جيش الاحتلال يكشف ما يدّعي إنها اعترافات قبطان لبناني عن مشروع بحري سري لحزب الله

زعم جيش الاحتلال الإسرائيلي، اليوم الجمعة، أن التحقيقات مع القبطان اللبناني عماد أمهز، الذي اختُطف من قبل عناصر في وحدة الكوماندوز “شاييطت 13″، قبل نحو عام، كشفت عن مشروع بحري سري للحزب. ونشر الجيش مقطع فيديو مجتزأ، قال إنه من أحد التحقيقات، وزعم أن أمهز اعترف فيه بعلاقته مع حزب الله، وأدلى بتفاصيل مهمة حول المشروع.
ويسعى جيش الاحتلال من خلال ذلك، لخدمة سرديته تبريراً للقبض على أمهز، وتفنيد أنه مدني لبناني مثلما أكدت السلطات اللبنانية، وكذلك الترويج لادعاءات أن حزب الله يخطط لأعمال ضد جهات أجنبية، وعلى رأسها الولايات المتحدة، وذلك في توقيت يقترب من نهاية المهلة التي حددتها واشنطن للجيش اللبناني لنزع سلاح حزب الله، نهاية الشهر الجاري، وعشية اللقاء المرتقب بين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو والرئيس الأميركي دونالد ترامب، مع مواصلة إسرائيل التلويح بأن التصعيد في لبنان أمر حتمي.
كما أن الربط بين ما نشرته صحيفة يسرائيل هيوم العبرية، أمس الخميس، حول الموضوع، وبيان الجيش الإسرائيلي اليوم، بعد عام أخفت فيه إسرائيل الرجل، يمنح مساحة للشك بأن الأقوال التي جاءت على لسان أمهز ربما انتُزعت تحت الضغط. وفي بيانه، كتب الجيش الإسرائيلي أنه كشف عما سمّاه “الملف البحري السري لحزب الله”، واصفاً إياه بأنه “بنية تحتية إرهابية بستار مدني”، عمل بتوجيه مباشر من الأمين العام الراحل للحزب حسن نصرالله، وفؤاد شكر، “القائد العسكري الأبرز في حزب الله، واللذين تم اغتيالهما خلال الحرب، بالإضافة إلى علي عبد الحسن نور الدين، مسؤول الملف البحري السري”.
وكشف الجيش النقاب عن أنه قبل نحو عام انطلق مقاتلو الوحدة 13 في الكوماندوز البحري لتنفيذ عملية تحت اسم “وراء الظهر”، في بلدة البترون، شمال لبنان، على بعد حوالي 140 كم عن الحدود الشمالية، وذلك بتوجيه من شعبة الاستخبارات البحرية، مضيفاً أنه “في إطار العملية قبضت القوات على عماد أمهز، وهو من أهم عناصر الملف البحري السري لحزب الله وأحد عناصر وحدة الصواريخ الساحلية (7900)، ونقلته للتحقيق في إسرائيل”.
وادّعى الجيش الإسرائيلي أنه “في إطار وظيفته في وحدة الصواريخ الساحلية تلقى أمهز تدريبات عسكرية في إيران ولبنان واكتسب خبرات وتجربة بحرية واسعة بهدف تنفيذ عمليات إرهابية بحرية. هذا، وتم تدريبه أيضاً في المعهد البحري المدني اللبناني مارستي، ما يعتبر مثالاً آخر على استغلال حزب الله للمؤسسات المدنية اللبنانية في سبيل تطوير نشاطاته”. وزعم الجيش أيضاً أن “أمهز كشف أثناء التحقيق معه أنه كان يشغل منصباً مركزياً في الملف البحري السري”، وأدلى بمعلومات استخبارية حساسة عن الملف، الذي وُصف بأنه يعد من أكثر المشاريع حساسية وسرية في حزب الله، ويتمحور حول تشكيل بنية تحتية منظمة للأنشطة العسكرية البحرية بستار مدني لغرض ضرب أهداف إسرائيلية ودولية.
وبحسب الجيش الإسرائيلي، فإنه “بإحباط المستوى القيادي الذي أشرف على الملف البحري السري بالإضافة إلى المعلومات التي أدلى بها أمهز في التحقيق معه، تمكن الجيش من عرقلة تقدّم الملف البحري السري في نقطة زمنية حرجة، منعاً لترسيخه ونضوجه داخل الحزب”.  وتابع أن “حزب الله يعمل على تطوير الملف البحري السري وعلى باقي الوحدات البحرية بفضل الدعم الفكري والمادي الإيراني حيث وبدلاً من استثمار تلك الكمية الهائلة من الأموال في بناء لبنان ومؤسساته، يتم تخصيص هذه الأموال في نشاطات حزب الله”.

