الصحافة الإسرائيلية الملف اليومي صادر عن المكتب الصحفي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين الاربعاء 8/10/2025 العدد 1428

 الصحافة الاسرائيل- الملف اليومي

افتتاحيات الصحف + تقارير + مقالات

 

 

 

 

معهد القدس للسياسة والأمن 8/10/2025

 

 

خطة ترامب، إذا ما أُديرت بشكل صحيح، ستتيح، فرصةً لتحقيق أهداف دولة إسرائيل

 

 

بقلم: العقيد (احتياط) البروفيسور غابي سيبوني والمقدم (احتياط) إيريز وينر

 

 

مقدمة

 

كانت (ولا تزال) صرخة شائعة على لسان مقاتلي الجيش الإسرائيلي النظاميين: “إلى متى؟!”. مع اقتراب الذكرى السنوية الثانية لحرب غزة، يبدو أننا نسمع هذا السؤال يتكرر ويزداد حدة، وإن بصيغ مختلفة. حجتنا هي أن مدة الحملة في غزة تعتمد بشكل أساسي على إسرائيل والطريقة التي اختارتها لإدارة الحرب حتى الآن. في فهمنا، كان من الممكن التصرف بشكل مختلف وتحقيق أهداف الحرب في فترة زمنية أقصر بكثير.

في هذه المقالة، نود تقديم تحليل موجز لكيفية إدارة الحملة على مدار العامين الماضيين، وخاصةً كيف يُمكن وضروري التصرف بشكل مختلف. نجادل بأن مدة الحملة نتجت عن أخطاء جوهرية من جانب المؤسسة الأمنية وعجز المستوى السياسي عن توجيه وضمان تنفيذ الخطوات التي من شأنها تقصير مدة الحملة حتمًا، مما يؤدي أيضًا إلى عودة الرهائن. ليس المقصود الخوض في وصف التحركات التكتيكية، بل استعراض شامل لمراحل الحرب والقرارات المتخذة خلالها. سنعرض الأخطاء والدروس الرئيسية، وأخيرًا سنستعرض الخطوات اللازمة لإنهائها. يجب شنّ حملة على غزة بأسرع وقت ممكن مع تحقيق جميع أهداف الحرب المحددة.

يُرجى هنا ذكر أهداف الحرب كما حددتها الحكومة في بداية أكتوبر/تشرين الأول 2023:

 

الهدف الأول: تدمير القدرات العسكرية والبنية التحتية الحكومية والتنظيمية لحماس والجهاد الإسلامي في قطاع غزة؛

 

 

لهدف الثاني: إنهاء حالة الحرب – أي أن قطاع غزة لم يعد يُشكل تهديدًا لإسرائيل بمرور الوقت؛

 

 

الهدف الثالث: إعادة الأمن لسكان المنطقة المُحاصرة، بما في ذلك إنشاء “منطقة عازلة” في أراضي قطاع غزة؛

 

 

الهدف الرابع: تهيئة الظروف لعودة المختطفين إلى إسرائيل؛

 

لاحقًا، أُضيف هدفٌ في سياق الساحة الشمالية، وهو العودة الآمنة لسكان الشمال إلى ديارهم.

من المهم الإشارة في هذه المرحلة، وخاصةً في ظل الجدل الدائر حول أهداف الحرب وكون عودة المخطوفين هي الهدف الأهم، إلى وجود منطقٍ في ترتيب تحديد الأهداف، ولم يكن هذا المنطق نابعًا من الاستخفاف أو التقليل من الأهمية الأخلاقية والمعنوية لعودتهم. ينبع ترتيب الأهداف من الإدراك أن أسرع وأكثر الطرق فعالية لإعادة المخطوفين هي تدمير القدرات العسكرية لحماس والبنية التحتية الحكومية والتنظيمية في قطاع غزة، كما كان الحال في جميع حروب إسرائيل السابقة التي وقع فيها الإسرائيليون، بمن فيهم المدنيون، أسرى لدى العدو.

 

 مراحل القتال في غزة

 

على مدار العامين الماضيين، نفّذ جيش الدفاع الإسرائيلي عدة عمليات فرعية في قطاع غزة. وكانت هذه العمليات جزءًا من الحملة الشاملة لتحقيق أهداف الحرب.

سنناقش أدناه المراحل المختلفة لحملة غزة وخصائصها.

 إعادة الوضع إلى سابق عهده وحملة القصف (7-27 أكتوبر/تشرين الأول 2023)

امتدت هذه الحملة من 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 حتى السابع والعشرين من الشهر نفسه، حيث عمل الجيش الإسرائيلي خلالها على إعادة الوضع إلى سابق عهده في المنطقة المحيطة. وتزامن ذلك مع قصف ناري، جوي بالأساس، على العديد من الأهداف في قطاع غزة. خلال هذه الفترة، أكمل الجيش الإسرائيلي تعبئة هيكل القوة اللازم وأعدّه للقتال. تجدر الإشارة هنا إلى أنه خلال هذه الفترة، كان هناك جدل مهني (وإعلامي) حاد حول الحاجة إلى المناورة داخل قطاع غزة وقدرتها. كان هناك العديد من الجهات، بما في ذلك داخل المؤسسة الدفاعية نفسها (رئيس الأركان ووزير الدفاع آنذاك)، التي سعت إلى تجنب المناورة في قطاع غزة وفضّلت العمل في لبنان ضد حزب الله. كان هناك انعدام ثقة بقدرات الجيش البري على العمل البري في القطاع، ومبالغة في قدرات العدو.

 حملة واسعة النطاق في مدينة غزة (27 أكتوبر – 24 نوفمبر 2023)

في 27 أكتوبر، شنّ الجيش الإسرائيلي، بقيادة القيادة الجنوبية، هجومًا بريًا بثلاث فرق على شمال قطاع غزة ومدينة غزة. خلال هذا الهجوم، استولى جيش الدفاع الإسرائيلي على معظم شمال قطاع غزة ومدينة غزة، ودمّر العديد من البنى التحتية الإرهابية، وقضى على آلاف الإرهابيين. في 24 نوفمبر، أُعلن عن وقف إطلاق نار أولي لصالح صفقة تحرير الرهائن. اقترحت القيادة الجنوبية مناورة مشتركة، في شمال قطاع غزة ومدينة غزة كجهد رئيسي، نظرًا لكونها مركز الثقل الحكومي والعسكري لحماس، وفي رفح في الجنوب كجهد ثانوي، نظرًا لأهميتها كطريق للتعزيز والقدرة على تجديد الموارد لحماس. نبع قرار تركيز الهجوم على شمال قطاع غزة ومدينة غزة من سببين: الأول والرئيسي – الخوف من قدرة الجيش الإسرائيلي على تنفيذ عملية برية موازية في شمال وجنوب قطاع غزة، والثاني – الخوف من أن تؤدي عملية في منطقة رفح إلى ضغوط دولية على إسرائيل وأزمة في العلاقات مع مصر.

 وقف إطلاق النار الأول (24 نوفمبر/تشرين الثاني – 1 ديسمبر/كانون الأول 2023)

تم وقف إطلاق النار بين 24 نوفمبر/تشرين الثاني و1 ديسمبر/كانون الأول 2023؛ وبقيت قوات الجيش في المناطق التي توقف فيها القتال، وبدأت مساعدات إنسانية محدودة تدخل القطاع، إلى جانب إطلاق سراح 105 رهائن، معظمهم من النساء والأطفال وكبار السن والعمال الأجانب. بعد أن انتهكت حماس الاتفاق، وأجّلت إطلاق سراح الرهائن، وأطلقت الصواريخ، استؤنف القتال من خطوط وقف إطلاق النار في 1 ديسمبر/كانون الأول 2023. نُفّذ وقف إطلاق النار هذا، واتفاق إطلاق سراح الرهائن، بشروط مواتية لإسرائيل، حيث لم تنسحب القوات من الأراضي المحتلة، وكانت تعويضات الرهائن المفرج عنهم أقل بكثير من أي عرض نوقش لاحقًا. توصلت حماس إلى الاتفاق بعد حوالي شهر من القتال العنيف، حيث تلقّت ضربة موجعة وفوجئت برد فعل إسرائيل من جهة، ومن جهة أخرى، بعدم إدخال أي مساعدات إنسانية إلى القطاع.

 نقل الجهود إلى خان يونس وبدء الغارات (1 كانون الأول 2023 – 7 نيسان 2024)

خلال هذه الفترة، نقل الجيش مركز عملياته إلى منطقة خان يونس، بينما خُفِّضَ تنظيم القوات العاملة في قطاع غزة خلال تلك الفترة، ونُقِلَت الفرقة 36 إلى الشمال (نهاية يناير 2024). خلال وقف إطلاق النار، جرت سلسلة من المناقشات بين القيادة الجنوبية وهيئة الأركان العامة حول مكان تركيز القتال المستمر. كان موقف القيادة الجنوبية هو استكمال الإنجازات العملياتية في شمال قطاع غزة ومدينة غزة، وعندها فقط يُنقل مركز الثقل جنوبًا.

كهدف لتركيز الجهود القادمة، تم بحث خياري خان يونس ورفح: خان يونس كمركز ثقل حكومي ثانٍ، وملجأ لكبار قادة حماس بقيادة يحيى السنوار، ورفح للأسباب نفسها المذكورة سابقًا. كان القرار بتركيز الجهود في خان يونس، ويعود ذلك أساسًا إلى إدراك جهاز الأمن العام إمكانية تضييق الخناق على يحيى السنوار وقيادات أخرى، في ظلّ الخوف من عملية في رفح، وذلك للاعتبارات نفسها المفصلة أعلاه.

