الصحافة الإسرائيلية الملف اليومي صادر عن المكتب الصحفي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين الخميس 9/10/2025 العدد 1429

الصحافة الاسرائيل- الملف اليومي افتتاحيات الصحف + تقارير + مقالات |
معاريف 9/10/2025
ليست الدولة الفلسطينية ما يهدد وجودنا بل أفكار مسيحانية ينادي بها متطرفون
بقلم: يورم دوري
يتناول أحد بنود خطة الرئيس ترامب الأفق السياسي للدولة الفلسطينية. وعلى عكس حالة الذعر التي انتابت الرأي العام الإسرائيلي وقيادته جراء موجة التصريحات الصادرة عن دول حول العالم بالاعتراف بدولة فلسطينية، مرّ جزء مماثل من خطة ترامب دون أي ذعر بين السياسيين الإسرائيليين. يصعب عليّ فهم أسباب الذعر المحيط بتصريحات الاعتراف. حتى وسائل الإعلام الإسرائيلية، بما فيها تلك التي تُنسب إلى اليسار، تتعامل مع الأمر كما لو كان تسونامي سياسيًا، كارثةً مروعة تُهدد مستقبلنا. ولكن كيف سيتغير وضعنا نتيجةً لهذه الإعلانات؟
إن إعلان الاعتراف المبدئي بدولة فلسطينية لا يُنشئ كيانًا سياديًا جديدًا بين عشية وضحاها، ولا يُعرّض أمننا الشخصي للخطر. لقد عانينا من أضرار جسيمة مرتبطة بالإرهاب لفترة طويلة، عندما لم يكن للفلسطينيين دولة. ولم تتطلب مجزرة السابع من أكتوبر/تشرين الأول اعترافًا دوليًا.
الاعتراف الأوروبي إلى جانب هذا البند في خطة ترامب، لا يؤثران على التهديدات الأمنية التي تواجه إسرائيل. أمننا يُحدد بقرارات القيادة السياسية، وجاهزية الجيش الإسرائيلي، وقدرتنا على الصمود كمجتمع، وليس بخطابات في برلمان أجنبي. لنتذكر أن حزب الله، التنظيم الإرهابي الخطير، كان يعمل أيضًا من دولة ذات سيادة، لبنان، وهذا لم يمنعنا من تصفية قادته، وتدمير أسلحته، وإلحاق أضرار جسيمة ببنيته التحتية. شعرتُ بخيبة أمل عندما اكتشفتُ أن يائير غولان، زعيم الحزب الديمقراطي (العمل وميرتس)، كان هو الآخر متأثرًا بهذه الإعلانات، وسارع إلى التعبير عن معارضته لهذه الخطوة الدولية (“هذا ليس الوقت المناسب”، إلخ)، مع أن الاعتراف بدولة فلسطينية جزء من البرنامج التاريخي لكلا الحزبين. إن الرواية التي تم ترسيخها، والتي تعتبر الاعتراف تهديدًا وجوديًا، تُسبب أيضًا انفعالًا وتثبيطًا لدى سياسيي اليسار.
لكن الحقيقة عكس ذلك: هذا الاعتراف قد يفيدنا. أولاً، يُذكرنا بأن الحل المنشود هو حل الدولتين – الحل الوحيد الذي يضمن الأمن ويُقلل من دائرة سفك الدماء. ثانياً، قد يفتح أفقاً سياسياً للفلسطينيين، ويُقلل من جاذبية الصراع العنيف. ثالثاً، قد يُشكل رافعةً لإسرائيل لاستئناف المفاوضات المباشرة، بدلاً من الانجرار إلى نقاشات دولية عقيمة. لا داعي للخوف. السؤال الحقيقي ليس ما إذا كان سيُمنح الاعتراف الدولي للفلسطينيين، بل ما إذا كانت هناك حكومة في إسرائيل تعرف كيف تُدير الأمور بحكمة وتستغل الوضع الدولي لتعزيز أمننا، وتسير بشجاعة على طريق يُفضي إلى إنهاء الصراع. هذا بدلاً من تفضيل الأهواء المسيحانية على الواقع الاستراتيجي.
-------------------------------------------
هآرتس 9/10/2025
هذا هو الجدول الزمني للمرحلة الأولى: هل يتفق تماماً مع “خطة ترامب”؟
بقلم: يونتان ليس
بعد 24 ساعة من إقرار الاتفاق في إسرائيل، سيبدأ الجيش الإسرائيلي بالانسحاب إلى الخط المتفق عليه. وفي غضون 72 ساعة، سيتم إطلاق سراح جميع الأسرى الأحياء. ولم تُحدد بعد قائمة الأسرى الفلسطينيين الذين سيتم إطلاق سراحهم.
بعد عشرة أيام بالضبط من نشره خطته لإنهاء الحرب في قطاع غزة، أعلن ترامب الليلة (الخميس) أن إسرائيل وحماس قد اتفقتا على “المرحلة الأولى” من الاتفاق. وتشمل هذه المرحلة إعلان الطرفين انتهاء الحرب، وإطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين والأسرى الفلسطينيين، وانسحاب الجيش الإسرائيلي إلى الخط الأصفر داخل قطاع غزة – وهو أول خطوط الانسحاب الثلاثة التي طرحها ترامب في خطته الأصلية. في الوقت نفسه، ستسمح إسرائيل بدخول مساعدات إنسانية واسعة النطاق عبر الأمم المتحدة ومنظمات دولية أخرى. وبما أن الاتفاق بين الطرفين لم يُعرض على وسائل الإعلام، فليس من الممكن معرفة ما إذا كان يتوافق تمامًا مع خطة ترامب. يمكن الافتراض أنه في ضوء الخطة المقدمة، بالإضافة إلى الضغط الذي يمارسه ترامب على الطرفين، ربما يكون الجدول الزمني لتنفيذها أكثر صرامة مما كان عليه في الاتفاقين السابقين بين الطرفين، في نوفمبر 2023 ويناير 2025.
الجدول الزمني المتوقع لتنفيذ المرحلة الأولى من الاتفاق بين إسرائيل وحماس
بعد ظهر اليوم: سيقرر مجلس الوزراء السياسي والأمني والحكومة اعتماد الاتفاق، مما يؤدي إلى إعلان انتهاء الحرب.
بعد 24 ساعة من إعلان انتهاء الحرب: سيبدأ جيش الإسرائيلي بالانسحاب إلى الخط المتفق عليه للسماح لحماس بالعثور على جميع المختطفين.
بعد 48-72 ساعة من إعلان انتهاء الحرب: سيتم إطلاق سراح جميع المختطفين الأحياء. بحلول موعد عودة جميع المختطفين الأحياء: سيتعين على إسرائيل وحماس الانتهاء من صياغة قائمة الأسرى الفلسطينيين الذين سيتم إطلاق سراحهم.
