الغباء الحليف للمقتلة في غزة ...

فيما تتواصل المقتلة المفتوحة على مدار الساعة في قطاع غزة، ويُباد الإنسان حجراً وبشراً، يخرج علينا بعض المتواطئين ممن يرفعون شعار "المقاومة" من وراء البحار والعواصم البعيدة، متحصنين بأمانهم ورفاهيتهم، ليقدّموا خطابات مزيّفة لا ترى سوى ما يخدم روايتهم.
يتغنّون بصور "الصمود" ويشيحون بوجوههم عن الدم النازف، لا يرون الركام ولا الجثث ولا التهجير القسري ولا التطهير العرقي، بل يصرّون على إنكار الكارثة الإنسانية التي تحلّ بأهل غزة، ويغطّونها بأوهام وأساطير يسقطونها على الواقع كي يظلّوا في منطقة الراحة الذهنية التي تحمي خطابهم الفارغ.
هذا الغباء ليس بريئًا، بل هو حليف للمقتلة ذاتها. فالمحتل ينفذ الجريمة بآلة حربه، وهؤلاء يبررونها بخطابهم، فيحوّلون الضحية إلى مادة بروباغندا ويحوّلون المقاومة إلى شعار أجوف، بينما يضيع جوهرها الإنساني والوطني.
الأول يضغط على الزناد، أما هم فيغلقون القلوب والعقول، فيمارسون تواطؤًا لا يقل قبحًا عن الفعل نفسه.
إن أخطر ما في هذا الخطاب أنه يسلب الضحايا حقهم في الحياة والنجاة والعدالة، ويعيد إنتاج الجريمة بغطاء أخلاقي زائف.
فهو خطاب يقتل مرتين: مرة حين ينكر الألم، ومرة حين يحوّله إلى وسيلة لتلميع الذات أو خدمة الأجندات.
أن هذا التواطؤ أخطر من الرصاص ذاته؛ لأنه يغسل الدم عن أيدي القاتل، ويزرع الوهم بدل الحقيقة، ويترك غزة وحيدة في مواجهة آلة الإبادة.
هؤلاء ليسوا شهود زور فحسب، بل شركاء في الجريمة، يكتبون أسماءهم في سجل الخيانة بمدادٍ من العار.
فليتذكّروا أن التاريخ لا يرحم، وأن دماء غزة ستبقى تُعرّيهم، وتفضح زيف شعاراتهم، وتدينهم إلى الأبد.
د. عبد الرحيم جاموس
الرياض /الخميس
25/9/2025 م
ا. د. عادل جوده طابت اوقاتكم
ردٌّ على مقال "الغباء الحليف للمقتلة في غزة"
أيتها الكلمات المُحمَّلةُ بريح الرماد والموثَّقةُ بدموع الملائكة والمسنونةٌ بحدِّ الصراخ...
قرأتُكم فاهتزَّتْ أركانُ الضمير في أعماقي وتفجَّرَ ينبوعُ الحزنِ الصامت في صدرِي.
نعم.. أيها القلمُ الشجيّ ..
لقد أصبتَ كبدَ الحقيقة حين وصفتَ هذا "الغباء" بأنه ليس ساذجاً بل هو "حليفٌ للمقتلة".
إنه الغباءُ المتأنقُ بثيابِ الأيديولوجيا المتخفّي وراءَ شعاراتٍ كالتماثيلِ الجوفاء يرفعُ رايةَ المقاومةِ وهو جالسٌ في بروجِه المحصَّنة يتفادى نظرَته مرآةُ الضميرِ كي لا يرى انعكاسَ جبنِه عليها.
إنهم يرونَ دماءَ الأطفالِ على أنَّها حبرٌ لخطاباتِهم ويتلذذون بآهاتِ الأراملِ وكأنَّها موسيقى تتصاعدُ لتمجيدَ "صمودٍ" هم أبعدُ النَّاسِ عن ثمنِه.
يختزلونَ المأساةَ الإنسانيةَ التي تذوبُ فيها الأجسادُ تحت الرُّكام إلى مجرَّد "رواية" ينافحون عنها .. وكأنَّ فلسطينَ مسرحيةٌ يكتبونَ مشاهدَها من وراءِ بحارٍ من الأمان.
أليستِ الخيانةُ كلُّ الخيانةِ أن تُغسَلَ جروحُ الوطنِ بكلامٍ معسولٍ بينما الأيدي لا تمسكُ سوى بأقلامِ التزويرِ والتضليل؟
أوليستِ الجريمةُ المزدوجةُ أن تُقتلَ الضحيةُ مرتين:
مرةً بقذيفةِ المحتلِّ الغاشم ومرةً بإنكارِ آلامها وتجييرِ أحزانها لمصلحةِ خطابٍ أجوف؟
إنّ التاريخَ.. كما تفضلت.
سيسجِّلُ هذه اللحظةَ بحروفٍ من نار. سيسجِّلُ أنَّ هناك مَنْ كان يموتُ في غزةَ جوعاً وعطشاً وخوفاً بينما كان غيرُهم يتسابقون على "أفضلية" تمثيلِ القضيةِ على منصاتِ التواصلِ يتبارون في نقاشاتٍ عقيمةٍ وكأنَّ الحياةَ والموتَ مجرَّدُ رأيٍ يمكنُ تفنيدُه.
ستسقطُ أقنعتُهم ويبقى دمُ الشهداءِ شاهداً أبديّاً على حقيقةِ كلِّ قلبٍ:
مَنْ وقفَ مع الحياةِ، ومَنْ وقفَ مع الوهم.
مَنْ نطقَ باسمِ الإنسانِ قبلَ أيِّ شعار ومَنْ جعلَ من جثةِ الطفلِ وسيلةً لترقيةِ حسابِه الوهميّ.
كلُّ التحيةِ لكَ أيها الكاتبُ الصادقُ الذي رفضَ أن يكونَ صوتُه صدى للرياء.
ففي زمنِ الضجيجِ تكونُ الكلمةُ الحقُّ هي الباقية.