الأونروا بين مسؤوليات المرحلة وواقع المخيمات

طريق العودة
3ديسمبر/2025
في السابع والعشرين من تشرين الثاني، نفّذ السيد أمانيا مايكل، المدير العام لوكالة الأونروا في سورية، جولة ميدانية إلى منطقة خان دنون برفقة رؤساء أقسام الصحة والتعليم والخدمات، في زيارة أظهرت نفسها تفقدية في الشكل، لكنها حملت في مضمونها رسائل سياسية واجتماعية تتجاوز حدود المتابعة الروتينية. فقد شملت الزيارة عدداً من المرافق الحيوية، من المدارس والمراكز الصحية إلى المراكز المجتمعية، وصولاً إلى جمعية تاج للإصلاح، حيث استمع المدير العام إلى العاملين هناك وهم يعرضون ما يواجهونه يومياً من نقص في الإمكانات وضغط في الاحتياجات وتراجع في البنية التحتية، بما يعكس حجم الأزمات المتراكمة في المخيم.
وفي مدرسة الخالصة، عقد اجتماع موسّع مع لجنة التنمية واللجنة المحلية، قُدمت خلاله مذكرة رسمية باللغتين العربية والإنجليزية تضمنت عرضاً دقيقاً للواقع الصحي والخدمي والاجتماعي، إضافة إلى خارطة تفصيلية بالاحتياجات المتزايدة التي يواجهها أهالي خان دنون.
هذا اللقاء كشف عمق الهوّة بين حجم المتطلبات اليومية ومعاناة السكان من جهة، وبين قدرة الخدمات القائمة على تلبية هذه الاحتياجات في ظل الظروف الاقتصادية والاجتماعية القاسية التي تعصف بسورية والمخيمات الفلسطينية على حد سواء. ولم تقتصر الزيارة على الاستماع لشكاوى العاملين حول نقص التجهيزات والكوادر والموارد، بل أظهرت بوضوح أن ما يعيشه المخيم يتجاوز «أزمة خدمات».
فالعجز ليس فنياً أو إدارياً فقط، بل يرتبط أيضاً بالسياق السياسي الدولي الذي تتعرض فيه الأونروا لضغوط متزايدة تهدف إلى تقليص دورها وتفويضها، عبر محاولات تجفيف التمويل أو ربطه بشروط سياسية، في مسعى واضح لتفريغ قضية اللاجئين من مضمونها وحقهم في العودة.
وفي خضم هذا السياق، جاءت زيارة خان دنون لتسلّط الضوء على ضرورة انتقال الوكالة من مرحلة تشخيص الواقع إلى مرحلة اتخاذ خطوات عملية جادة تعيد إليها دورها الحيوي.
فالمطلوب ليس توصيف المشكلات من جديد، بل وضع خطط فعلية لتعزيز برامج الطوارئ، رفع مستوى الخدمات التعليمية والصحية، توسيع وجود الأونروا في الميدان، وضمان تقديم الخدمات بلا تراجع أو تقليص أو دمج، بما يحفظ كرامة اللاجئ وحقوقه الاجتماعية والسياسية.
وبعد أيام قليلة، انعقد في 30 تشرين الثاني اجتماع في مخيم درعا – مدرسة عين الزيتون بمنطقة المزيريب – جمع لجنة التنمية مع مدير شؤون الأونروا في سورية، في إطار متابعة متطلبات اللاجئين في جنوب البلاد. وشهد اللقاء تكريم عدد من الطلاب المتفوقين في شهادة التعليم الأساسي.
وخلال الاجتماع، شددت لجنة التنمية على ردم الفجوة القائمة بين اللاجئ وإدارة الوكالة عبر تحسين قنوات التواصل، وضمان التعامل الإنساني في تقديم الخدمات. كما قدمت اللجنة مجموعة من المقترحات العملية، مطالبة بتحديد جدول زمني واضح لتنفيذ المطالب الملحّة، وتمكينها من متابعة الاستجابة والأنشطة التربوية.
كما سلّمت اللجنة للمدير العام مجموعة ملاحظات وطلبات خدمية وصحية وتعليمية وإغاثية موثقة في كتب رسمية، وشددت على حقها في تنفيذ زيارات دورية للمدارس ضمن الأنظمة المعمول بها في الوكالة. من جانبه، أكد المدير العام أن جزءاً من التحديات التي واجهت الأونروا في سورية خلال السنوات الماضية يعود إلى الظروف الأمنية، مشيراً إلى العمل المستمر لتحسين الخدمات، بما في ذلك الترميم الجزئي للمنشآت والتعاقد مع مشافٍ تخصصية، مع الإقرار بأن مستوى التطوير يظل مرتبطاً بقدرة الوكالة على تأمين التمويل.
وفي نهاية الاجتماع، تكرّر التأكيد على ضرورة متابعة المطالب المطروحة، وتعزيز وصول اللاجئين إلى الخدمات الأساسية وفق المعايير الإنسانية الدولية. كما أُعلن عن نية زيارة تجمع تل الشهاب لإجراء دراسة استقصائية شاملة بهدف اعتماده تجمعاً نظامياً ضمن خطط الوكالة.
إن الزيارتين – إلى خان دنون ودرعا – تقدمان صورة واضحة عمّا ينتظره اللاجئون الفلسطينيون اليوم: ليس المزيد من الجولات البروتوكولية ولا البيانات الهادئة، بل خطط عمل جريئة تستجيب لحجم التحديات المتراكمة. فالأونروا، بما تمتلكه من ثقل سياسي وحقوقي، مطالبة بأن ترتقي إلى مستوى المرحلة، وأن تدرك أن أي تراجع في دورها يفتح الباب أمام مشاريع تصفوية تستهدف حق العودة وتمسّ جوهر الرواية الوطنية الفلسطينية.
فاللاجئون في سورية، الذين صمدوا في وجه الحرب والضائقات الاقتصادية، يستحقون خدمات تليق بكرامتهم الإنسانية، ونظام متابعة فعّال، وإدارة شفافة تتعامل معهم كشركاء لا كمتلقّي خدمات.
وما بين الواقع المثقل بالأزمات والتوقعات المتزايدة، يبقى على الأونروا أن تحوّل هذه الزيارات إلى نقطة انطلاق لعمل حقيقي، يضع احتياجات اللاجئين في مقدمة الأولويات، ويعيد للوكالة دورها التاريخي كحامٍ سياسي وإنساني لقضيتهم وحقوقهم غير القابلة للمساومة.





disqus comments here