من المتوقع أن يجتمع مجلس الوزراء السياسي والأمني والحكومة بعد ظهر اليوم لاتخاذ قرار بشأن اعتماد الاتفاق، مما يؤدي إلى إعلان انتهاء الحرب. وفقًا لمخطط ترامب الأصلي، سيبدأ الجيش الإسرائيلي في اليوم التالي الانسحاب إلى الخط الأصفر للسماح لحماس بتحديد مكان جميع الرهائن. 72-48 بعد أن تعلن الحكومة انتهاء الحرب، سيتم إطلاق سراح جميع الرهائن الأحياء. ووفقًا للتقديرات، من المتوقع أن تتم عملية الإفراج يومي الأحد والاثنين. وفي الوقت نفسه، تحتاج إسرائيل وحماس إلى استكمال تشكيل قائمة السجناء الفلسطينيين الذين سيتم إطلاق سراحهم، وسيتعين على “القدس” نشر القائمة مسبقًا للسماح للجمهور بتقديم التماس ضدها. بعد تنفيذ المرحلة الأولى، من المتوقع أن تواصل الأطراف المحادثات لإكمال المفاوضات بشأن الأقسام المتبقية من المخطط – الطريقة التي سيتم بها تنفيذ مطلب نزع السلاح من القطاع ونزع سلاح حماس؛ ومصير نشطاء حماس الذين يرغبون بالبقاء في القطاع؛ والسماح للفلسطينيين، بمن فيهم نشطاء حماس، الذين غادروا القطاع أثناء الحرب بالعودة؛ وتشكيل إدارة فلسطينية تكنوقراطية مؤقتة مسؤولة عن تقديم الخدمات العامة، إلى جانب إنشاء هيئة مراقبة دولية مؤقتة تُسمى “مجلس السلام”، برئاسة ترامب ورئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير.
------------------------------------------
يديعوت أحرونوت 9/10/2025
إسرائيل: هل حان تحقيق ربح استراتيجي مع تركيا؟
بقلم: يونتان أديري
انطلاقًا من ثقل إسرائيل والقوة الناجمة عن تفكيك المحور الشيعي، ينبغي لإسرائيل السعي لتحقيق توازن جديد مع تركيا، يشمل تطبيع العلاقات بين البلدين.
إسرائيل في خضم تفكيك التحدي الشيعي بأكمله. وبطبيعة الحال، في الأسابيع الأخيرة، دخلت مجموعة جديدة من تحديات الفراغ: المحور التركي القطري. أدوات الاستراتيجية القديمة من عزل المحور الشيعي عن واشنطن، وجمع المعلومات الاستخبارية المكثفة، والعقوبات، وأخيراً الاحتكاك العسكري، كلها لن تنجح في السياق التركي. هناك حاجة إلى أدوات أخرى ضد أنقرة: تحويل القوة العسكرية وأذرع الحرب إلى شبكة من المصالح والتعاون. تركيا تقود المؤامرة. أدت هيمنة مبعوث الرئيس ترامب لتشكيل الشرق الأوسط، السفير في أنقرة، توم باراك، إلى سلسلة من الاختراقات في واشنطن: من اجتماع ترامب وأردوغان الناجح، إلى دخول رسمي لرئيس المخابرات التركية إبراهيم قالين في محادثات شرم الشيخ بشأن اتفاق لإنهاء الحرب، إلى دور أنقرة في إقناع حماس بفتح الاتفاق بالإفراج عن الرهائن في غضون 72 ساعة. تركيا توقفت عن العمل كطرف في العملية وانتقلت إلى موقف تكويني.
لقد نضجت أنقرة في السنوات الأخيرة في اتخاذ خطوات استراتيجية أكسبتها أصولاً مهمة. اقتصاد يقترب من الناتج المحلي الإجمالي الاسمي البالغ حوالي 1.44 تريليون دولار، وصادرات سلعية تبلغ حوالي ربع مليار دولار في عام 2024، وصناعات دفاعية تحقق رقماً قياسياً في صادراتها الدفاعية يبلغ حوالي 7.1 مليار دولار في عام 2024.
تركيا تعزز نفوذها في الشرق الأوسط. أدت قاعدة تركسوم في مقديشو، وهي الأكبر خارج تركيا، إلى اكتشاف حقل نفطي ضخم قبالة سواحل البلاد. في ليبيا، حافظت على وجود مستشارين وطائرات مسيرة وغطاء بحري أصبح ركيزة للنفوذ السياسي والاقتصادي في شمال إفريقيا وأوروبا. في شرق البحر الأبيض المتوسط، تُترجم عقيدة “الوطن الأزرق” إلى مطالبات وطموحات بحرية تعبر البحر الأسود وبحر إيجة والبحر الأبيض المتوسط. هذه ليست أحداثاً معزولة، بل سلسلة مدروسة تُحوّل قدرات الانتشار الصناعي والاقتصادي والعسكري إلى قوة دبلوماسية فعالة، قوة تُمكّن أنقرة من التأثير على طاولات المفاوضات الإقليمية وليس فقط على ساحات القتال. أصبحت فكرة “الوطن الأزرق”، دلالة على مفهوم الهيمنة التركية، أحد محاور ثقل الأمن القومي. إنها رؤية سيادية تمتد من حدود البلاد إلى البحر، وتوحد الأمن والطاقة والنقل والتجارة في عملية منظمة.
تتطلب هذه الرؤية أدوات متكاملة: بناء قوة بحرية مرنة، إلى جانب دبلوماسية بحرية فاعلة تنتهي باتفاقيات تمنح تركيا مناطق اقتصادية واسعة.
لذلك، فإن ما فَكَّك المحور الشيعي لن ينجح في إدارة الخلاف مع تركيا. من المستحيل عزل أنقرة في واشنطن، ومن المستحيل “كسرها” بالعقوبات والاحتكاك العسكري؛ فقوتها الاقتصادية والصناعية تُترجم إلى فطنة دبلوماسية وقدرة على الوساطة تمنحها وزنًا زائدًا. تتمتع إسرائيل بنفوذ كبير في مجال التفوق التكنولوجي والفضاء والمرونة الاقتصادية، مما يُمكّنها من تحقيق توازن جديد. هذا، بالإضافة إلى الأصول الفريدة التي راكمتها إسرائيل في سوريا، والقدرة على منع التغلغل التركي في هذا الفضاء – وهو شرط ضروري لتحقيق رؤية “الوطن الأزرق” في منطقة سوريا وقبرص واليونان.
باستخدام أدوات الضغط الإسرائيلية والقوة الناتجة عن تفكيك المجمع الشيعي، ينبغي لإسرائيل السعي إلى تحقيق توازن جديد مع تركيا، يشمل التطبيع بين البلدين (اقتصاديًا ودبلوماسيًا) وإبرام مناطق تعاون حول الأمن البحري في شرق البحر الأبيض المتوسط، وقيود وحدود واضحة في الساحة الفلسطينية. من الصواب استغلال الأمريكيين، الذين يقضون شهر عسل مع الأتراك ولديهم قضايا أخرى مفتوحة معهم على جدول الأعمال، لصالح هذا الاتفاق. هذا ليس تسوية، بل تحويل للقوة العسكرية إلى ربح استراتيجي، وهو السبيل الوحيد لعدم إضاعة ميزة إسرائيل اللحظية.
-------------------------------------------
هآرتس 9/10/2025
أحدها عرقلة الصفقة.. ما أسباب رفض اليمين الإسرائيلي إطلاق سراح البرغوثي؟
بقلم: أسرة التحرير
لأول مرة منذ شهور، تجري مفاوضات حقيقية لإنهاء الحرب في قطاع غزة والتوصل إلى اتفاق شامل. اجتمعت وفود من إسرائيل وحماس ومصر وقطر والولايات المتحدة في شرم الشيخ، في الوقت الذي يضغط فيه ترامب على جميع الأطراف، بما في ذلك نتنياهو. يبدو أن أياً من الطرفين لا يرغب في التورط مع الرئيس الأمريكي، وهو خبر سار لكل من يأمل في إنهاء الحرب وعودة الرهائن.
