مواهب الأطفال في مخيمات اللجوء في لبنان
Sat 28 June 2025

تستوقفني دائماً مواهب الأطفال، وخاصة في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، رغم العيش الصعب والظروف الاقتصادية والاجتماعية القاهرة، أؤمن بشدة بأن الشّدة تُبرز أفضل ما عندهم، وبأن الضوء سيشعّ بعد الظلام.
لذا ارتأيت تسليط الضوء على هذه المواهب وتنميتها وتشجيعها، فهي تُبصر النّور من الشقاء والظلم والحرمان.
مؤسسات المجتمع المدني تقوم بعمل ضخم وجبّار مع الأطفال في المخيمات. من تدريب موسيقي، فلكلور، وفنون ودعم نفس-اجتماعي.
مواهب مختلفة تتميز بعفوية وإصرار على إثبات انتمائهم رغم الظروف الصعبة التي يعيشونها.
تأتي في مقدمة المؤسسات العاملة في المخيمات، مؤسسة بيت أطفال الصمود، عبر برامجها المختلفة منذ الثمانينات تقوم بتعزيز مواهب الأطفال الموسيقية عبر برنامج الأنشطة الثقافية والتعليمية الذي يستضيف مدربين من النرويج، ومدربين من المجتمع المحلي، كانوا أطفالاً وصاروا مدربين، بدءاً بفرق موسيقية للأطفال، كما فرق فلكلور تراثي فلسطيني، وهذا من شأنه تعزيز هذه المواهب الرائعة.
في حوار مع هند مرَقة مسؤولة الأنشطة الثقافية التراثية والدعم الدراسي، تحدّثت عن ثلاثة مشاريع كبرى في الموسيقى في مؤسسة بيت أطفال الصمود في مخيم الرشيدية، برج الشمالي، ومشروع مشترك ذو أهمية كبرى في خمس مخيمات (عين الحلوة، البداوي، البارد، برج البراجنة وشاتيلا) ويضم فرقة أوركسترا من المخيمات المذكورة.
ذكرت مرقة بشغف كيف انتقل تدريب الدبكة في مخيم شاتيلا من الأب لإبنه، وهذا من شأنه تعزيز الهوية الفلسطينية عبر الأجيال.
كذلك ذكرت المدرب الموسيقي النرويجي فيغار ستورسف، أستاذ الموسيقى في الأكاديمية النرويجية للموسيقى، الذي كرّمته بيت أطفال الصمود تقديراً لمجهوده مع اللاجئين لسنوات عديدة وعلى يديه تدرّب مئات الأطفال.
جمعية النجدة الاجتماعية، في مراكزها التي تفوق الأربعين مركزاً في كل المخيمات، تعزز الفنون والنشاطات اللامنهجية عند الأطفال والناشئة. وهي جمعية ينضوي تحت برامجها، برنامج الدعم النفس- اجتماعي الذي يعمل على صقل مهارات الأطفال ومواهبهم.
تُعتبر مراكز الجمعية الموزعة على كافة المخيمات والتجمّعات الفلسطينية في لبنان مراكز آمنة للأطفال، ومساحات نوعيّة للأنشطة التربوية والترفيهية، كما تُعتبر عنواناً للدعم المدرسي والفنون.
مؤسسة غسان كنفاني، التي تعمل على تعزيز المواهب عند الأطفال ذوي الإعاقة، تقوم سنوياً بعرض اللوحات والأعمال الحرفية في معرض جميل مليء بالحياة والألوان. وقد عملت آني كنفاني على تكريس اسم غسان كنفاني كشخصيّة فلسطينية ثقافية في المجتمع الفلسطيني ورمز من الرموز الخالدة. آني كنفاني التي أكنّ لها كل التقدير والتي تعمل بإخلاص كفلسطينية الهوى والهوية، هي إنسانة متفانية من أجل القضية الفلسطينية.
جمعية ناشط الثقافية التي تقوم بتدريب الاطفال والناشئة على الدبكة الفلسطينية التراثية بشكل أكثر من رائع. كما تقوم بنشاطات ثقافية وزراعية تهدف لتعزيز مفهوم الارتباط بالأرض.