خلال هذه الفترة، استمرّ القتال في شمال قطاع غزة ومدينة غزة، وتميّز بغارات مُوجّهة على مراكز ثقل حماس، كالأنفاق ومراكز القيادة والمستشفيات ومراكز القيادة التي وردت معلومات عن وجود قيادات فيها. قبل مغادرة الفرقة 36، أنجزت عملية لتدمير البنية التحتية لإنتاج الأسلحة لحماس، والمنتشرة في سلسلة من الأنفاق والمصانع العميقة تحت الأرض في منطقة المحور العرضي الرئيسي الذي يعبر قطاع غزة من الشمال إلى الجنوب في قطاع المعسكرات المركزية. دمّرت هذه العملية الجزء الأكبر من الصناعة العسكرية لحماس، وأثّرت على قدرتها على تجديد مخزونها من الصواريخ والمتفجرات مع استمرار القتال. خلال هذه الفترة، تركزت معظم عمليات القيادة العسكرية على خان يونس بقيادة الفرقة 98، وكان الهدف الرئيسي من العملية هو استهداف يحيى السنوار ومجموعة من كبار قادة حماس المقربين منه. وقد تم نشر معظم القوات العاملة في قطاع غزة في منطقة خان يونس لهذا الغرض.

ابتداءً من شباط 2024، وبعد استئناف القتال، بدأت إسرائيل بإدخال كميات كبيرة من المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة، تحت ضغط من إدارة بايدن وفي مواجهة تهديدات بفرض عقوبات وتعليق المساعدات الأمنية لإسرائيل. وانتهى نقاش بدأته القيادة الجنوبية حول ضرورة التحكم في المساعدات الواردة وإمكانية تشغيل حكومة عسكرية مؤقتة وجزئية في القطاع بتصريح من رئيس الأركان آنذاك، اللواء هرتسي هاليفي، يعارض تشغيل آلية تحكم من خلال حكومة عسكرية جزئية ومؤقتة، حيث قدم مسؤولو جيش الدفاع الإسرائيلي وهيئة الأركان العامة عرضًا تهديديًا للمستوى السياسي في مواجهة اقتراح إنشائها. كان البيان هو أن إدخال حكومة عسكرية في قطاع غزة سيتطلب ما مجموعه خمسة أقسام، وسيكلف 20 مليار شيكل سنويًا، وسيؤدي إلى زيادة في تكلفة المعيشة. العيش في إسرائيل – تحليل منفصل عن الواقع مصمم لردع صانع القرار عن اتخاذ قرار بشأن الحكم العسكري وإحباط أي محاولة لإجراء نقاش مهني حول هذه المسألة. ونتيجة لذلك، تم إدخال المساعدات إلى القطاع دون سيطرة ومراقبة على وجهتها، حيث كانت بمثابة أداة في أيدي حماس لتعزيز نفسها، وتمويل عملياتها، ودفع رواتب نشطائها، وتجنيد نشطاء جدد، والسيطرة على السكان. وبهذه الطريقة، إلى جانب العمليات العسكرية المكثفة، عملت دولة إسرائيل بفعالية على الحفاظ على قوة حماس وقدرتها على الحفاظ على حكمها.

 نقل الجهود إلى رفح (7 نيسان – 6 أكتوبر 2024)

بالتوازي مع استمرار الانخراط في صفقات الأسرى ورفع حماس لمطالبها بصفقة أخرى، تجدد الحديث حول دخول رفح – آخر مدينة رئيسية غير محتلة من قبل الجيش، والتي تسيطر على المنطقة الحدودية مع مصر (محور فيلادلفيا) ومعبر رفح، الذي تمر عبره عمليات التهريب والتسليح التي تقوم بها حماس حتى أثناء القتال. قوبلت الخطوة في رفح بمعارضة شديدة من الإدارة الأمريكية، إلى جانب ضغوط دولية متزايدة، بالإضافة إلى معارضة من هيئة الأركان العامة، التي خشيت من مواجهة مع الإدارة الأمريكية وعواقبها. وإلى جانب الضغوط الخارجية ومعارضة رئيس الأركان آنذاك، كان هناك خطاب إعلامي وشعبي، بقيادة شخصيات رفيعة سابقة في الأجهزة الأمنية، حذرت من دخول رفح، وشبهتها بحصن منيع سيكلف الجيش ثمنًا باهظًا. بتوجيه من القيادة السياسية وبدعم من القيادة الجنوبية، تقدمت عملية الموافقة على عملية احتلال رفح. ورغم كل المعارضة، انطلقت الفرقة 98 من خان يونس في 7 نيسان استعدادًا لاحتلال رفح، استعدادًا لهجوم على رفح بالتوازي مع الفرقة 162، التي تحركت أيضًا جنوبًا من شمال قطاع غزة لتنفيذ العملية. بقيت قوة محدودة في قطاع شمال قطاع غزة، تسيطر بشكل رئيسي على منطقة محور نتساريم، المسؤول عن عزل شمال قطاع غزة ومدينة غزة عن الجنوب. قبلت القيادة الجنوبية الفرقة 99 للمهمة، إلى جانب لواءين احتياطيين. انتهى النقاش الداخلي حول احتلال المدينة بقرار مجلس الوزراء بشأن عملية في رفح، إلا أن آلية تنفيذ المناورة تغيرت، فبدلاً من الخطة التي وضعتها القيادة الجنوبية لمحاصرة المدينة واحتلالها، مع محاصرة الإرهابيين النشطين فيها والقضاء عليهم، تم اختيار بديل آخر، وهو خيار الدفع، حيث تهاجم الفرقة 162 من الجنوب إلى الشمال بموازاة محور الحدود مع مصر، على طول محور “فيلادلفيا”، بخطوط تقدم محدودة، يتحكم بها رئيس الأركان مباشرةً، وكأنها عملية خاصة تنفذها قوة صغيرة. كان الهدف من العملية بهذه الطريقة هو تمكين الإرهابيين من الفرار من رفح باتجاه خان يونس والرهائن في حوزتهم، مع تقدم تدريجي ومنضبط من الأعلى، مما صعّب على القوة التكتيكية مواصلة القتال، وتسبب في توقفات، تتعارض أحيانًا مع المنطق العملياتي. في إحدى الليالي، واجهت قوة من اللواء الرائد في الفرقة نيران أسلحة مضادة للدبابات على مدى عدة مئات من الأمتار، وهو ما كان خارج حدود قطاع الفرقة، وبدلاً من الرد التكتيكي الفوري على التهديد، تطلب الأمر تنسيقًا وموافقة من هيئة الأركان العامة، مما أخر عملية القوة.

بدأ الهجوم على رفح في 6 ايار 2024، واستمر كجهد قيادي مركزي حتى 12 ايلول. خلال هذه الفترة، سحقت الفرقة 162 لواء رفح، وقتلت أكثر من 2000 إرهابي، ودمرت بشكل منهجي الأنفاق تحت الأرض التي تمر بين رفح في غزة ورفح في مصر. بالتوازي مع قتال الفرقة 162 في رفح، تم تفعيل الفرقة 98، التي لم تكن جزءًا من مهمة تطويق المدينة، بتنسيق الغارات المذكور أعلاه، لثلاث عمليات فرقة. الأولى، في ايار 2024، في منطقة جباليا شمال قطاع غزة. الثانية، في حزيران 2024، في منطقة خان يونس، وهي عملية دُمجت مع “عملية أرنون”، والتي أُطلق فيها سراح أربعة رهائن إسرائيليين من منطقة النصيرات، والثالثة في آب 2024، مرة أخرى في خان يونس.

في أيلول 2024، غادرت الفرقة 98 قطاع غزة مُفضّلةً عملية في القطاع اللبناني. في الوقت نفسه، وسّعت الفرقة 99 سيطرتها على ممر نتساريم، مُحوّلةً إياه إلى ممر واسع خالٍ من البنى التحتية، سواءً فوق الأرض أو تحتها.

خلال هذه الفترة، وفي ضوء إدراك تأثير احتلال الأراضي وتدمير البنى التحتية على حماس، وبالنظر إلى ما كان يحدث في ممر نتساريم ورفح، وُضعت خطة في القيادة الجنوبية لعملية واسعة النطاق في شمال قطاع غزة. نظرًا لأنه كان من الواضح في هذه المرحلة أنه لا توجد الموارد اللازمة لتنفيذ عملية شاملة في القطاع بأكمله، فقد تم وضع خطة لتنفيذ عملية محدودة في شمال القطاع، وهي عملية ستكون قادرة على الاستفادة من إنجازات جيش الدفاع الإسرائيلي في المنطقة في بداية القتال وإحداث قرار وإكمال تحقيق الهدف الحربي الأول في شمال القطاع بأكمله وفي مدينة غزة، وهي منطقة تشكل حوالي 40٪ من القطاع بأكمله. في هذه المرحلة، بلغ عدد سكان المنطقة حوالي 300000 نسمة، والذين لم يتم إجلاؤهم في المرحلة الأولى. عارضت هيئة الأركان العامة الخطة، انطلاقًا من تفضيل أسلوب المداهمة والرغبة في تقليل ترتيب القوات وكمية الموارد المنتشرة في غزة. واستند ذلك إلى تحليل العبء على نظام الاحتياط، وحالة الأسلحة وقطع الغيار، والحاجة إلى الحفاظ على القدرات للساحة الشمالية.

 غزو ​​شمال قطاع غزة (6 أكتوبر/تشرين الأول 2024 – 16 كانون الثاني 2025)

رغم معارضة هيئة الأركان العامة ونقل بعض القوات إلى الشمال، وُضعت خطة جزئية لهزيمة قوات حماس في شمال قطاع غزة والقضاء عليها. بعد عدة محاولات، وبدعم من القيادة السياسية، أُقرت الخطة المحدودة. اقتصرت الخطة على خط جباليا وشمالاً، ولصالحها، غادرت الفرقة 162 رفح، وحلت محلها فرقة غزة، التي تولت أيضاً مسؤولية منطقتي “فيلادلفيا” ورفح، بالإضافة إلى تكليفها بالدفاع عن قطاع غزة بأكمله.

كان الهجوم مُخططاً له في 6 أكتوبر/تشرين الأول 2024، أي قبل يوم من ذكرى الحرب، بهدف مُتعمد لتعطيل الاحتفالات التي خططت لها حماس. نُفذت الخطة كما هو مُخطط لها، ورغم محدودية القوات وندرة الموارد، فقد حققت إنجازات عديدة. تم القضاء على أكثر من 2000 إرهابي، وأسر الجيش الإسرائيلي عددًا مماثلًا. دُمّرت بنية تحتية تحت الأرض هامة، وأُعيدت جثث العديد من الرهائن إلى إسرائيل.

