ الأهم من كل ذلك هو أنه إزاء تجربة السنوات الأخيرة من هو الشخص، الذي إضافة الى المؤهلات كزعيم يتحلى أيضا بالذكاء العاطفي والتواضع والأخلاق والنزاهة والعقلانية؟.
بعد أن يتم إيجاد زعيم، هل سيتجرأون على المبادرة واجراء تغييرات كبيرة لاصلاح الاعطاب والمظالم التي تسببت بها الحكومة الحالية؟ أي من اعمال حكومة الخبث سيتم الغاءها؟ قانون الأساس: القومية؟ الميزانية التدميرية؟ تطبيق قانون السلطة الثانية على القناة 14؟ وماذا بخصوص المساواة في تحمل العبء؟ اشراك الحريديين في اقتصاد إسرائيل وفي سوق العمل؟.
كم من الوقت ستحتاج الحكومة القادمة لتشكيل لجنة تحقيق رسمية من اجل التحقيق في احداث 7 أكتوبر، الحرب الطويلة والمماطلة في تحرير المخطوفين؟ من من بين المرشحين سيظهر الاستعداد للاعتراف بمشكلة الفلسطينيين، والتحدث مع المعتدلين في اوساطهم وتبني فكرة أن حل المشكلة بالطرق السلمية سيدفع قدما بمصالح دولة إسرائيل؟ من منهم سيعرف أن الاندماج في الشرق الأوسط مع الحفاظ على ثقافتنا اليهودية هو أمر محتمل ومرغوب فيه بالنسبة لنا؟.
هل الحكومة التي سيتم انتخابها ستبادر الى إقامة سلطة رسمية لخبراء من اجل رأب الشروخ؟ هل ستعرف كيف تجعل الاستقرار مستقر؟ وتأسيس منظومة تعليم مناسبة؟ وتحسين العلاقات الخارجية لإسرائيل وعلاقاتها مع يهود الشتات؟ ومعرفة كيفية بناء شبكة مواصلات عامة ناجعة؟ هل رؤساء المعارضة على استعداد، حتى لو لم يتحدوا في حزب واحد لاسباب انتخابية، لتشابك الايدي ولو جزئيا وطرح على الناخبين حكومة ظل مع مباديء أساسية وخطوط عامة واضحة؟.
حتى الآن نحن لم نسمع من أحزاب المعارضة أي صوت واحد واضح. بالعكس، المواضيع المهمة الموجودة على جدول الاعمال مثل المساواة في تحمل العبء ودمج الأحزاب العربية في السياسة وتشجيع قطاع الحريديين على الاندماج في المجتمع والاقتصاد، ومواجهة العنف في الوسط العربي والحركات المسيحانية – كل هذه المواضيع الساخنة لا تناقشها أحزاب المعارضة خشية رد الناخبين في أي جناح على الخارطة.
من منكم، يا رؤساء المعارضة، مستعد لاحداث التغيير الثقافي الذي نحن مجبورون على فعله؟ فرض معايير من تحمل المسؤولية عن افعالنا واخلاق خاصة وعامة؟ عرض خطة عمل منظمة لديها رؤية واهداف ووسائل لتنفيذها؟ هل تنوون التنازل عن أسلوب إدارة بلدية وليس دولة واستبداله بنظرية إدارة منظمة ومفهومة تواجه مشكلات الحاضر وتنظر الى المستقبل؟ كيف تنوون معالجة الإدارة العامة المريضة؟ كيف يمكن ملاءمة مباديء الديمقراطية مع عصر الاعلام الجماهيري؟ كيف يمكن مواجهة ظاهرة الاخبار الكاذبة؟ الى أي درجة انتم حازمون على طرح قانون تجنيد اجباري ومساواتي لكل مواطني إسرائيل، الذي يشمل الخدمة العسكرية أو المدنية للجميع؟ كيف ستواجهون قضية فصل الدين عن الدولة وحرية العبادة والاعتقاد؟ هل ستلغون الحاخامية الرئيسية والسماح لكل طائفة بأن تعيش على حسابها وحساب الأعضاء فيها، نمط حياتها، بتسامح ومن خلال تفهم احتياجات الآخر؟.
هل تنوون العودة الى الحلم الصهيوني – اليهودي – العلماني – الإنساني – الرحيم والقوي الذي فصله ثيودور هرتسل في كتابه أو أنتم أيضا مستعدين للابتزاز والخضوع للمتعصبين الدينيين الوثنيين، الذين يحولون الأساس الى أمر هامشي، والامر الهامشي الى أساسي، الذين يقدسون المراسيم والعبادة والصخور والأرض، ويفضلونها على فهم اقوال الشيخ هيلل الذي علمنا باختصار ما هي اليهودية عندما قال “ما تكره ان تفعله لنفسك لا تفعله لصديقك”.
هل ستسمحون لمسيحانيي الكذب الذين لا يتعلمون من التاريخ باملاء جدول الاعمال العامة واتخاذ قرارات صوفية غير منطقية؟ الذين حلمهم هو عمل يئير بن اليعيزر والذين ستكون نهايتهم، نهايتنا، هي تدمير الهيكل الثالث؟ أم أنه ستكون لديكم الشجاعة لمواجهتهم والكشف بأن تصوراتهم تتعارض مع جوهر اليهودية؟.