والآن، تحديداً، يجب ألا نسمح لمعارضي الصفقة – في الحكومة، والإعلام، والشبكات، والشارع – بإحباطها. أولئك الذين يتوقون إلى “نصر مطلق”، أي احتلال قطاع غزة، وتهجير سكانه، وإقامة مستوطنات، لا يريدون إنهاء الحرب وإعادة الرهائن، بل يريدون استمرارها مهما كلف الأمر.
يُطلق معارضو الصفقة “خطاً أحمر” جديداً في كل مرة؛ والآن هذا هو مروان البرغوثي.
سلمت حماس إسرائيل قائمة بأسماء السجناء المطلوب إطلاق سراحهم – 250 اسماً، ممن يستوفون معيارين: السن ومدة الخدمة في السجن. القائمة تشمل البرغوثي، وأحمد سعدات، وحسن سلامة، وآخرين. وذكرت صحيفة وول ستريت جورنال، أمس، أن حماس تطالب أيضًا بإعادة جثتي يحيى ومحمد السنوار (نفت الحركة ذلك). وقد عززت القائمة، وخاصة اسم البرغوثي، موقف معارضي الصفقة وسعيهم لإفشالها. وقد انتزع بن غفير وسموتريتش بالفعل التزامًا من نتنياهو بعدم إطلاق سراح البرغوثي.
وحتى لو برر هؤلاء معارضتهم بذرائع أمنية، فهي ليست أمنية، بل سياسية: احتمال أن يصبح البرغوثي الزعيم الفلسطيني القادم. لكن هذا ليس مبررًا لإفشال الصفقة. يجب أن تكون إسرائيل منفتحة على تغيير في هيكل القيادة الفلسطينية، لا سيما في ضوء المطالبة بإصلاحات في السلطة الفلسطينية، وبعد القضاء على قيادة حماس، والاعتراف الدولي بعدم قدرتها على المشاركة في “اليوم التالي” في قطاع غزة. حتى إعادة جثمان السنوار، إن كانت حماس قد طالبت به بالفعل، لا ينبغي أن تُفسد الصفقة. لا قيمة للردع هنا، بل هو مجرد تمسك أعمى برموز قديمة وانتقام. الصفقة بطبيعتها تتضمن دفع ثمن. من يطرح إطلاق سراح البرغوثي أو إعادة جثمان السنوار كسبب لنسف الصفقة، فهو في الواقع يريد العودة إلى القتال ومواصلة التخلي عن الرهائن.
الأمر الوحيد المهم هو حياة الرهائن، ووقف القتل والدمار في قطاع غزة، ومستقبل الشعبين. قد يتذكر اليمين المتطرف من أطلق سراح البرغوثي، لكن التاريخ لن ينسى من منع إطلاق سراح الإسرائيليين الأبرياء وضحى بهم حتى الموت. يجب ألا ندع هؤلاء الناس يضيعون فرصة إنهاء الحرب.
-------------------------------------------
يديعوت أحرونوت 9/10/2025
ستكتشف الحقيقة بزيارتك لأي مدينة أوروبية: إسرائيل هُزمت سياسياً
بقلم: آفي يسسخروف
في ظل التقارير المتفائلة التي تصل من شرم الشيخ، عن تقدم دراماتيكي في الاتصالات بين حماس وإسرائيل على صفقة لتحرير المخطوفين ينبغي القول: سجلت إسرائيل لنفسها منذ بداية الحرب بضعة إنجازات عسكرية مهمة على الأرض، بما في ذلك ما يلوح كموافقة من حماس لإبقاء قوات الجيش داخل أراضي القطاع، حالياً على الأقل. غير أن الإنجازات العسكرية في السنتين الأخيرتين لم تترجم فقط إلى إنجازات سياسية بل أصبحت فشلاً سياسياً خطيراً، حتى كلمة قصور ثناء عليها.
رغم الدمار الهائل في غزة، ورغم عدد القتلى الفلسطينيين الذي يرتفع كل الوقت (67 ألفاً)، ومع أن الذراع العسكري لحماس تلقى ضربات قاسية وفقد كل قيادته العليا، سترى حماس في طوفان الأقصى، نصراً. ليس أقل. صحيح أن الحديث لا يدور عن نصر في معارك قطاع غزة أو في مواجهة جنود الجيش الإسرائيلي، لكنها تنتصر في الساحة السياسية والدولية. حماس تنتصر لأن عملية عسكرية عنيفة تأتي لتحقيق أهداف سياسية فتحققها حماس تباعاً، فيما دولة إسرائيل برئاسة نتنياهو جعلت استمرار الحرب هدفاً سياسياً، أو للدقة حزبياً، وهجرت الأهداف السياسية للحرب بكل إهمال. بالنسبة لمنظمة جهادية كحماس، فإن الدمار الهائل الذي نتباهى نحن به كـ “إنجاز” هو إنجاز بالنسبة لهم. ومثله أيضاً عدد القتلى الهائل في أوساط سكان القطاع. من ناحية حماس، كل هؤلاء هم القربان الذي ينبغي التضحية به في حربها الأبدية، وكل هؤلاء سيزيدون الكراهية تجاه إسرائيل، ليس في غزة أو الضفة الغربية فحسب، بل في كل زاوية في العالم.
وحماس لا ينقصها نماذج نصر كهذه. أي زيارة لمدينة في أوروبا تجسد حجم الهزيمة السياسية. يافطات في كل زاوية، فتيان وشبان أوروبيون لا فكرة لهم عما يحصل في غزة نراهم يلفون الكوفية السوداء – البيضاء على رقابهم. ومظاهرات وإضرابات باسم “الإبادة الجماعية” في غزة، وعنف يتفجر بل وحتى عمليات ضد أهداف يهودية. صحيح أن قسماً من المتظاهرين يخرجون إلى الشوارع كي ينفسوا على حكومتهم أو لأسباب أخرى، لكن حماس نجحت في تجنيد الجماهير في أوروبا للتضامن معها، حيثما فشلت حكومة إسرائيل. المشكلة الأخطر: فشل الحكومة الذريع هو الشكل الذي يميل فيه الرأي العام في الولايات المتحدة ضد إسرائيل، بما في ذلك الحزب الجمهوري. ينبغي أن تضاف إلى ذلك إنجازات حماس في الساحة الدبلوماسية: اعتراف دول غربية كبرى بدولة فلسطين، كنتيجة مباشرة لغياب السياسة أو الاستراتيجية الإسرائيلية.
ينبغي أن يقال: شعبية حماس في قطاع غزة في هبوط. ثمة غضب فلسطيني هائل تجاه المنظمة، رغم أن التأييد لحماس كان في ذروته قبل لحظة من 7 أكتوبر. غير أن الجمهور الغزي يخاف كما يخاف من الموت، بكل معنى الكلمة، يعاقب كل من يخرج محتجاً ضد حماس. الغضب الجماهيري الفلسطيني لم يعد عاملاً مؤثراً من ناحية حماس رغم أنها اهتمت بالرأي العام الفلسطيني. ترى حماس نفسها الآن تعمل وفقاً لنموذج الجهاد الإسلامي. بمعنى الطليعي الذي يسير أمام المعسكر ويدير حرب التحرير الفلسطيني، حتى لو كان من يدفع الثمن هم الغزيون (وسكان الضفة). يفهم مسؤولو المنظمة بأن وقف نار يؤدي إلى تحرير سجناء بالجملة، إلى جانب وقف الحرب وإعمار القطاع، سيؤدي إلى ارتفاع متجدد في التأييد لحماس. كما أن المفاوضات الجارية الآن تجسيد للوضع السياسي الجديد الذي تعيشه المنظمة، خصوصاً حين يكون حتى المندوبون الأمريكيون ومعهم ممثلو قطر وتركيا ومصر، يتحدثون مباشرة مع حماس.
