تقرير حقوقي رسمي العنف الرقمي ضد الشعب الفلسطيني على منصّات التواصل الاجتماعي
Sat 06 December 2025
أولاً: مقدّمة
يشهد الشعب الفلسطيني في السنوات الأخيرة تصاعداً ملحوظاً في أشكال العنف الرقمي على منصّات التواصل الاجتماعي. هذا العنف بات يشكل امتداداً لانتهاكات حقوق الإنسان التي يواجهها الفلسطينيون على أرض الواقع، حيث تتقاطع أشكال القمع الرقمي مع سياسات التمييز والإقصاء، وتؤثر بشكل مباشر على حرية التعبير والأمان الشخصي والحق في الوصول للمعلومات.
ويُعد هذا التقرير محاولة لتسليط الضوء على طبيعة هذا العنف، أشكاله، تأثيراته، والإطار الحقوقي الناظم له، مع تقديم توصيات عملية لمعالجته.
ثانياً: تعريف العنف الرقمي
العنف الرقمي هو أي سلوك أو فعل عدائي يُمارس عبر الوسائط التكنولوجية ويستهدف الأفراد أو الجماعات بهدف:
الإساءة
القمع
التهديد
التشهير
تقييد حرية التعبير
السيطرة على السلوك أو المعلومات
ووفقاً للمواثيق الدولية لحقوق الإنسان، يُعتبر العنف الرقمي انتهاكاً للحقوق الأساسية المرتبطة بالكرامة الإنسانية، الخصوصية، حرية الرأي والتعبير، وعدم التمييز.
ثالثاً: أشكال العنف الرقمي الموجّه ضد الفلسطينيين
1. التقييد والحذف الممنهج للمحتوى الفلسطيني
تقوم منصّات التواصل بحذف منشورات تتعلق بالقضية الفلسطينية أو تقييد الوصول إليها، ما يشكّل انتهاكاً لـ:
المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان
المادة 19 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية
هذا التقييد يندرج تحت سياسة إسكات الرواية الفلسطينية ومنع تداول الحقيقة.
2. خطاب الكراهية والتحريض
يواجه الفلسطينيون موجات واسعة من الخطاب العنصري، التحقيري، والتهديد المباشر، ما يؤثر على:
الحق في السلامة الشخصية
الحق في عدم التمييز
الحق في العيش دون خطاب يحض على العنف
3. العنف الرقمي ضد النساء الفلسطينيات
تتعرض النساء بشكل خاص إلى:
ابتزاز إلكتروني
نشر أو تهديد بنشر صور مفبركة
تعليقات مهينة جنسية أو عنصرية
اختراق الحسابات
مطاردة رقمية
وهو ما يهدد:
الحق في الخصوصية
الحق في الأمان الرقمي
الحق في المشاركة العامة دون خوف
العنف الرقمي ضد النساء هو جزء من العنف القائم على النوع الاجتماعي، لكنه يتخذ شكلاً أكثر خفاءً وخطورة.
رابعاً: المراقبة الرقمية وانتهاك الخصوصية
تعرض ناشطون وناشطات فلسطينيون للمراقبة والمتابعة الرقمية، بما يشمل:
تتبّع الحسابات والمنشورات
جمع البيانات
تحليل المحتوى لتقييد الحريات
وهذا يشكل انتهاكاً لـ:
الحق في الخصوصية (المادة 12 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان)
الحق في تكوين الرأي دون تدخل
خامساً: الهجمات الإلكترونية ضد المؤسسات الفلسطينية
تعرضت عدة منظمات إعلامية وحقوقية فلسطينية لهجمات واختراقات رقمية بهدف:
تعطيل العمل
تخريب المحتوى
سرقة البيانات
وهو ما يشكل اعتداءً على الحق في حماية البيانات والحق في التنظيم المدني.
سادساً: التأثيرات الاجتماعية والنفسية للعنف الرقمي
1. الخوف من المشاركة العامة
يؤدي العنف الرقمي إلى عزوف النساء والشباب عن التفاعل الرقمي خوفاً من التشهير أو الاستهداف.
2. الأذى النفسي
يشمل:
القلق
فقدان الشعور بالأمان
صدمات اجتماعية
ضغط نفسي مستمر
3. تهديد سمعة الأفراد والعائلات
خاصة في مجتمع محافظ، قد تؤدي حملات التشهير إلى ضرر اجتماعي مباشر.
سابعاً: الإطار الحقوقي الدولي الناظم
يستند هذا التقرير إلى مجموعة من المواثيق الحقوقية الدولية، أبرزها:
الإعلان العالمي لحقوق الإنسان
العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية
اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو)
مبادئ الأمم المتحدة لحماية المدافعين عن حقوق الإنسان
مبادئ حرية الإنترنت واحترام الخصوصية الرقمية
هذه المواثيق تضمن:
الحق في التعبير
الحق في الخصوصية
الحق في عدم التمييز
الحق في الوصول للمعلومة
الحق في حماية النساء من العنف الرقمي
ثامناً: توصيات عملية لمعالجة العنف الرقمي
على مستوى المجتمع الفلسطيني
1. تعزيز ثقافة الحماية الرقمية بين النساء والشباب.
2. التوعية بالابتزاز الإلكتروني وآليات التبليغ.
3. إنشاء مجموعات دعم نفسي واجتماعي لضحايا الاستهداف الرقمي.
على مستوى المؤسسات الحقوقية
1. توثيق الانتهاكات بشكل منهجي وإعداد ملفات حقوقية.
2. الضغط على الشركات الرقمية لوقف التمييز ضد المحتوى الفلسطيني.
3. توفير خدمات قانونية للمتضررات والمتضررين.
على مستوى منصّات التواصل الاجتماعي
1. مراجعة سياسات حذف المحتوى المتعلقة بفلسطين.
2. فتح قنوات تواصل مباشرة مع المؤسسات الحقوقية الفلسطينية.
3. تحسين خوارزميات الكشف عن خطاب الكراهية والعنصرية ضد الفلسطينيين.
على المستوى الدولي
1. إدراج العنف الرقمي ضد الفلسطينيين ضمن تقارير الأمم المتحدة السنوية.
2. مساءلة الشركات التي تتجاهل أو تشارك في إسكات الرواية الفلسطينية.
تاسعاً: خاتمة
إن العنف الرقمي ضد الفلسطينيين ليس سلوكاً عابراً أو فردياً، بل هو امتداد لواقع سياسي واجتماعي قائم على التمييز وانتهاك الحقوق الأساسية.
ومع ذلك، يمتلك الشعب الفلسطيني قدرة كبيرة على الصمود وإعادة إنتاج روايته، سواء في الواقع أو الفضاء الرقمي.
ويُبقي هذا الواقع الحاجة ملحّة إلى حماية حقوق الفلسطينيين عبر الإنترنت، وإلى ضمان أن يكون العالم الرقمي مساحة للحرية والتعبير، لا ساحة للقمع والتضليل.
يؤكد هذا التقرير أن الدفاع عن الحقوق الرقمية هو جزء لا يتجزأ من الدفاع عن حقوق الإنسان كلها، وأن حماية النساء والشباب والناشطين رقمياً تُعد مسؤولية جماعية ومؤسساتية.