الأمر الأكثر أهمية هو تأثير الاحتلال وعملية السحق على قيادة حماس. تتحدث تصريحاتهم في تلك الفترة عن نوع مختلف من القتال، وتصريحات بأنه إذا استمر الجيش على هذا النهج، فلن يكون لهم نهوض. تطلب هذا الفهم مواصلة تعميق الإنجاز، والذي أصبح ممكنًا أيضًا بفضل انتهاء الحملة البرية في لبنان في نهاية شباط 2024.

بدلاً من تعميق الإنجاز، تقرر قبول عرض حماس بوقف إطلاق النار مقابل صفقة رهائن ثانية. تميزت هذه الصفقة بدفع ثمن باهظ لإطلاق سراح إرهابيين قتلة وتقديم كميات كبيرة من المساعدات. والأسوأ من ذلك؛ لأول مرة، وافقت دولة إسرائيل على دفع ثمن الإنجازات العملياتية المحققة بدماء جنودها، وانسحبت قوات الجيش من الأراضي المحتلة، بما في ذلك ممر نتساريم، مما سمح لمئات الآلاف من سكان غزة بالعودة إلى شمال القطاع، وتسبب في خسارة أحد أهم الإنجازات العملياتية التي تحققت في القتال، والذي شكّل نقطة ضغط مركزية على حماس، وذلك مقابل صفقة جزئية فقط. أشار سلوك قيادة حماس في تلك الأيام إلى أن الضغط العملياتي كان يعمل في الاتجاه الصحيح، ولو أننا عمقناه ووسعناه في ذلك الوقت كما هو مخطط له، إلى جانب سيطرة أكثر فعالية على المساعدات الإنسانية، لكان من الممكن تحقيق إنجاز منهجي أكبر، يصل إلى حد هزيمة حماس.

 صفقة المختطفين الثانية (19 كانون الثاني – 18 آذار 2025)

خلال هذه الفترة، عُقدت صفقة الاختطاف الثانية. وفي إطار وقف إطلاق النار وإعادة تنظيم الجيش في المنطقة، أمر وزير الدفاع الجديد، يسرائيل كاتس، الجيش بالتخطيط لاستئناف القتال، في حال عدم تمديد الاتفاق لإعادة جميع المختطفين، بهدف هزيمة حماس واحتلال قطاع غزة خلال فترة تصل إلى ستة أشهر. أعدت القيادة الجنوبية خطةً بناءً على ذلك، ووافقت عليها مع رئيس الأركان هرتسلي هاليفي ومجلس الوزراء. عندها، تم استبدال رئيس الأركان. بعد استقالة هرتسي هاليفي وتعيين المقدم إيال زامير، الذي كان يشغل منصب المدير العام لوزارة الدفاع حتى ذلك الحين، تم استبداله في 5 آذار 2025. بناءً على طلب رئيس الأركان الجديد، وبعد الاطلاع على الخطة التي أُعدّت أثناء توليه منصبه، عُدّلت الخطة وأُضيفت قوات إلى القيادة الجنوبية، بحيث يُمكن هزيمة حماس في غضون ثلاثة أشهر بدلاً من ستة، وفقًا لطلبه وتوجيهاته.

استندت الخطة المُقدّمة إلى دروس قتال العام الماضي: إدراك ضرورة السيطرة على المساعدات الإنسانية وعدم تسليمها لحماس، وإدراك ضرورة فصل السكان عن حماس، وضرورة احتلال المناطق الرئيسية التي بقيت في أيدي حماس، وفي مقدمتها مدينة غزة، ووضع خطة تتوافق مع خطة الهجرة التي أعلنها الرئيس ترامب.

نظراً لأهمية ضبط الجهد المدني، ولأن هيئة الأركان العامة، حتى في عهد رئيس الأركان الجديد، عارضت فرض حكم عسكري، حتى ولو جزئياً ومؤقتاً، وُضعت أدوات بديلة. أولها المؤسسة الأمريكية (GHF)، التي أُنشئت لإنشاء هيئة تُعنى بضبط وتوزيع وتأمين المساعدات التي تدخل قطاع غزة، بحيث تصل إلى المواطنين مباشرةً دون أن تقع في أيدي حماس. ثانيها، الاستعانة بعناصر محلية فاعلة تُعارض حماس، مثل ياسر أبو شباب، زعيم عشيرة بدوية في جنوب شرق رفح. كانت الخطة التي وُضعت في القيادة الجنوبية، ووافق عليها رئيس الأركان إيال زامير مطلع آذار، فور توليه منصبه، تتألف من ثلاثة محاور: الأولى، السيطرة الكاملة على المساعدات الإنسانية التي تدخل قطاع غزة بمساعدة المؤسسة الأمريكية. والثانية، عملية فصل السكان عن حماس، من خلال نقلهم إلى مناطق خاضعة للسيطرة الإسرائيلية بعد التدقيق والمراقبة، والعمل مع عناصر محلية فاعلة. ثالثًا، احتلال الأراضي التي بقيت تحت سيطرة حماس، حيث خُطط لعملية موازية في شمال قطاع غزة ومدينة غزة، وفي جنوبه في خان يونس ورفح، لتسريع عملية هزيمتها. وقدّرت القيادة الجنوبية أن التنفيذ المتزامن للخطة بجميع عناصرها سيؤدي إلى استسلام حماس أو تفككها خلال فترة تصل إلى ثلاثة أشهر. وكان من الواضح والمتفق عليه أنه حتى بعد تفكك المنظمة أو استسلامها، سيتطلب الأمر شهورًا طويلة من القتال لتطهير المنطقة وتحقيق السيطرة الكاملة، وهو ما يمكن تحقيقه بقوات متناقصة، بالتوازي مع تنظيم المنطقة للسيطرة على شكل فرقة وألوية مناطقية.

-------------------------------------------

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

معاريف 8/10/2025

 

 

حماس هزمت إسرائيل قبل المجزرة بزمن طويل، التاريخ الدقيق للحدث

 

 

بقلم: افي اشكنازي

 

ماذا بقي للكتابة عن الحرب ولم يُكتب عنها بعد في العامين الماضيين؟ الحرب التي بدأت بأسوأ هزيمة عسكرية لدولة إسرائيل منذ تأسيسها. حرب مستمرة دون أن ترى نهايتها. حتى اليوم، بعد عامين، يتذكر كل إسرائيلي بالضبط أين كان يوم السبت – عيد فرحة التوراة الساعة 6:29 صباحًا. يتذكر كل إسرائيلي بدقة الدقيقة الأولى، وعدم فهم ما حدث هنا؟ من يطلق النار؟ لماذا يطلقون النار؟ يتذكر كل إسرائيلي صورة سيارة “تويوتا” المحملة بالإرهابيين المدججين بالرشاشات في شوارع سديروت، وطائرات الشراعية تخترق وتهبط في مستوطنات محيط غزة وصرخات الاستغاثة من المدنيين والجنود من البؤر الاستيطانية المنهارة، من المستوطنات، ومن جماعة النوبة الذين قُتِلوا لساعات.

بدأت الحرب بمفاجأة تامة. مُحرجة ومُهينة. منظمة إرهابية لم تكن تُعتبر في إسرائيل والعالم منظمةً كبيرةً وقوية. كانت تمتلك القدرة التكتيكية على تغيير واقع استراتيجي، وكانت قادرةً على تهديد وجود دولة إسرائيل أو جزءٍ منها. فحتى بعد 7 أكتوبر، عرّف رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قدرات المنظمة بأنها لا تزيد عن “بضعة عرب يرتدون شباشب وبندقية كلاشينكوف”. لكن عمليًا، نجحت حماس في سحق فرقة غزة، القوة العسكرية التي حشدتها إسرائيل ضدها. سيطرت على مساحة واسعة وهددت بالتوغل في عمق الاعماق الإسرائيلي، ولو نُفذت خطتها في الموعد المحدد، لكنا على الأرجح في واقعٍ مختلفٍ تمامًا. الآن، بعد عامين، حان الوقت لوضع التهويل والتصريحات التحريضية جانبًا والتعمق في ما حدث هنا. لنفهم كيف، بعد خمسين عامًا (بالضبط) من حرب يوم الغفران، فوجئت إسرائيل وتكبدت هزيمةً عسكرية، على الأقل في المراحل الأولى من القتال.

هذه الحرب التي انتصرت فيها حماس في الدقيقة الأولى من بدء العملية لم تبدأ في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، بل بدأت قبل ذلك بكثير. واليوم، التاريخ الدقيق واضح: اليوم والساعة. حدث ذلك في 26 آب 2014، يوم دخول وقف إطلاق النار في عملية “الجرف الصامد” حيز التنفيذ. اعتقدت القيادة السياسية والعسكرية لدولة إسرائيل، التي ظنت أنها تعرف كل شيء منذ البداية، أنها نجحت في توجيه ضربة قاصمة لحماس. اعتقدت أنها نجحت في ترويض النمر، وأن حماس قد ردعت.

 

روّت إسرائيل لنفسها قصة – وصدقتها أيضًا

 

روّت إسرائيل لنفسها قصة. تكمن المشكلة الكبرى في أن إسرائيل صدقت القصة التي روتها لنفسها. لكن في الواقع، خرج رجال حماس من الأنفاق بعد الحرب. نفضوا الغبار عن أنفسهم، وشاهدوا الدمار في غزة ومعاناة سكانها، لكنهم لم يتأثروا. لقد أدركوا أن صمودهم في وجه الغزو الإسرائيلي هو في الواقع نصرهم.