إذا ما خرج مخطط ترامب إلى حيز التنفيذ مثلما نشر، سيكون في ذلك إنجاز إسرائيلي مهم على المستوى العسكري، لكن مرة أخرى: بلا قدم سياسية متممة، وبلا تغيير للواقع السياسي في غزة، ستجني حماس الكثير من الأرباح السياسية والحزبية في الساحة الفلسطينية الداخلية.
-------------------------------------------
معهد القدس للسياسة والأمن 9/10/2025
إسرائيل بـ”عرباتها” تخفق في تحقيق أهداف الحرب: غزة.. إلى متى؟
(2 من 2)
بقلم: البروفيسور غابي سيبوني، وإيريز وينر
عملية “بأس وسيف” (18 آذار – 16 أيار 2025)
انتهت عملية إعادة الأسرى الثانية مطلع آذار، ولم يُحرز أي تقدم في استكمالها حتى المرحلة الثانية واستعادة المزيد من الأسرى. ورغم انتهاء مدة الاتفاق، لم تستأنف إسرائيل القتال فورًا كما أعلنت، وبذل المنسق الأمريكي ستيف ويتكوف، عدة محاولات لصياغة اتفاق جزئي آخر (إعادة نصف الأسرى أحياء). وإزاء إصرار حماس، اتُخذ قرار سياسي بعملية محدودة ومحددة زمنيًا تهدف إلى الضغط على حماس للعودة إلى بنود الاتفاق الجزئي. ووضعت القيادة الجنوبية خطةً بناءً على ذلك، حيث تتمثل الفكرة العملياتية في ممارسة أقصى قدر من الضغط لفترة محدودة، مع الالتزام بإطار عمل يسمح باستمرار العمليات في صيغة العملية الشاملة والموسعة التي خُطط لها مسبقًا، في حال عدم امتثال حماس لبنود الاتفاق.
بدأت عملية “بأس وسيف” ليلة 18 آذار بهجوم شرس على حماس في قطاع غزة، واستمرت بمناورات محدودة في مناطق مختارة، مع التركيز على جنوب وشمال القطاع. بعد أيام قليلة من الضغط المتزايد الذي أثر بالفعل على حماس واستعدادها للتراجع، أقنع الخطاب الإسرائيلي الداعي إلى وقف القتال والتوصل إلى اتفاق شامل “الكل مقابل الكل” حماس بعدم وجود مبرر للتراجع، وفقدت العملية هدفها. ورغم الفهم المسبق بأنها عملية محدودة ومحددة زمنيًا، ورغم عدم تحقيق هدف الضغط على حماس، استمر استخدام القوة بهذا الشكل قرابة شهرين، وخلال هذه الفترة فقدنا زخمًا عملياتيًا وموارد، بما في ذلك الموارد القيّمة المتمثلة في جنود الاحتياط الذين استُدعوا لجهود إضافية لهزيمة حماس، ووجدوا أنفسهم مرة أخرى في عملية مستمرة لا تحقق الهدف الذي استُدعوا من أجله.
عملية “عربات جدعون” (16 أيار- 6 آب 2025)
في هذه المرحلة، غيّر رئيس الأركان الجديد، إيال زامير، الخطة التي كان قد أقرّها سابقًا، وصاغ خطة جديدة لم يكن هدفها الرئيسي هزيمة حماس، بل الضغط على إسرائيل لإعادة الرهائن. وفي إطار هذا الهدف، نفّذ الجيش عمليات مكثفة جنوب قطاع غزة، وأنشأ ممرًا جديدًا – “ممر موراغ” – بين خان يونس ورفح. وفي الوقت نفسه، شُنّ هجوم على مستوى الفرقة على خان يونس. وامتنع الجيش عن دخول مدينة غزة خوفًا من إيذاء الرهائن، ونفّذ عملياته في شمال قطاع غزة وشرقه على أطراف مدينة غزة، على عكس المنطق العملياتي للخطة الكبرى التي عُرضت وأُقرّت قبل شهرين فقط. وفي إطار هذا النشاط، ركّزت الجهود الرئيسية على تدمير البنية التحتية فوق وتحت الأرض، مع تقدّم بطيء واستخدام مكثف للآليات الهندسية لتدميرها. فيما يتعلق بالمساعدات الإنسانية، بدأت العملية بوقف جميع المساعدات الداخلة إلى قطاع غزة (لا تزال ضمن عملية “بأس وسيف”). في نهاية أيار، بدأت المؤسسة الأمريكية عملها، لا سيما في جنوب ووسط قطاع غزة. ولأن الجيش اختار عدم نقل السكان من مدينة غزة، رغم تصريح المدعي العام العسكري بأن هذه الخطوة غير قانونية، فقد نشأ نقص غذائي في مدينة غزة. وقد أبدت المدعية العامة العسكرية رأيها بأن الجيش مُلزم بتقديم المساعدات للسكان الذين بقوا في مدينة غزة، وعدم الاكتفاء بالسماح للمدنيين بالتنقل جنوبًا والاستفادة من المساعدات الموجودة هناك. وهكذا، وخلافًا للخطة الأصلية، وفي تناقض تام مع المنطق العملياتي والقانون الدولي، بدأ الجيش بإدخال المساعدات إلى مدينة غزة بطريقة غير خاضعة للرقابة والسيطرة. وقد أدى إدراك أن المساعدات الواردة تصل إلى حماس وتعزز نفوذها إلى توجيه القيادة السياسية بوقف إدخال المساعدات بهذه الطريقة، وصياغة بدائل تتيح التحكم في المساعدات الواردة. من هنا انطلقت حملة دولية في تموز 2025 لمعالجة المجاعة في غزة، وهي حملة دفعت الحكومة الإسرائيلية إلى الموافقة على إدخال مساعدات واسعة النطاق وغير خاضعة للرقابة إلى قطاع غزة. ويعود هذا الفشل في إدارة الجهد المدني إلى سببين رئيسيين: أولاً، لم يلتزم الجيش التزاماً كاملاً بتنفيذ المهمة؛ إذ كان ينبغي إنشاء قيادة مهمة لإدارة الجهد، برئاسة قائد عملياتي يدرك أهمية المهمة. ثانياً، مواقف النائب العام العسكري ومنسق أعمال الحكومة في المناطق، مما صعّب إجراء التغيير اللازم والضروري في طريقة إدارة المساعدات، بل أدى إلى العودة إلى الصيغة القديمة وغير المقبولة التي تصل من خلالها المساعدات إلى حماس وتعززها.
كما لم تُحرز مهمة فصل السكان عن حماس أي تقدم يُذكر، ويعود ذلك جزئياً إلى نفس غياب السيطرة على الجهد وإدارته من قبل الجيش والقيادة الجنوبية، وجزئياً أيضاً إلى الصعوبات القانونية المزعومة التي تراكمت لدى النائبة العسكرية العامة ومنسق أعمال الحكومة في المناطق. أصدر المستوى السياسي تعليماته للجيش بإنشاء “مدينة إنسانية” في المنطقة التي طهرتها قواتنا في رفح، وردًا على ذلك، وكما حدث مع الحكم العسكري، سُرّب عرضٌ ترهيبيٌّ يُشير إلى الحاجة إلى نشرٍ واسع النطاق للقوات، بتكلفة عشرين مليار شيكل، يستغرق تنفيذه أشهرًا طويلة. أُجري تحليل التكلفة والوقت اللازمين فعليًا للمهمة في إطار العمل على إنشاء الصندوق الأمريكي، وأجرته بالتوازي جهاتٌ مدنيةٌ أخرى، استنادًا إلى معيارٍ للمقارنة من أنشطةٍ مماثلةٍ في أنحاءٍ أخرى من العالم، بما في ذلك بياناتٌ من وكالاتٍ أمميةٍ مختلفة. كانت الأرقام مختلفةً تمامًا. ومرةً أخرى، استغلّت المؤسسة الأمنية الأرقام بشكلٍ مُشكِلٍ وتسريباتٍ مُتعمّدةٍ للضغط على الرأي العام ضد قرارات المستوى السياسي، مما أضرّ بإمكانية تحقيق أهداف الحرب.
