مدرسة الأمهات تنظم حواراً وطنياً موسعاً حول النساء النازحات والأمن الإنساني: تعزيز الحماية ضمن إطار قرار مجلس الأمن 1325

نابلس – وسط واقع فلسطيني معقد يفرض تحديات كبيرة على النساء، نظمت جمعية مدرسة الأمهات امس الأحد حواراً وطنياً موسعاً بعنوان: “النساء النازحات والأمن الإنساني.. تعزيز الحماية بقرار مجلس الأمن 1325″، في قاعة الجمعية بمدينة نابلس، وهدف اللقاء إلى تسليط الضوء على واقع النساء النازحات في شمال الضفة الغربية، واستكشاف الآليات العملية لتعزيز حمايتهن والخدمات المقدمة لهن ضمن إطار أجندة المرأة والسلام والأمن.
وقد افتتحت الأستاذة سناء شبيطة، المدير التنفيذي للجمعية، الحوار بكلمة تمهيدية وضعت الحضور أمام معاناة. للنساء النازحات. وقالت شبيطة: “النساء النازحات لا يواجهن فقدان السكن والموارد فقط، بل يواجهن العزلة الاجتماعية، وخطر العنف المتكرر، وتحديات الوصول إلى الخدمات الأساسية،وإن حماية المرأة النازحة ليست ترفاً، بل واجب إنساني وطني ودولي.”
وأضافت شبيطة أن النساء النازحات يشكلن شريحة اجتماعية شديدة الهشاشة، وأن أي استراتيجية حماية يجب أن تأخذ في الاعتبار الأبعاد النفسية، الاقتصادية، والاجتماعية المتشابكة التي تؤثر على حياتهن اليومية.
وفي هذه الكلمة الافتتاحية ربطت مباشرة بين الواقع الميداني والتزامات المجتمع الدولي، مما أتاح منصة مثالية لانطلاق الحوار بشكل شامل وعميق.
وحول الإطار القانوني والدولي لحماية النساء. فقد
افتتح الأستاذ علاء بدارنة، الخبير القانوني في مركز حريات، المحور الأول بتوضيح الإطار القانوني الدولي لحماية النساء في حالات النزوح. وركز بدارنة على المعايير الدولية لحقوق الإنسان، اتفاقيات جنيف، البروتوكولات الخاصة بالنساء والأطفال في النزاعات المسلحة، وأكد أن قرار مجلس الأمن رقم 1325 يشكل أداة حيوية لضمان حماية النساء ومشاركتهن في عمليات السلام وصنع القرار.
وأوضح بدارنة أن الواقع في شمال الضفة الغربية يعكس تحديات مركبة: التهجير القسري بفعل الاستيطان، القيود على التنقل، نقص الخدمات الأساسية، وصعوبة الوصول إلى العدالة. وأكد أن غياب البيانات الدقيقة يزيد من صعوبة تخطيط برامج حماية فعالة، وهو ما يستدعي تحسين آليات جمع البيانات وتحديثها بشكل مستمر.
وأشار بدارنة إلى أن النساء النازحات غالباً ما يواجهن أزمات مركبة من العنف النفسي والاجتماعي، وفقدان الأمن الاقتصادي، ما يجعل الحاجة إلى برامج حماية شاملة ومرنة أمرًا لا غنى عنه. هذه النقاط شكلت جسراً طبيعياً للفقرة التالية التي تناولت دراسة تقييم الاحتياجات بشكل عملي.
دراسة تقييم الاحتياجات: شراكة عملية لتعزيز الحماية
وقد قدمت جمعية النجدة، بالشراكة مع مدرسة الأمهات، دراسة تقييمية محدثة لاحتياجات النساء النازحات في شمال الضفة الغربية، شاملة مختلف المجالات الحيوية: الصحة، التعليم، الحماية من العنف، والتمكين الاقتصادي. وأظهرت الدراسة أن غياب برامج متكاملة يزيد من هشاشة النساء، بينما توفر التوصيات إطاراً عملياً لمعالجة الفجوات على الأرض.
وأكدت الدراسة على أهمية توحيد جهود المؤسسات الشريكة، اللجان الشعبية، والمجالس البلدية لتطوير برامج حماية فعالة، بما في ذلك إنشاء مراكز دعم نفسي واجتماعي، تقديم دعم قانوني، وتمكين اقتصادي يتيح للنساء استعادة استقلالهن تدريجياً. وشددت على ضرورة وجود آليات متابعة وتقييم لضمان تنفيذ هذه البرامج بشكل مستدام.
الأبعاد الوطنية والدولية: الحقوق والالتزامات
قدمت الدكتورة لونا عريقات، المحامية والناشطة الحقوقية، منظوراً قانونياً وحقوقياً متكاملاً، موضحة كيف يوفر القانون الفلسطيني حماية قانونية للنساء، بينما تضيف الالتزامات الدولية بعداً قوياً لضمان التنفيذ الفعلي. وأكدت أن ترجمة بنود قرار مجلس الأمن 1325 إلى برامج وسياسات عملية أمر حاسم لضمان أن تتحقق الحماية الفعلية للنساء، وليس فقط النظرية.