منذ تلك اللحظة، غيّرت حماس منهجها العملياتي ضد إسرائيل، بما يتماشى تمامًا مع ما فعله حسن نصر الله وحزب الله قبل ثماني سنوات في نهاية حرب لبنان الثانية. أدركت المنظمتان، حزب الله في لبنان وحماس في غزة، أنهما قويتان بما يكفي ليس فقط للعمل كقوة عسكرية دفاعية (حزب الله في لبنان) وحماس في غزة، بل أيضًا في قدرتهما على تحدي إسرائيل وتشكيل تشكيل هجومي يحتل وينقل الحرب إلى الجانب الإسرائيلي السيادي. كان لدى الأخوين السنوار ومحمد ضيف وعدد من كبار قادة الحركة رؤية، تُرجمت إلى استراتيجية، نتج عنها خطوة تكتيكية لغزو واسع وقوي مع احتلال أراضٍ في إسرائيل.

بدأت حماس في بناء قوات النُخبة التي حوّلت منظمة حماس الإرهابية إلى جيش حماس. كان لديها هيكل قيادة وسيطرة يضم ألوية وكتائب وسرايا والوية. كما بنت هيكلًا استخباراتيًا مبهرًا. درست حماس الجيش ودولة إسرائيل، واستعدت ليوم الامر. يضاف إلى ذلك التشكيلات السرية. وسيطرتها الواضحة على الشارع في غزة.

هنا، في إسرائيل، روينا قصتنا. والأسوأ من ذلك أننا هنا في إسرائيل، واصلنا تصديق هذه القصة دون دحضها. لا في الجيش، ولا في الأوساط السياسية، ولا حتى في صفوفها. كل طالب في روضة الأطفال تقريبًا، وربما في الصف الأول الابتدائي، يعرف قصة “ملابس الإمبراطور الجديدة”. كتبها الكاتب الدنماركي هانز كريستيان أندرسن عام 1837. القصة رمزية مؤثرة للعمليات الاجتماعية التي تُجرّ الفرد إلى ركب الجنرال على حساب الحقيقة. أصبحت “ملابس الإمبراطور الجديدة” تعبيرًا يرمز إلى الوهم أو خداع الذات. في حالة إسرائيل، جاء هذا بثمن باهظ بلغ 1954 قتيلًا و255 مختطفًا، منهم 48 لا يزالون في أسر حماس بعد عامين، وآلاف الجرحى. إن الفشل الإسرائيلي في الحملة ضد حماس لا يقتصر على الجانب العسكري، ولا على الاستخبارات، ولا على القيادة في اتخاذ القرارات المحددة على مستوى أو آخر من المستويات السياسية أو العسكرية. هذا فشلٌ في المفهوم العام لإدارة دولة إسرائيل، وفي المجتمع الإسرائيلي. في العقلية اليومية لكل مواطن، وفي العلاقة بين الحكومة والمجتمع. في المفهوم الإسرائيلي القائل بأننا سنتدبر  في النهاية، وذلك لأننا الأفضل في هذا المجال.

لكن في هذه الحرب، ولأسفنا جميعًا، انتصرت حماس حتى لو اختفت من على وجه الأرض. لقد أثبتت أن إسرائيل قابلة للتحدي، فقد صمدّت عامين في حربٍ ضارية لم تشهدها منذ تأسيسها قبل 77 عامًا. ونجحت في حشد الرأي العام العالمي إلى جانبها. هذا الأسبوع في أوروبا، يمكنكم رؤية الانحياز لحماس. أعلام فلسطين في كل زاوية، والمظاهرات في كل ساحة. دعونا لا نتحدث عن تصريحات الدول في الأمم المتحدة حول الاعتراف بدولة فلسطينية، بل عن عزلة إسرائيل في العالم.

نعم، هذه هي قصة الفشل في الفهم والإدراك. يمكننا صنع أدق الصواريخ، وأفضل أنظمة الاعتراض، وأقوى الدبابات، وتسيير أفضل الطائرات المقاتلة، وتدريب الجنود على أفضل وجه. لكن هذا لا يكفي. المسألة أعمق من ذلك. على إسرائيل أن تتوقف للحظة، وأن تُجري مواءمة شاملة لأنظمتها. أن تفهم كيف تبني قوة لا تعتمد فقط على القوة العسكرية. ففي النهاية، لا يمكنك استثمار كل مدخراتك للمستقبل في سهم واحد. هذا خطير للغاية، وليس من الحكمة. يجب على إسرائيل أن تبني لنفسها سلسلة من نقاط القوة. أن تبني احتياطياتها الوجودية في عدة قنوات وصناعات. أن تتحرر من “الارتجالات” وسيكون كل شيء على ما يرام…”. هذا يعني أن عليها بناء مؤسسات ووزارات حكومية ذات قوة مهنية. بدقة وشمولية، تمامًا كما هو الحال مع سلاح الجو الإسرائيلي. مع القدرة على مراجعة الذات، بحيث لا تسمح للتحالفات السياسية بإدارة البلاد. وقد حان الوقت للمطالبة بأنظمة حكم منتخبة، ولكن بحيث يتنافس فيها المهنيون الأكفاء. اليوم، النظام السياسي الإسرائيلي، ائتلافًا ومعارضة، سطحي، ملوث بالفساد حتى النخاع. حكومة تُصوّر نفسها كنظام ملكي يضم بين أعضائه مجرمي الماضي والحاضر الأشرار أو المشتبه بهم. أعضاء كانوا هدفًا لجهاز الأمن الداخلي (الشاباك) حتى انتخابهم للكنيست، ووزراء ذوي شخصيات خيالية، وبعضهم غريب الأطوار.

من ناحية أخرى، تتكون المعارضة من سياسيين أغبياء، كسالى، بلا رؤية، وغير أكفاء، يفشلون في تحدي الحكومة، ولا يعرفون كيف يخلقون بديلًا حقيقيًا. إنهم ليسوا حراسًا. هذا الهيكل، المتمثل في طبقة سياسية لا تعمل بكفاءة، يؤثر بشكل مباشر على الأمن، وعلى قدرة إسرائيل على البقاء لسنوات طويلة قادمة. لا ينبغي أن تُركز مسألة لجنة التحقيق الحكومية على إجراءات تعيين وكيفية تعيينها. هذا موجود بالفعل في القانون، وفي الممارسة العملية. إن انعدام الثقة برئيس المحكمة العليا، القاضي إسحاق عميت، ليس سوى دعاية رخيصة من سياسيين يُشعلون عواصف تافهة، ولا يتعاملون مع المشكلة الحقيقية المطروحة. هذا ما حدث قبل السابع من أكتوبر، وهذا ما يحدث الآن. هذا تحديدًا هو جوهر البحث الشامل الذي يجب إجراؤه. كيف فككت دولة إسرائيل مؤسساتها وزعزعت ثقة مجتمعها بالمؤسسات والهياكل التي يُفترض أن تكون الهيكل المتين الذي يحفظ تماسك الدولة والمجتمع الإسرائيلي. حماس أدركت هذا أولًا. حدث ذلك منذ زمن بعيد. ترجمته إلى هجوم خططت له وبنته لسنوات.

 

في هذا العصر، لا نصر كامل.

 

دعونا لا نخلط الأمور، فقد غيّرت حرب “السيوف الحديدية” وجه التاريخ من بدايته إلى نهايته. ما أنقذ دولة إسرائيل هو روح وبطولة الجنود النظاميين في مواقع التطويق، ومواطني المستوطنات الذين خرجوا للدفاع عن أنفسهم بالأسلحة القليلة التي في أيديهم. بطولة الرماة، وجنود الاحتياط، والطيارين، والقادة الميدانيين الذين اندفعوا نحو المحيط والحدود اللبنانية. هم من قاتلوا وقلبوا الموازين. بينما كان المستوى السياسي مشلولاً، جامداً في الساعات والأيام الأولى. كانت القيادة العليا عمياء وعجزت عن اتخاذ القرارات الصائبة. والحقيقة أن إسرائيل هزمت على معظم الجبهات؛ حماس على المستوى التكتيكي، وحزب الله في لبنان. مما أدى إلى إعادة بناء مؤسسات الدولة اللبنانية وانهيار نظام الأسد في سوريا. وكانت النتيجة انهيار المحور الشيعي الإيراني. وتلقى النظام في إيران ضربة قاصمة من إسرائيل. وتلقت مشاريعه الصاروخية والنووية ضربة قاصمة، ومن المشكوك فيه أن يتعافى منها في السنوات القادمة.

لكن حتى هنا والآن، يجب على إسرائيل ألا تروي لنفسها قصتها الخاصة. بل أن تعيش غدًا. مع إدراك أن القصة الإسرائيلية ربما ليست هي القصة الصحيحة والكاملة. ربما هناك رواية يزعم فيها الطرف الآخر أن غدًا أو ربما بعد عام أو بعد حين، ستُفاجئ الرواية المخفية عن أعين الإسرائيليين وتُثير التحدي. لقد انشغلت إسرائيل لمدة عامين في حرب على سبع جبهات. إنها تبني على النصر الكامل. لكن في هذا العصر، لا يوجد نصر كامل. إنه غير موجود. يجب على الجيش الإسرائيلي أن يُبني نفسه لكل مفاجأة من كل جبهة، من شمال وشرق وجنوب خط التماس وحتى الداخل. الآن، لا وجود له. يجب على المجتمع الإسرائيلي أن يُعيد بناء نفسه للمطالبة وطرح الأسئلة. لا أن يتبع قيادة جوفاء فارغة بشكل أعمى. إذا لم نُنتبه لأنفسنا، فسنستقبل 7 أكتوبر آخر. واقع سيستيقظ فيه كل إسرائيلي على حقيقة ستُطيح بصباح 7 أكتوبر 2023 في الظل. تمامًا كما طغت على 6 أكتوبر 1973 في ظل المفاجأة والهزيمة.