بعد فشل هذه العملية أيضًا في إقناع حماس بالتفاوض بشأن شروط إعادة الرهائن، نشأ خلافٌ بين المستويين السياسي والعسكري. سعت المستويات السياسية إلى رؤية خطة تُحقق أهداف الحرب كما هي مُحددة، وفي مقدمتها تدمير البنية التحتية العسكرية والحكومية لحماس. زعم الجيش أن عملية “عربات جدعون” قد حققت هدفها (وليس من الواضح كيف، إذ لا تزال حماس مُصرة على عدم دفع المفاوضات حتى بشأن نصف الأسرى، ولم تُدمر قدراتها). كما زعم أن استمرار احتلال ما تبقى من قطاع غزة في أيدي حماس، وخاصة مدينة غزة، سيُعرّض حياة الأسرى للخطر. وزُعم أيضًا أن رئيس الأركان لا يُؤمن بإنشاء “مدينة إنسانية” في رفح يُنقل إليها سكان غزة بعد التفتيش والتدقيق، ويُعارض سيطرة جنود جيش الدفاع الإسرائيلي على السكان المدنيين، ويضغط من أجل إبرام صفقة أسرى مهما كلف الأمر. عندما اتضح استحالة التوصل إلى اتفاق كهذا من وجهة نظر حماس، قدّم الجيش خطةً لمحاصرة ما تبقى من مناطق تحت سيطرة حماس (مدينة غزة، والمخيمات الوسطى، ومخيم المواصي) وشن هجوم مضادّ بإطلاق النار والغارات. لم يقبل المستوى السياسي الخطة، وطالب بخطة بديلة، مشابهة في صياغتها للخطة التي عُرضت على إيال زامير عند توليه منصبه – خطةٌ تهدف إلى احتلال مدينة غزة أولاً، وفصل سكانها عن حماس، والسيطرة على المساعدات الإنسانية.
في هذه المرحلة، دار نقاشٌ مطولٌ بين المستويين السياسي والعسكري حول كيفية مواصلة القتال، اتسم بالخطابات والتسريبات الإعلامية حول ما دار في قاعة مجلس الوزراء، مع سحق أي إمكانية لإجراء مناقشات مهنية وموضوعية. حُسم النقاش بتوجيه المستوى السياسي للجيش للعمل وفقًا للخطة المعروضة عليه، وتنفيذ مهمة تدمير البنية التحتية العسكرية والحكومية لحماس، حيث نصّت الخطة على بدء المناورة في مدينة غزة. بعد جولة أخرى من التسريبات والإحاطات، بما في ذلك نشر تهديدات إعلامية حول نية رئيس الأركان الاستقالة من منصبه، حُسم الأمر وبدأ تنفيذ الخطة. ضغطت القيادة السياسية لتقصير الجداول الزمنية التي قدمها الجيش للتخطيط وتعبئة القوات اللازمة للمهمة، مع اقتراب موعد أداء اليمين في أكتوبر/تشرين الأول، والحاجة إلى تحقيق إنجاز كبير قبل الذكرى السنوية الثانية للحرب، وبشكل رئيسي لمنع حماس من الاحتفال. وقد تم ذلك، كما حدث في عملية جباليا قبل عام. وكخطوة احتجاجية أخيرة، اختار الجيش اسم “عربات جدعون 2” للعملية، كإشارة رمزية إلى استمرار العملية بنفس الصيغة، وليس بأمر جديد فُرض عليها فعليًا.
عربات جدعون 2 (ابتداءً من 14 آب)
ابتداءً من 14 آب، انطلقت عملية “عربات جدعون 2”. تركز العملية العسكرية على نقل السكان من مدينة غزة جنوبًا والاستيلاء عليها. وتتطلب الخطوات التكميلية توسيع أنشطة الصندوق للسيطرة على جميع المساعدات الإنسانية التي تدخل القطاع، وبدء إجراءات فصل المدنيين والتحضير للهجرة. بعد حوالي شهر ونصف من بدء العملية، يمكن القول إن أهدافها قد تحققت على المستوى الاستراتيجي، على الرغم من غياب التنفيذ على المستوى العملي. ويتجلى هذا الإنجاز الاستراتيجي في خطة إنهاء الصراع التي قدمها الرئيس ترامب في البيت الأبيض في 29 أيلول. سيتم لاحقًا في هذا المقال تحليل الاتفاق وتداعياته.
على المستوى العملي، تكررت الإخفاقات المذكورة آنفاً فيما يتعلق بالسيطرة على الجهد المدني. شهدنا مجددًا خطابًا قانونيًا سعى إلى تقييد وتأخير حركة السكان جنوبًا من مدينة غزة، وهو خطاب لم يُحسم إلا تحت ضغط ومطالب من المستوى السياسي. حتى في ظلّ السيطرة على المساعدات الإنسانية، وفي ظلّ حملة التجويع، لم تُوقَف جميع المساعدات عن مدينة غزة وشمال القطاع، مما يتعارض مع المنطق العملياتي للعملية في المدينة، ويزيد من المخاطر على قواتنا العاملة في المنطقة. حتى الآن، لم تُتَّخذ أي إجراءات ضرورية لنقل السكان إلى مناطق خاضعة لسيطرة جيش الدفاع الإسرائيلي وإخراجهم من سيطرة حماس، كما يواجه عمل القوات المحلية صعوبات، على الرغم من إحراز تقدم في هذه القضية في الأيام الأخيرة. لا يزال من غير الواضح سبب عدم إنشاء مقرّ لتنسيق وإدارة الجهد المدني بأكمله، وهنا يكمن جزء من الفشل. في الوقت نفسه، وكما رأينا في عمليات سابقة، بمجرد أن يُظهر الجيش تصميمًا على إطلاق النار والمناورة، يُخلي السكان، وتكون المقاومة العملياتية الفعلية أقل من الترهيب الذي وُجِّه في المجال الجوي قبل بدء المناورة في المدينة. يُعد تعزيز الجهد المدني الآن أمرًا ضروريًا حتى لو تحققت خطة ترامب. من السابق لأوانه تلخيص عملية “عربات جدعون 2″، ولكن يُمكن القول مُسبقًا إن هذا الأسلوب العملي، كما اقترحته وعرضته القيادة الجنوبية قبل أشهر، دفع حماس والنظام بأكمله إلى تحقيق الإنجاز العملياتي المنشود.
