في زمن الدم والحصار والجوع… هل الانتخابات أولوية؟

في اللحظة التي يقف فيها الشعب الفلسطيني أمام أكثر المحطات دمويةً ووحشيةً في تاريخه الحديث، وبينما تتساقط البيوت على رؤوس ساكنيها في قطاع غزة، وتفترش مئات آلاف العائلات جوعاً وعطشاً وتشريداً، وتشتد قبضة الاحتلال في الضفة والقدس، وتُحوّل الضفة الغربية إلى أرخبيل كانتونات، تحت الهيمنة الإسرائيلية الأمنية والإستعمارية، بينما يتعرض الحلم الفلسطيني بإقامة دولة مستقلة ذات سيادة لمخاطر. تخرج الدعوة إلى تشكيل لجنة تحضيرية لانتخابات المجلس الوطني. وكأن الدم لا يعني شيئاً، وكأن صرخات الجياع والمحرومين ليست أولوية، وكأن المشروع الوطني لا يحتاج سوى إلى مساحيق التجميل السياسية.

فهل في هذا التوقيت تصبح الانتخابات ضرورة وطنية؟ أم أنها محاولة التفاف جديدة على استحقاق أعمق: إعادة بناء المنظمة على أسس ديمقراطية وتعزيز موقعها التمثيلي؟ وهل يمكن إجراء أي عملية سياسية ذات مصداقية تحت سماء المحرقة في القطاع، وتحت ظل الانقسام والاحتكار وغياب الإرادة الجامعة؟

إن المشهد لا يحتاج إلى توصيف. منذ تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، يتعرض الشعب الفلسطيني في قطاع غزة لإبادة جماعية ممنهجة، تُنفّذها آلة حرب صهيونية تسعى إلى تفريغ الأرض من سكانها، وكسر إرادتهم الوطنية.

أما في الضفة، فتزداد جرائم التهجير، ويتمدد الاستيطان والضم. في القدس، يسابق الاحتلال الزمن لحسم مصير المدينة. في الشتات، يكابد اللاجئون الإهمال والنسيان والجوع والتشريد والحرمان.

في مقابل هذا، لا تقدم القيادة الرسمية مشروعاً وطنياً جامعاً، أو استراتيجية مواجهة وطنية. وبينما يصرخ الشارع الفلسطيني بالوحدة، بالكرامة، بالخبز، تخرج القيادة بمرسوم انتخابية خالية من التوافق، خاوية من ضرورات التوافق.

صدر المرسوم في توقيتٍ مفاجئ، غير منسجم مع ضرورات المرحلة، مرسوم رئاسي لا يراعي ضرورات المرحلة، ولآلام الناس وأولوياتهم. وبدلاً من أن تٌبنى على حوار وطني شامل يضم الكل الفلسطيني، جاء المرسوم ليفرض تركيبة لجنة تحضيرية، فاقدة للتعددية السياسية وللتوازن الوطني.

تم اختزال ضرورة "الحوار الوطني" إلى مجرد مشاورات، بينما أُقصيت فصائل وازنة، وأُفرغت مفاهيم الديمقراطية والشراكة من مضمونها.

إن المجلس الوطني الفلسطيني هو أعلى سلطة تمثيلية وتشريعية للشعب الفلسطيني، يجب أن يكون التعبير الأسمى عن وحدة الشعب، وعن طموحه في الحرية والإستقلال والعودة. ولكن اللجنة التحضيرية التي شُكّلت، في ظل غياب حوار جامع، ووسط حرائق الدم والدمار، لا تلبي ضرورات انتخاب مجلس وطني جامع.

إن أي عملية انتخابية تتطلب شروطاً أولية: الشفافية، التعددية، والشراكة الوطنية. فهل تتوفر هذه الشروط اليوم؟

الأهم من ذلك، ما هو الهدف الحقيقي من هذه الانتخابات؟ هل هي بناء مؤسسة وطنية جامعة؟ أم هندسة مجلس جديد على مقاس التزامات السلطة باتفاقات أوسلو؟

ما نحتاجه اليوم دعوة صادقة وشجاعة لحوار وطني شامل، يضع الأساس لإعادة بناء المنظمة على قاعدة تمثيل شامل وديمقراطية حقيقية. حوار يسبق أي خطوة إجرائية، ويؤسس لوحدة الصف، ويقطع مع التفرد والانقسام. الأولوية الآن هي وقف الحرب، وحماية الشعب

disqus comments here