هل يقود الاعتراف الأوروبي بفلسطين إلى حل الدولتين؟

على مدار أكثر من 40 عامًا، عانى الشعب الفلسطيني، من ويلات العدوان الإسرائيلي، دون الوصول إلى أي مسار سياسي، يقود على إنهاء الصراع، وحل الدولتين أملا في الوصول إلى السلام الدائم، ولكن فشل كافة الجهود، التي بُذلت من خلال المفاوضات والمؤتمرات الدولية، بشكل متعمد من الجانب الإسرائيلي، رغبة من الكيان في القضاء حلم إقامة الدولة الفلسطينية.

أمل جديد يلوح في الأفق، جاء من خلال إعلان عدد من الدول الأوروبية، اعترافها بدولة فلسطين، وهو الأمر الذي يُعد محطة فارقة في مسار القضية الفلسطينية، ليس لأنه يغير موازين الصراع بشكل مباشر وفوري، بل لأنه يضيف بعدًا سياسيًا ورمزيًا مهمًا، يعكس تحولا تدريجيًا في التوجه الدولي تجاه الاحتلال الإسرائيلي.

الاعتراف الدولي بفلسطين، قوبل بترحيب واسع من الدول العربية والمؤسسات الدولية، ووضع إسرائيل في مواجهة عُزلة تتزايد يومًا تلو الآخر، ردًا على المشاهد المروعة، التي يتعرض لها شعب غزة، خاصة النساء والأطفال، بينما يحاول الفلسطينيون استثمار الاعتراف الدولي، في ظل تعقيدات داخلية وإقليمية.

الموقف العربي إيذاء الاعتراف الدولي بفلسطين، كان سريعاً وحاسماً، حيث أكدت جامعة الدول العربية أن الاعتراف الأوروبي انتصار للحق الفلسطيني، وخطوة نحو تصحيح الخلل التاريخي، تترجم نضالاً طويلاً للشعب الفلسطيني، وتزيد من شرعية مطالبه على الساحة الدولية.

وعلى المستوى الدولي، جاء دعم الأمم المتحدة، أعقبه مواقف مماثلة من دول أوروبية ومن منظمات حقوقية، وهو تحول جذري في رؤية المجتمع الدولي، الذي بدأ ينظر إلى أن استمرار العدوان الإسرائيلي على على الفلسطينيين، يمثل انتهاكًا صاخًا لحق الإنسان في الحياة، ويقوض جهود السلام في الشرق الأوسط.

في المقابل، أظهرت إسرائيل رفضًا قاطعًا وتوعدًا بردود سياسية ودبلوماسية، معتبرة أن الاعتراف خطوة "أحادية الجانب"، وهددت بفرض عقوبات على السلطة، والتوسع في ضم أراضي جديدة من الضفة الغربية، وهو ما يُشعل الصراع، وبالتالي يجب على المجتمع الدولي، أن يتصدى بقوة لممارسات إسرائيل، التي تخالف كافة القوانين والأعراف الدولية.

ومن المؤكد أن الاعتراف الأوروبي بدولة فلسطين، نهاية الصراع أو يحدث تغيير مباشر في الواقع الميداني، يحدث حالة من الحراك والزخم، يفتح الباب لمزيد من المكاسب الفلسطينية في الأمم المتحدة، ويعزز مكانة فلسطين داخل المنظمات الدولية، ويشجع على تحريك ملفات قانونية ضد إسرائيل أمام المحكمة الجنائية الدولية.

أمام التحرك الإيجابي، يظهر الانقسام الفلسطيني الداخلي، الذي يمثل عائقًا يضعف القدرة على استثمار الاعتراف، وتحويله إلى مكاسب سياسية، لذلك يجب على جميع الأطراف الفلسطينية، إنهاء كافة الخلافات والانقسامات، وتوحيد الصفوف لتكريس الجهود، لتحقيق مكاسب سياسية، تقود إلى إقامة الدولة الفلسطينية، عاصمتها القدس الشرقية.

وأمام المكاسب التي تتحقق في مسار القضية الفلسطينية، يأتي الموقف الأمريكي، الرافض الاعتراف بدولة فلسطين، عائقًا قويًا أمام الحراك الأوروبي، خصوصًا في مجلس الأمن، فضلًا عن احتمالية أن ترد إسرائيل بتوسيع الاستيطان، أو فرض عقوبات مالية على السلطة الفلسطينية، يعرقل جهود إنهاء الصراع.

الاعتراف الأوروبي، قد يبقى رمزياً إذا لم يتم بخطوات عملية، ولكن التحول الجذري في المقف الأوروبي، يفتح الباب لخطوات أكثر جدية، مثل الضغط الاقتصادي أو تقييد الاستيطان بشكل قانوني، لذلك على الفلسطينيين استثمار الاعتراف عبر توحيد موقفهم السياسي، وتعزيز حضورهم في المحافل الدولية، بما يعزز موقعهم التفاوضي ويمنحهم حماية إضافية لحقوقهم.

ومن المرجح أن تتبع دول أخرى المسار ذاته، وهو الأمر الذي يشكل كتلة ضغط متزايدة، تدفع باتجاه حل الدولتين، خاصة إذا ترافق الاعتراف مع أدوات سياسية واقتصادية مؤثرة، ويعيد صياغة بيئة التفاوض، بحيث يصبح استمرار الاحتلال أقل شرعية وأكثر ضغط على إسرائيل.

بالتأكد أن الاعتراف الأوروبي، إشارة قوية إلى أن العالم بدأ يتغير، نحو القضية الفلسطينية، ولكن يكمن التحدي في قدرة الفلسطينيين والعرب على استثمار هذا الاعتراف، وتحويله من مجرد موقف سياسي رمزي، إلى أداة ضغط فعلي تفرض على إسرائيل مراجعة خياراتها، وتدفع نحو مسار جديد يقر بحقوق الفلسطينيين ويعيد التوازن إلى معادلة السلام.

disqus comments here