الصحافة الإسرائيلية الملف اليومي صادر عن المكتب الصحفي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين الاحد 10/8/2025 العدد 1378

 الصحافة الاسرائيل– الملف اليومي

افتتاحيات الصحف + تقارير + مقالات

 

 

 

 

هآرتس 10/8/2025  

 

انتصار مملكة نتنياهو .. هذه لم تعد مجرد حرب، هذا مشهد حكومي

 

 

بقلم: جاكي خوري

 

مجرد وجود نقاش في الكابنت السياسي – الامني حول امكانية اعادة احتلال قطاع غزة، تقريبا بعد مرور سنتين على الحرب، لا يقل عن النصر الشخصي لنتنياهو. هذا ليس نقاش عملياتي فوري، أو مناورة استراتيجية مترددة، بل هو عمل رمزي له اهمية كبيرة. ان مجرد حقيقة انه يمكن مناقشة هذا الامر بشكل علني، بدون علاقة بجوهر القرارات وطبيعة التنفيذ والتداعيات، بعد عقدين على تنفيذ خطة الانفصال، هو الانجاز. ليس انجاز اسرائيل، بل انجاز مملكة نتنياهو.

سنتان من القصف الكثيف حولت قطاع غزة الى منطقة مدمرة، غير قابلة للعيش والسكن. على الاقل 60 ألف قتيل ومفقود، عشرات آلاف المصابين، بنى تحتية مدمرة ومئات آلاف المهجرين. اوامر اعتقال دولية تم تقديمها ضد نتنياهو ووزير الدفاع السابق يوآف غالنت. وهي عملية غير مسبوقة في تاريخ اسرائيل. التوقعات بشان “تسونامي سياسي” تحققت، ودول كثيرة اعلنت انها ستعترف بفلسطين أو ما بقي منها. وحتى الآن – في مركز الخطاب السياسي توجد فكرة الاحتلال.

تسمع اصوات متحفظة. رئيس الاركان غير مشارك في هذا المزاج، الجنرالات المتقاعدون يحذرون من التورط، عائلات المخطوفين تصرخ: العملية تعرض للخطر حياة اعزائهم. ايضا آباء الجنود المقاتلين وزوجات رجال الاحتياط يعبرون عن خوف حقيقي على مصير ابنائهم وازواجهن. مع ذلك، معظم المستوى السياسي والمستوى الامني والجمهور يتعاملون مع الحدث كخطوة اخرى أو كقرار، الذي الخطاب حوله هو اعلاني وعام قليلا، والدولة لا تشتعل والارض لا تهتز. بشكل عام، في مطار بن غوريون يتحدثون عن رقم قياسي للمسافرين. هذه هي اللحظة المناسبة لقول الحقيقة: يمكن ويجب انتقاد نتنياهو، سموتريتش وبن غفير. هم المسؤولون بشكل مباشر عن الوضع، هم يقودون الخطاب ويحرضون، يؤججون المشاعر، واحيان يظهر انهم ايضا يستمتعون بهذه الفوضى. ولكن ماذا عن الذين يقولون بأنهم البديل؟ ما هو الحلم الذي يطرحونه؟ هل بالنسبة لهمالاحتلال هو مؤقت وسيمر اذا تغيرت الحكومة، أو انه راسخ عميقا في وعي الاسرائيليين؟.

منذ 7 اكتوبر مرت دولة اسرائيل في مراحل للوعي: الصدمة، الالم، السعي الى العقاب والانتقام. واليوم؟ جمود، تثبيت حقائق على الارض، لا لتحرير المخطوفين، لا لانهاء الحرب، بل مواصلة المراوحة في المكان والغرق في اوهام السيطرة المطلقة، وكأننا لم نتعلم أي شيء من العقود الاخيرة. هذه لم تعد حرب اخرى، بل هذه ايديولوجيا، رؤيا، نموذج لمشهد حكومي.

صحيح ان الطرف الثاني مذنب ايضا. فحماس اصبحت منظمة مقطوعة عن الارض وعن الشعب الفلسطيني، وعن المسؤولية الاساسية للقيادة، قيادة متحجرة فقدت كل الاوراق، بما في ذلك المخطوفين. وفي المقابل جماعة رام الله، العاجزة، التي تحول التزامها بدفع رواتب موظفيها الى انجاز. وماذا عن العالم العربي؟ هم يبث الجمود. السيسي، عبد الله وابن سلمان، جميعهم يصمتون، وربما هم ينتظرون انقضاء هذه الضجة. ولكن الدراما الحقيقية تحدث هنا، في اسرائيل، ليس اسرائيل الاولى أو الثانية، بل اسرائيل الثالثة، التي يحكمها الاستحواذ بالبقاء السياسي الساخر وعديم الكوابح، اسرائيل التي فيها يمكن مناقشة احتلال غزة كموضوع تقني تقريبا.

في مملكة نتنياهو مجرد القول هو فعل بحد ذاته. واذا لم يقم أي احد بطرح رؤية مختلفة فان هذا القول سيبقى يشكل الواقع، ليس فقط لهذا الجيل، بل للاجيال القادمة.

------------------------------------------

 

هآرتس 10/8/2025   

 

تزويد اسرائيل الحالية بالسلاح هو لاسامية، من الجيد أن المانيا فهمت ذلك

 

 

بقلم: جدعون ليفي

 

تسليح اسرائيل الان من اجل ان تستطيع تنفيذ خطتها لاحتلال غزة وتنفيذ فيها تطهير عرقي وجرائم ضد الانسانية، هو خطوة لاسامية، ومناوئة جدا لاسرائيل، التي يمكن ان تخطر بالبال. من هذه الناحية قرار الحكومة الالمانية بوقف تزويد اسرائيل بالسلاح هو دليل شجاع على القيم الاخلاقية والصداقة الحقيقية مع اسرائيل.

المانيا اعلنت انها لن تزود اسرائيل بالمزيد من السلاح، الذي ستستخدمه في غزة. المانيا، التي بعد الكارثة كان يجب عليها اتخاذ هذا القرار: لو انها استمرت في ارسال السلاح الى دولة ترتكب ابادة جماعية لكان هذا الامر يثبت انها لم تتعلم أي شيء من ماضيها، تماما مثلما خلال السنين كان واضحا ان المانيا لا يمكنها الوقوف ضد اسرائيل، وكان يجب على الدولة التي ارتكبت الكارثة أن تكون ضامنة لامن الدولة التي نهضت من الرماد – هكذا من الواضح ان المانيا يجب عليها المحاربة ضد أي ابادة جماعية، وبالتاكيد عدم المساعدة في ارتكابها، حتى لو كانت الدولة التي ترتكبها هي العزيزة عليها اسرائيل.

المانيا بقرارها مقاطعة اسرائيل اثبتت انها العمود الذي يسير امام المعسكر الاوروبي، وانها لم تنس الكارثة ودروسها. المانيا التي كانت تغذي اسرائيل بمزيد من السلاح، كانت ستصبح مثل كل الذين يزودون اسرائيل بالسلاح، شريكة في الابادة الجماعية. هذا كان محظور على المانيا اكثر مما هو محظور على أي دولة اخرى. من يساعد اسرائيل على ارتكاب الابادة الجماعية فانه بالفعل يعلن عن كراهيته لها، بدرجة لا تقل عن الذين يصابون بالصدمة بسبب افعالها. بالتاكيد عندما يكون تسليح اسرائيل الآن فيه أي دليل على الصداقة معها أو القلق على مصيرها. تزويد السلاح للمعتدي في حرب شرعية، التي كان يجب ان تنتهي منذ فترة، وكل اهدافها الان هي اجرامية وشريرة، ليس الا مشاركة في الجريمة.

المانيا قلبت النموذج القديم رأسا على عقب: محظور الان مساعدة اسرائيل الحالية، وبالتاكيد ليس بالسلاح. كل طائرة، قذيفة، سفينة صواريخ ومدفع، فقط ستقتل المزيد من الابرياء. منذ اللحظة التي توقف فيها الهجوم على غزة عن ان يكون الدفاع عن النفس، فانه محظور مساعدتها.

ازاء الدعم الذي لا يصدق من قبل الولايات المتحدة والعجز المدهش للمعارضة في اسرائيل، فانه لا يوجد من يوقف الحرب. اوروبا يمكن ان تساهم في ذلك، حتى لو كان ذلك ليس على الفور. ولكن الى جانب الرغبة في انهاء الحرب فان تزويد اسرائيل بالسلاح هو عمل عدائي لها. ليت الامريكيين يفهمون ذلك.

يمكن لالمانيا تحديد الاتجاه: القلق على مصير اسرائيل لا يشمل تزويدها بالسلاح لغرض تنفيذ خططها الهستيرية في غزة. بدلا من مواصلة اعتبار المحتجين ضد اسرائيل وضد الحرب لاساميين، الامر التلاعبي الفعال للدعاية اليهودية والاسرائيلية، يجب اعتبار بالتحديد من يسلحون اسرائيل لاساميين.

في دوائر المعارضة في اسرائيل توجد بالطبع ايضا مظاهر لاسامية، لكنها ليست الاساس. معظم المحتجون هم اشخاص لهم ضمائر، وشاهدوا ما لم يشاهده الاسرائيليون، وهم لا يمكنهم الا الشعور به. ما الذي يمكن توقعه من أي مواطن في العالم يشاهد صور الجوع والقتل؟ هل نتوقع منه أن يهتف لمن يرتكبها أو أن يثور ضدهم ويكرههم؟.

تقدير اسرائيل والتعاطف معها لن يعود في القريب. العالم لن ينسى لها غزة بسرعة. وحقيقة انها تتنصل من افعالها ولا تتحمل أي مسؤولية عنها فقط تبعد العالم عنا. الاسرائيليون في اوروبا يمكنهم مواصلة لعب دور الضحية بسبب أي صاحب مطعم يطردهم. ولكن هكذا يتصرف أي شخص له ضمير ويهمه الامر. هو ليس لاسامي، هو بالتاكيد افضل ممن يدفع اسرائيل الى مواصلة قتل الاطفال من الجو، البحر والبر، وتزويدها بالسلاح المناسب لقتل الاطفال الرضع.

-------------------------------------------

 

هآرتس 10/8/2025 

 

حكم عسكري لن يحرر المخطوفين وسيجعل الجيش هدفا في متناول اليد للارهاب

 

 

بقلم: تسفي برئيل

 

قرار الكابنت السياسي – الامني أول أمس، المصادقة على احتلال مدينة غزة، وبعد ذلك كل القطاع، يحول تحرير المخطوفين الى هدف هامشي في افضل الحالات، ويؤدي الى الغائه المطلق له في اسوأ الحالات. حتى لو تجاهلنا الطموحات المسيحانية لوزراء اليمين المتطرف، الذين يعملون على “اصلاح خطأ الانفصال” واعادة بناء المستوطنات، فان الافتراض الذي يرتكز اليه خيار الاحتلال هو أن الحكم العسكري سيحل مكان حكم حماس، وهكذا سيحقق الهدف الرئيسي للحرب.