وشددت عريقات على أهمية مشاركة النساء في اتخاذ القرارات على جميع المستويات، من الحكومة إلى المجالس المحلية واللجان الشعبية، بوصفها ضمانة أساسية لتطبيق سياسات الحماية بشكل مستدام. وأوضحت أن إشراك النساء في وضع السياسات يعكس التزام المجتمع بحقوقهن ويعزز العدالة والمساواة.
التجربة المحلية: البلديات ولجان الطوارئ على الأرض
تضمنت الجلسة مشاركة خبراء من البلديات ولجان الطوارئ، حيث قدم الأستاذ عبد الله جرادات من بلدية برقين، والأستاذ سفيان بركات من لجنة طوارئ طولكرم، عرضاً عملياً لكيفية تقديم الدعم للنساء النازحات، بما يشمل الإسكان المؤقت، الخدمات الصحية والاجتماعية، وتنظيم أنشطة التمكين الاقتصادي والاجتماعي.
وأكد المشاركون على أن التعاون بين البلديات والمجالس المحلية والمؤسسات الشريكة ضروري لمواجهة التحديات اليومية، مشددين على أن الدعم المستمر والتنسيق الفعّال يمثلان مفتاح تعزيز الأمن الإنساني للنساء النازحات والفئات الضعيفة في المجتمع الفلسطيني.
حلقة النقاش: مواجهة التحديات واستكشاف الفرص
واستمرت الجلسة بحلقة نقاش تفاعلية أدارها ممثلون عن الهيئة المحلية والمؤسسات الشريكة، حيث ناقش المشاركون التحديات والفجوات واستكشفوا فرص تحسين الحماية والخدمات.
تم التركيز على نقاط رئيسية، أبرزها:
ضرورة تحديث البيانات عن النساء النازحات لضمان التخطيط الفعال.
تطوير برامج متكاملة تشمل الصحة والتعليم والحماية القانونية والدعم النفسي والاجتماعي.
إشراك النساء أنفسهن في صياغة البرامج واتخاذ القرار لضمان الاستجابة الفعلية لاحتياجاتهن.
تعزيز التعاون بين المؤسسات الحكومية والمجتمع المدني لضمان الاستمرارية والتمويل المستدام.
وخلال النقاش، تم استعراض قصص حقيقية للنساء النازحات، ما أضفى بعداً إنسانياً على الحوار، وأكد أن الفجوات لا يمكن رؤيتها فقط من خلال الإحصاءات، بل عبر التجارب اليومية الحقيقية التي تعكس حجم المعاناة.
التوصيات العملية
خرج الحوار بمجموعة توصيات عملية مباشرة، من أبرزها:
1. تطوير برامج حماية شاملة تشمل الدعم النفسي والاجتماعي للنساء النازحات.
2. تعزيز قدرة البلديات ولجان الطوارئ على الاستجابة الفورية في حالات النزوح أو الطوارئ.
3. إنشاء آليات فعالة لتوثيق الحالات ومراقبة تنفيذ البرامج والخدمات.
4. دعم المشاريع الاقتصادية الصغيرة لتمكين النساء النازحات وتعزيز استقلالهن المالي.
5. تكثيف حملات التوعية حول الحقوق الوطنية والدولية للنساء النازحات، بما في ذلك بنود قرار مجلس الأمن 1325.
6. إشراك النساء النازحات في صياغة البرامج واتخاذ القرارات لضمان تمثيل حقيقي لمصالحهن واحتياجاتهن.
وفي الختام: التزام مستمر وحماية فعّالة
اختتمت جمعية مدرسة الأمهات الحوار بكلمة ختامية أكدت فيها أن اللقاء لم يكن مجرد نقاش نظري، بل خطوة عملية لتوحيد الجهود الوطنية وتعزيز التعاون بين مختلف الأطراف، لضمان حماية النساء النازحات على أرض الواقع.
وأكدت شبيطة أن تحويل التوصيات إلى خطة عمل ملموسة، مع متابعة مستمرة لضمان تنفيذها، يمثل مسؤولية مشتركة لجميع الأطراف: مؤسسات المجتمع المدني، البلديات، ولجان الطوارئ. وأشارت إلى أن حماية النساء النازحات هي مسؤولية جماعية تتطلب تضافر الجهود الوطنية والدولية، وربط المعايير القانونية الدولية بالواقع الميداني، لضمان العدالة والمساواة والتمكين الحقيقي للنساء.
وختمت بالقول: “الحماية ليست شعاراً، بل واجب إنساني وحقوقي. هذه النساء في قلب صناعة القرار، وتجاربهن اليومية تشكل مرآة المجتمع الفلسطيني. الحوار الوطني الذي أدارته مدرسة الأمهات هو نموذج واضح لكيفية تحويل الالتزامات الدولية إلى واقع ملموس على الأرض، وضمان أن يكون للأصوات الهشة دور فاعل في صنع المستقبل.”