نساء غزة بين مخاض الحياة ومخاض الموت

■ تحت سماء غزة التي إختلط فيها دخان القنابل وهدير الطائرات بصرخات المواليد، تحمل النساء معجزة الحياة في أحشائهن، بينما تحاصرهُنَّ أذرع الموت.
في قلب الكارثة الإنسانية التي تعصف بقطاع غزة، تتجلى قصة صمود لا مثيل لها، قصة المرأة الفلسطينية التي تواجه أهوال الحرب بقلب ينبض بالحياة، وعين ترنو إلى مستقبل أطفالها.
إنها حكاية نساء يصارعنَ بين مخاض الحياة ومخاض الموت، يحملن في أحشائهن الأمل، ويرضعن أطفالهن الصبر، بينما تتهاوى من حولهن كل مقومات الحياة.
ففي ظل القصف المتواصل، والحصار الخانق، ونقص كل ما هو ضروري للبقاء، أصبحت كل لحظة تمر على هؤلاء النساء معركة جديدة، وتحدياً يضاف إلى قائمة طويلة من التحديات التي لا تنتهي.
في قطاع غزة أصبحت الولادة معركة والرضاعة ملحمة يومية، تتحول الأمومة الى رحلة عذاب، تجربة الحمل في الظروف العادية رحلة مليئة بالتحديات والآمال، لكنها في غزة تتحول إلى كابوس حقيقي.
فوفقاً لتقارير اليونيسف، هناك أكثر من 17 ألف إمرأة حاملاً على حافة المجاعة، بينما تعيش 11 ألف إمرأة حاملاً في ظروف تشبه المجاعة.
هذا الواقع المرير ينعكس سلباً على صحة الأم والجنين، حيث يؤدي سوء التغذية والقلق المستمر إلى تفاقم الأوضاع الصحية، مما يزيد من مخاطر الإجهاض والولادة المبكرة والوفيات أثناء الولادة.
إن ندرة الرعاية الصحية قبل الولادة وبعدها، وتدمير البنية التحتية الطبية، يفاقم من هذه المأساة، فمن أصل 36 مستشفى في القطاع، لم يتبقَ سوى 16 مستشفى يعمل جزئياً، وثلاثة منها على وشك الإغلاق.
وفي مشهد يدمي القلب، يضطر ثلاثة أطفال حديثي الولادة إلى مشاركة حاضنة واحدة في مستشفى ناصر، في حين يرتفع معدل حالات الإجهاض وتشوهات القلب بين الأطفال حديثي الولادة بشكل مقلق.
هذه الأرقام ليست مجرد إحصائيات، بل هي قصص إنسانية مؤلمة، ووصمة عار على جبين الإنسانية.
لا تتوقف معاناة المرأة الفلسطينية في غزة عند مرحلة الحمل والولادة، بل تمتد لتشمل تحديات الرضاعة ورعاية المواليد في ظل ظروف الحرب القاسية.
فسوء التغذية والضغط النفسي الذي تتعرض له الأمهات، يؤثر بشكل مباشر على قدرتهن على الرضاعة الطبيعية، مما يحرم الأطفال حديثي الولادة من الغذاء الأساسي الذي يحتاجونه لنموهم وتطورهم.
ومع نقص حليب الأطفال، يواجه 135 ألف طفلاً دون سن الثانية خطر سوء التغذية الحاد، وهو ما يهدد حياتهم بشكل مباشر.
إن مشاهد الأطفال الذين يموتون ببطء بسبب الجوع وسوء التغذية، أصبحت واقعاً مؤلماً، دون أن تحرك هذه المشاهد ضمائر العالم المتواطئ.
إن معاناة نساء غزة، وخاصة الأمهات الحوامل والمرضعات، هي صرخة مدوية للعالم أجمع، إنها دعوة عاجلة لوقف إطلاق النار الفوري، وحماية السكان، وتوفير المساعدات الإنسانية دون قيود أو شروط، لا يمكن للإنسانية أن تقف مكتوفة الأيدي أمام هذه المأساة التي تتكشف فصولها كل يوم.
هذا الواقع المرير يتطلب تحركاً جدياً من المجتمع الدولي لإنقاذ الأمهات والأطفال في غزة، وتوفير لهم الحق في الحياة الكريمة والرعاية الصحية اللازمة.
فصمود المرأة الفلسطينية، وقدرتها على الإستمرار في رعاية أطفالها رغم كل الظروف، هو تأكيد على أن الأمل لا يموت ما دامت هناك قلوب تنبض بالحياة، في جحيم الحرب والدمار■