بدلا من ذلك، اذا لم يخرج الاحتلال الى حيز التنفيذ، فان التهديد به يستهدف تشكيل “سلاح يوم القيامة”، الذي سيوضح لحماس بانها يمكن ان تفقد ذخرها الاساسي، السيطرة الجغرافية، ومصادر تمويلها ومكانتها كجسم وحيد يمكنه لي ذراع اسرائيل، وضمان استمرار حكمها وحتى جعل العالم يعترف بالدولة الفلسطينية المستقلة.

لكن في هذا التهديد يكمن الغاء فرضية اسرائيلية سابقة تقول بان المخطوفين هم “الذخر الاستراتيجي” لحماس. من هنا، حسب خيار الاحتلال، لم تعد أي حاجة اليهم، ليس بالنسبة لحماس، اذ ان الرهائن لم يعودوا يضمنون بقاءها، وليس بالنسبة لاسرائيل التي تفضل انهيار حماس على اطلاق سراحهم. لذلك، لن تكون حاجة الى التفاوض حول اطلاق سراحهم، الامر الذي سيترتب عليه ثمن سياسي لا تستطيع الحكومة تحمله.

اذا كان الهدف الوحيد الذي سيبقى في هذه الحرب من الآن فصاعدا هو تدمير سلطة حماس، فان المعنى هو انه لا تكفي “السيطرة على الارض” و”نقل” السكان. قرار الكابنت يوضح انه ستكون حاجة الى احتلال مباشر وكامل، مع كل التداعيات القانونية، الدولية، الاقتصادية والاجتماعية. اسرائيل تملصت حتى الان من المسؤولية القانونية عن ادارة حياة 2 مليون غزي حسب القانون الدولي. وهكذا هي امتنعت عن تعريف (تواجدها) في غزة كاحتلال، ووافقت على توسيع بشكل كبير حجم المساعدات الانسانية، مع استعراض كبير للعجز في ادارة عملية انسانية بشكل معقول بحيث تضمن الحد الادنى من الطعام للسكان وتمنع ظاهرة الجوع الجماعي.

لكن مفهوم “تدمير حماس” لم يحصل حتى الآن على ترجمة عملياتية ووصف مفصل يعرض النتائج المطلوبة منه. متفق عليه ان قيادة حماس الداخل والخارج وكل المنظمة تعرضت لضربة مدمرة، القدرة على السيطرة والقيادة لحماس تضررت بشكل اساسي، المؤسسات المدنية التي كانت تحت ادارتها دمرت بشكل شبه كامل، مصادر تمويلها خفت بشكل كبير، وسرقة المساعدات الانسانية لا يمكن أن تحل مكان شرايين التمويل التي ضخت، برعاية وتشجيع اسرائيل، اموال طائلة خلال سنوات، وحماس استخدمتها للتسلح والتزود وبناء الانفاق وتعزيز صفوفها وصيانة الخدمات المدنية.

الضرائب والرسوم التي قامت حماس بجبايتها من سكان القطاع، التي شكلت الشريحة الاساسية لمداخيلها، تقريبا غير موجودة. ببساطة، لا يوجد للسكان أي مداخيل لدفع الضرائب منها، هم ايضا ليسوا بحاجة التى تصاريح خروج الى مصر أو الضفة الغربية، التي دفعوا مقابلها لحماس رسوم عالية. اذا ايضا لا يوجد تصدير او استيراد، تسيطر عليه حماس. حماس شغلت بشكل مباشر 40 – 50 ألف شخص في الاجهزة العسكرية والمدنية، وعشرات الالاف في الدائرة الثانية والثالثة من المشغلين الذين كسبوا من مشاريع السلطة بصورة غير مباشرة. كثيرون منهم قتلوا أو اصيبوا، والباقون فقدوا في معظمهم مصدر الدخل منذ بداية الحرب. فقد تحولوا من طبقة متوسطة الى جائعين يخاطرون بحياتهم، بل ويقتلون بالمئات وهم يحاولون الحصول على رزم الغذاء.

من غير الواضح ما الذي يجب أن ينهار ويدمر لحماس أو في غزة كي تستطيع اسرائيل وضع اشارة “في” على هذا الهدف. على هذه الخلفية سيكون من الصحيح تعريف “تدمير حماس” كهدف مستقبلي – أي منعها من اعادة بناء قوتها العسكرية وتجديد قواتها وسلطاتها المدنية.

اسرائيل، التي ترفض السماح للسلطة الفلسطينية باستبدال حماس، وهكذا خلق بديل للحكم في غزة، تنوي تحمل هذه المهمة بواسطة الاحتلال المباشر وأن تكون هي بديل الحكم. يبدو ان هذا يمكن ان يكون عملية ادارية غير معقدة. كل ما تحتاجه هو ان تسحب “ملف احتلال” غزة قبل الانفصال وتزيل عنه الغبار وتطبقه من جديد. ضباط كبار سيتم تعيين كحكام مناطق، وموظفون عامون ستتم “اعارتهم” للحكم العسكري الذي سينشأ، وسيعملون كضباط اركان في المكاتب المدنية، وخزينة الدولة ستمول التشغيل الجاري في القطاع.

لكن هناك فرق كبير بين نظرية الاحتلال في الضفة ونظرية الاحتلالفي القطاع وبين الواقع الذي ينتظر الحكم العسكري الذي سيقام في غزة. في الضفة وفي القطاع كانت توجد بنى تحتية ادارية واقتصادية ناشطة قبل دخول اسرائيل الى المناطق. بلديات، ورؤساء بلديات، ادارت شؤون السكان، مناطق صناعية وزراعية رسخت البنى التحتية الاقتصادية ووفرت اماكن العمل، وعمال من الضفة ومن قطاع غزة عملوا في اسرائيل.

خلال فترة قصيرة تطور التصدير من الضفة ومن غزة الى اسرائيل، الاردن ودول عربية اخرى. المدارس، العيادات، المحاكم، الشرطة وخدمات الرفاه كانت موجودة، ومثلها ايضا منظومات الحكم المحلي في القرى الصغيرة وفي المدن. بعد ذلك استبدلت السلطة الفلسطينية معظم الاجهزة الاسرائيلية في الضفة الغربية، في حين ان حماس منذ 2007 قامت ببناء البنية التحتية لها في قطاع غزة.

الآن ليس فقط “البنية التحتية العسكرية لحماس” مدمرة، تقريبا لم يبق أي شيء من اجهزة الحكم المدني ومؤسساته. حكم عسكري اسرائيلي سيحتاج الى بناء كل شيء من جديد اذا كان ينوي امساك الحبل من الطرفين وتاسيس حكم بديل لحماس بدون السلطة الفلسطينية. لان تعيين الحكام العسكريين ووضع الحواجز وتعيين الزعران ورؤساء العصابات كرجال حراسة لمرافقة قوافل المساعدات وضمان توزيعها على السكان، كل ذلك لن يكون كاف كي تستطيع اسرائيل الوفاء بشروط الحد الادنى من قوانين الاحتلال، بالاحرى، تاسيس بنى تحتية مدنية بديلة.

في الجيش الاسرائيلي وفي الشباك يجب عليهم تصنيف وتعيين آلاف المعلمين والمعلمات في رياض الاطفال، المهندسين، الاطباء، الممرضين، التقنيين، السائقين وكل المهنيين، من اجل تحريك من جديد البنى التحتية المدنية. هؤلاء لا ينشئونهم من العدم. وكثيرون منهم عملوا في اجهزة حماس. هناك في الحقيقة طبقة من بضعة آلاف الموظفين المسجلين في سجلات القوة البشرية للسلطة الفلسطينية، وحتى انهم حصلوا منها على رواتبهم، لكن كثيرين منهم نسوا منذ فترة طويلة المهارة المهنية. بشكل عام، مجرد اعادة تشغيلهم سيفسر كدخول للسلطة الفلسطينية من البوابة الامامية.

ليس من نافل القول التذكير بان تجربة الاحتلال الامريكي في العراق الفاشلة، الذي فور دخوله الى العراق أمر بتطهير الاجهزة العسكرية والمدنية من رجال حزب البعث، بسرعة اضطر الى التراجع عندما ادرك أن آلاف العاملين، الذين الكثير منهم كانوا مسجلين كاعضاء في حزب البعث لان هذا كان شرط تشغيلهم، لم يكن أي بديل لهم.

الى جانب القضية المعقدة التي تتمثل باقامة حكم عسكري في غزة وتشغيل آلاف جنود الاحتياط في مهمات لوجستية وفي نشاطات الامن الجاري وقوات الشرطة، فان الجيش الاسرائيلي سيضطر الى مواجهة ليس فقط الاحتياجات المدنية لمليوني مواطن تقريبا. امامه سيقف سكان تعرضوا للكارثة الاكثر قسوة في تاريخهم، والمسؤولية عنها تلقى في معظمها على اسرائيل وليس على حماس. هذه هي الارض الخصبة التي ينبت الان عليها الجيل القادم لحركات المقاومة المسلحة والمنظمات الارهابية الفلسطينية. بدون حل سياسي ربما هذا الجيل سيواصل كونه سجين في داخل “المحيط” الذي ستحيط به اسرائيل القطاع، لكنه لن يحتاج بعد الان الى حماس ولن يضطر الى البحث عن اهداف لنفسه وراء الجدار. سيكون الجيش الاسرائيلي والحكم العسكري وكل المتعاونين معهم، قريبون ومتاحون.

-------------------------------------------

 

يديعوت احرونوت 10/8/2025   

 

مسيرة السخافة

 

 

بقلم: د. ميخائيل ميلشتاين

 

ظاهرا، كل إسرائيلي سيوافق على الأهداف التي عرضتها الحكومة في الخطة التي قررتها: نزع سلاح حماس وتجريد القطاع. سيطرة امنية إسرائيلية، حكم جديد في المنطقة، وفوق كل شيء تحرير المخطوفين. المشكلة، مثلما مع معظم قرارات الحكومة منذ بداية الحرب تكمن في الفجوة الغريبة بين قرارات حاسمة تنبع ظاهرا من استراتيجية مرتبة وبين الواقع نفسه. وهذا يؤدي بمعظم العالم بان يشك بان إسرائيل لم تعد تعمل بتفكر وفي الداخل يبعث على عدم الثقة.

لا توجد نقطة في الخطة لا تثير علامات استفهام ثاقبة بالنسبة لامكانية التنفيذ: كيف بالضبط سينفذ اخلاء نحو مليون فلسطيني في مدينة غزة، وماذا يحصل اذا ما رفض بعضهم النزوح؛ أولم يستوعب بانه لا يمكن في نفس الوقت تحقيق حسم لحماس وتحرير مخطوفين؛ من هو بالضبط ذاك المحفل المجهول الذي يفترض أن يحكم في غزة؛ ولماذا الحاجة لتوسيع جهاز المساعدات الإنسانية الجديد (GHF) الذي ثبت كفشل ذريع الذي على ما يبدو سيحتدم اذا كثرت مهامه كما هو مخطط.

يشكل قرار الحكومة فصلا جديدا وعاصفا على نحو خاص من مسلسل الخيالات التي تطرح، تفشل، لا يحقق فيها وبالتالي تتكرر الأخطاء الكامنة فيها بلا انقطاع. خطة الاحتلال تقوم على أساس ذاك الخلل إياه الذي ينعكس في أفكار المدينة الإنسانية او التمسك برؤيا ترامب. ايمان بالقدر على هندسة واقع ووعي بشكل آلي ونقي. وبقدرة الاقتصاد على تغيير التجربة وهي عناصر أساس في المفهوم المغلوط في 7 أكتوبر.