وفي حديث مع الدكتور ظافر الخطيب رئيس الهيئة الإدارية لجمعية ناشط الثقافية أقتبس"يعتبر العمل مع الأطفال واحد من اهم اتجاهات العمل في جمعية ناشط، وقد لعب هذا الامر دوراً تأسيسيا في نقل الجمعية من الحيز النظري و الحقوقي الى الحيز العملي، و ذلك من خلال نادي بنات فلسطين الذي تطور لاحقاً ليشمل الاناث والذكور ، و يقوم برنامج عمل النادي على أساس الاهتمام والرعاية المستدامة بالأطفال دون ال 18 سنة، من خلال :
1. التدعيم التربوي
2. الدعم النفسي والاجتماعي
3. بناء مهارات متنوعة
4. تأطير العلاقة مع العائلات لا سيما الأمهات من خلال القطاع النسائي
كل واحدة من هذذه الاتجاهات تمثل خطاً من الأنشطة من ذلك:
الجانب التربوي، يقوم برنامج العمل التربوي على أساس عملية منهجية دائمة وبأشراف فريق من الموظفين و الأساتذة على التالي :
1. التعرف على نقاط الضعف في المواد التعليمية
2. توجيه من إدارات المدارس للحالات الأكثر ضعفا الى النادي
3. برنامج تعليمي رديف للبرنامج المعتمد في مدارس الانروا وبالتنسيق معها
4. متابعة المستوى ودرجة التطور مع مدارس الانروا والعائلات
اما على مستوى الدعم النفسي والاجتماعي فانه يشمل الكثير من الأنشطة ويتضمن ذلك أنشطة ترفيهية تشمل إقامة رحلات ومخيمات صيفية يطبقها الكشافة بشكل سنوي
وفيما يتعلق ببناء المهارات فانه يقوم على أساس التقاط الهوايات والمواهب او تحفيز الطفل على التعرف على مهاراته و من ثم الانضواء في الأندية التالية:
1. نادي الموسيقى
2. نادي البانوراما الشعري
3. نادي الكارتييه
4. نادي الرياضة
5. فرقة الدبكة
6. نادي الرسم
لقد مثل نادي البنات والبنين عالماً قائماً بحد ذاته، ويبلغ عدد المنتسبين له 150، و يقوم بمتابعة البرنامج أربعة موظفين، عشرة متطوعين، ستة مدربين، بالإضافة الى الهيئة النسائية
و ينفذ نادي البنين و البنات عدد كبير من الأنشطة الداخلية و يشارك في الكثير من الأنشطة التربوية و الاجتماعية والثقافية و الرياضة .
وانطلاقا من ان عملية التنشئة الاجتماعية والوطنية و المهنية تتخذ مسارها على مدار سنوات من العمل فإن منهجية العمل و المتابعة تقوم على تربية المنتسبين على العمل و الإنتاج ، لهذا فإن التعامل مع الطفل يختلف باختلاف الفئة العمرية ، ففي مرحلة المراهقة المبكرة تبدأ إدارة نادي البنين والبنات بتشجيع الطفل على العمل التطوعي وفقا لخطة النادي وهذا يسمح بالتقاط حالات واعدة تنخرط بالعمل بعد التخرج من الجامعة و تصبح جزءًا من فريق العمل الموظف في الجمعية، وهي تعتبر من قصص النجاح التي يسجلها النادي."
بالإضافة إلى المخيمات، هناك جمعيات ومؤسسات تعمل في التجمعات الفلسطينية خارج المخيمات وفي المدن اللبنانية وتستهدف اللاجئين كمؤسسة معروف سعد الثقافية الاجتماعية الخيرية، التي تتمركز في مدينة صيدا، وتعمل على تمكين الأطفال والناشئة مهارات فنية عبر الرسم والفنون، عبر الموسيقى، وقد نجحت في خلق مساحة للمواهب عبر تشكيل أول فرقة موسيقية مبتدئة للأطفال في صيدا القديمة عبر برنامج الصحة النفسية الذي تديره منذ العام ١٩٩٩ حتى اليوم. هذا إلى جانب تعزيز مهارات الرسم عند الأطفال والناشئة عبر برنامج الفنون، حيث يتمّ إقامة معرض سنوياً لعرض أعمال الأطفال بحضور أهاليهم، للتعرّف على مواهبهم ومهاراتهم في الرسم.
وقد تحدّثت السيدة فاتن الرواس، مسؤولة مركز مدى المجتمعي، التابع لمؤسسة معروف سعد، عن استقبال ما يزيد عن ١٠٠٠ طفل سنوياً في مركز مدى المجتمعي.
وتقوم مع فريق عمل من العاملات الاجتماعيات، المتطوعين والمتطوعات بالعمل مع الأطفال في أنشطة لا منهجية مختلفة تركّز فيها على تحسين الوضع النفس-اجتماعي للأطفال والناشئة. وتذكر الأستاذ ناصر الأسير أستاذ ومدرب الموسيقى في المركز، والأستاذ محمود حمدان مدرب الرسم والفنون، اللذان يعود لهما الفضل في تعزيز مهارات ومواهب الأطفال عبر الرسم والموسيقى.
هذا ولا ننسى المواهب الفلسطينية المتعددة، مثلاً الطفلة الفلسطينية رهف مصطفى من مخيم الجليل في البقاع، وهي ترتاد مركز "حلوة يا بلدي"، وقد حصلت على لقب بطولة العرب في الحساب الذهني.
ومركز حلوة يا بلدي من المراكز التي تعمل على صقل المهارات الحياتية والرقمية والرياضية ونشر الوعي لدعم ذوي الاحتياجات الخاصة.
وبجولة على المدارس التابعة لوكالة الغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في لبنان (الأنروا)، نفتخر بالإنجازات الأكاديمية للمتفوقين في الصفوف المتوسطة والثانوية، وعلاماتهم المسجلة المميزة.
ففي العام الدراسي ٢٠٢٣-٢٠٢٤ حقق الطلاب والطالبات في فرع علوم الحياة نسبة نجاح عالية بلغت ٩٧،٥٪ وحصل ٧٩،٥٪ منهم على تقدير جيد وجيد جداً، ونجح ٧١،٨٪ من طلاب فرع الاقتصاد، بما فيهم طالبان كفيفان.
من الصعوبة حصر كلّ مَن يعمل من أجل الأطفال، ولكن تحية لكلّ جُهدٍ مبذول، ولكلّ مَن يعمل بصمت،
ختاماً هناك مقولة “في كل طفل لاجئ، شاعر صامت، وفنان مكبوت، وبطل ينتظر منصة".