 ------------------------------------------

 

هآرتس 8/10/2025

 

 

مع المنطقة العازلة لا يعاد بناء دولة

 

 

بقلم: تسفي برئيل

 

عندما سيعود المخطوفون وتتبين تفاصيل “الصفقة” التي يبحث فيها وفدا حماس وإسرائيل في مصر، فان السؤال الذي يغلي عليه الدم والذي ينبغي أن يطرح سيكون “لماذا لم يفعلوا هذا من قبل؟” قبل شهرين، نصف سنة وحتى سنة، حين كان بعض من المخطوفين ممن سيعودون في التوابيت لا يزالون على قيد الحياة. ووفقا للتقارير فان المباحثات تتركز على اقل من دزينة سجناء مؤبدين فلسطينيين “ثقيلين” – قتلوا عشرات اليهود، بعثوا بمخربين وفجروا عبوات – وعلى ترسيم مجال الانسحاب الإسرائيلي. هذه هي مرحلة ” البيع بالمفرق” في المفاوضات، والتي يريد فيها كل طرف ان يحقق شيئا ما آخر، ويظهر بانه لا يتنازل، يستعرض العضلات بعد ان سبق أن كان حسم في مباراة انزال الايدي. إذ لحظنا هي لم تكن بين إسرائيل وحماس بل بين نتنياهو وترامب – الذي قرر، بتأخير مجنون الوقوف الى جانب الجمهور الإسرائيلي.

نتنياهو، كما ينبغي الاعتراف ادار صراعا بطوليا امام خصم عنيد ومصمم. كانت لحظات خيل فيها بان هذا الخصم يوشك على الفوز وكان ينجح في حشر نتنياهو في زاوية الحبال في الحلبة، والتي يصعب النجاة منها. لكن في كل مرة أبدى رئيس الوزراء قدراته الهائلة، ذكاءه وكفاءاته التي اكتسبت على مدى سنوات من التدريب وجولات المعارك، وبحركات رقص مذهلة نجح في التملص من العناق الخانق للخصم.

اسم هذا الخصم ليس حماس ولا حتى ترامب. اسمه هو “الجمهور الإسرائيلي”. لقد نجح نتنياهو في أن يلقي به الى الأرضية في كل مرة بدا فيها ينهض على قدميه. الان ايضا، وربما بالذات الان حين يخيل أن كل شيء منتهِ والجمهور يوشك على الفوز، ليحقق تطلعه للحصول على مخطوفيه، لينهي الحرب ويبدأ بإعادة تأهيل نفسه بعد سنتين من الخراب – مطلوب حذر متحفز ويقظة متوترة خشية أن تتحطم الصفقة لان نتنياهو سيحاول أن يبتز “صورة نصر” صغيرة أخرى ويرفض تحرير مروان البرغوثي، حسن سلامة، احمد سعدات، أربعة أو خمسة “رموز فلسطينيين” آخرين محكومين معا بعقوبات سجن بمئات السنين.

وممَ الخوف؟ أن يبعث هؤلاء السجناء الى الحياة حماس فيجتاحوا مرة أخرى بلدات إسرائيل؟ فـ “طوفان الأقصى” لم ينتظر تحريرهم كي يقتحم الاسيجة ويحتل بلدات الغلاف، وحسب نتنياهو، فان حماس سحقت منذ الان وصفيت بضع مرات. أم لعل مضاجعه تقض خوفا من أن يرفع هؤلاء السجناء، وبخاصة البرغوثي مع تحريره علم الثورة الوطنية الفلسطينية فيقيموا الدولة الفلسطينية التي نالت اعتراف العالم كله؟

غير أن هذا الخوف يشهد اكثر من أي شيء آخر على ان مكوثهم بالذات في السجن عظم أهمية ومكانة هؤلاء السجناء لدرجة اننا اذا تخلينا عنهم “سيقتطع” الإنجاز الهائل الذي حققناه في تصفية إسماعيل هنية، محمد ضيف ويحيى السوار.

كاذبة ومضللة بقدر لا يقل هي المساومة على عمق الانسحاب وعلى عرض الشريط الفاصل، ذاك الشريط من الأرض المحروقة التي يفترض بها أن تحمل بلدات غلاف غزة من اجتياح جديد. فالسؤال ذي الصلة ليس اذا كان الشريط الفاصل سيحمي إسرائيل، بل هل كان مثل هذا الشريط الفاصل كان ينجح في حماية إسرائيل في 7 أكتوبر، حين كان الجيش، الشباك و “المستوى السياسي” كما يصفه نتنياهو، ينامون تغطيهم بطانية المفهوم المغلوط الدافئة، محميين بشريط فصل من العمى. فجيش متحفز وقيادة واعية لا تنشغل برؤى مسيحانية وبرعاية إجرامية لمنظمة إرهاب لا يحتاجون لحزام أمني بل لعيون ترى بوضوح.

دزينة سجناء فلسطينيين مهما كانوا “ثقيلين” وشريط فاصل واسع وفاخر ليسوا إنجازات ولا انتصارات، والتخلي عنهم ليس “ثمنا” تدفعه إسرائيل على تحرير المخطوفين. فالثمن الرهيب سبق لإسرائيل ان دفعته، وهو سيكون مضاعفا اذا لم تحصل على المقابل – 48 مخطوفيها، الذين فقط مع عودتهم يمكنها أن تبدأ بترميم نفسها.

-------------------------------------------

 

يديعوت احرونوت 8/10/2025

 

معضلة طهران

 

 

بقلم: د. راز تسيمت

عشية عيد العرش، أثار وزير الدفاع السابق أفيغدور ليبرمان ضجةً طفيفة عندما حذر من نوايا إيران مهاجمة إسرائيل. ففي تغريدة على حسابه على شبكة إكس، كتب ليبرمان أن من يعتقد أن الحادث مع إيران قد انتهى فهو مخطئ ومضلل، وأن الإيرانيين يعملون بالفعل بنشاط لتعزيز قدراتهم العسكرية. ودعا المواطنين الإسرائيليين إلى توخي الحذر الشديد خلال العيد وقضائه بالقرب من المناطق المحمية. وعقب تصريحاته التي أثارت الذعر، أوضح مصدر أمني أنه لا علم له بأي حادث غير عادي متوقع قريبًا مع الإيرانيين. واتهم مصدر إسرائيلي آخر ليبرمان بإثارة الرعب دون أساس.

حتى الآن، يبدو أن إيران تُركز بالفعل على استعادة قدراتها التي تضررت خلال حرب الأيام الاثني عشر، بما في ذلك في المقام الأول أنظمة الصواريخ الباليستية والدفاع الجوي. الافتراض السائد في طهران هو أن تجدد القتال مسألة وقت، وأن إسرائيل عازمة على استئناف الحملة، وربما حتى استغلال جولة قتالية مقبلة للدفع باتجاه تغيير النظام. على سبيل المثال، زعم يحيى رحيم صفوي، كبير مستشاري الزعيم الإيراني، أن الحرب قد تُستأنف في أي لحظة، وأن إيران تُجهز نفسها لأسوأ السيناريوهات.

فاجأ الهجوم الإسرائيلي ليلة 13 حزيران إيران. وقد اعترف مسؤول عسكري إيراني رفيع المستوى مؤخرًا بأن الهجوم الإسرائيلي المفاجئ كان مثابة “ضربة صادمة” لم تستطع البلاد التعافي منها إلا بفضل قيادة وحكمة المرشد الإيراني خامنئي، الذي لولاه لما كان مصير البلاد واضحًا. لذلك، ليس من المستغرب أنه على الرغم من تزايد الأصوات في إيران الداعية إلى رد قاسٍ على تجديد العقوبات عقب تفعيل آلية “سناب باك”، بما في ذلك الانسحاب من معاهدة حظر الانتشار النووي أو حتى امتلاك أسلحة نووية، إلا أن القيادة الإيرانية تبدو غير متعجلة في اتخاذ قرارات خطيرة. في هذه المرحلة، لا توجد أي مؤشرات على أن إيران تسعى إلى ترميم المنشآت النووية المتضررة خلال الحرب. وتشير التقارير إلى أن معظم جهودها موجهة نحو ترميم منظومة الصواريخ وتحسين دقتها، وترميم أنظمة الدفاع الجوي، وربما حتى بناء موقع تخصيب جديد جنوب موقع تخصيب نطنز الذي تضرر خلال الحرب.

ومع ذلك، من المشكوك فيه للغاية أن يستمر الوضع الراهن الحالي لفترة طويلة. فعلى عكس مصر بعد حرب الأيام الستة، لا تعترف القيادة الإيرانية بهزيمتها، على الرغم من إدراكها للحاجة إلى تحسينات وتعديلات في مفهومها للأمن القومي. ورغم المفاجأة التي لحقت بها في حزيران 2025، يواصل كبار المسؤولين الإيرانيين الترويج لرواية النصر التي بدأت خلال تبادل إطلاق النار. وتستند هذه الرواية إلى عدة حجج رئيسية: تعافت إيران بسرعة نسبية من الضربة الافتتاحية؛ وشنت حملة ليس فقط ضد إسرائيل ولكن أيضًا ضد الولايات المتحدة؛ وألحقت أضرارًا بالعمق الإسرائيلي وأجبرت إسرائيل على الموافقة على وقف إطلاق النار؛ واحتفظت بقدرات كبيرة في أنظمتها النووية والصاروخية؛ والأهم من ذلك، فشلت إسرائيل في تحقيق هدفها الرئيسي: الإطاحة بالنظام الإيراني. ورغم أن العديد من هذه الحجج تحتوي على درجة كبيرة من المبالغة، فمن المستحسن عدم رفضها باعتبارها دعاية لا أساس لها.

ومع ذلك، وكما كانت الحال مع مصر في عهد أنور السادات، قد تصل إيران في مرحلة ما إلى استنتاج مفاده أن الحل الوحيد للخروج من المأزق يكمن في التحرك العسكري، حتى وإن كان محدودًا. ويتجلى هذا بشكل خاص عندما يُرسل الرئيس الأمريكي رسالة مفادها أن المشكلة النووية قد حُلّت بالهجوم الإسرائيلي الأمريكي، وبالتالي لا جدوى من أي تسوية سياسية، لا سيما تلك التي تتطلب تنازلات من الجانبين. وكما كان السادات، الذي رأى في حرب يوم الغفران مخرجًا من المأزق الاستراتيجي المتعلق بقضية سيناء، ومبادرةً لتحرك عسكري محدود، يُكفّر عن نتائج حرب الأيام الستة ويؤدي إلى عملية سياسية، قد تبادر طهران أيضًا في محاولة للخروج من الجمود السياسي والوضع الراهن الذي يُلحق الضرر باقتصادها.