كثيرون في الحكومة، ورئيسها أساسا، يتباهون بمعرفة تاريخية عميقة، لكنهم يصرون على تكرار أخطاء الماضي بما فيها تلك التي ارتكبوها هم انفسهم، مثل تنمية الميليشيات والعشائر، والتي تعني عدم التعلم من التاريخ الإسرائيلي القريب والبعيد. يحاول نتنياهو اليوم اقناع الاسرة الدولية بانه يعمل على “تحرير الغزيين من حماس” (رسالة تنقل بالانجليزية لان الجمهور الإسرائيلي لن يقبل بها بل سيثور ضدها). مساعي تسويق كهذه فشلت في حروب الولايات المتحدة في فيتنام وفي العراق، في حروب السوفيات في أفغانستان، وعندما اجتاحت إسرائيل لبنان في 1982. فقد رفضت الشعوب أن ترى في المحتل “محررا” ومن غير المتوقع للامر ان يتغير في حالة الغزيين، الذين يحطم عداؤهم لإسرائيل أرقاما قياسية عقب الحرب.

الخيار الوسط الذي تم اختياره بدلا من احتلال كامل للقطاع، أي السيطرة “فقط” على مدينة غزة وافراغها هو تعبير آخر عن الميل المتواتر والضار لتبني طرق وسطى بدلا من حسم واضح، مثلما ينطوي على طريقة الاجتياحات بدلا من الاستيلاء على الأرض او إقامة GHF كوسيلة غير مباشرة لتقويض حماس. يبدو أنه في بواطن اغلبية الحكومة يمتنعون عن حكم مليوني فلسطيني وبالتالي يختارون طرقا وسطى تمدد الحرب.

حتى قبل ان تبدأ خطة الاحتلال في التحقق، تجبي منذ الان من إسرائيل ثمنا باهظا وعلى رأسه تسريع التسونامي الدولي الذي من المتوقع أن يصل الى ذروته بعد نحو شهر حول الاعتراف الواسع المخطط له لدولة فلسطينية. فضلا عن النقد من ارجاء العالم تبدو واضحة مؤشرات مقلقة مثل قرار المانيا (صديق مخلص لإسرائيل) الا تبيع لإسرائيل وسائل قتالية كفيلة بان تستخدمها لغزة. في إسرائيل يصرون على الا يفهموا بان التضامن الواسع معها والثقة التي منحت لها بسبب مذبحة 7 أكتوبر يتبددان. وان العالم لم يعد مستعدا لان يقبل خطواتها وعمليا لا يؤمن بان للحكومة أهدافا واضحة باستثناء استمرار الحرب.

نتنياهو عمليا يصبح شاذا من بين رؤساء الوزراء في إسرائيل ممن تصدوا منذ إقامة الدولة لمعضلة غزة. تاقوا للسيطرة على الأرض لكنهم امتنعوا عن المسؤولية عن جموع الفلسطينيين، معظمهم لاجئون، ما وصفه اشكول “عروس إشكالية يرافقها مهر بلاد إسرائيل. بعد تردد عسير فضلوا في النهاية الانسحاب من القطاع (رابين، شارون) او الا يحتلوها مثلما تصرف بن غوريون، أولمرت وحتى نتنياهو نفسه في حملة الجرف الصامد، عندما سُرب أيضا العرض الافتراضي الذي اعد في الجيش الإسرائيلي وذلك على ما يبدو كي يثير ضغطا يحبط الاحتلال.

أولئك الذين يتمسكون في إسرائيل بالاحتلالات ويعرفون أفكار وقف النار بـ “السائبة”، ينسون أن يشرحوا للجمهور، بشكل صادق وواعي ما هو الثمن الذي ستكبده الاحتلالات بما في ذلك التنازل عمليا عن تحرير المخطوفين، الغرق الطويل في الوحل الغزي، عبء لا سابق له على منظومة الاحتياط وعزلة دولة محتدمة؛ لا يتكدبون عناء التفكير في الخلل الكمن في أن القيادة المسؤولة عن  اخفاق 7 أكتوبر، والذي يحتمل أن تكون تمثل في هذه اللحظة اقلية تفرض خطوة دراماتيكية كفيلة بان تغير دراماتيكيا حياة الإسرائيليين وصورة الدولة، وبعضهم حتى يغطي  على دوافعه الأيديولوجية للاحتلال بتبريرات (استراتيجية – امنية) على ما يبدو انطلاقا من التطلع الى “تسويق” الفكرة أو الفهم بان الشعارات حول الاقتراب من الخلاص لا تحظى بتأييد جماهيري واسع.

قرار الاحتلال يعزز الإحساس بان إسرائيل تفقد على نحو مثابر الإنجازات المثمرة التي حصدتها في اثناء الحرب، وتتكبد بالتدريج اضرار استراتيجية جسيمة وبالاساس تدهور حاد في مكانتها الدولية وشرخ متسع في الداخل حول مسألة غاية الحرب. قلة هي الحالات في التاريخ كان فيها السير نحو الهوة واعيا ومليئا بالثقة بهذا القدر، رغم إشارات تحذير لا حصر لها ووجود غير قليل من محطات التوقف على الطريق. لو كانت المؤرخة بربارا توخمان على قيد الحياة اليوم، لكانت كرست فصلا بل وربما كتابا كاملا لمسيرة السخافة الإسرائيلية التي تتقدم نحو غزة.

-------------------------------------------

 

هآرتس 10/8/2025 

 

نتنياهو فقد الكوابح لكن احتلال غزة بعيد

 

 

بقلم: عاموس هرئيلِ

 

توجد فجوة كبيرة بين الطريقة التي يعرض فيها قرار الكابنت الصادر في صباح يوم الجمعة الماضي بشان توسيع الحرب في قطاع غزة وبين ما يظهر كتداعيات عملية له. رسميا، الكابنت صادق على موقف رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو وعلى احتلال مدينة غزة، في الطريق الى الاحتلال الكامل للقطاع. عمليا، صياغات واشتراطات القرار يمكن ان تؤجل تطبيقه لشهرين، هذا اذا تم تطبيقه.

تحفظات رئيس الاركان ايال زمير من هذه العملية واضحة اصلا، لكن خلافا للانطباع الذي حاول محيط نتنياهو خلقه فان زمير لم يهزم في الجلسة. ربما العكس هو الصحيح. فعقبات كثيرة تقف الان في الطريق الى درجة انه في هذه الاثناء يصعب رؤية كيف يفرض نتنياهو بسرعة ارادته. اضافة الى انه في حالته لا يمكن الثقة بانه لا يوجد هنا تلاعب على كل الاطراف – الجيش، وزراء اليمين المتطرف، حماس، والجمهور الاسرائيلي بشكل خاص.

اذا كان نتنياهو وبحق يريد احتلال غزة فسيكون عليه مواجهة صعوبات اساسية في محاولة تحقيق هذا الهدف. الصعوبة الاولى هي ان الولايات المتحدة تطلب منه القيام بخطوات انسانية منها اغراق المنطقة بالمساعدات، اقامة مراكز توزيع كثيرة واخلاء حذر وبالتدريج للسكان الفلسطينيين من مدينة غزة ومحيطها، تقريبا مليون شخص. هذه خطوات تامينها سيحتاح الى وقت طويل، وجزء من تطبيقها يرتبط بمنظمات اجنبية لا تخضع لاجندة اسرائيل. من البداية حدد الكابنت ما وصف بموعد هدف رسمي، استكمال الاخلاء حتى 7 اكتوبر. اذا كانت هزيمة حماس حاسمة وملحة جدا بهدف منع مذبحة اخرى، كما تدعي الحكومة، فمن غير الواضح لماذا يتم الحاق اعتبارات رمزية بالقرار، خاصة عندما يكون الحديث يدور عن انتظار لشهرين. يصعب التحرر من التفكير بان التاجيل الطويل يخدم نتنياهو، الذي لا يشعر باي الحاحية لانقاذ المخطوفين أو حسم المعركة. التوقيت سيكون جيد لنتنياهو حتى من الناحية السياسية. ففي تشرين الاول ستعود الكنيست من العطلة الصيفية، والقتال المتزايد في القتال سيكون ذريعة جيدة ضد محاولة حلها.

الصعوبة الثانية تتعلق بتجنيد الاحتياط. لقد تم اقتباس تقديرات مختلفة من الجيش الاسرائيلي حول حجم التجنيد المطلوب للعملية، 120 – 250 الف رجل احتياط. يبدو ان التقدير الادنى هو الاقرب الى الواقع، لكن هذه هي نفس هيئة الاركان التي حاولت تثبيت في هذه السنة منحنى الرسم البياني للنشاطات العملياتية، ووعدت رجال الاحتياط بانها تنوي خفض متوسط الخدمة للجنود في 2025 الى 74 يوم. الآن نسبة الامتثال في وحدات الاحتياط توجد في حالة هبوط حر، والقادة يغطون على ذلك بتجنيد محموم لرجال الاحتياط الذين لا توجد لهم وحدات، والذين عند الحاجة يحولون الخدمة الى مصدر للرزق ويتنقلون بين القيادات والكتائب. ما الذي ستفكر فيه عائلات رجال الاحتياط حول تجنيد جماعي آخر، بين نهاية العطلة الكبيرة والاعياد؟ كم عدد الذين سينجحون في الحفاظ على اماكن عملهم؟  نتنياهو ووزير الدفاع يسرائيل كاتس لا ينشغلان بهذه الامور التافهة. عمليا، ربما هذه وصفة لتاجيل بداية العملية لشهرين على الاقل.

صيغة البيان مقابل التوقعات التي نثرها نتنياهو ومؤيدوه محدودة جدا. لم يتم ذكر فيها كل الطموحات المكشوفة التي يكثر الحديث عنها وزراء اليمين المسيحاني، “ليس احتلال، بل سيطرة”، “ليس تشجيع على الهجرة الطوعية”، و”ليس فظائع المدينة الانسانية”. من غير الواضح اذا كان هذا حذر أو املاء امريكي. الكابنت ايضا لا يعلن اذا كان توجهه هو نحو صفقة تبادل جزئية أو صفقة شاملة. حتى قبل اسبوع قال نتنياهو بان الهدف هو صفقة جزئية، بعد ذلك قام فجأة بتغيير موقفه وطالب بصفقة شاملة، بدون ان يشرح مصدر هذا التغيير. الآن الوزراء ينثرون شعارات فارغة حول عملية ستؤدي الى تحرير جميع المخطوفين. هم يتجاهلون انه مرت سنة تقريبا منذ المرة الاخيرة التي نجح فيها الجيش بانقاذ مخطوف على قيد الحياة.