تحليل
يسعى هذا القسم إلى دراسة إخفاقات الحملة العسكرية التي لم تحقق، بعد عامين، هدف الحرب المتمثل في تدمير القدرات العسكرية والحكومية لحماس والتنظيمات الأخرى في قطاع غزة، على الرغم من أن تنفيذ خطة ترامب قد يُفضي إلى تحقيق هذه الأهداف، لا سيما بفضل التهديد بالاستيلاء على مدينة غزة. سنسعى إلى دراسة مواطن الخلل وما كان يمكن أن يُنهي الحرب في وقت أبكر. ويستند هذا التحليل إلى الخبرة المُستفادة من جميع تلك الحالات في التاريخ العسكري في إسرائيل وحول العالم التي انتصر فيها جيش نظامي في مواجهة مع الإرهاب وعصابات حرب العصابات التي تعمل تحت حماية السكان المدنيين. في جميع هذه الحالات، تتكرر ثلاثة مبادئ: السيطرة على الموارد التي تُساعد الإرهاب على العمل (في حالتنا، المساعدات الإنسانية)، والسيطرة على السكان، والسيطرة على الأرض.
أولاً، مسألة تجنب السيطرة على المساعدات الإنسانية وتطبيق إدارة عسكرية مؤقتة وجزئية، أو بديل مناسب، بدءًا من المراحل الأولى لعودة القتال بعد وقف إطلاق النار الأول في كانون الأول 2023، وبشكل أكبر بعد انتهاء وقف إطلاق النار الثاني في آذار 2025. كما نؤكد هنا على تجنب الجيش الإسرائيلي فرض حصار فعلي على المناطق التي تسيطر عليها حماس، مع السماح للسكان بتلقي المساعدات خارج مناطق القتال.
حتى كتابة هذه السطور، لا يزال إدخال المساعدات إلى مناطق القتال مستمرًا، مما يسمح لحماس بمواصلة العمل ككيان عسكري وحكومي. في مواجهة معارضة رئيس الأركان السابق والحالي لتطبيق إدارة عسكرية، حتى لو كانت جزئية ومؤقتة، ابتكرت جهات داخل النظام وخارجه بديلًا يتمثل في المؤسسة الأمريكية وفكرة استخدام عناصر قوة محلية. كما واجهت هذه البدائل صعوبات من النظام العسكري، مع التركيز على الجهات القانونية (المدعية العامة العسكرية) ومنسق أعمال الحكومة في المناطق. تتطلب الخبرة المهنية استخدام حكم عسكري في هذا النوع من الحروب، وكانت المعارضة المبدئية التي سُمعت طوال الوقت عاملاً مانعاً من إكمال الحرب وتحقيق هدفها.
وينطبق الأمر نفسه على مسألة السيطرة على السكان. هنا أيضاً، طُرحت حلول، في شكل حكم عسكري وبدائل له، كما هو مفصل آنفاً، وهنا أيضاً واجهنا معارضة شديدة، حتى في مواجهة تعليمات صريحة من المستوى السياسي، كما هو موضح أعلاه بشأن إنشاء المدينة الإنسانية.
وفيما يتعلق بالسيطرة على المنطقة، تضمنت الخطة الأصلية هجوماً على جميع مراكز ثقل حماس، بشكل تدريجي وفقاً للموارد المخصصة. وقد شرحنا بإسهاب تجنب احتلال منطقة رفح لأشهر عديدة، والفشل في إكمال المهمة في شمال قطاع غزة، في ظل تقليص تشكيل القوات مطلع عام 2025. كما واجه الاقتراح البديل لتنفيذ عملية محددة في شمال قطاع غزة مقاومة، ونُفذت جزئياً في النهاية من جباليا وشمالها.
أدى الانتقال إلى أسلوب قتالي قائم على الغارات إلى ضعف فعالية عمليات جيش الدفاع الإسرائيلي وإهدار موارد ثمينة. دخول المناطق والخروج منها سمح لحماس بإعادة تنظيم صفوفها في كل مرة. وقد كلّف هذا الأسلوب مقاتلي الجيش الإسرائيلي ثمنًا باهظًا مع كل دخول، واضطرهم للعودة إلى نفس المناطق مرارًا وتكرارًا.
وشكّل استخلاص الدروس من القتال، ووقف إطلاق النار الطويل في كانون الثاني 2025، واستبدال رئيس الأركان، فرصةً لدراسة جميع تلك الإخفاقات وتصحيحها. وبالفعل، عند توليه منصبه، عبّر إيال زامير عن موقفه من هذه القضية، بل وطالب بخطة أكثر جرأةً ووافق عليها. لكن للأسف، غيّر رأيه بسرعة كبيرة وعاد إلى نهج سلفه.
تتعلق المسألة الأخيرة والأهم في تحليل الإخفاقات بمسألة فريدة من نوعها في الحملة على غزة، وهي قضية الرهائن. وكما ذُكر في بداية المقال، فإن ظهور هذا الهدف في المرتبة الرابعة من بين الأهداف لم يكن ازدراءً أو تقليلًا من أهمية عودتهم. بل على العكس تمامًا: كان الفهم المهني أن تحقيق الهدف الأول، وهو تدمير حماس، سيؤدي إلى عودة جميع المختطفين. وقد ثبت هذا الادعاء عمليًا في الاتفاق الذي أعلنه ترامب.
بعد وقف إطلاق النار الأول، الذي أُعيد فيه، كما ذُكر، أكثر من مئة رهينة بثمن زهيد نسبيًا، أدركنا هذا التحيز. طالب خطاب مدني وإعلامي نشط بإعادة الرهائن من الحكومة الإسرائيلية، بقيادة مدني فاعل زعم تمثيل عائلاتهم، متجاهلًا أي عائلات أخرى رأت خلاف ذلك. وُجّهت المطالب والضغوط التي مارستها المقرات نحو الحكومة الإسرائيلية وحدها. وطوال هذه الفترة، مورست ضغوط على إسرائيل للتنازل والتنازل، مما شجع حماس على رفع مطالبها، وأدى إلى تأجيل إمكانية إطلاق سراحهم.
لقد ثبت أن الضغط العسكري يؤدي إلى إطلاق سراح الرهائن، بينما إضعاف الضغط العملياتي وممارسة ضغط مضاد على الحكومة الإسرائيلية يؤدي إلى عكس ذلك تمامًا. لقد ساهمت الطريقة التي عمل بها مقر الرهائن والسياسيون وقطاعات كبيرة من الإعلام الإسرائيلي في إطالة أمد الحرب، كما نفهمها. الفريق العسكري، الذي شُكِّل في الأصل لرسم صورة ظرفية عن هوية الرهائن وموقعهم وتهيئة فرص عملية لإطلاق سراحهم، غيّر هدفه قبل نحو عام إلى حماية الرهائن – أي حمايتهم من عمليات جيش الدفاع الإسرائيلي. وبهذه الطريقة، فرض الفريق سلسلة من القيود المتزايدة على استخدام القوة العسكرية، سواءً في إطلاق النار أو في المناورة.
نزعم أن هذه القيود لم تكن متوافقة مع تعريفات أهداف الحرب المُعطاة للجيش، وأخرت تحقيق هدف الحرب المتمثل في القضاء على حماس، ولم تُسهم عمليًا في إطلاق سراح الرهائن. في الواقع، رأينا حماس تعمل على إبقاء الرهائن على قيد الحياة، لا سيما منذ اللحظة التي لا يزال لديها عدد قليل من الرهائن الأحياء. نود التأكيد مجددًا على أنه لا توجد لدينا أي مسؤولية على عائلات الرهائن الذين يعملون على إطلاق سراح أحبائهم. هذا الادعاء موجه إلى أولئك الذين، بدافع أجندة سياسية، عملوا على إضعاف جهود الجيش ودولة إسرائيل لهزيمة حماس.
