الهجمات الإيرانية تُسقط أسطورة "أمن إسرائيل" ..!

شكلت الهجمات الإيرانية المرتدة على العمق الإسرائيلي في يونيو 2025 تطورًا مفصليًا في الصراع الإقليمي، إذ كشفت هشاشة نظرية "الأمن الإسرائيلي" التي طالما سوّقتها تل أبيب للعالم، وأعادت التأكيد على أن الاحتلال لا يصنع أمنًا، بل يستولد مزيدًا من المقاومة والعزلة والتهديدات الوجودية.
في 17 يونيو، شنّت إيران أكبر هجماتها على الإطلاق ضد إسرائيل ضمن عملية أطلقت عليها الوعد الصادق 3، مستخدمة أكثر من 150 صاروخًا بالستيًا وعشرات الطائرات المسيّرة، استهدفت مواقع عسكرية ومدنية في بئر السبع وتل أبيب، وألحقت أضرارًا بمنشآت حساسة، ومناطق صناعية في الجنوب.
هذه الهجمات لم تكن فقط ردًا مباشرًا على ضربات إسرائيل الأخيرة، بل رسالة واضحة: لا أمن في ظل سياسة الاحتلال والتوسع.
وفي حين ردّت إسرائيل بعملية عسكرية مكثفة استهدفت منشآت إيرانية في نطنز وأصفهان، فإن هذه الضربات لم تمنع طهران من توجيه رسائل ردع جديدة، بل أظهرت محدودية القوة الإسرائيلية في فرض معادلة ردع طويلة المدى.
وقد خلص معهد دراسات الأمن القومي في تل أبيب (INSS، 2025/6/19) إلى أن "الضربات الإيرانية أحرجت المؤسسة الأمنية وزرعت شكًا في قدرة الدولة على حماية مواطنيها".
هذه التطورات الأمنية الخطيرة عمّقت المخاوف داخل الجبهة الداخلية، وسجّلت تقارير الهجرة العكسية ارتفاعًا في طلبات مغادرة البلاد، خاصة في صفوف الشباب والعائلات القاطنة في مناطق غلاف غزة وجنوب فلسطين المحتلة.
أما على المستوى السياسي، فقد تصاعدت الانتقادات الدولية بشأن سلوك إسرائيل العسكري، وظهرت مجددًا تقارير تتهمها بتجاوز القانون الدولي الإنساني، خصوصًا في استهداف البنية التحتية الإيرانية والمناطق المدنية.
لكن جوهر الأزمة لا يكمن فقط في التهديد الإيراني، بل في استمرار الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية والعربية، وهو ما يُغذّي جذور المقاومة والعداء الإقليمي.
إذ أن تجاهل إسرائيل لحق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة على حدود الرابع من حزيران 1967، وعاصمتها القدس الشرقية، يُبقيها في عزلة إقليمية، ويحولها إلى هدف دائم للصراعات. ووفق تقرير صادر عن International Crisis Group (2025/6/15)، فإن "أي حل لأزمة أمن إسرائيل يبدأ أولًا بإنهاء الاحتلال ووقف التوسع الاستيطاني، لا بتوسيع الضربات العسكرية".
كما أن مسار التطبيع، الذي حاولت إسرائيل الترويج له كـبديل للسلام مع الفلسطينيين، يتعرض اليوم للانهيار.
فقد أعلنت دول عربية فاعلة، مثل السعودية والإمارات ومصر، تحفظها الصريح على التصعيد الإسرائيلي الأخير، محذّرة من جر المنطقة إلى حرب شاملة، ما يعكس تراجعًا حقيقيًا في الثقة الإقليمية بمشروع إسرائيل الأمني والسياسي.
تؤكد كل المؤشرات أن إسرائيل تقف اليوم أمام مفترق وجودي خطير، فاستمرارها في التمسك بعقيدة الاحتلال والتوسع الاستيطاني لم ولن يوفر لها أمنًا، بل يضعها في مواجهة مقاومة شعبية وإقليمية تتعاظم يومًا بعد يوم.
لا مفر أمامها من خيار واحد واضح: التخلي عن الاحتلال، والاعتراف الكامل بحقوق الشعب الفلسطيني، وفي مقدمتها حقه في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، بما يضمن مستقبلًا سلميًا مستقرًا للإسرائيليين والفلسطينيين على حد سواء.
إن إسرائيل، إن لم تفعل، فإنها ستظل أسيرة لحالة أمنية مضطربة، تقودها نحو مستقبل مظلم ومفتوح على احتمالات التفكك والعزلة والانهيار الذاتي.