حتى اليمين المسيحاني لا يصدق وعود نتنياهو. في وسائل الاعلام نشر انه في جلسة الكابنت الليلية صرخ ممثلو رئيس الاركان واصطدموا مع رئيس الشباك دادي برنياع ومع رئيس هيئة الامن القومي تساحي هنغبي، الذي بصورة استثنائية اختلف مع موقف نتنياهو. في “اخبار 12” نشرت اقتباسات لا يمكن تصديقها. وزيرة الاستيطان اوريت ستروك، التي ظهرت وكأنها تصمم على تجسيد صورة الشريرة في فيلم هوليوودي، وبخت منسق هيئة الاسرى والمفقودين غال هيرش عندما تجرأ على التصميم على أن يبقى تحرير المخطوفين احد اهداف الحرب. “هذه ليست المهمة”، قالت لهيرش. “المهمة هي تصفية حماس”. في حين ان وزير الامن الوطني ايتمار بن غفير قدم المواعظ لزمير كي يتعلم من الشرطة الانضباط. المقابلة التي تم بثها في نفس القناة مع عامي ايشد، قائد لواء تل ابيب المُقال، اوضحت بعد ذلك الى اين بالضبط دهور بن غفير الشرطة.

 

توجه كارثي

 

امس بعد الظهر زار رئيس الاركان قيادة المنطقة الجنوبية. في البيان الذي نشره المتحدث بلسان الجيش الاسرائيلي شمل ايضا تعهد زمير بالحفاظ على حياة المخطوفين والسماح للقوات بالانتعاش من اجل تعزيز القدرة على التحمل والعمل، وفقا لقيم وروح الجيش الاسرايلي. المعنى الضمني واضح. الجيش الاسرائيلي سيتقدم بوتيرته الخاصة، ورئيس الاركان لا تخيفه تصرفات السياسيين. ورغم التوقعات الكثيرة في الاسبوع الماضي إلا ان زمير يم يتسرع في تقديم استقالته، بل سيحاول توجيه الجيش حسب اسلوبه الخاص وتقليص الاضرار التي تسببها الحكومة والكابنت. في الفترة الاخيرة انهالت عليه طلبات من ضباط متقاعدين ومدنيين، يتوسلون فيها اليه من اجل البقاء في منصبه.

حتى الآن الوضع الذي خلقته اسرائيل في القطاع خطير جدا.  يبدو ان المفاوضات حول الصفقة ما زالت عالقة، والخطر على حياة الجنود والمخطوفين سيزداد اذا جرت محاولة احتلال مدينة غزة. الجيش الاسرائيلي في الواقع نجح في اخلاء بسرعة وبشكل عنيف مئات آلاف الفلسطينيين من غزة، خانيونس ورفح. ولكن بعد مرور سنتين تقريبا على الحرب فان القطاع تم تدميره والسكان متعبين، والكثير منهم لا يوجد ما يخسرونه، وتصعب معرفة هل جميعهم سيهربون. الضرر الدولي الذي يلحق باسرائيل آخذ في التراكم. امس اعلنت المانيا عن حظر جزئي لتصدير السلاح لاسرائيل واثارت هنا صدمة معينة.

الى جانب الاضرار الاستراتيجية ربما يفضل الانتباه الى التحذير الذي اسمعه البروفيسور الياف لابلاخ، الخبير في القانون الدولي في جامعة تل ابيب. حسب قوله الجنود، الذين سينفذون أمر احتلال مدينة غزة وطرد سكانها الى منطقة صغيرة فيها لا يمكن الحفاظ على ظروف عيش بالحد الادنى بدون ان تكون لديهم امكانية العودة الى بيوتهم، سيجدون انفسهم متهمين بالتورط في جرائم ضد الانسانية.

رغم العناوين الدراماتيكية، يبدو أنه بعد جلسة الكابنت اكثر مما تسرع فيه اسرائيل نحو كارثة جديدة، هي تتمترس في الشرك القائم. لذلك هي يمكن ان تدخل الحرب والمفاوضات الى حالة الجمود لبضعة اشهر بدون التقدم نحو الصفقة أو اتفاق لوقف اطلاق النار. ولكن حتى لو وجد نتنياهو صعوبة في تحقيق هذه المرة رغبته فانه يجدر الانتباه الى ما تم كشفه في هذه الجلسة وفي خطواته الاخيرة. نتنياهو فقد الكوابح تماما، وهو يعمل بدون كوابح لتحقيق اهدافه – البقاء في الحكم بواسطة اشعال حرب خالدة، الانتقاد المنضبط في معظمه من قبل المعارضة لا يؤثر عليه، وفي غضون ذلك تساؤلات الجمهور. حتى لو نجح زمير في ابطاء وتيرة التنفيذ فان التوجه الكارثي الذي تمليه الحكومة بقي على حاله.

------------------------------------------

 

معاريف 10/8/2025   

 

خلطة اخرى

 

 

بقلم: افي اشكنازي

 

قصة واحدة صغيرة عن هذه الوضعية، التي يكون فيها الجيش الإسرائيلي مطالبا بان يسير على أطراف الأصابع في سلوكه في القتال في قطاع غزة في الأيام والاسابيع الاخيرة. في الليلة التي بين الخميس والجمعة الأخيرة كان يفترض بالجيش ان يدخل قافلة مساعدات من بضع عشرات الشاحنات من معبر اللنبي الى معبر زيكيم. رحلة متواصلة من ساعتين على الأكثر. لكن هذه العملية استمرت لاكثر من تسع ساعات عندما كان عشرات جنود الاحتياط مطالبين بان يحرسوا الخطوة.

السبب: كمين لمتظاهري اليمين أرادوا تشويش نقل المساعدات. وحسب أحد القادة العسكريين، جند المتظاهرون سلاحا جديدا – قديما: فتيان ركضن لينبطحن امام الشاحنات ويسدن طريقها باجسادهن – في ظل خطر حقيقي على حياتهن.

“في مثل هذا الوضع، يكون افراد الشرطة من وحدة “يسم” الخاصة والمقاتلون مقيدين، إذ محظور الإمساك بتلك الفتيات. هناك حاجة لشرطيات او مجندات لاخلائهن. هذا يحدث لنا الكثير جدا من المصاعب. بدلا من توجيه القوات الى مهام قتالية، ننشغل باعمال فرض النظام والحراسة”، روى باحباط أحد القادة.

الان يتخذون في الجيش الإسرائيلي خطوات إبداعية لمنع تشويش حركة قوافل المؤن. مثلا، تركيز الجهد في اثناء السبت، من ليل الجمعة وحتى خروج السبت – على افتراض ان المتظاهرين يحترمون السبت. او تنفيذ عمل سري، حين يبقي الجيش في السر مواعيد حركة الشاحنات.

الموضوع هو أن المشكلة ليست فقط في سد طريق الشاحنات، بل في شيء أوسع بكثير. في قيادة المنطقة الوسطى يبلغون في الأسابيع الأخيرة عن ميل متسع لاحداث عنف قاسية من جانب نشطاء يمين متطرف في مناطق الضفة. ويقول مصدر عسكري “هذا ليس ارتفاعا في كمية احداث الإرهاب اليهودي بل وفي ازدياد خطورته. نحن نرى حالات احراق بيوت وسيارات اكثر، رشق حجارة اكثر، اعمال عنف قاسية أكثر. يوجد فرق بين كتابة الشعارات على الحيطان وبين احراق مبنى او رشق حجارة على الجنود”.

هنا أيضا، الجيش والشباك يضطرون مؤخرا الى السير على البيض. في الجيش يلمحون بان لهذه الجماعات العنيفة ظهرا من فوق. هذا لم يعد غمزا او غض نظر، بل أكثر بكثير. وزير الدفاع إسرائيل كاتس لا يرى باحداث من هذا النوع، يقوم بها يهود، اعمال إرهاب بل جريمة فقط. وهذا هو أحد الأسباب التي جعلته يتخذ القرار موضع الخلاف – الغاء جارف للاعتقالات الإدارية للمشبوهين باعمال الإرهاب ا ليهودي.

كما أن انشغال الجيش والشباك اليومي في ارجاء الضفة حيال اعمال العنف من جماعات اليمين المتطرف ضد السكان الفلسطينيين يجبرهم على توجيه مقدرات كثيرة ليست دوما في متناول اليد والامر يثقل أكثر فأكثر من العبء على الجيش وجهاز الامن.

لكن كل هذا هو المقدمة للحدث الكبير: قرار الحكومة السير الى خطوة قوية أخرى في غزة. بداية طرح طلب احتلال كل القطاع. في اثناء حملة “عربات جدعون” اعطى الجيش المستوى السياسي امتنانا كبيرا للقيام بخطوة لتحرير مخطوفين في مفاوضات مع حماس. غير أن سلوك المستوى السياسي، برئاسة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو والوزير رون ديرمر أدى الى انهيار المحادثات.

مع كل الاحترام لديرمر – نوع من “سائح امريكي”، وصل الى إسرائيل والى الشرق الأوسط مؤخرا فقط – فان معرفته بالمنطقة وعقليتها بعيدة سنوات ضوء عن معرفة عديدة السنين من جانب المديرين الإسرائيليين السابقين للمفاوضات: رئيس الموساد دادي برنياع، رئيس الشباك السابق رونين بار واللواء احتياط نيتسان الون. يمكن انتقادهم، يمكن الثناء عليهم، لكن لا يمكن الجدال مع حقيقة انهم عندما اداروا المفاوضات وصلوا الى نتائج: صفقات لتحرير مخطوفين. ما لم ينجح في عمله الوزير “السائح من أمريكا” ديرمر.

بسبب فشل ديرمر وبسبب ضغط وزراء اليمين المتطرف قرر رئيس الوزراء الخطوة الأكثر أهمية التي يمكن لإسرائيل أن تنفذها: القاء كل ذخيرة، كل القدرات العسكرية للجيش، على غزة، فيما يكون الهدف هو حسم المعركة مع حماس – بكل ثمن. وعندما نتحدث عن الاثمان، فالمقصود هو أولا وقبل كل شيء حياة المخطوفين الاحياء وإيجاد المخطوفين الأموات. الى هذا ينبغي أن يضاف المصابون في المعركة من بين جنود الجيش وانهاك قوات النظامي، الاحتياط والدائم.

وقائمة “الاثمان” لا تزال طويلة: تآكل الأسلحة، الدبابات، الطائرات والمخزونات من القذائف وتآكل الجيش عندما لا يتدرب ولا يحرص على إنعاش القوات المناورت لنحو سنتين. إضافة الى ذلك، لا يتم الانشغال ببناء القوة للمستقبل حيال جبهات نشطة مثل إيران، سوريا، لبنان، اليمن، الضفة وغيرها.

ان مهمة المستوى السياسي هي ان يكون الراشد المسؤول. محبط عندما يرى المرء ويحسب الخطوات للمستقبل. فالسلوك الأخير للمستوى السياسي، الذي ينجر وراء الوزراء بتسلئيل سموتريتش، اوريت ستروك وايتمار بن غفير أدى بنا الى طريق بلا مخرج – الى خطوة حماس التي خرجت في حملة التجويع والى انهيار المحادثات دون أن يتحرر المخطوفون في اتفاق.

الان يحاول المستوى السياسي خلق خطوة قتالية يحذر منها قادة الجيش منذ الان، الذين يوضحون بان هذه مغامرة بمخاطرة عالية. واضح منذ الان انهم لا يسيرون الى احتلال كل القطاع ولا الى احتلال كل مدينة غزة. يسيرون الى خلطة من مصنع نتنياهو، الى خطوة “سيطرة”. ما هذه؟ سؤال جيد. نوع من تطويق زائد او احتلال ناقص.