هذا لا يعني أن إيران ستُسارع إلى اتخاذ مثل هذه الخطوة في وقت قريب، خاصةً ما دامت بعض قدراتها العسكرية لم تُستَعِد. كما أن انسحاب الرئيس ترامب من الاتفاق النووي عام 2018 لم يُؤدِّ إلى ردٍّ إيرانيٍّ فوري. التزمت إيران بالتزاماتها بموجب الاتفاق النووي لمدة عام، واتبعت سياسة “الصبر الاستراتيجي” سعيًا لتحمل العبء الاقتصادي على الأقل حتى الانتخابات الأمريكية عام 2020، إلا أن تصعيد الضغط الاقتصادي الأمريكي وانضمام الدول الأوروبية إلى العقوبات أدى إلى تغيير في السياسة مع حلول صيف 2019. بدأت طهران بالتراجع تدريجيًا عن التزاماتها بالاتفاق، واتخذت خطوات عسكرية جريئة ضد حلفائها الأمريكيين، أبرزها الهجوم على منشآت النفط في السعودية في ايلول 2019، ولكن أيضًا ضد الولايات المتحدة نفسها – والتي بدأت بإسقاط طائرة أمريكية مُسيَّرة في الخليج العربي في حزيران 2019، وانتهت بإصابة مواطنين أمريكيين واقتحام السفارة الأمريكية في بغداد.

هل ستغير إيران سياستها بعد استعادة قدراتها أم ستنتظر بصبر انتهاء ولاية الرئيس ترامب أو فرصة عندما تقدر أن خطر اختراق الأسلحة النووية أقل من خطر استمرار الوضع الراهن؟ من الصعب معرفة ذلك. لكن من الواضح أنه في غياب ترتيب دبلوماسي أو على الأقل إزالة الخوف الفوري من جولة أخرى من القتال، قد تتوصل طهران إلى استنتاج – حتى لو كان خاطئًا وخطيرًا – أن حربًا أخرى أو على الأقل استفزازًا محدودًا ضد إسرائيل أو الولايات المتحدة أو حلفائها في المنطقة قد يسمح لها بإظهار قدرات محسنة واستعادة كرامتها وفتح طريق للخروج من المأزق.

-------------------------------------------

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

يديعوت احرونوت 8/10/2025

 

 

من يخشى الاتفاق الجيد؟

 

 

بقلم: نافا درومي

 

مع نشر خطة ترامب المكونة من 21 نقطة والمخطط الجديد المطروح للصفقة، بدأت تُسمع ادعاءات من مختلف المعلقين بأن المخطط نفسه كان مطروحًا بالفعل قبل عام. هذا ادعاء خاطئ جوهريًا ليس من الصعب دحضه، حتى في الأيام التي اكتسبت فيها الحقيقة والوقائع وضعًا ذاتيًا.

حتى المخطط الأخير، في كل صفقة مطروحة، كان مطلوبًا من إسرائيل الدفع أولًا ثم الاستلام فقط. على سبيل المثال، كان عليها الانسحاب من محور فيلادلفيا والمحيط كبداية حتى قبل أن تستلم رهينة واحدة؛ رفضت حماس التقدم دون ضمانات دولية بعدم عودة إسرائيل إلى القتال وحماية شعبها، وبالطبع رفضت هذه المنظمة مطلب نزع سلاحها. خلاصة القول: أُجبرت إسرائيل على الاستسلام قبل أن تعرف حتى إذا كانت ستحصل على الرهائن أم لا.

في المخطط الحالي، يُطلق سراح المختطفين في المرحلة الأولى. حتى لو أُطلق سراح الأحياء أولاً، أو رأينا المختطفين يعودون في ظروف مختلفة، فهذا هو شرط المخطط، المختطفون أولاً. بعد ذلك، تأتي الأمور الأخرى التي تتمتع فيها إسرائيل أيضاً بمكانة متفوقة مقارنةً بالمخططات السابقة: استمرار الوجود الإسرائيلي في محيط غزة ومحور فيلادلفيا (على عكس المخططات السابقة)، ونزع سلاح حماس – بما في ذلك وجود إسرائيلي في أجزاء من قطاع غزة حتى نزع سلاحها، وغيرها.

إذا لم تكن الخطوط العريضة هي نفسها، فلماذا يدّعي بعض المعلقين ذلك؟ بعد عامين من مجزرة السابع من أكتوبر، يكمن الجواب مجددًا في شخص واحد – نتنياهو. فالاتفاق الحالي وُقّع من قِبل نفس الشخص الذي يتحمل مسؤولية السابع من أكتوبر – نتنياهو. واحتمال نجاحه في التوصل إلى اتفاق لائق، بل وحتى جيد، أمرٌ غير مُسَلَّم به. ففي النهاية، تحمل هذه الحالة معانٍ كثيرة. على سبيل المثال، نجحت إسرائيل بقيادة نتنياهو في اجتياز العواصف الدولية خلال العامين الماضيين، من إدارة بايدن إلى إدارة ترامب، وسط نفاق ومعاداة للسامية الأوروبية. كان الإصرار على احتلال مدينة غزة قرارًا صائبًا رغم معارضة بعض كبار مسؤولي الجيش الإسرائيلي. كما يتخذ الهجوم على قطر منحىً مختلفًا فجأةً عندما تُبدي قطر، الرافضة الرئيسية، استعدادًا مفاجئًا للضغط على حماس. ناهيك عن احتمال أن يكون نتنياهو قد استفاق منذ السابع من أكتوبر وأدرك أن سياسة الاحتواء كانت خطأً، وأن مُجاراة كبار مسؤولي الجيش الإسرائيلي تبيّن أنها خطأٌ عندما وصلت سياسة إسرائيل الأمنية إلى أدنى مستوياتها في عهده تحديدًا.

إذا اتضح أن رئيس الوزراء وقت الكارثة نجح في تحقيق اتفاق جيد لإسرائيل، فقد تصبح السياسة الجديدة التي يرسمها سياسةً يرغب قادة المستقبل في تبنيها أيضًا: مثلاً، تعيين وزير دفاع لا يخشى المواجهة مع رئيس الأركان؛ اتخاذ قرارات عسكرية تتعارض مع موقف هيئة الأركان؛ مهاجمة إيران وقطر و”المخاطرة” بالعلاقات مع الدول الصديقة؛ رفض السماح للسلطة الفلسطينية بترسيخ وجودها في غزة أو تعيين رئيس “مختلف” لجهاز الأمن العام (الشاباك). لخلق وضع مشابه لما فعله نتنياهو مع ترامب – حيث يتطابق موقف الرئيس الأمريكي مع موقف إسرائيل القوية. في الواقع، بالنسبة لأقلية في إسرائيل، قد يُمثل فوز إسرائيل سابقة “خطيرة”. فمن قال إن رئيس وزراء آخر من اليمين لن يتبنى هذا النهج في المستقبل؟ ولمن يخشون ذلك ويحاولون بالتالي التقليل من شأن الخطة الحالية، تجدر الإشارة إلى ذلك. ليس الأمر مجرد رجل، بل هو المعسكر – لولا اليمين، لكان إيلي شارفيت رئيسًا لجهاز الأمن العام (الشاباك) اليوم. لولا منظمات جديدة مثل منتدى الأمل والشجاعة، لما كان هناك من يدعم نتنياهو في بعض هذه التغييرات. ليس بيبي وحده من وقّع على المخطط الحالي، بل الشعب أيضًا.

-------------------------------------------

 

يديعوت احرونوت 8/10/2025

 

 

الفجوات والضغوط

 

 

بقلم: إيتمار آيخنر وآخرين

 

مساء أمس، في ختام اليوم الثاني من المفاوضات التي بدأت في مصر حول إطلاق سراح الرهائن وإنهاء الحرب، أعربت إسرائيل عن “تفاؤل حذر”، قائلةً إن “الاتجاه إيجابي”. وكان من بدا أكثر تفاؤلاً، كعادته، الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي قال في مؤتمر صحفي مشترك مع رئيس الوزراء الكندي: “هناك فرصة حقيقية لإنجاز شيء ما. حالما يتم التوصل إلى اتفاق، سنكون قادرين على بذل كل ما في وسعنا لضمانه“.

في الليلة السابقة، صرّح ترامب للصحفيين في المكتب البيضوي قائلاً: “لدينا فرصة كبيرة، وأعتقد حقًا أن ذلك سيحدث. شعب إسرائيل يريد ذلك. أعتقد أن حماس تريد ذلك أيضًا”. وأضاف أن الولايات المتحدة تلقت أيضًا إشارة قوية من إيران بأنها تريد إنهاء الحرب، على حد تعبيره. وصرح قائلاً: “الجميع إلى جانبنا، لم يكن هناك أي شيء من هذا القبيل”.

من المتوقع أيضًا أن ينضم إلى وفود التفاوض في شرم الشيخ مبعوثا الإدارة الأمريكية ستيف ويتكوف وجاريد كوشنر، اللذين يُتوقع أن يُمثل وصولهما تطورًا هامًا في المحادثات. ووفقًا لمصدر سياسي، من المقرر أيضًا أن يتوجه وزير الشؤون الاستراتيجية رون ديرمر إلى مصر.

علاوةً على ذلك، أفادت التقارير أمس أن من سيصلون اليوم أيضًا رئيس وزراء قطر، الذي يشغل أيضًا منصب وزير الخارجية، محمد آل ثاني، ورئيس جهاز الاستخبارات التركي، إبراهيم كالين. في إسرائيل، يُنظر إلى هذا على أنه إضافة مهمة للضغط على حماس. وتعتقد مصادر مطلعة أن نجاح ترامب في إشراك الأتراك في المفاوضات لعب دورًا محوريًا في إقناع حماس بالموافقة على الخطة.

