قراءة نقدية في خطاب محمود عباس أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة – الدورة الثمانون

الخطاب موجَّه للغرب أكثر من الفلسطينيين
بدا واضحًا أن محمود عباس يوجّه خطابه نحو الداعمين لإسرائيل، وعلى رأسهم الولايات المتحدة، أكثر من توجيهه لشعبه أو للمجتمع العربي.حيث ركّز عباس على طمأنة المجتمع الدولي، لا سيما الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، من خلال التعهد بإصلاحات داخلية (شفافية، إصلاح النظام المالي، إلغاء مخصصات الأسرى والشهداء، إشراف دولي على الانتخابات).
و ايضا أرسل رسالة ضمنية بأن السلطة الفلسطينية مستعدة للتخلي عن أدوات المقاومة والصمود مقابل الاعتراف السياسي والمالي الغربي.
وكأنه محاولة لإقناع الغرب بأن السلطة الفلسطينية “شريك يمكن الاعتماد عليه”، بدل أن يكون منبرًا يفضح الاحتلال وجرائمه.
2. تجاهل حقيقة الخذلان الدولي
عباس لم يستثمر المنصة لتعرية فشل المجتمع الدولي الذي خذل الفلسطينيين منذ عقود
فهناك أكثر من 1000 قرار صادر عن الأمم المتحدة لصالح فلسطين لم يُنفّذ،لكنها بقيت حبرًا على ورق (بما فيها حق العودة وحق تقرير المصير)،
لكنه لم يضع هذا التناقض في صلب خطابه، بل اكتفى بمطالبة جديدة دون مساءلة.
كان من المفترض أن يُحمِّل عباس هذا النظام الدولي مسؤولية فشله، بدلًا من أن يطلب منه مجددًا ما لم ينفّذ منذ 75 عامًا
3. غياب الإدانة الواضحة للاعتداءات الاسرائيليه
من أخطر ما كشفه الخطاب هو الانتقائية في المواقف. فقد اكتفى عباس بإدانة الاعتداء الإسرائيلي على قطر، في حين تجاهل:
العدوان على أسطول الصمود 2025 الذي حاول كسر الحصار عن غزة وأسفر عن ضحايا واعتقالات واسعة.
الغارات الإسرائيلية المتكررة على لبنان التي أوقعت شهداء مدنيين.
استمرار الاحتلال للجولان السوري والاعتداءات على سوريا.
هذا الانتقاء في الخطاب يعكس مفارقة سياسية واضحة: فبينما أظهر الرئيس الفلسطيني حرصًا على التضامن مع دولة عربية واحدة، تجاهل قضايا مركزية مرتبطة مباشرة بالاحتلال الإسرائيلي نفسه. وهو ما يعطي الانطباع أن خطابه صيغ وفق اعتبارات سياسية ودبلوماسية ضيقة، أكثر من كونه موقفًا وطنيًا شاملًا.
4. تغييب جوهر القضية: الاحتلال والضمّ
الخطاب لم يركّز على أن هناك احتلالًا عسكريًا للأراضي الفلسطينية منذ 1967، بل جاء وكأنه يتحدث عن “أزمة إنسانية” أكثر من كونه صراعًا مع احتلال استعماري.
لم يضع مخطط الضم في الضفة الغربية والتوسع الاستيطاني، وخاصة في منطقة “E1”، كأولوية في خطابه، رغم أنها أخطر ما يهدد أي إمكانية لدولة فلسطينية مستقبلًا.
5. تغييب الحق المشروع في النضال
غياب لغة النضال المشروع
في عام 1974، كان الخطاب الفلسطيني في الأمم المتحدة يعلن بوضوح حق الشعب الفلسطيني في النضال ضد الاحتلال. اليوم، غاب هذا البعد النضالي عن خطاب عباس، ليحل مكانه خطاب قانوني–إجرائي يدور حول القرارات الأممية غير المنفذة. هذا التحوّل يجرّد الخطاب من قوته الرمزية، ويضعه في خانة الاستجداء السياسي أكثر من كونه خطاب مقاومة وصمود.
6. اعترافات دولية غامضة لم يعلق عليها احد
أشار عباس باشاده إلى اعتراف بعض الدول بدولة فلسطين، لكنه لم يوضح أن هذه الاعترافات غامضة:
لا تحدد حدود الدولة الفلسطينية.
لا تحدد القدس الشرقية كعاصمة.
تتجاهل رفض مشاريع تبادل الأراضي التي تشرعن الاستيطان.
وهكذا، بدا الخطاب وكأنه يجمّل اعترافات غير مكتملة لا تلبي المطالب الجوهرية للشعب الفلسطيني.
7. تكرار خطاب بلا أدوات ضغط
كما في خطابات سابقة، لم يقدّم عباس أي أداة ضغط سياسية أو دبلوماسية على إسرائيل أو حلفائها.
لم يهدد بتعليق التنسيق الأمني، أو الانسحاب من اتفاقيات، أو تحريك ملفات قانونية بجدية.
اكتفى بالتذكير بالشرعية الدولية، التي يعرف الجميع أنها لم تُطبق منذ عقود.
بذلك، تحوّل الخطاب إلى مجرد مرافعة أخلاقية تعيد إنتاج ما قيل سابقًا، دون أثر عملي.
الخلاصة النقدية
خطاب عباس في الدورة الثمانين للجمعية العامة بدا دفاعيًا وضعيفًا، موجهًا أكثر نحو استرضاء الغرب بدلًا من تمثيل الشعب الفلسطيني.
لم يتبنَّ خطابًا تحرريًا يذكّر العالم بجوهر القضية: شعب تحت الاحتلال يملك حق المقاومة.
وبذلك، أعاد إنتاج ذات اللغة الدبلوماسية المستهلكة، التي لم تحقق للفلسطينيين سوى المزيد من الضياع والتراجع.
خطاب محمود عباس في الأمم المتحدة كشف مأزق القيادة الفلسطينية: الارتهان للشرعية الدولية وحدها رغم أنها لم تُترجم يومًا إلى حماية أو إنجاز سياسي حقيقي. لم يكن الخطاب صوتًا يعبّر عن معاناة الفلسطينيين تحت الاحتلال، بل محاولة لإرضاء الغرب عبر تقديم صورة “السلطة القابلة للإصلاح”.
وبتجاهله الاحتلال، ومشاريع الضم، وحق النضال، والاكتفاء بإدانة اعتداء على دولة عربية واحدة (قطر) دون غيرها، بدا الخطاب منفصلًا عن نبض الشارع الفلسطيني. وهكذا، بدل أن يكون منبرًا لفضح إسرائيل ومساءلة المجتمع الدولي، تحوّل إلى خطاب دفاعي يكرّس حالة العجز السياسي ويعيد إنتاج أزمة القيادة