التقدير هو ان الحديث يدور عن خطوة أخرى لشراء الوقت للائتلاف، كي يكون ممكنا مثلا لنشطاء اليمين ان يواصلوا العربدة وصد الطريق على شاحنات المؤن او اضرام النار في القرى والممتلكات الفلسطينية والامتناع عن سن قانون تجنيد يلزم الحريديم أيضا بالدخول الى ما تحت حمالة الجرحى. وعلى الطريق استخدام استمرار الحرب كوسيلة أخرى بتأجيل موعد اجراء الانتخابات.

------------------------------------------

 

إسرائيل اليوم 10/8/2025 

 

إذن ما الذي قررته الحكومة؟

 

 

بقلم: ايال زيسر

 

قرار الحكومة احتلال القطاع وضع ظاهرا حدا للجدال الجاري في إسرائيل في الأشهر الأخيرة عن كيف نصل بالحرب في غزة الى منتهاها. التشديد هو على كلمة ظاهرا، كون الجدول الزمني للعملية العسكرية، التي لا تبدأ الا بعد نحو شهرين وستتواصل على مدى قرابة سبعة اشهر، تثير تساؤلا فيما اذا كان كل الهدف في القرار هو بالفعل تحريك خطوة عسكرية وتحقيق الحسم او الضغط على حماس لتليين مواقفها في الطريق الى صفقة. فبعد كل شيء، قرار الحكومة لا يغلق الباب في وجه إمكانية تحقيق صفقة كهذه.

لقد جاء قرار الحكومة في اعقاب مداولات أجريت عندنا على مدى الأشهر الأخيرة في مسألة هل وفي أي شروط يمكن الوصول مع حماس الى اتفاق يضمن إعادة المخطوفين. ينبغي الاعتراف بأسف بان هذه المداولات تذكر بالمداولات التي جرت عندنا على مدى العقد السابق في مسألة من هي وما هي منظمة حماس، ما هي أهدافها وهل يمكن الوصول معها الى تسوية تضمن الهدوء في حدود القطاع. ان العودة الى تلك المداولات وتلك المسائل تدل على اننا لم نتعلم شيئا من الكارثة التي وقعت علينا في 7 أكتوبر واننا نواصل الخطأ في فهم حماس دون ان نستخلص الدرس من أخطاء الماضي.

من الخطأ قراءة حماس بعيون غربية وكأن الحديث يدور عن منظمة تعمل بمنطق غربي، في أساسه مصالح باردة وحساب الربح والخسارة. هكذا درجنا، كما يذكر، على تحليل حماس في نهاية كل جولة مواجهة معها، وعندما آمنا بان كل ما تريده هو هدوء واستقرار يسمحا لها بتثبيت حكمها في القطاع. لكن حماس اكدت لنا المرة تلو الأخرى بان ليست غزة هي ما تعنيها بل “كل فلسطين”. وان منظومة اعتباراتها المحركة تستمد الهامها من ايمانها الديني المتطرف بل والجهادي.

على سؤال هل يمكن الوصول الى صفقة مع حماس الجواب إيجابي – بالتأكيد ممكن، لكن فقط وفقا لشروط المنظمة التي تستهدف الضمان بان تتمكن من ان تواصل وتدفع الى الامام باهدافها العليا، التي كانت ولا تزال الكفاح ضد إسرائيل. واذا لم تستجاب هذه فليس لحماس أي مشكلة لمواصلة الحرب حتى الغزي الأخير. من هنا فانه مخطيء من يفترض أنه يمكن الضغط على حماس من خلال ممارسة الضغط على السكان المدنيين في القطاع أو يمكن شراؤها من خلال تسهيلات او تنازلات، وذلك لان هذه لا تترك أي اثر على حماس. هذه الأمور يقولها قادة حماس أنفسهم بالسنتهم. فها هو مثلا زعيم المنظمة خليل الحية الذي شرح في مقابلة صحفية في الأسبوع الماضي بان على سكان غزة ان يكونوا مستعدين لمزيدا من الصبر والتضحيات إذ ان هذه فقط هي ما تضمن النصر، انسحاب كامل للجيش الإسرائيلي من القطاع يبقيه بحكم حماس.

ليس واضحا ان كان حسم الامر في إسرائيل في أنه مع حماس لا يمكن الوصول الى اتفاق. لكن واضح ان قرار الحكومة يعبر عن الاعتراف بان استمرار الوضع القائم الذي تراوح فيه إسرائيل في المكان في القطاع دون أي هدف – لا تحتل لكن أيضا لا توقف النار – هو وضع محمل بالكارثة ويلحق بها اضرارا هائلة، عسكرية واساسا سياسية. في نفس الوقت يتجاهل القرار بانه لعله لم تعد منذ الان حاجة ومعنى للوصول مع حماس الى اتفاق. فلكل شأن وأمر الحرب في القطاع حسمت منذ الان بنصر إسرائيلي كامل. فحماس كقوة عسكرية وسلطوية هزمة وصفيت، وكل ما تبقى هو الدفع قدما بخطوة سياسية تثبت الواقع الجديد في القطاع. غير أنهم عندنا يصرون على مواصلة القتال حتى تحقيق “النصر المطلق”، هدف غامض إذ دوما سيوجد طفل ابن 16 مقابل بضع عشرات الشواكل سيحاول المس بقواتنا.

في الأشهر القريبة القادمة حتى بداية العملية العسكرية المخطط لتنفيذها “بعد الأعياد” لا تزال توجد للحكومة قدرة على العمل كي تؤدي، على أساس إنجازات الجيش الإسرائيلي حتى اليوم، الى خطوة سياسية تتجاوز حماس تؤدي الى تحرير المخطوفين، لكنها في نفس الوقت تدفع قدما بلا معركة بالهدف الذي لتحقيقه يدعو حتى قرار الحكومة – إقامة حكم مدني فلسطيني او عربي ينزع من حماس الحكم في القطاع.

------------------------------------------

 

هآرتس 10/8/2025   

 

توجد طريقة واحدة..الرفض بشكل جماعي

 

 

بقلم: ايريس ليعال

 

لقد عدنا مرة اخرى الى لعبة التخمين: ما الذي ينوي نتنياهو فعله؟، الذي يرافقنا في السنتين الاخيرتين. عندما يقول “نحن ننوي السيطرة عسكريا على كل قطاع غزة”، فان التقدير يميل الى التقليل بدرجة كبيرة من اقواله، ويقترح له التحليلات. حتى الآن التصريحات حول طرد السكان وبناء المستوطنات في غزة لم يتم اخذها بجدية زائدة. بل اعتبرت وكأنها هذيان لا اساس له لحركة الاستيطان، التي يسمح لها نتنياهو بالوجود بدون ازعاج، مثل الزيارات المتتالية لدانييلا فايس في غزة. قرار الكابنت يثبت انه يوجد لها اساس قوي في الواقع.

في نفس اليوم، الذي في مسائه عقد الكابنت، نشر المجلس الاقليمي شومرون صورة لبتسلئيل سموتريتش الى جانب يوسي دغان وشخصين آخرين، وهم يقفون بصورة احتفالية في مستوطنة صانور التي تم اخلاءها في عملية الانفصال، وبجانبهم شعار “الموت للعرب”. على الفور بعد الضجة الاعلامية التي ثارت خرجت توضيحات بحسبها هم لم يلاحظوا ما كتب. هذا منطقي. من يرى في اللاوعي مكتوب على الجدار باللون الازرق، سيعتبر ذلك فكرة عابرة. ولكن الاشخاص في الصورة نجحوا في ان يصبحوا اقوى كتلة سياسية في اسرائيل. ليس من الصحيح الحكم عليهم من خلال عدد المقاعد للصهيونية الدينية برئاسة سموتريتش في الاستطلاعات. حركة الاستيطان قوة حاضرة ومؤثرة في كل مكان، في الاعلام، الجيش وفي الشباك قريبا.

يبدو أنه ما شأنهم بنتنياهو. عمليا، هم الذين قاموا بفتح عيونه: بعد 7 اكتوبر ظهرت معجزة ايضا بالنسبة له. الشخص الذي يعرف كيفية انتاج العسل من كل مزبلة، ادرك أنه يوجد هنا تكتل نادر للمصالح. دائما هم ارادوا الاحتلال والسيطرة على المناطق، قتل العرب، البحث وايجاد اعداء. نتنياهو عرف فجأة انهم يعرضون عليه حالة من الحرب الخالدة، بالضبط ما كان يحتاجه كي يبقى في الحكم، واسكات ضجة “قطر غيت”، وتفكيك أي مؤسسة أو رئيسها ويقضي على أي شكل من اشكال المعارضة. لقد ادرك ان التعاون مع سموتريتش وفايس وكل آكلي الموت ومن يؤيدونهم، سيوفر له الحرب الخالدة وسيل لا ينتهي من الضحايا – معسكرات حربية في عمق القطاع، دوريات، طلعات جوية واقتحامات، كل ذلك سينتج قتلى وجرحى، وسيؤجج نار الانتقام. لذكراهم ومن اجلهم يجب تعميق السيطرة، ايضا في اجزاء في الضفة الغربية.

بدرجة كبيرة يمكن القول ان نتنياهو اكتشف بعد هجوم حماس جوهره الحقيقي. في تشرين الاول 2015، في جلسة لجنة الخارجية والامن التي عقدت بمناسبة مرور سنة على قتل رابين، قال نتنياهو “في هذه الاثناء توجد احاديث مثل ماذا سيحدث لو ان أحد ما ما زال موجود. هذا الامر غير مهم… نحن سنعيش الى الابد على حد السيف”. الآن، بعد مرور عشر سنوات، هو يسير نحو تحقيق هذا الحلم. العقوبات من قبل الاتحاد الاوروبي بالتأكيد لن توقفه. ايضا ليس حظر السلاح. بالنسبة لنتنياهو اسرائيل يمكن ان تصبح دولة فقيرة، مدمرة اقتصادية واكاديميا متدنية وعلم متخلف، منبوذة بسبب الاشمئزاز منها من كل العالم. فقط اعطوه السيف الخالد وسيبني حياتنا عليه.

توجد طريقة واحدة للنجاة من هذا المصير المخيف، التمرد والرفض، طلب، بالاجماع، الانسحاب الكامل والفوري من غزة، دعوة الجنود لعدم تعريض حياتهم للخطر، وأن يرفضوا ارتكاب جرائم الحرب رغم ارادتهم من اجل هذه الخطة الشيطانية. هذا لا يمكن ان ياتي فقط من اليسار الراديكالي، بل يجب ان ياتي من داخل الاجماع. المعارضة البرلمانية والمدنية وقادة الاحتجاج، جميعهم اقترحوا دواء معتدل لمرض قاتل وعنيف. للمرة الاولى يوجد للوسط الملتزم دور في انقاذ الدولة. غادي ايزنكوت، بني غانتس ويئير لبيد، رؤساء جهاز الامن، اعلام التيار العام، الجميع يجب عليهم القول: “أنتم لستم الحمل الخالد للتضحية به في حروب هؤلاء المجانين.