إن وقف إطلاق النار الأخير لتحرير الرهائن، والذي دُفع ثمنه باهظًا، بما في ذلك التراجع وخسارة الإنجازات العسكرية، وخاصةً انتظار اتفاق محتمل وضياع الزخم والوقت الثمين، كان فشلًا ذريعًا. فإلى جانب أن سلوك دولة إسرائيل قد أرسى سابقة خطيرة للغاية وشجع على عمليات اختطاف مستقبلية، فإن عودة السكان إلى شمال قطاع غزة قد أضرت بالقدرة على تحقيق أهداف الحرب في إطار زمني معقول، وسمح لحماس بإعادة ترسيخ سيطرتها على المدينة.
نرى أنه مع انتهاء وقف إطلاق النار الأول في كانون الأول 2023، اضطر الجيش إلى مواصلة القتال العنيف لعدة أشهر أخرى، مع المضي قدمًا في التقدم في رفح بهدف إغلاق الممرات والأنفاق على طول “فيلادلفيا”، وذلك بالتوازي مع إنشاء آلية مراقبة للجهد المدني بأكمله. وفي رأينا، في هذه الحالة، كان من الممكن إنهاء الحملة المكثفة في غزة بحلول منتصف عام 2024. بما أننا نتعامل مع منظمة إرهابية، رأينا استمرارًا للقتال وحرب العصابات، كما هو الحال حاليًا في “يهودا والسامرة” بعد 23 عامًا من عملية “السور الواقي”، ولكن كان الأمر سيتعلق باختلاف نطاقات القتال وحجم القوات المطلوبة لتنفيذه.
نلاحظ أن القيادة الجنوبية كانت قد أعدت بالفعل وثيقة استراتيجية القيادة في ديسمبر 2023. عرضت هذه الوثيقة مراحل القتال المختلفة وما هو مطلوب القيام به في كل منها. عرضت الوثيقة الأنظمة والجهود اللازمة لإتمام المهمة بالتفصيل. تحدث الجدول الزمني المقدم في تلك الخطة عن ثلاثة إلى خمسة أشهر من القتال المكثف (من كانون الثاني 2024) يليها حوالي عامين من انخفاض الجهد العملياتي إلى جانب زيادة الجهد المدني حتى تحقيق السيطرة الكاملة وتشكيل البنية التحتية لحكومة أخرى في قطاع غزة. لم تُذكر خطة الهجرة في هذه الوثيقة التي كُتبت قبل فوز ترامب في الانتخابات الأمريكية، وأُدمج عنصر الهجرة فيها مطلع عام 2024 وعُرضت على هيئة الأركان العامة آنذاك، ووافق عليها رئيس الأركان آنذاك، هرتسلي هاليفي، في كانون الثاني 2024. كان التغيير الرئيسي الذي أجراه رئيس الأركان هو تقصير فترة تحقيق السيطرة من عامين إلى عام واحد. ويمكن القول اليوم، بنظرة ثاقبة، إن تطبيق استراتيجية القيادة بصيغتها المكتوبة والمُقدمة والمعتمدة كان سيُمكّننا من تحقيق أهداف الحرب قبل عام أو أكثر.
الخلاصة
في هذه المقالة، سعينا إلى دراسة الأسباب الرئيسية لاستمرار الحرب في غزة لمدة عامين. الحجة المركزية هي أن استمرار الحملة نابع من أخطاء في إدارة الحرب من قبل المستويين العسكري والسياسي. كان تقصير مدة القتال ضروريًا لتحقيق أهداف الحرب، بما في ذلك القضاء على حماس وإعادة الرهائن.
في ضوء أهداف الحرب، نرى أن أسرع سبيل لإعادة جميع الرهائن كان، ولا يزال، تدمير قدرات حماس العسكرية والحكومية والمطالبة باستسلام غير مشروط. في رأينا، كان الفشل الرئيسي، ولا يزال، هو فقدان السيطرة على الجانب المدني نتيجةً لعدم إدراك أن هذا الجانب هو جوهر القدرة على إخضاع حماس، إلى جانب سوء إدارة ملف الرهائن والتفاوض على صفقات جزئية ساهمت في استمرار الحملة.
أخطأت القيادة السياسية في طريقة إدارتها للمفاوضات لإطلاق سراح الرهائن بعد الاتفاق الأول، وفي عدم إلزامها الجيش بتنفيذ أهداف الحرب كما كُتبت وحُددت له. هناك ظروف مخففة – الجدل الداخلي في الحكومة في بداية الحرب، وتبني وزير الدفاع السابق موقف رئيس الأركان في كل قضية، والضغط الإعلامي الهائل، وإدارة بايدن المعادية في السنة الأولى. كل هذا صعّب على القيادة السياسية التصرف بالطريقة المطلوبة لتحقيق أهداف الحرب. في مواجهة القيادة السياسية، كانت مؤسسة أمنية انتهجت خطًا مختلفًا، واستخدمت وسائل الإعلام أيضًا لتحقيق مواقفها، كما هو الحال في قضية الحكم العسكري المذكورة آنفًا. تصرفت القيادة العسكرية العليا بشكل غير مهني، مخالفةً بذلك العقيدة العسكرية، ومتجاهلةً الخبرة العالمية والإسرائيلية المُثبتة في مجال الحرب على الإرهاب وعصابات العصابات، متجنبةً الحكم العسكري وبدائله، ومُقصرةً في إنجاز مهمة غزو الأراضي كما هو مطلوب، ومُقصرةً في تركيز الجهود على الجانب المدني. هذا إلى جانب اتخاذ إجراءات ضد القيادة السياسية، من خلال تقديم إحاطات وتسريب معلومات كاذبة حول القضايا المذكورة.
للأسف، حتى بعد استبدال رئيس الأركان العامة واللواء في القيادة الجنوبية (نذكر هنا أن اللواء يارون فينكلمان كان من أكثر العناصر إثارةً للفتنة وهجوميةً منذ بداية الحملة)، لم نشهد تغييرًا جوهريًا في أسلوب العمل. كان من فرضوا النبرة هم المدعية العامة العسكرية وفريقها، بآراء قانونية تتعارض مع القانون الدولي، واللواء نيتسان ألون وفريقه، من حيث تصورهم لدورهم في حماية المخطوفين وليس في عملية تحريرهم، ومنسق العمليات في الأراضي الفلسطينية، الذي عارض هو ورجاله تطبيق الحكم العسكري وأي تغيير مطلوب في نظام إدارة المساعدات القائم.
نمر اليوم بمنعطف حاسم. العملية العسكرية تتقدم، لكن الجهد المدني لا يزال متعثرًا. على الصعيد الدولي، استُنفدت أوراق الاتفاق الذي أعلنه الرئيس ترامب، وهو فرصة لتغيير مسار الحملة. يمكن القول في هذه المرحلة إن أمرين أديا إلى توقيع الاتفاق، وكلاهما كان من الممكن تنفيذه منذ زمن، مما كان سيختصر أمد الحملة: الأول، الهجوم على قطر، الذي أوضح لقطر أنها ليست خارج اللعبة، ودفعها إلى ممارسة ضغط حقيقي على حماس والموافقة على خطة ترامب. ثانيًا، عملية احتلال مدينة غزة، وحقيقة أن إسرائيل لا تتردد في العودة إلى القتال العنيف ولا تنوي التوقف، رغم حملة التهديد بالرهائن وحملة التجويع.