هل سيمكنكم الموافقة على طلب الرجل الحكيم، الملك سليمان، التواضع والخجل؟ هل ستعملون بصدق على تقريب القلوب؟ من اجل الوحدة؟ هل ستتمكنون من الاستماع بصبر وتقدير وبدون تعالي واجراء حوار متكافيء مع الذين ساروا وراء بنيامين نتنياهو عندما احاطهم بالشتائم؟.
“فقط ليس بيبي”، هذا ليس خطة سياسية أو اجتماعية. يا رؤساء المعارضة، اذا لم تتبنوا دعوة يعنكلا روتربليت، التي قالها اسحق رابين قبل دقائق من اغتياله: “لا تقولوا إن اليوم سيأتي، بل أحضروه”. اذا لم تنظموا أنفسكم ككتلة وتقدموا قيادة عقلانية واخلاقية ومسؤولة للغد، وخطة عمل لليوم التالي، فان مسؤوليتكم لن تكون اقل من مسؤولية الذين تسببوا بالفوضى واوصلونا الى حالة الدمار.
-------------------------------------------
هآرتس 2/5/2025
“سنحرقكم.. ارحلوا لغزة”: يهود إرهابيون يعتدون على اجتماع نظمه أهالي ضحايا الحرب في يافا
بقلم: أسرة التحرير
في ظل دخان الحرائق، وإلغاء المناسبات، وتغيب رئيس الوزراء عن قسم من الاحتفالات، وبث مسجل للعرض التدريبي في كل قنوات التلفزيون والسحابة الكثيفة التي غطت على دولة إسرائيل في يوم الذكرى ويوم الاستقلال، برز سلباً حدث واحد: اعتداء اليمين في الكنيس الإصلاحي في رعنانا مساء يوم الذكرى هو نوع من الأحداث التي تستوجب رداً نشطاً وغير مساوم. بدلاً من هذا، لاقى هذا الحدث صمتاً مخزياً من معظم قادة المعارضة، وانعدام فعل بقدر لا يقل خزياً من محافل إنفاذ القانون، وعلى رأسها الشرطة.
احتفال الذكرى المشترك الإسرائيلي – الفلسطيني الذي عقد في يافا وفي بيت جالا بث في مواقع جماهيرية في أرجاء البلاد، وبينها الكنيس الإصلاحي في رعنانا. عشرات نشطاء اليمين تجمعوا خارج الكنيس، وبعضهم اقتحموه، ورشقوا أمتعة، وألقوا حجارة وألعاباً نارية وهتفوا هتافات قومجية مقززة ضد المشاركين.
احتفال الذكرى المشترك لضحايا إسرائيليين وفلسطينيين، الذي ليس هناك ما هو أنبل منه، يعد منذ سنين في نظر اليمين خيانة، ويرون في وقوف أهالي ثكلى من أبناء الشعبين معاً في دعوة واحدة خطراً وجودياً.
رغم تحذيرات من وجود نشطاء يمينيين ينظمون أنفسهم لإلقاء الأذى في الاجتماع، قررت الشرطة إرسال سيارة دورية واحدة فقط إلى المكان. عندما تصاعد العنف وهتاف “فلتحرق قريتكم” و”ارحلوا إلى غزة”، اضطر المشاركون للفرار نجاة بأرواحهم، لكن زعران اليمين طاردوهم. لم تعتقل الشرطة إلا ثلاثة مشبوهين وحتى هؤلاء سرعان ما أطلق سراحهم. هذه الشرطة إياها التي أدت إلى اعتقال طويل لمطلقي قنابل الإنارة في قيسارية.
مشاركو الأمسية، الذين كل ما سعوا إليه هو مشاهدة بث الاحتفال، وصفوا الحدث اعتداء (بوغروم). ليس صعباً أن نتخيل ما كان سيحصل لو أن جموعاً عنيفة هاجمت كنيساً في أوروبا. رئيسة فرع الليكود في رعنانا. رحيلا بن آري سقاعت هددت: “لليسار في رعنانا، ها أنا أعلن: هذه ليست سوى رصاصة البداية. لا تجربونا”.
كل رؤساء المعارضة، باستثناء يئير غولان، ملأوا أفواههم بالماء، وبينهم من يسكن رعنانا ويدعي تاج رئاسة الوزراء نفتالي بينيت. لم يخرج أحد في الليكود ضد رئيسة الفرع المهددة برصاصات البدء.
الحدث في رعنانا ليس شاذاً وليس لمرة واحدة. اليمين العنيف والساحق يخنق كل محاولة حوار إسرائيلي – فلسطيني. بث الأفلام حظر، مواطنون يشاركون في ألم الشعب الآخر اعتقلوا، مسيرة النكبة السنوية لم تجر هذه السنة بسبب تهديدات الشرطة المس بمشاركيها، وإسرائيل آخذة في الانطواء حول صوت واحد، قومجي وعنصري، يخلق كل همسة بديلة. تقف معارضة هزيلة وجبانة حتى اليأس أمام كل أولئك.
-----------------انتهت النشرة-----------------