“انهيار السد”

وعادت قضية أمهز إلى الواجهة بعد تقرير في موقع هيوم التابع لصحيفة يسرائيل هيوم العبرية، أمس الخميس، تحت عنوان “مراقبة، مداهمة، خطف: هكذا أُحبط 11 سبتمبر الخاص بحزب الله”. وتناول التقرير تفاصيل حول عملية اختطاف أمهز، ومن وقف وراءها، ومقطع فيديو يتحدث فيه عن علاقة نصر الله وشكر وشخصيات أخرى في حزب الله بالمشروع، وهو ذاته المقطع الذي عممه الجيش، ويشبه مقاطع الفيديو التي روّجها الجيش الإسرائيلي في ذروة الحرب على غزة، لمعتقلين وأسرى فلسطينيين، زعم أن فيها اعترافات. ومما قد يكون مؤشراً إلى ممارسة ضغط كبير على أمهز، أشارت الصحيفة إلى أن أقواله تأتي بعد انهياره: “استيقظ الرجل في كوخ العطلة ليجد مقاتلي وحدة الكوماندوز البحري شاييطت 13 يحيطون به. ثلاث سنوات من المراقبة التي نفذّها قسم الاستخبارات في سلاح البحرية انتهت خلال أربع دقائق، وتم اقتياده (أي أمهز) إلى المجهول، على بُعد مئات الكيلومترات، للتحقيق. أنكر كل شيء، إلى أن انهار وكشف مخطط نصر الله وفؤاد شكر الكبير”.
وفي رده على سؤال عما إذا كان قد التقى بالمسؤولين الكبار في حزب الله مثل فؤاد شكر، أجاب أمهز “في المرة الأولى التي عدنا فيها من المهمة، طلب أن يلتقي بنا… هذا الملف مرتبط بالمجال البحري … يمكن أن تكون هذه عمليات دفاعية أو هجومية… طالما لديك سفينة ومال وأشخاص، يمكنك العمل ضد أي هدف. إسرائيل هي الهدف الرئيسي”. وفي رده على سؤال حول ما إذا كان حزب الله يعمل أيضاً ضد أهداف أخرى؟ رد بأن التنظيم يعتبر الولايات المتحدة عدواً، على سبيل المثال.
وبحسب الموقع العبري ذاته، فإن الرجل الملتحي الذي جلس أمام محقق وحدة 504 التابعة لشعبة الاستخبارات العسكرية (أمان) أجاب عن الأسئلة بصبر وبالتفصيل، بعدما مرّت عدة أيام من التحقيقات حاول خلالها كسب الوقت، والمراوغة، والإخفاء، لكن منذ اللحظة التي “انهار فيها السد”، كشف كل شيء. وأضافت أنه على خلفية علم إسرائيل على الحائط خلفه، روى عن رحلاته إلى إيران، وعن الإبحار في أفريقيا، وعن اللقاءات السرية مع فؤاد شكر، وعن التعليمات التي كانت تتدفق مباشرة من حسن نصر الله.
وزعم الموقع العبري أنه طوال عام منذ أسره في الثاني من نوفمبر/ تشرين الثاني، عرض عماد أمهز، الملقّب بـ”الكابتن”، الصورة الكاملة بدقة حول أحد أكثر التحركات سرية وتكتّماً داخل حزب الله: “مشروع استراتيجي، مبتكر وطموح، حمل اسم الملف البحري السري”.
ووقعت مسؤولية مراقبة أمهز، وفق التقرير العبري، على “شابة” نحيلة وهادئة في الثالثة والعشرين من عمرها، رمز إليها بالحرف (ع)، بدأت مسيرتها في الوحدة 8200، ولاحقاً انتقلت للخدمة بصفة محللة في استخبارات سلاح البحرية. واليوم هي مجندة، مهمتها تعقّب كل من قد يشكل تهديداً للسفن التابعة لسلاح البحرية الإسرائيلي. وتقول: “لدينا، في استخبارات سلاح البحرية، أساليب عمل وقدرات تتيح لنا التفتيش في أدق التفاصيل لدى أي شخص تقريباً”. في نهاية عام 2021، بدأت بتعقّب عماد أمهز، الذي وصفته بأنه كان في حينه، ناشطاً من المستوى المتوسط في حزب الله وكان لقبه داخل التنظيم “جارح”.
ومنذ اللحظة التي بدأت فيها (ع) تهتم بأمهز وتُركّز عليه المزيد من موارد الاستخبارات، اكتشفت، وفق مزاعمها، أنه يعقد لقاءات سرية مع مسؤولين كبار في حزب الله، وصولاً إلى تعيينه “كابتن” الملف البحري السري.