------------------------------------------

 

هآرتس 10/8/2025

 

 

يبرئون القاتل ويحتجزون الضحية ويحاصرون الجنازة.. إذن أنت في دولة الأبرتهايد

 

 

بقلم: أسرة التحرير

 

بينما يركز العالم نظره على ما يجري في قطاع غزة ويسعى لمنع إسرائيل من احتلاله، يستغل المستوطنون في الضفة الغربية الفرصة لشد الحبل حول رقبة الفلسطينيين هناك وتشجيعهم على المغادرة “الطوعية”. الطريقة ثابتة: ينكلون، يطردون، ثم يسيطرون. ليس للجيش وجهاز القضاء والدولة أي مصلحة بوقفهم. بل العكس، حيثما أمكن إعطاؤهم يداً، يعطوهم.

انظروا إلى يانون ليفي. بعد أسبوع من قتله عودة هذالين بالرصاص، عاد ليفي إلى المنطقة على حدود قرية أم الخير جنوبي جبل الخليل لمواصلة مهمة تشجيع الطرد “الطوعي”. بعد أسبوع فقط من إطلاق النار، يقف ليفي هناك مرة أخرى، أمام أبناء العشيرة وكأن شيئاً لم يكن.

جهاز القضاء أطلق سراح ليفي بين ليلة وضحاها، واعتقل مكانه نحو عشرين من سكان أم الخير، بمن فيهم واحد أصيب عندما صدمته جرافة مستوطنين قبل دقائق من إطلاق النار، واحتجز جثمان القتيل عشرة أيام، وكأنه كان وسيلة قتالية. هذه قصة تلخص واقع الاحتلال ونظام الأبرتهايد الإسرائيلي أكثر من أي تقرير لـ “بتسيلم”. الأبرتهايد والاحتلال في إسرائيل: مطلق النار (اليهودي) حر، والضحية (الفلسطيني) يُزج في المعتقل حتى بعد موته.

الجثمان في نظر إسرائيل أخطر من مطلق النار. ومع أن عدد المشاركين في الجنازة غير مقيد، فإن الجيش لم يسمح لمن هم ليسوا سكان “أم الخير” بالوصول إلى القرية، وأحاطها بالحواجز. إن التحكم بحياة الفلسطينيين لا يتوقف مع موتهم. حتى الموت لا يفصل بين الاحتلال والمحتل.

 ميدانيا، الجرافات تكسر الآن أنبوب المياه، وتمهد التربة لتوسيع مستوطنة “كرميل”، أما الفلاحون وأطفال القرية فيرون مستقبلهم يمحى أمام عيونهم، دون قدرة لحماية أنفسهم؛ لأن دفاع الفلسطيني عن نفسه يعتبر دائماً “عنفاً”، أما عنف المستوطن فهو دوماً “دفاعاً عن النفس”.

إذا بحثنا عن شخصية تمثل إسرائيل اليوم، فـ “ليفي” مرشح مثالي. مستوطن مسلح، إلى جانبه جرافة، محصن من العقاب: جيش يحميه، وشرطة حاضرة من أجله، وقانون إلى جانبه، وجهاز قضاء يربت على كتفيه. كل هذا بخلاف القانون الدولي، الذي يفرض على الاحتلال ضمان سلامة السكان المحتلين. ليفي يجسد عملياً حق الاحتلال والسطو الذي تمنحه إسرائيل لليهود بكونهم أسياد البلاد.

------------------------------------------

 

معهد دراسات الأمن القومي 10/8/2025 

 

الاعتراف الدولي بفلسطين: «تسونامي» أم تموّجات خفيفة؟

 

 

بقلم: أودي ديكل

 

قامت دولة إسرائيل استناداً إلى قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الرقم 181، في 29 تشرين الثاني 1947، والذي اعترف بقيام دولتين بين نهر الأردن والبحر المتوسط، إحداهما يهودية والأُخرى عربية. وفي نظر القانون الدولي وموقف دول العالم، في أغلبيتها، يوازي حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير حق الشعب اليهودي الذي قامت دولة إسرائيل على أساسه. ومنذ ذلك الحين، جرت أحداث كثيرة، إلّا إن الوضع الراهن يتمثل في عدم قيام دولة فلسطينية، وعدم الاتفاق على حدود دولة إسرائيل، رسمياً وبشكل نهائي.

في هذه الأيام، تقود الأوضاع في قطاع غزة والحرب المستمرة التي ترفض إسرائيل إنهاءها موجة الاعتراف بدولة فلسطينية ضمن حدود سنة 1967، وعاصمتها القدس الشرقية. إن الصور الواردة من القطاع، التي تُظهر حشوداً تقتحم نقاط توزيع المساعدات الإنسانية، وهي تحمل أواني طعام فارغة، وأطفالاً يتضورون جوعاً، ودماراً شاملاً، ترسم ملامح صورة إسرائيل، حسبما تُرى في أنحاء العالم، وتدفع بها نحو انهيار سياسي، وتساعد حركة "حماس" على محو "فظائع" السابع من تشرين الأول من الذاكرة. إن الفجوة بين شعور إسرائيل الذاتي بأن الحق إلى جانبها، وبأن جيشها هو "الأكثر أخلاقيةً" في العالم، وبين الصور الواردة من غزة والانتقادات الدولية الحادة الموجهة إليها، لم تكن أعمق مما هي عليه اليوم.

في ظل ما يبدو طريقا مسدودا، بعد نحو عامين من الحرب، وما خلّفته من معاناة إنسانية ودمار واسع، يتبلور في أوساط المجتمع الدولي موقف يدعو إلى سحب حق النقض من كلٍّ من إسرائيل و"حماس" فيما يتعلق بالدفع بتسوية للصراع الإسرائيلي – الفلسطيني المستمر في النزيف، وتشهد على ذلك المبادرة التي طرحتها فرنسا والمملكة العربية السعودية بشكل مشترك في مؤتمر الأمم المتحدة، في 28 و30 تموز 2025، والهادفة إلى الدفع بحلّ الدولتين إلى الأمام. وقد حظيَ البيان الختامي بدعم واسع، واشتمل أيضاً على عناصر إيجابية لإسرائيل، من قبيل حرمان "حماس" من السيطرة على قطاع غزة، ومن السلاح، وإحباط نيتها بشأن تدمير إسرائيل؛ لكن في الوقت نفسه، يأخذ المجتمع الدولي تصريحات وزراء في الحكومة الإسرائيلية على محمل الجد، والتي يرى أنه يجب إحباطها في مهدها، مثل ضم أراضٍ في الضفة الغربية وقطاع غزة، وتشجيع "الهجرة الطوعية" للفلسطينيين من هذه المناطق، بما يعنيه ذلك من إدارة للصراع إلى الأبد. وفي نظر المجتمع الدولي، لا يوجد سوى مسار واحد مطروح، وهو العودة إلى طاولة المفاوضات من أجل التوصل إلى اتفاق على شروط صيغة حلّ الدولتين.

تقدّم المبادرة الفرنسية - السعودية مساراً تدريجياً لإنهاء الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني والحرب المستمرة في قطاع غزة، يتمحور حول إقامة دولة فلسطينية مستقلة ومنزوعة السلاح، تقوم إلى جانب إسرائيل في تعايُش وسلام. وتشمل المبادرة إدانةً لهجمات السابع من تشرين الأول (لأول مرة من دول الجامعة العربية)، وفي السياق نفسه، تؤكد أنه فيما يتعلق بإنهاء الحرب في غزة يتعيّن على "حماس" التخلي عن حكمها، وعن سلاحها، ونقل السلطة إلى السلطة الفلسطينية، بمشاركة ودعم دوليَّين. وفي الوقت نفسه يتضمن البيان إدانة للهجمات الإسرائيلية على المدنيين والبنى التحتية المدنية في غزة، وكذلك للحصار المستمر المفروض على القطاع، ولجوئها إلى أساليب التجويع التي تسببت بكارثة إنسانية خطِرة.

المطالب الدولية من إسرائيل، الواردة في المبادرة الفرنسية - السعودية، تشمل: وقفاً تاماً لإطلاق النار في قطاع غزة، بما في ذلك وقف جميع العمليات القتالية، وانسحاب قوات جيش الاحتلال الإسرائيلي من القطاع، ورفع الحصار عن المنطقة، وإطلاق سراح أسرى فلسطينيين من السجون الإسرائيلية، في مقابل الإفراج عن الأسرى المحتجزين لدى حركة "حماس"، والالتزام بإقامة دولة فلسطينية ذات سيادة، ومتواصلة جغرافياً، ومستقلة وقابلة للحياة، ووقف جميع نشاطات الاستيطان الإسرائيلية غير القانونية في الضفة الغربية، والتعهد بعدم البناء في المستوطنات مستقبلاً، والامتناع من اتخاذ إجراءات أحادية الجانب (الضم)، والتي من شأنها تقويض إمكان الدفع بحلّ الدولتين وتنفيذه، وضمان الوصول إلى الأماكن المقدسة في القدس، بما في ذلك الحفاظ على الوضع القائم فيها، واحترام القانون الدولي وقرارات مجلس الأمن الدولي ذات الصلة، والتعاون الكامل مع هيئات الأمم المتحدة والمجتمع الدولي، بما يشمل دعم آليات الرقابة والتنفيذ الدولية، والمساهمة في الجهود الإنسانية وإعادة الإعمار الاقتصادي في قطاع غزة والضفة الغربية.

أمّا المطالب الرئيسية من الفلسطينيين فتشمل: الاعتراف بإسرائيل، والالتزام بحلّ الدولتين والسلام، وبسط سيطرة كاملة للسلطة الفلسطينية على جميع الأراضي الفلسطينية، تحت إدارة واحدة (حسبما أكد رئيس السلطة، محمود عباس، مراراً: "دولة واحدة، وحكومة واحدة، وقانون واحد، وسلاح واحد")، ووقف جميع أعمال العنف والتحريض ضد إسرائيل، ومنع "الإرهاب" ومظاهر التطرف بكافة أشكالها، وتنفيذ إصلاحات سياسية واقتصادية من أجل إقامة دولة مستقرة قادرة على العمل، وإجراء انتخابات ديمقراطية شفافة، واحترام حقوق الإنسان، والمساواة بين الجنسين، وإشراك جميع مكونات المجتمع الفلسطيني في العملية السياسية والاقتصادية.

وتتضمن المبادرة الفرنسية – السعودية أيضاً عناصر إيجابية بالنسبة إلى إسرائيل، مثل استبعاد أي احتمال لاستمرار سيطرة "حماس" على قطاع غزة. ولذلك، تشير إلى ضرورة إنشاء ونشر قوة دولية/عربية مشتركة لاستقرار الوضع الأمني في القطاع، وقيادة خطة إعادة إعمار شاملة لقطاع غزة بدعم دولي، وتقديم مساعدات إنسانية فورية للسكان الفلسطينيين في غزة. وستكون القوة الدولية/العربية مسؤولة عن نزع سلاح القطاع من خلال عملية منهجية ومتدرجة لنزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج عن طريق:

-نشر قوة عربية ودولية لاستقرار الوضع الميداني.

