أزمة التعليم لدى الطلبة الفلسطينيين في مصر وغزة

منذ ما يزيد عن عامين، وجد آلاف الفلسطينيين أنفسهم مضطرين لمغادرة قطاع غزة إلى مصر هربًا من أهوال الحرب، غير أن ما ظنّوه ملاذًا آمنًا كشف عن أزمة لا تقل قسوة: ضياع أبنائهم تعليميًا. فقد بقي الطلاب الفلسطينيون المقيمون في مصر بلا مدارس معتمدة تضمن لهم حقهم الطبيعي في التعلم، بينما لم تنجح الحلول المطروحة، وعلى رأسها التعليم عن بُعد، في تلبية الحد الأدنى من الاحتياجات. بل تحولت التجربة إلى عبء إضافي على الطلبة وأسرهم، إذ غابت عنها الجدية والانضباط، وانتهت إلى نتائج هزيلة لا تليق بقضية مصيرية مثل التعليم.
المفارقة الصادمة أنّ بعض المؤسسات الصغيرة داخل مصر استطاعت أن توفر مقاعد دراسية للطلاب الفلسطينيين، حتى وإن كانت بلا شهادات رسمية، بينما الجهة الرسمية الممثلة لشعبهم لم تبادر بأي خطوة عملية، واكتفت بالتذرع بأن المشكلة ليست من مسؤوليتها. هذا الموقف ترك آلاف الأطفال والفتيان فريسة للتسرب الدراسي والجهل، في مشهد يهدد بتقويض جيل كامل وحرمانه من أبسط حقوقه.
وإذا كان هذا الواقع مؤلمًا في مصر، فإنه لا يبدو أفضل حالًا داخل غزة نفسها، حيث يشكو الطلبة من غياب كامل للدعم الفني والتقني اللازم لتشغيل المنصات التعليمية. فالتعثر في التسجيل والدخول إلى النظام التعليمي الإلكتروني يقابل بصمت وعجز عن إيجاد حلول عملية، ما يجعل العملية برمتها أقرب إلى واجهة شكلية لا تنقذ طالبًا ولا تفتح أفقًا.
اليوم تتكشف ملامح مأساة متصاعدة: أطفال ينسون القراءة والكتابة، ومناهج تُمحى من الذاكرة، وأسر تحاصرها الحيرة والقلق على مستقبل أبنائها. إن ضياع عامين من أعمار الطلبة ليس حدثًا عابرًا، بل جرحًا عميقًا يهدد حاضرهم ومستقبلهم على السواء.
إن مواجهة هذه الأزمة تتطلب إرادة حقيقية وخطوات عملية عاجلة تبدأ بإنشاء مدارس معتمدة للطلبة الفلسطينيين في مصر أو وضع نظام تعليمي واضح وموحّد يضمن لهم الاستمرارية، إلى جانب توفير دعم فني فعال لطلاب غزة. فالتعليم ليس ترفًا يمكن التنازل عنه، بل هو الركيزة الأولى لبقاء الفلسطيني وصموده، وأي تفريط فيه إنما هو تفريط في المستقبل الوطني بأسره.