علاوةً على ذلك، أبلغ الأتراك الأمريكيين أنهم تمكنوا من التواصل مع مجموعتين من أعضاء حماس تحتجزان رهائن إسرائيليين، ولم يكن هناك أي اتصال معهما حتى الآن. ويتوقع الإسرائيليون أنه في حال إثارة حماس أي مشكلة، فستواجه تهديدًا من تركيا وقطر بطرد قيادة حماس من الدوحة وإسطنبول، وهي خطوة يصعب على حماس التعافي منها.

كالين هو المسؤول التركي الأرفع شأنًا، والذي يُجري حوارًا مع كبار المسؤولين الإسرائيليين، لا سيما في المؤسسة الدفاعية والموساد وجهاز المخابرات الوطني، في ظل غياب السفراء. ومقابل حشدها للترويج لخطة ترامب، ستكون تركيا عاملًا محوريًا في إعادة إعمار القطاع، وفي إدخال المساعدات الإنسانية إلى غزة بالتنسيق مع إسرائيل. وتأمل إسرائيل أن يكون هذا بمثابة فرصة لاستعادة العلاقات بين تركيا وإسرائيل، ورفع المقاطعة التجارية، واستئناف الرحلات الجوية التركية، وتعيين سفراء.

أعلنت إسرائيل أنها ستقصر المحادثات على بضعة أيام، لكن لا يزال الإطار الزمني المخصص لجولة المفاوضات الحالية غير واضح، في ضوء التهديد بالعودة إلى القتال في حال فشل المحادثات.

وفقًا لأحد البنود الرئيسية في خطة ترامب، يجب على حماس إطلاق سراح جميع الرهائن الـ 48 – الأحياء والأموات – في غضون 72 ساعة، وفي الوقت نفسه، سينسحب الجيش الإسرائيلي إلى “الخط الأصفر”. لكن مسؤولاً كبيراً في حماس صرّح لقناة الجزيرة أمس، أنه في اليوم الثاني من المحادثات، التي ركزت على خرائط الانسحاب وتوقيت إطلاق سراح الرهائن، طالبت حماس بربط مراحل إطلاق سراح الرهائن بمراحل الانسحاب الكامل للقوات، قائلاً إن إطلاق سراح الرهينة الأخير “يجب أن يتم بالتزامن مع الانسحاب النهائي للقوات الإسرائيلية. ويؤكد وفد حماس على ضرورة الحصول على ضمانات دولية لوقف إطلاق النار النهائي والانسحاب الكامل”.

مع ذلك، صرّح مصدر مصري لصحيفة الشرق الأوسط السعودية بأنه “قد يتم التوصل إلى اتفاق مبدئي هذا الأسبوع، الخميس أو الجمعة، وسيعلنه ترامب”. وأضاف المصدر أنه “في حال وجود عقبات، فقد يتأخر القرار النهائي حتى الأحد على أبعد تقدير”. وأوضح أن “العائق الرئيسي في الوقت الحالي هو استمرار العملية العسكرية، وحماس تناقش اللوجستيات اللازمة وتدفع باتجاه وضع جدول زمني يسمح لها بتسليم الرهائن، سواء بإزالة الحواجز أو الانسحاب الإسرائيلي أو وقف الرحلات الجوية أو استقبال رهائن من فصائل أخرى”. وأشار المصدر إلى أنه في المراحل المقبلة، المتعلقة بقضايا مثل سلاح حماس، سيكون هناك جهد وضغط أمريكي أكبر للتوصل إلى اتفاقات أو تسويات.

إضافةً إلى ذلك، ووفقًا لتقرير مصري، فإن قائمة الأسرى التي تطالب حماس بالإفراج عنهم تشمل من تعتبرهم “قادة” – مروان البرغوثي، وأحمد سعدات، الذي خطط لاغتيال الوزير رحبعام زئيف، وحسن سلامة، الذي يقضي 46 حكمًا بالسجن المؤبد، وعباس السيد، مُخطط هجوم فندق بارك في نتانيا. وصرح خليل الحية، رئيس وفد حماس، لقناة القاهرة الإخبارية المصرية: “جئنا بهدف مباشر وهو إنهاء الحرب، وتبادل الأسرى، وإطلاق سراح المعتقلين الإسرائيليين. نؤكد استعدادنا بكل مسؤولية لوقف الحرب، لكن إسرائيل تُواصل القتل والتدمير. الاحتلال يخلف وعوده بوقف الحرب، ولا بد من ضمانات لإنهاء الهجوم بشكل كامل”.

-------------------------------------------

هآرتس 8/10/2025

 

دولة ضد العالم وحكومة غباء وشر وتطرف.. تتعمد قتل آخر فلسطيني أعزل

 

 

بقلم: أسرة التحرير

 

إنّ سلوك الحكومة تجاه أسطول الحرية المتجه إلى غزة هو خلاصة مزيج قاتل من الغباء والشر وعدم فهم الواقع. بكل هذه “الدعاية”، صمّت إسرائيل آذانها عمّا يحاول العالم إيصاله لها: فبعد عامين من الحرب، وأكثر من 65 ألف قتيل، بينهم ما يقرب من 20 ألف طفل، لا تبدو إسرائيل في نظر معظم العالم دولةً مُعتدى عليها تُقاتل من أجل البقاء، بل قوة عسكرية ضارية مُصمّمة على مواصلة الحرب حتى آخر فلسطيني أعزل.

بدلاً من السماح للأسطول بالوصول إلى شواطئ غزة في خطوة إنسانية رمزية، أرسلت إسرائيل الوحدة البحرية الخاصة “شاييتت 13” لإيقافه بعنف. وهكذا، تحوّلت هذه البادرة الرمزية البريئة إلى حدث دولي، أشعلت مظاهرات شارك فيها مئات الآلاف في أوروبا وآسيا وأمريكا الجنوبية. بينما يُصدم العالم أجمع بمشاهد المجاعة والدمار في غزة – مشاهد تطوعت معظم وسائل الإعلام الإسرائيلية بحجبها عن الرأي العام، مما خلق فجوةً لا تُجَسَّر بين الوعي في إسرائيل والوعي في بقية العالم – تُصرّ حكومة نتنياهو على إثبات عجزها مجددًا.

بينما تُجبر القوات البحرية الإسبانية والإيطالية على الخروج لحماية مواطنيها من الجيش الإسرائيلي، وتُغطي الصحف العالمية انتهاكات حقوق نشطاء أسطول الحرية وغريتا تونبرغ التي أُجبرت على لفّ نفسها بالعلم الإسرائيلي وتقبيله – تُنشر وزارة الخارجية إعلاناتٍ سخيفة عن “استفزاز حماس-الصمود”، ويستخدم الوزير بن غفير النشطاء المُهانين لتصوير فيديوهات دعائية، ويصفهم بـ”مؤيدي القتلة” ويتباهى بأنهم “سيشعرون بالظروف هنا جيدًا”. حكومةٌ من مُدمني إشعال الحرائق معزولة عن العالم،

في هذه الأثناء، دعا وزير الشتات عميحاي شيكلي، العنصري البريطاني تومي روبنسون، الشخصية البارزة في اليمين المتطرف في بريطانيا، إلى اسرائيل كضيف شرف على الحكومة. يا للعار! عندما تجرأت الهيئة التمثيلية للجالية اليهودية في بريطانيا على إدانة شيكلي، ردّ وزير الشتات كأي مُدّعٍ يميني متطرف، وادّعى أن المنظمات اليهودية في بريطانيا “مُؤيدة للفلسطينيين”، وبذلك أثبت مجددًا أن الشرط الأساسي للعضوية في حكومة نتنياهو هو ضعف الحكمة. كان من غير المعقول الوقوع في مثل هذا الموقف المتواضع: حكومة في إسرائيل تحتضن العنصريين المتطرفين باسم “مكافحة معاداة السامية”. إن سلوك هذه الحكومة يُشكل خطرًا حقيقيًا على الإسرائيليين ويهود الشتات. لقد خدعت إسرائيل واعتقدت أنها تدافع عن الغرب، بينما تتجذر بشكل متزايد في الجانب الخاطئ من التاريخ. وفي خضم كل هذا الجنون، بدلًا من السماح للمفاوضات بالتقدم بشكل جوهري، اختار نتنياهو إجراء مقابلة على بودكاست بن شابيرو ليُعلن أن “الحرب يجب أن تستمر”، وكالعادة، يحاول منح حماس ذريعة لنسف الاتفاق. نتنياهو وحكومته يُلحقان الضرر بإسرائيل. يجب وقف هذه الحرب فورًا. لإنقاذ الرهائن، وللتوقف عن قتل سكان غزة، وللحيلولة دون الانهيار التام.

--------------------------------------------

 

هآرتس 8/10/2025

 

 

حرب غزة: سيحمل الإسرائيليون "عبئاً ثقيلاً" طيلة حياتهم

 

 

بقلم: إيريس لعال

 

منذ الدقائق الأولى، كان واضحاً أن الهجوم «الإرهابي» على الكنيس في مانشستر، خلال «يوم الغفران»، نُفِّذ بدافع معاداة السامية. لا تزال التفاصيل غير معروفة، لكن كان من الصعب جداً تجاهُل الرسالة. مثلما هي الحال في دول أوروبية أُخرى، شهدت بريطانيا أيضاً في العامَين الماضيَين، منذ هجوم «حماس» «الإرهابي» في السابع من تشرين الأول، ارتفاعاً ملحوظاً في الحوادث المعادية للسامية، والوضع في الولايات المتحدة مُشابه. هذه الحقيقة وحدها تدل على التحول السريع في الوعي الدولي تجاه إسرائيل، وبنيامين نتنياهو هو المساهم الرئيسي في هذا الوضع.