-جمع الأسلحة بشكل منظّم وخاضع للرقابة من الميليشيات والأفراد.

-حل الميليشيات ودمج عناصرها في مؤسسات مدنية شرعية.

-إعادة بناء وتطوير قوات أمن فلسطينية فاعلة غير تابعة لـ"حماس"، تركز على فرض النظام العام.

تداعيات الاعتراف الدولي بدولة فلسطينية رهن بالردّ الإسرائيلي

من الناحية النظرية، وبناءً على عملية مدروسة لاتخاذ القرار، يمكن لإسرائيل أن تعلن هي أيضاً اعترافها بحق الفلسطينيين في تقرير المصير، لكن لتنفيذ ذلك يجب استيفاء سلسلة طويلة من الشروط والمتطلبات من الجانب الفلسطيني. وردَ بعض هذه الشروط في المبادرة الفرنسية – السعودية، وفي مواقف الدول العربية والمجتمع الدولي، مثل أن تكون الدولة الفلسطينية منزوعة القدرات العسكرية وألّا تشكل تهديداً لإسرائيل.

أمّا إذا اختارت الحكومة الإسرائيلية اتخاذ خطوات عقابية، مثل ضم أراضٍ في الضفة الغربية وقطاع غزة، أو تشجيع هجرة الفلسطينيين من الضفة الغربية والقطاع، فقد تجد نفسها أمام عقوبات دولية وإضرار بعلاقاتها الدبلوماسية والاقتصادية مع دول عربية، وكذلك مع دول غربية، وستتوقف عملية التطبيع الإقليمي التي تشمل إسرائيل، بما في ذلك تعميق وتوسيع "اتفاقات أبراهام"، إلى أن تغيّر إسرائيل سياستها، وتُبدي استعداداً للبحث في تسوية سياسية وفق صيغة حلّ "دولتين لشعبين".

علاوةً على ذلك، فإن معارضة إسرائيل للاعتراف بدولة فلسطينية قد تُعرقل مبادرات واستعدادات الدول العربية والمجتمع الدولي للمشاركة في استقرار وإعمار قطاع غزة من دون حُكم "حماس"، ولتهيئة الظروف لنقل السيطرة على القطاع إلى سلطة فلسطينية "تم إصلاحها". حينها، ستكون النتيجة أن عبء السيطرة على قطاع غزة المدمّر، بما في ذلك المليونَي نسمة، سيُلقى على عاتق إسرائيل.

قد تحوّل خطوات العقاب الإسرائيلية التهديدات بالمقاطعة والعقوبات من جانب دول أوروبية إلى واقع موجّه مباشرةً ضد إسرائيل "السيادية"، وليس فقط ضد المستوطنات في الضفة الغربية. ومن بين الخيارات المطروحة تعليق اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي، وإخراج إسرائيل من صندوق "هورايزون"، وفرض حظر على السلاح، والإضرار باتفاقيات التجارة مع إسرائيل.

كما أن الاعتراف الدولي بدولة فلسطين قد يعزز في إسرائيل مشاعر بأن "العالم كله ضدنا"، ويزيد في حدة المواقف المتطرفة تجاه الصراع. ومن النتائج المحتملة لذلك تصاعُد ما يُعرف بالإرهاب اليهودي، إذ ستعتبر جهات يهودية متطرفة الاعتراف بفلسطين تهديداً لرؤية "أرض إسرائيل الكاملة" ولفريضة استيطان الأرض. وعلى هذا الأساس، ستزداد الدوافع إلى الاعتداء على الفلسطينيين، وطردهم، والسيطرة على أي تلة خالية. فأحداث العنف التي يرتكبها متطرفون من اليهود، فضلاً عن عدم تطبيق القانون الإسرائيلي عليهم، والإجراءات التي تؤدي إلى عزل إسرائيل دولياً، أمور قد ترفع منسوب التوتر الداخلي وتعمّق الانقسام والشرخ في المجتمع الإسرائيلي.

من جانب آخر، يُتوقع أن تواصل إدارة ترامب دعم إسرائيل واستخدام الفيتو ضد قرار الاعتراف بدولة فلسطينية، إذا عُرض على مجلس الأمن. ومع ذلك، سيجد صعوبة في الاستمرار في الوقوف إلى جانب إسرائيل لفترة طويلة أمام أغلبية دول العالم، وخصوصاً إذا ردّت الحكومة الإسرائيلية بخطوات متطرفة تشمل دفع السلطة الفلسطينية نحو الانهيار الاقتصادي والضم.

وتبقى مسألة السلطة الفلسطينية ذات وزن كبير: فالحكومة الإسرائيلية تمنع تعزيز السلطة وإعادتها إلى السيطرة على قطاع غزة، لأنها تُعتبر منصة لتأسيس دولة فلسطينية، غير أن الاعتراف الدولي بدولة فلسطينية سيعزز مكانة السلطة الدبلوماسية، وسيمكّنها من الوصول إلى اللجان والهيئات القضائية الدولية. وكلما تحدّت السلطة إسرائيل في المحافل الدولية، كلما ازدادت رغبة الحكومة الإسرائيلية في الدفع نحو انهيارها الاقتصادي والوظيفي، مثلما يحدث حالياً من خلال منع تحويل أموال المقاصة وفرض قيود على عمل البنوك. إن انهيار السلطة يعني إلقاء عبء إدارة الشؤون الحياتية لسكان المناطق على عاتق إسرائيل.

من غير المؤكد أن حركة "حماس" كانت تهدف، من خلال هجومها في السابع من تشرين الأول، إلى ترسيخ فكرة حلّ الدولتين، لكنها قد تستغل الاعتراف الدولي بدولة فلسطينية كإنجاز سياسي وتوظفه لتعزيز السردية القائلة إن المقاومة العنيفة وحدها قادرة على تحقيق مكاسب سياسية وتحرير فلسطين. كما أن غياب التعاون مع الجهود الدولية للدفع بتسوية إسرائيلية– فلسطينية، إلى جانب الخطوات العقابية الأحادية من إسرائيل، سيقوّض الالتزام العربي والدولي بنزع سلاح "حماس" وإنهاء حُكمها في غزة، الأمر الذي سيخدم بقاءها كجيش مسلح، ويعزز موقعها كفاعل سياسي مؤثر على الساحة الفلسطينية.

إن الصور القاسية الواردة من قطاع غزة، ورفض الحكومة الإسرائيلية كلّ مبادرة، أو تحرك سياسي، فضلاً عن إعلان نوايا بشأن ضم أراضٍ في الضفة الغربية وقطاع غزة، وطرد الفلسطينيين من أراضيهم ومنازلهم، عوامل كلها تدفع إلى "تسونامي" الاعتراف الدولي بدولة فلسطينية، في ظل تنامٍ في الإدراك العالمي أن الصراع المستمر والدموي لا يمكن تسويته إلّا من خلال الدفع بفكرة حلّ الدولتين.

وعلى الرغم من أن التداعيات العملية للاعتراف الدولي تبقى محدودة، فإن ردات الفعل عليه، وأي خطوات، يمكن أن تُفسَّر بأنها دليل على أن إسرائيل لا تنوي السعي لتسوية مع الفلسطينيين، أو تطبيقها، بهدف إنهاء الصراع، ومن شأنها أن تسرّع وتُفاقم "التسونامي" السياسي القادم، بما يحمله من تداعيات أمنية واقتصادية مهدِّدة. وعلى النقيض، إذا اختارت الحكومة الإسرائيلية الاكتفاء بإدانة سياسية لمبادرة دولية أحادية الجانب، من دون القيام بخطوات ردّ استفزازية، فسيكون في إمكانها مواجهة تحديات دبلوماسية وأمنية متصاعدة، مع إدارة دقيقة لعلاقات دولية معقدة.

------------------------------------------

 

عن "N12" 10/8/2025 

 

السياسة الإسرائيلية تخدم أهداف «حماس»

 

 

بقلم: بنينا شرفيت - باروخ

 

لا شك في أن جزءاً من العداء لإسرائيل، ومن المؤكد أيضاً حيال اليهود، نابع من معاداة السامية التي تتفجر في هذه الأيام وتبلغ مستويات غير مسبوقة.

علاوةً على ذلك، هناك جزء كبير من أولئك الذين يقفون وراء التحركات العامة، بما في ذلك الاحتجاجات الواسعة ضد إسرائيل، عبارة عن جهات ذات انتماء عربي، أو إسلامي، فضلاً عن عناصر من اليسار التقدمي، بعضهم يدعم "حماس" والمنظمات "الإرهابية"، وآخرون يتعاطفون مع الفلسطينيين ومعاناتهم، ويرون في إسرائيل الطرف الوحيد المذنب والمسؤول عن مأساتهم.

ومع ذلك، فإن الانقلاب الحاد في الرأي العام العالمي ضد إسرائيل، والذي يجري أيضاً في أوساط لا تحمل عداءً جوهرياً لإسرائيل – حتى بين الذين دعموها في السابق – يعود في نهاية المطاف إلى سلوك إسرائيل نفسه.

 

لماذا يرى العالم إسرائيل الطرف الشرير؟

 

المشكلة ليست مجرد فشل في الدعاية الإسرائيلية، على الرغم من أنه لا شك في أن هذه الدعاية فشلت فشلاً ذريعاً، والمشكلة الأساسية تكمن في أن الحكومة الإسرائيلية تبنّت سياسة تتنكر لمسؤوليتها عن تداعيات الحرب على المدنيين في غزة، بما في ذلك القتلى والجرحى، ومأساة الجوع، وانهيار البنية التحتية الأساسية.

تقول الرواية الإسرائيلية إن "حماس" هي المسؤولة الوحيدة، لأنها هي التي بدأت الحرب وترفض الاستسلام.

والأسوأ من ذلك، يبدو أن هناك مَن يعتقد أنه كلما ازدادت المعاناة في غزة ازداد الضغط على "حماس" لقبول شروط إسرائيل.

هذه السياسة خاطئة على مستويَين: أولاً، على المستوى القانوني والأخلاقي: حقيقة أن "حماس" تحكم غزة وهاجمت إسرائيل، لا تعفي الأخيرة من واجبها القانوني والأخلاقي حيال تقليل الأذى الذي يلحق بالمدنيين. وكلما ازداد النفوذ الإسرائيلي داخل أجزاء من القطاع وضعُف حكم "حماس"، توسعت مسؤوليات إسرائيل تجاه السكان المدنيين هناك.

وإذا احتلت إسرائيل القطاع بالكامل وأسقطت "حماس"، فإن المسؤولية القانونية عن توفير حاجات السكان ستقع عليها بالكامل.

ثانياً، في نظر العالم: تتجاهل السياسة الإسرائيلية تماماً كيف يُنظر إلى الحرب من خارج إسرائيل، وتغفل عن تأثير مشاهد المعاناة في غزة، المنتشرة عالمياً (باستثناء الإعلام الإسرائيلي الذي يركز فقط على وجهة النظر الداخلية).

يرى العالم جيشاً قوياً يطلق النار على مدنيين جائعين يحاولون الحصول على الطعام، ويرى قطاعاً مدمراً بالكامل، تحت سيطرة الجيش الإسرائيلي، وسكاناً يعيشون في ظروف كارثية، بعضهم جائع ومريض.

