الحبُّ في الأرضِ بعضٌ من تخيّلنا

الحبُّ في الأرض بعضٌ من تخيّلنا. لو لم نجده عليها لاخترعناهُ

 
بيتٌ من الشّعر للشاعر نزار قبّاني، يحمل في طيّاته الكثير من المعاني، من الفلسفة، من الإبداع، من روعة وبساطة وسلاسة اللفظ.
 
في تحدٍّ لنفسي قرأتُ كلّ دواوين نزار قبّاني، لأجد أنّ معظمها لا يحمل ذات السلاسة وذات الجمال الشعرّي الإبداعي، رغم أنّي لستُ بمعرض النقد هنا، ولكن نزار قبّاني هو من الشعراء المفضلين عندي.
 
ما يعنيني هو هذا البيت الشعري، الذي يعطي الإنسان صفة التعلّق وخلق الحبّ والمشاعر، فالإنسان كتلةٌ من المشاعر، وخاصة المرأة التي تحبّ لأقصى حدّ وتكره لأقصى حدّ.
المرأة كائن ليس غريباً، فالحُبّ عندها يبدأ منذ الصّغر لتتعلّق بمَن حولها، ثمّ أقرب الناس إليها، ثمّ يكبر محيطها.
أولّ تجربة تكون نقطة حساسة في علاقاتها حتى مماتها، فهي تعطي دون مقابل، وتحبّ حتى إلى ما لا نهاية. وعندما تنكسر هذه العلاقة فإنّها تطوّر مهاراتها، تكتسب ذكاءً مُضاعفاً حول حدود العلاقات، يتحوّل الانكسار إلى تحدٍّ ذاتي في علاقاتها المستقبلية، تصبح أكثر حذراً، أقلّ عطاءً، وأكثر ذكاءً.
في أحد الروايات ذكرت أحلام مستغانمي بأنّ المرأة إذا أحبّت فإنّها تُلبّي الدعوة إلى فنجان قهوة في باريس بينما إذا كرهت فإنّها لا تناولك شي حتى لو كان بضع سنتيمترات بعيداً عن يديها.
ليس سهلاً على المرأة أن تقوم بمهام متعددة في وقت واحد، ولكنّها في جيناتها هي إنسان يتميّز بموهبة القيام بعدة أمور في وقت واحد، هي موهبة فطرية، مخلوق فوق العادة، ذات قوى خارقة للطبيعة.
تمتاز المرأة بذكاء عاطفي مرتفع، والذكاء العاطفي هو قدرة الفرد على إدراك مشاعره ومشاعر الآخرين، وفهمها، وإدارتها بطرق إيجابية للتواصل الفعال، وبناء علاقات قوية، والتغلب على التحديات والصراعات.
يشمل الذكاء العاطفي الوعي بالذات، وإدارة الذات، والوعي الاجتماعي، وإدارة العلاقات.
ولكن لو قرأنا كتاب "الرجال من المريخ والنساء من الزهرة" لوجدنا مقارنة بين تصرّف وأسلوب الرجل كيف يختلف عن المرأة.
مثلاً حول التواصل، فيميل الرجال إلى تقديم الحلول مباشرة عند مواجهة مشكلة، أمّا النساء فإنّهنّ يرغبن غالباً في التعبير عن مشاعرهن والحصول على الإصغاء والدعم العاطفي بدلًا من الحلول الفورية.
حتى الاختلاف الذي يتحدّث عنه الكاتب جون غراي، فهو يهدف إلى تعزيز الانسجام وتقبّل الاختلاف.
هناك قصة قرأتها عن الإيثار، لفتاة ذهبت لإحضار دواء لأخيها، ولكنها تعرّضت للسعات أدّت إلى انهيارها لحظة وصولها وقالت لهم "هذا ليوسف". رسخت هذه القصة في ذاكرتي، سؤالي هو: " هل لزاماً على المرأة أن تضحي وتفني نفسها من أجل عائلتها ومن أجل الآخرين؟ هل صورتها ينبغي أن تنطبع في ذاكرتنا بأنّها هي التي تحمل الهموم، أو أن لا تتزوج وفاءً لذكرى زوجها؟ هل لزاماً عليها أن تبقى صورتها الحنونة الوفيّة؟!
أليست المرأة ذكية! فالصورة التي ينبغي أن ننقلها للفتيات بأنّ بإمكانكن أن يكُنّ ك"زهى حديد" المهندسة المعمارية العراقية الأصل التي هندست مبانٍ هندسية معقدة يشهد العالم أجمع بإبداعها الهندسي.
أن تكُنّ رائدات مبدعات في مجال عملهن، في الطب، الهندسة، الأبحاث، التكنولوجيا،الأدب، القانون وحقوق الإنسان.
أن يتسمنًَ بالذكاء، ويُظهرنه بكلّ فخر، فمن المُبدعات في مجال الطب عربياً الدكتورة سنية حبوب، أول طبيبة لبنانية تتخرج من كلية طب النساء في بنسلفانيا، وساهمت في تأسيس جمعية الهلال الأحمر اللبناني.
أن يكُنّ مثل الأستاذة جمانة مرعي نصّار والأستاذة منار زعيتر من التجمّع النسائي الديمقراطي الذي يسعى إلى رفع مستوى وعي المجتمع وتعديل القوانين لضمان المساواة الكاملة للمرأة في مختلف مجالات الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
أن يكُنّ مثل الأستاذة ليلى العلي من جمعية النجدة الاجتماعية التي تعمل من أجل تمكين النساء والفتيات اقتصادياً، إجتماعياً وسياسياً في المخيمات الفلسطينية في لبنان.
أن يكُنّ مثل آني كنفاني الفلسطينية الهوى، دانمركية الأصل، التي تعمل لتمكين ذوي الإعاقة في المخيمات الفلسطينية في لبنان، والتي أفنت حياتها في العمل من أجل اللاجئين واللاجئات بكلّ حبّ وتفانٍ.
أن يكُنّ قاضيات حيث يوجد في لبنان قاضيات ضمن الجهاز القضائي، وقد وصل عددهن إلى نسبة 56% من القضاة في عام 2025، حيث بلغ عددهن 351 قاضية مقارنة بـ 277 قاضياً. وهذا مبعث فخر.
أن يكُنّ مثل الطبيبة إقبال الأسعد التي رغم ظروف البؤس والحرمان التي يعيشها اللاجئ الفلسطيني في لبنان دخلت موسوعة "غينيس" للأرقام القياسية مرتين: الأولى بتسجيلها كأصغر طالبة جامعية، والثانية بتخرجها من كلية الطب كأصغر طبيبة في العالم.
الحُبّ الذي أعطينه هؤلاء النساء لأنفسهن قبل مجتمعهن هو أسمى آيات الحبّ. حبّ لخدمة الإنسان خدمة لمجتمع تكون فيه الفتيات ذوات وعي، متعلّمات، قادرات على تحقيق أحلامهن، تعشنَ طفولتهن التي ينبغي أن يعشنها كما يجب.
disqus comments here