من السابق لأوانه في هذه المرحلة التنبؤ بكيفية تطبيق الاتفاق. في الوقت نفسه، يمكن القول بالفعل إن هذا اتفاق سيؤدي تطبيقه إلى تحقيق أهداف الحرب بالكامل. هناك العديد من المخاطر في هذه العملية، مع التركيز على مسألة من سيدير قطاع غزة في “اليوم التالي” وكيف يمكن تجنب خلق تهديد متجدد من القطاع. في الوقت نفسه، فإن الاتفاق، الذي يتناول قضايا أوسع بكثير من تدمير حماس وإعادة الرهائن، يستند إلى مبدأ “السلام بالقوة” الذي يتحدث عنه ترامب ونتنياهو منذ فترة، ويطرح واقعًا إقليميًا مختلفًا، وهو أمر جيد لدولة إسرائيل.
أحد المبادئ المهمة في هذا الاتفاق يختلف اختلافًا جوهريًا عن الاتفاقات السابقة التي وقعتها إسرائيل، وهو مبدأ “أعطِ، يأخذ”. أولاً، على حماس إعادة الرهائن ونزع سلاحها، ثم على إسرائيل القيام بدورها في تنفيذ الاتفاق. ويمكن الافتراض أن حماس ستبذل قصارى جهدها لتفكيك هذه البنود وغيرها من بنود الاتفاق وتعديلها، وعلينا أن نراقب ونرى العزم الإسرائيلي والأمريكي على تنفيذ الاتفاق كما هو مكتوب وحالياً.
أما بالنسبة لسؤال “إلى متى يا غزة؟!” الذي بدأنا به، فيمكننا القول إن النهاية باتت وشيكة. كان بإمكاننا إنهاء الحرب منذ زمن طويل لو تصرفنا بشكل مختلف، كما شرحنا بإسهاب أعلاه، ولا يزال أمامنا الكثير من العمل قبل أن نصل إلى الراحة والاستقرار. وكما يقول الحكماء في “فصول الآباء”: “عليك إكمال العمل، ولستَ حراً في إلغاء دورك فيه”. سيظل مطلوباً منا الانخراط بشكل جوهري وعميق في استخلاص الدروس من القتال، وفي إصلاح جذري لهيكل قيادتنا استعداداً للتحديات الكبرى التي تنتظرنا.
-------------------------------------------
هآرتس 9/10/2025
مخطط ترامب.. إنجاز نتنياهو
بقلم: رفيف دروكر
إذا أُطلق سراح جميع الرهائن في الأيام المقبلة، فسيكون ذلك إنجازًا عظيمًا لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، وهو أقرب ما يكون إلى استسلام حماس، حيث ستُترك بدون شهادة تأمين. ففي النهاية، سيتمكن نتنياهو من العودة إلى الحرب بعد إطلاق سراح الرهائن، كما يبدو أنه يريد.
كانت صفقة إنهاء الحرب مقابل إطلاق سراح جميع الرهائن مطروحة على الطاولة منذ اليوم الأول للحرب. بل والأهم من ذلك، أنها كانت جوهر المرحلة (ب) من الصفقة السابقة. من المبرر القول إن نتنياهو كان بإمكانه عقد صفقة مماثلة في الماضي، ومع ذلك، فإن الصفقة الحالية تُعدّ إنجازه الأعظم.
منذ البداية، كانت صفقة غير متكافئة. إطلاق سراح الرهائن صفقة ملموسة لا رجعة فيها، على حماس تقديمها. أما الصفقة الإسرائيلية، أي نهاية الحرب، فهي بيان يُمكن إرساله فورًا بعد ذلك. وقد حدث ذلك بالفعل: رفض نتنياهو عشرات المرات إنهاء الحرب، وصولًا إلى الخطوة الأكثر سخرية: رفضه حتى إجراء مفاوضات بشأن المرحلة الثانية قبل ثمانية أشهر.
أدركت حماس إشكالية الصفقة. من سيوقف إسرائيل إذا وجد نتنياهو ذريعة لاستئناف إطلاق النار بعد إطلاق سراح الرهائن؟ ترامب؟ قطر؟ لهذا السبب، أصرت حماس دائمًا على فترة أطول للإفراج عن الرهائن، مما يسمح بعودة المدنيين في غزة إلى ديارهم، ودخول المساعدات الإنسانية بكميات كبيرة، وانسحاب شبه كامل للجيش الإسرائيلي.
أدرك نتنياهو الفرق الحقيقي بين اتفاقيتي الماضي والحاضر: الإفراج السريع عن الرهائن، رغم أن انسحاب الجيش الإسرائيلي ما يزال بعيدًا عن الاكتمال. نجح ترامب في انتزاع تنازل من نتنياهو بشأن مسألة الانسحاب - ففي الخطة الأصلية، لم يكن هناك انسحاب للجيش الإسرائيلي على الإطلاق حتى إطلاق سراح الرهائن، وفي الواقع كان هناك بالفعل انسحاب محدود، ازداد بعد أن نشر ترامب خريطة - لكن هذا ما يزال بعيدًا عن مطالب حماس السابقة.
في جوهره، كان عدم التوصل إلى اتفاق مماثل منذ زمن بعيد قمة القسوة. خلال هذه الفترة، أصبحت إسرائيل مثابة منبوذ العالم، حيث قُتل العشرات من جنودها، وجُرح المئات، ناهيك عما حدث للرهائن. على أي حال، لم تعد الخطوط التي سيقف عليها الجيش الإسرائيلي ذات أهمية دراماتيكية. العودة من الحزام العازل إلى حصار غزة هي مهمة عسكرية تستغرق بضعة أيام. لقد نشر الرئيس ترامب خطةً مليئةً بالثغرات وغير قابلة للتطبيق، لكنه أثبت مجددًا موهبته في العلاقات العامة. تقبّل رفضًا مهذبًا من حماس للإنذار الذي حدده، وقدّمه على أنه موافقة. وبذلك، خلق زخمًا من الضغط الدولي على كلا الجانبين لإنهاء الحرب. حماس في مأزق كبير: من جهة، لا يمكنها الموافقة على خطة استسلام؛ ومن جهة أخرى، يصعب نسفها. من الممكن أن يكون المطالبة بالإفراج عن سجناء أمنيين ذوي إشكاليات خاصة، من بين 250 سجينًا مؤبدًا من المقرر إطلاق سراحهم، هو الحل. ماذا سيفعل نتنياهو إذا طالبت حماس بالإفراج عن مروان البرغوثي أو مهندسي إرهاب الانتفاضة الثانية؟
يدرك الطرفان أن كل شيء في خطة ترامب بعد المرحلة الأولى مُعلّق في أحسن الأحوال. إن مشاركة السلطة الفلسطينية "المُنعشة" ورؤية الدولة الفلسطينية - هذه كلمات جوفاء. لم يعتقد أنصار نتنياهو حقًا أنه ينوي إقامة دولة فلسطينية في العقد الذي تحدث عنه، ولن يحاسبوه الآن. في نهاية ايار 2024، قدم الرئيس جو بايدن خطة لإنهاء الحرب وإطلاق سراح جميع الرهائن، بناءً على طلب نتنياهو. أخذت حماس وقتها وقالت في أوائل تموز "نعم، ولكن". وحتى في ذلك الوقت، كان هناك ضغط دولي هائل عليها. لذا فإن نتنياهو يراوغ. فهل سيعرف ترامب كيف يُبقي الضغط على الأطراف؟ من الصعب تصديق ذلك. والأهم من ذلك: هل سيكون ترامب حاضرًا بعد المرحلة الأولى لمنع نتنياهو من تجديد الحرب؟ من المرجح أنه فقد الاهتمام الآن. هذا ما يُعول عليه نتنياهو.
-----------------انتهت النشرة-----------------