نعم، هناك صور مفبركة وروايات كاذبة، لكن الأزمة حقيقية، ولا يمكن إنكارها، وفي حال احتلال القطاع، فإن صور الدمار والمعاناة ستظل تلاحق إسرائيل، وسيزداد الضغط الدولي عليها لإعادة الإعمار وتحسين الأوضاع هناك.

 

الخطاب الإسرائيلي يزيد الطين بِلَّة

 

إلى جانب هذه المشاهد، يسمع العالم تصريحات مسؤولين إسرائيليين تتحدث عن ضرورة "تجويع السكان" و"محو القطاع"، أو "تشجيع السكان على الهجرة الطوعية"، وهذا يولّد الانطباع بأن المعاناة ليست عرضاً جانبياً، بل سياسة متعمدة.

وفي المقابل، لا يُسمع خطاب مضاد واضح من مسؤولين رسميين يؤكد أهمية احترام القانون الدولي، أو بشأن تحركات لتخفيف المعاناة.

حتى أن أصوات المعارضة في إسرائيل تلتزم الصمت، إمّا دعماً للسياسة الحالية، وإمّا خوفاً من اعتبارهم "ضعفاء" في نظر الرأي العام الإسرائيلي، الذي بات يرفض أي خطاب إنساني، ويطالب بردود قاسية.

 

سياسة تخدم "حماس"

 

إن صورة إسرائيل كجهة تتعمد إلحاق الأذى بالفلسطينيين العُزل هي بالضبط ما تريده "حماس".

وفي الواقع، تخدم السياسة الإسرائيلية أهداف "حماس" وتُضعف موقف إسرائيل في المفاوضات.

يدفع الفلسطينيون والمخطوفون وعائلاتهم ثمن هذه السياسة، من خلال إطالة أمد التفاوض بشأن إطلاق سراحهم، وإصابة مزيد من الجنود في الميدان في معركة، هدفها الأساسي الضغط على "حماس"، وهو ضغط غير فعّال بسبب الضغوط الدولية على إسرائيل.

ويبرز الفشل في السياسة الإسرائيلية في أنه حتى الخطوات التي تتخذها إسرائيل للتخفيف من الأزمة الإنسانية تُنفَّذ فقط بعد ضغوط دولية، حتى من إدارة الرئيس الأميركي ترامب.

وحين تُقدم إسرائيل على هذه الخطوات التي من شأنها أن تُستخدم كأداة في المفاوضات، وفي تحسين مكانة إسرائيل الدولية تحت الضغط الخارجي، فإنها تفقد أي فائدة محتملة منها، وتجعل إسرائيل دولة لا تقوم بالعمل الإنساني إلّا بالإكراه.

 

لا يمكن إخفاء الحقائق

 

من أجل تغيير حقيقي، على الحكومة – الحالية وأي حكومة مستقبلية – تغيير سياستها، والبدء بالنظر إلى معاناة سكان غزة على أنها مشكلة، لا كفرصة، وضرورة التحرك بفعالية لتحسين الوضع هناك.

ولتحقيق ذلك، يجب أن يغيّر المجتمع الإسرائيلي الطريقة التي يفكر بها.

وما دامت كل مساعدة إنسانية تُقابَل برفض شعبي، لن يتمكن السياسيون من اتخاذ القرار الصائب.

أيضاً الإعلام الإسرائيلي له دور حاسم، لقد حان الوقت لعرض ما يحدث في غزة بشكل مهني وموضوعي.

ربما عندها سيبدأ جزء من الجمهور الإسرائيلي، وخصوصاً أولئك الذين يؤمنون بالقانون والديمقراطية، بإدراك أنه لا يمكن مواصلة التصرف بدافع الخوف والرغبة في الانتقام، مع تجاهُل القيم التي نشأنا عليها، وهي القيم التي تربطنا بالعالم الغربي.

------------------------------------------

 

يديعوت 10/8/2025 

 

لا تـنـجـرّوا إلـى احـتـلال غـزة

 

 

بقلم: مايكل هرتسوغ

 

بصفتي شخصاً عاش أعواماً في الولايات المتحدة، ويتابع ما يحدث فيها، فإنني لم أشهد تدهوراً في صورة إسرائيل ومكانتها كما نشهده مؤخراً بسبب الحرب في غزة. فالصور الآتية من غزة كانت أقوى من ألف كلمة صادرة عن إسرائيل، وقد وجّهت إلينا ضربة قاسية على صعيد الوعي العام، ووصلت حتى إلى معاقل الجمهوريين، وخصوصاً بين فئة الشباب.

صحيح أننا نحظى حالياً بإدارة أميركية متعاطفة، لكن الخطر الذي يتهدد مكانتنا في أميركا يجب أن يُقْلِقَ القيادة الإسرائيلية. نعم، "حماس" هي المسؤولة عن هذه الحرب الرهيبة، وهي تدير ضدنا حملة تجويع كاذبة، وتُجَوِّع الأسرى الإسرائيليين المحتجَزين لديها، لكننا مكّنّاها من الترويج لروايتها، ومنحناها دعماً معنوياً، وتحولنا إلى الشرير الرئيسي في أعين العالم فيما يتعلق بقطاع غزة.

وهذا مجرد جانب واحد من الأزمة؛ فبعد قرابة عامين من بدء الحرب، لم تحقق إسرائيل أياً من أهداف الحرب المشروعة التي حددتْها لنفسها: إسقاط "حماس" عسكرياً وحكومياً، واستعادة جميع الأسرى. يبدو أن إسرائيل تاهت في متاهة غزة، ولا تعرف كيف تُنهي الحرب.

في هذه المرحلة التي وصلنا إليها، هناك حاجة إلى تقييم استراتيجي شامل (بعيداً عن الحسابات السياسية)، للمقارنة بين الإنجازات المتوقَعة من استمرار الحرب بأي شكل من الأشكال، في مقابل الثمن الذي ندفعه وسندفعه: التآكل الداخلي، والانهيار الخطِر في مكانتنا الدولية، والشلل الذي أصاب قدرتنا على استثمار إنجازاتنا غير العادية في المواجهة مع إيران وتَرْجَمَتِهَا. هذا التقييم والتوتر القائم بين هدفَي الحرب (إسقاط "حماس"، واستعادة الأسرى) يقود إلى الاستنتاج التالي: على إسرائيل أن تتبنّى استراتيجيا مركَّبة تشمل مبادرة سياسية، واستقراراً إنسانياً، وضغطاً عسكرياً مركَّزاً، وليس الانجرار إلى احتلال غزة.

 

ما الذي يجب على إسرائيل فعْله؟

 

أولاً: خطة طوارئ عاجلة لإنقاذ حياة الأسرى، فحياتهم عُرْضَةٌ لخطر مباشر، ويجب ممارسة ضغط دولي وإقليمي كبير لإدخال الطعام والماء والدواء إليهم. حان الوقت لأن تمارس الولايات المتحدة ضغطاً حقيقياً على قطر في هذا السياق. وإذا كان إنقاذ الأسرى يتطلب خطوات إنسانية من جانب إسرائيل، فيجب تنفيذها، فهذه حالة "إنقاذ أرواح" حقيقية.

ثانياً: الاستجابة للأزمة الإنسانية؛ فعلى الرغم من أن إسرائيل لم تعتمد سياسة تجويع ممنهجة، فإن قراراتها، كمنْع دخول المساعدات الإنسانية لمدة شهرين، ساهمت في إنشاء معاناة وفوضى إنسانية في أجزاء من غزة، وهو ما جلب علينا "تسونامي دبلوماسياً" وقلّص من هامش تَحَرُّكِنَا.

وبالتالي، على إسرائيل أن تفعل كل ما يلزم من الآن فصاعداً لاستقرار الوضع الإنساني في القطاع، وقد بدأت الولايات المتحدة الآن في أداء دور أكثر نشاطاً، بما في ذلك حشْد الموارد والجهات الدولية، و"تنسيق" عمل الأمم المتحدة في الميدان.

ثالثاً: بَلْوَرَةُ خطة مع الإدارة الأميركية لإنهاء الحرب؛ فلم تقم إسرائيل حتى اليوم بصوغ خطة سياسية تقودها واشنطن. ويجب أن تشمل الخطة: إطلاق سراح جميع الأسرى في مقابل إعادة تقييم للانتشار العسكري الإسرائيلي وتخفيف الضغط العسكري، وتوفير حل إنساني دائم وواقعي لسكان غزة، والمحافظة على حرية الجيش الإسرائيلي في إحباط أي تهديد جدي، وربْط إعادة إعمار القطاع بنْزع سلاح الحركة، والتفاهم مع أطراف إقليمية رئيسية (التي طالبت مؤخراً بنزْع سلاح "حماس" وتَنْحِيَتِهَا عن الحكم) لتشكيل بديل لها في غزة. وينبغي أن تكون هذه الخطة جزءاً من تفاهمات إقليمية أوسع (وخصوصاً أن المواجهة مع إيران لم تنتهِ بعد). ويمكن للولايات المتحدة أن تقود تحالُفاً واسعاً حول هذه المبادرة.

رابعاً: عدم التخلي عن فرصة صفقة تبادُل جزئية (وفق مبادرة ويتكوف)؛ فعلى الرغم من أن الصفقة الجزئية ليست مثالية، فهي أفضل من لا شيء، لأن كل أسير يمثل عالَماً بأسْره. وفي حال تمت الصفقة، فإنه يمكن استغلال فترة الستين يوماً من وقف إطلاق النار لدفْع خطة إنهاء الحرب قُدُماً.

خامساً: إذا رفضت "حماس" الخطة السياسية، فإنها ستتحمل مسؤولية دمار غزة. وفي هذه الحالة، وبوجود شرعية دولية، فإنه يجب على الحكومة الإسرائيلية تبنّي توصية الجيش الإسرائيلي: مواصلة الضغط العسكري المركَّز، والمحافظة على الطوق الأمني والمناطق المسيطَر عليها، وتنفيذ قصْف وغارات وفق الحاجة. صحيح أن "البرميل الغزّي" عميق، لكن يوجَد له قاع.

 

ما الذي يجب عدم فعله؟

 

تحت أي وضع يكن، يجب عدم الانجرار نحو احتلال غزة أو ضمها؛ فالاحتلال سيؤدي على الأرجح إلى مقتل الأسْرى، وسيفرض على إسرائيل عبئاً عسكرياً واقتصادياً ودبلوماسياً لا يُحتمَل. مَن سيدير غزة؟ إسرائيل؟ الضم يمكن أن يكون خطوة لا رجعة فيها، وخطأً فادحاً، وسيشجع على الاستيطان في غزة، وهو ما يجب أن يُزال من جدول الأعمال، وسيسرّع الانهيار الدولي ضد إسرائيل، ويُبعِد الشركاء الإقليميين والدوليين الممكنين من المشاركة في إدارة "اليوم التالي".

حان الوقت لتتبنى الحكومة استراتيجيا واضحة وواقعية، وتعرض أفقاً مدنياً وعسكرياً، فالشعب الإسرائيلي، الذي يتحمل عبء هذه الحرب منذ نحو عامين، يستحق ذلك.

-----------------انتهت النشرة-----------------

disqus comments here