تشغيل سفينة شحن مدنية كبيرة”

ونقل الموقع عن مسؤول في الاستخبارات البحرية أن مشروع “الملف البحري السري” بدأ ينمو في وقت ما عام 2016. ومن بعض المعلومات التي وصلت على مدى السنوات إلى الاستخبارات الإسرائيلية، تبيّن أن الهدف العام كان إنشاء سفينة خاصة بحزب الله، تُمكّن التنظيم من تشغيل سفينة شحن مدنية كبيرة بشكل مستقل، بحيث تستطيع الإبحار في البحار دون إثارة الشبهات، والدخول إلى موانئ مدنية، وتنفيذ عمليات قد تغيّر ميزان الردع مع إسرائيل وحلفائها. وبحسب المسؤول، فإن “الفكرة هي أخذ وسيلة بحرية مدنية بغطاء مدني، ووضع قدرات هجومية عليها بقدر ما يسمح الخيال. فكّر في 11 سبتمبر: أنت تأخذ منصة مدنية وتستخدمها لتنفيذ عملية إرهابية استراتيجية. هذا كان الهدف”.
كما تزعم إسرائيل أنه بعد عدة سنوات تعثّر فيها المشروع بسبب صعوبات مالية ومشكلات تنظيمية داخلية، اكتسب في عام 2021، وبأمر من نصر الله، زخماً جديداً. وكانت إحدى الخطوات الأولى اختيار ربّان السفينة المستقبلية، شخص يمكنه إدارة المشروع من جانبه البحري، وكان اختيار أمهز.
وتابع التقرير أنه “في إطار تدريبه ليصبح قبطاناً مدنياً، غاب أمهز لأشهر طويلة عن منزله. وفي عام 2024 عاد إلى لبنان، وفي شهر سبتمبر/ أيلول، بدأ دراسة شهادة القبطان في المعهد البحري للعلوم والتكنولوجيا، وهو مؤسسة مدنية تقع شمال بيروت في بلدة البترون… كما استأجر أمهز كوخاً سياحياً في البترون، رغم أن منزله يبعد نحو ساعة بالسيارة من هناك. وفي ديسمبر/كانون الأول 2024، وبعد ثلاث سنوات من التحضيرات وعدة أسابيع من الدراسة في البترون، كان من المفترض أن يحصل أمهز على دبلوم القبطان الذي لطالما انتظره، لكنه لم يحصل عليه قط”. وتقول (ع): “بمجرد أن انتقل أمهز للعيش في بلدة البترون الساحلية، فهمت أن هناك فرصة. أدركت أنه يمكننا اصطياده”.
من جانبها، أوضحت رئيستها، والتي رمز إليها التقرير بالحرف (د)، أن “الفكرة التي طرحتها (ع) لأول مرة خلال سبتمبر 2024 تقدّمت في سلّم الموافقات بسرعة مذهلة”. وأضافت: “الجميع فهموا أن هناك شخصاً موجوداً في قلب السر، وأنه جزء من قدرة استراتيجية يبنيها حزب الله. إضافة إلى ذلك، كان التوقيت مناسباً. نحن بالفعل داخل عملية سهام الشمال (أي العدوان الإسرائيلي على لبنان)، وفي مرحلة تصعيد في المواجهة مع لبنان، ويمكننا أن نتجرأ أكثر، ونتحدى الحدود، وننفّذ عمليات من هذا النوع”.
disqus comments here