تقرير: حماس ونتنياهو بين فخ البقاء وضغوط خطة ترامب

القاهرة: تقف مفاوضات شرم الشيخ بين إسرائيل وحماس على حافة اختبار مصيري، ليس فقط لمستقبل الحرب في غزة، بل لمصير القيادتين اللتين تخوضانها. فالمشهد الراهن لا يعكس توازن قوة بقدر ما يكشف عن توازن ضعف متبادل؛ إذ يدخل كل طرف إلى طاولة التفاوض مثقلاً بأزماته الداخلية ومحاطًا بضغط سياسي وشعبي غير مسبوق.

بالنسبة إلى حماس، الحرب التي خاضتها تحت شعار “المقاومة والصمود” انتهت بواقع إنساني مدمر وحصار خانق وفقدان للقيادة الميدانية. الحركة اليوم تفاوض من موقع الدفاع عن البقاء، محاوِلةً تجنّب انهيار نفوذها في غزة أو فقدان هويتها كممثل للمقاومة.
أما بنيامين نتنياهو، فيواجه بدوره مأزقًا سياسيًا مزدوجًا: تحالف يميني متشدد يرفض أي تسوية، وجمهور إسرائيلي متعب يريد نهاية قريبة للحرب. وبين هذين الضغطين يقف رئيس الوزراء الإسرائيلي في موقف لا يقل هشاشة عن خصومه في غزة، بينما يواصل دونالد ترامب فرض إيقاعه السياسي على الجميع، ساعيًا إلى تسجيل "انتصار دبلوماسي" ينعش حملته الانتخابية.

في هذه اللحظة، تبدو المفاوضات وكأنها معركة بين طرفين يسعيان للخروج من مأزق أكثر مما يهدفان إلى تحقيق نصر. إنها لحظة تكشف عمق التصدع في القرارين الفلسطيني والإسرائيلي معًا، وتمنح واشنطن فرصة لإعادة رسم المشهد من موقع القوة الوحيدة التي لا تعاني مأزقًا داخليًا، بل توظف أزمات الآخرين في خدمة مشروعها السياسي.
أولًا: مأزق حماس

1. الموقع التفاوضي الضعيف
 * فقدت معظم قدراتها العسكرية والبنية التنظيمية بعد عامين من الحرب.
 *محاصرة جغرافيًا وسياسيًا، وتعتمد على وساطة قطر ومصر للبقاء في المشهد.
*لم تحقق مكاسب ملموسة رغم كلفة الحرب البشرية والمادية الهائلة.

2. التناقض الداخلي
* انقسام حاد بين جناح عسكري يرفض التخلي عن “المقاومة”، وجناح سياسي يميل لقبول “الحلول المرحلية”.
*اغتيال يحيى السنوار أحدث فراغًا قياديًا لم يُسد بعد.
* خليل الحية يفاوض تحت ضغط من كوادر عسكرية متشددة لا تثق بأي تسوية.

3. الحساب الشعبي والسياسي
* الشارع الغزّي المنهك يريد نهاية للحرب، لكن التخلي عن “سلاح المقاومة” يُعد خيانة في نظر مؤيدي الحركة.
* أي تنازل كبير سيُفسَّر كهزيمة أمام إسرائيل، مما يهدد نفوذها في مواجهة فتح والسلطة الفلسطينية.

4. نقاط الضعف
*فقدان السيطرة الكاملة على القرار بفعل اعتمادها على وسطاء خارجيين.
*غياب الشرعية الدولية، ما يجعل أي اتفاق مرهونًا بضمانات أمريكية أو قطرية.
*التشتت بين الحفاظ على “هوية المقاومة” والبقاء كفاعل سياسي مقبول دوليًا.

ثانيًا: مأزق نتنياهو

1. الضغط السياسي الداخلي
*تحالفه اليميني المتطرف يرفض أي انسحاب من غزة أو صفقة تُبقي حماس قائمة.
* إذا قبل بالاتفاق دون “نزع سلاح حماس”، سينهار ائتلافه الحكومي، ما يعني انتخابات مبكرة تهدد مستقبله السياسي.

2. الإرهاق العسكري والاجتماعي
*  الجيش الإسرائيلي أنهكته الحرب الطويلة، والاحتياط يضغط لإنهاء القتال.
* الرأي العام (72%) يؤيد وقف الحرب ضمن صفقة ترامب، لكن قاعدة نتنياهو السياسية تعارض ذلك.

3. الخضوع لمعادلة ترامب
*رغم محاولته تصوير الخطة كـ“انتصار شخصي”، إلا أنه مجبر على اتباعها تحت ضغط واشنطن.
* ترامب يستخدمه كورقة سياسية داخلية في حملته الرئاسية، مما يقلص هامش المناورة الإسرائيلية.

4. نقاط الضعف
* هشاشة التحالف الحاكم وتناقضاته الأيديولوجية.
*الخوف من فقدان السردية القومية التي بنى عليها شرعيته (“الأمن مقابل الردع”).
*خطر أن يبدو كمن رضخ للضغوط الأمريكية والعربية، لا كقائد منتصر.

ثالثًا: مقارنة تحليلية مباشرة

خلاصة المقارنة

كل من حماس ونتنياهو يفاوض تحت ضغط البقاء:
*حماس تريد وقف الحرب دون أن تُعلن هزيمتها.
*نتنياهو يريد إنهاء الحرب دون أن يخسر سلطته.

أما ترامب فيستغل هذا التوازن السلبي لدفعهما نحو اتفاق يخدم أجندته الشخصية والدعائية، مما يجعل المفاوضات في شرم الشيخ تقاطُع ضعفٍ لا تقاطُع قوة — أي أن كلاً من الطرفين مستعد لتنازل مشروط فقط لأنه لا يملك بديلًا أفضل.

disqus comments here