منذ اللحظة الأولى، وبينما كان لا يزال يتخبط بين رعب الإطاحة به وتمسُّكه اليائس بمقعده، بدأ نتنياهو بترويج سردية المحرقة الثانية. ففي التاسع من تشرين الأول، قال إن « الشعب اليهودي كان عاجزاً في الماضي، أمّا اليوم، فنحن أقوياء. ستفهم 'حماس' أنها ارتكبت خطأً تاريخياً في هجومها علينا». حاول الصحافيون المرتبطون بنتنياهو، سياسياً، ترسيخ معادلة سهلة الترديد، بثّوها في استوديوهات الأخبار المركزية مراراً: «مقاتلو حماس هم النازيون؛ العدو النازي؛ النازيون في غزة». قال نتنياهو في مؤتمر مكافحة معاداة السامية، هذا العام، إن «حماس هي عدو الشعب اليهودي، مثل النازيين. إنهم يريدون إبادة كل اليهود». وفي ذكرى الهولوكوست، قبل عام، قال «إن النازيين لم يكونوا أعداء اليهود فقط، بل أعداء الإنسانية جمعاء. واليوم، نرى الأكاذيب المعادية للسامية تتكرر من جديد، مع عواقب خطِرة».

منذ اندلاع الحرب، يستخدم نتنياهو استراتيجية المافيات والفاشيين؛ إذ يحرص على إشراك أكبر عدد ممكن في أفعاله؛ عناقه عناق موت، فهو يجبر الآخرين على أن يكونوا شركاءه، من دون أن يترك لهم طريقاً للانفصال عنه. لم نبدأ بعد باستيعاب مدى خطورته ومصادر إلهامه (انظروا إلى تاريخ الديكتاتوريين في القرن العشرين، وستشعرون بالحمى).

في بريطانيا، كما في أماكن أُخرى من العالم، يدور نقاش حاد بشأن الحرب على غزة؛ إذ تثير صور الدمار والمجاعة معارضة شديدة حتى في أوساط الجالية اليهودية. وأظهرت استطلاعات حديثة أن الفكرة الصهيونية تفقد شعبيتها بين يهود بريطانيا، وخصوصاً بين الشباب، وهناك اتجاه مماثل يُلاحَظ في أماكن أُخرى أيضاً، وكلما أحكمَ نتنياهو قبضته وجرّهم نحوه دفع يهود الشتات - إذا أرادوا البقاء - إلى قطع كل صلة تربطهم بإسرائيل.

مع انتهاء العيد، بدأت ردات فعل أعضاء الحكومة والائتلاف على الهجوم بالتدفق، وأكثرها دلالةً كانت ردة بتسلئيل سموتريتش، الذي يرفض بشدة أي ادّعاء بشأن مسؤولية الحكومة منذ إخفاق 7 تشرين الأول، وأعلن المهرج عديم الوعي أن «المسؤولية عن هجوم مانشستر تقع على عاتق الحكومة البريطانية». يبدو أنه نسيَ أنه عندما زار بريطانيا في شباط 2022 رفضت الجالية اليهودية لقاءه، ووصفت آراءه بأنها «بغيضة»، وطالبته بالمغادرة. سموتريتش، مثل نتنياهو، لا يدافع عن الجاليات اليهودية، بل يعرّضها للخطر. كلاهما يستخدم الهجوم لإسكات الانتقادات الموجهة ضد أفعال إسرائيل في غزة، وبذلك هما يربطان - رغماً عنهما - كل يهودي في العالم بجرائم حربهما.

لقد خيّم الخوف والألم والصدمة في «يوم الغفران» على يهود بريطانيا وأوروبا. وإذا كانت الحرب ستنتهي الآن بعودة جميع الأسرى وانسحاب الجيش من غزة، فقد يكون هناك بعض التخفيف من مستوى العداء، لكن حسبما قال لي صديق ألماني مسيحي متزوج من مواطنة إسرائيلية ويعيش هنا - منذ ولادته، يرافقه الشعور بالذنب التاريخي على أفعال بلده. والآن، أضيفَ إلى ذلك الشعور بالذنب على أفعال بلده الجديدة. قال لي «إن الإسرائيليين لا يدركون العبء الثقيل الذي سيحملونه بقية حياتهم. لقد تغيرت معاني أن يكون الإنسان إسرائيلياً إلى الأبد، ويهود الشتات، في معظمهم، لا يريدون أي علاقة لهم بذلك».

-------------------------------------------

 

إسرائيل اليوم 8/10/2025

 

 

تطبيق الاتفاق على مراحل

 

 

بقلم: تسفيكا حايموفيتش

 

أثبت الأسبوع الأخير مجدّداً مدى تغيُّر الواقع في الشرق الأوسط (وفي العالم) وتقلُّبه وعدم قابليته للتنبؤ. فما بدأ في اللقاء بواشنطن وإعلان موافقة إسرائيل على «خطة النقاط الـ21» التي طرحها الرئيس ترامب، بدعم من الدول العربية، استمر في تصريحات من «حماس»، مصحوبة بتحفّظ قطري على الخطة، على الرغم من أن قطر كانت من المؤيدين، قبل يومين فقط، ثم جاء إنذار ترامب الذي منح «حماس» ثلاثة أيام للرد.

وقبل أن يُترجم تمديد إنذار الرئيس إلى اللغة العربية، جاءت إجابة «حماس» وكانت «نعم»، إنما مع «لكن» كبيرة جداً. كان هذا كافياً لترامب ليعلن أن «حماس» تريد السلام، وأن على إسرائيل وقف إطلاق النار فوراً في غزة.

 

التحوّل إلى اتفاق مرحلي

 

أولاً، فرض ترامب جدولاً زمنياً على المنطقة لقبول المبادئ التي وضعها في خطته، ووافق فعلياً على تنفيذها على مراحل، وإن لم يصرّح بذلك رسمياً. وبينما كان الحديث، قبل شهرين، عن إطلاق سراح الأسرى على دفعات، يبدو أننا الآن بصدد اتفاق يتم تنفيذه على مراحل.

تشمل المرحلة الأولى تطبيق المبادئ الأربعة الأولى الواردة في الخطة:

- إطلاق سراح جميع الأسرى والمخطوفين.

- وقف إطلاق النار.

- انسحاب كبير لقوات الجيش الإسرائيلي. وإطلاق سراح أسرى فلسطينيين، بحسب معيار تم الاتفاق عليه (من دون الاتفاق على هويتهم).

وبافتراض أن هذه هي مراحل التنفيذ، فستكون المرة الأولى منذ عامين التي تصل فيها إسرائيل إلى مرحلة تنفيذ المبادئ، وهي تمتلك أوراق الضغط، في معظمها، بينما لا تملك «حماس» سوى ما تخسره.

إن استمرار تنفيذ المبادئ، بما في ذلك آليات «اليوم التالي»، بدءاً من «مجلس السلام» وحتى إدارة قطاع غزة وإعادة إعماره، وإبعاد «حماس» وسائر التنظيمات، بعد تحرير جميع الأسرى، سيمنح إسرائيل حرية عمل لم تكن تتمتع بها خلال عامين من الحرب. وتأتي هذه الحرية في وقت يتمركز الجيش الإسرائيلي في محيطٍ يوفر له عمقاً دفاعياً كبيراً على حدود مستوطنات غلاف غزة.

يجب أن تكون إسرائيل الطرف الذي يسعى لتنفيذ الاتفاق المرحلي، وأن تنجز الشروط المتعلقة بالمبادئ الثلاثة الأولى سريعاً، ثم تواصل المفاوضات نحو التنفيذ الشامل. وسيكون الثمن معقولاً - أي المفاوضات من دون قتال، ومن دون خطر، وفتح قطاع غزة أمام حركة السكان والمسلحين، من الجنوب إلى الشمال والعكس، ولا يفرض هذا الثمن على إسرائيل القيام بخطوات لا عودة عنها.

 

بين الأخطاء والمفاجآت

 

نشهد أياماً معقدة وخطِرة. فالجيش الإسرائيلي يتمركز في عمق قطاع غزة، ولديه تعليمات بشأن وقف إطلاق النار الهجومي والاستعداد للدفاع في المواقع التي تم التمركز فيها، وسكان غزة يتصرفون كأننا في «اليوم التالي»، وهو ما يُنتج احتكاكاً ميدانياً غير مرغوب فيه، ومسلحو «حماس» – على الرغم من أنهم لا يشعرون بأنهم محصّنون بالكامل – قد يستغلون الوضع لتنفيذ هجمات حرب عصابات، أو حتى محاولات خطف جنود.

في هذه الأيام، يجب على قوات الجيش الإسرائيلي التصرف بحكمة، وبيقظة عالية، وتجنُّب ارتكاب أخطاء جسيمة قد تؤدي إلى خسائر في الجانب الفلسطيني، أو أضرار جسيمة في صفوف قواتنا، كذلك يجب تجنُّب التراخي، أو الشعور بانتهاء الحرب، وزيادة الحضور والانضباط القيادي، والتشدد في المصادقة على أهداف القصف (إذا ما حدثت)، ومحاولة احتواء ردات الفعل على الأحداث التي تتطلب رداً واضحاً، لكن ليس تصعيداً يُخرج الأمور عن السيطرة.

إنه اختبار قيادي وعملياتي للجيش الإسرائيلي بأكمله، وحتى للجندي الفرد، في كل موقع داخل قطاع غزة، فأيّ خطأ تكتيكي قد يتحول إلى حدث إستراتيجي، ويجب تجنُّب ذلك.

 

الاستعداد للمفاجآت

 

وأخيراً، كوني من الذين يعرفون «حماس» جيداً، يجب أن نكون مستعدين لمفاجآت، من حيث التوقيت، من هذا التنظيم في مواقع إطلاق سراح الأسرى، واستمرار «الإرهاب» النفسي. يجب أن نتفاجأ، إذا لم نشهد شيئاً من هذا النوع، وعلينا أن نكون مستعدين لمواجهة أيّ تطوّر، ونأمل ألّا يحدث.

إننا أمام أيام عصيبة ومعقدة وذات قابلية كبيرة للانفجار، وبعد انتظار دام عامين، يمكننا أن نرى الأمل في نهاية الأيام المقبلة.

-----------------انتهت النشرة-----------------

disqus comments here