إسرائيل تابعت وراقبت كأس العرب بقطر و”التقارب الجماهيري العربي يقلقها”
تبدو إسرائيل، التي تابعت بطولة كأس العرب قطر 2025 عن كثب، قلقة من قوة الاتحاد العربي وقدرته على توحيد الفرق والدول المشاركة في حدث جمع الجماهير من كل أنحاء العالم العربي بعيدا عن الحكومات.
لا يقتصر هذا التوجس على تحركات الفرق داخل المستطيل الأخضر، بل امتد إلى ما وراء المنصات الاجتماعية والإعلامية، حيث تفاعلت الجماهير مع كل هدف وكل بطاقة صفراء بطريقة تعبّر عن هوية وطنية وجغرافية متشابكة، جعلت من الملاعب منصة رمزية للتأثير السياسي.
التحليل السياسي وراء الملاعب
تحدثت مصادر دبلوماسية عن متابعة إسرائيلية دقيقة لكل تفاصيل البطولة، مع التركيز على الرسائل الرمزية التي حملتها انتصارات الفرق العربية خلال البطولة.
وكذلك تحدث خبراء ومتابعون للشأن الإسرائيلي حول هذه التحركات والغضب الاسرائيلي حيث قال الدكتور جورج فاضل حداد الكاتب السياسي: “الملاعب العربية لم تعد محصورة في الرياضة، بل أصبحت مسرحاً للتعبير عن الهوية الوطنية والإقليمية، وإسرائيل تدرك أن اتحاد العرب شكل رسالة قوية عن التضامن العربي، وتخشى من أن تُترجم الانتصارات الرياضية إلى قوة رمزية على المستوى السياسي”.
ويضيف حداد: “كل هدف تم تسجيله، وكل تأهل للمرحلة النهائية، كان حدثاً يمكن قراءته من زاوية سياسية، خاصة عندما قابله احتفاء جماهيري واسع في الشوارع العربية، وليس فقط في مدرجات الملاعب”.
في الوقت نفسه، يشير حداد إلى أن التوتر الإسرائيلي يعكس “فهمًا استراتيجياً للرياضة كأداة نفوذ ناعمة”، وأن متابعة البطولة عن كثب مثلت جزءاً من تقييم مستمر لمدى تأثير الوحدة العربية الرياضية على العلاقات الإقليمية والسياسات الداخلية لدول المنطقة.
القانون الدولي والحقوق الجماهيرية
من منظور القانون الدولي، تشدد الدكتورة تهاني دياب، أستاذة القانون والباحثة السياسية في جامعة مؤتة الأردنية، على أن أي تدخل خارجي في سير البطولة، بما في ذلك المراقبة السياسية أو الإعلامية، يثير تساؤلات فالـ “الرياضة هي مساحة عامة للتجمع، وحقوق الجماهير يجب أن تُحترم بالكامل. أي محاولات للتأثير الخارجي، سواء عبر الضغط أو المراقبة المباشرة، يمكن أن تتعارض مع المعايير الدولية التي تحكم الأحداث الرياضية”.
وتوضح دياب: “القدرة على تنظيم بطولة بهذا الحجم، مع الحفاظ على نزاهة المنافسة وحرية الجماهير في التعبير، تعكس التزام قطر بالقواعد الدولية، وتسلط الضوء على ضرورة الفصل بين الرياضة والسياسة، رغم أن بعض الأطراف الخارجية حاولت توظيف كل حدث لصالح رسائل سياسية خاصة بها”.
أصوات الجماهير بين الحماسة والتحفظ
لم تبخل الجماهير العربية بآرائها، والتي أفرزت أجواء متشابكة من الفخر والحذر.
في الأردن، يقول مأمون جرار، رئيس رابطة المشجعين: “تابعنا البطولة لدعم فرقنا، لكن ندرك أن انتصارات المنتخب العربي لم تكن مجرد أحداث رياضية، بل حملت دلالات سياسية واسعة، وكل فرحة كانت رسالة عن الوحدة العربية”.
وفي غزة، تحدث الناشط الاجتماعي محمود القيشاوي: “حتى ونحن نعيش تحت وطأة المأساة، تابعنا البطولة وندعم الفرق العربية، التي أصبحت رمزاً للوحدة والتضامن”.
أما في سوريا، يقول محمد فاعوري، من كبار المشجعين: “نجاحات الفرق العربية خلال البطولة عكست رغبة الشعوب في التعبير عن هويتها، والرياضة اليوم أداة سياسية غير مباشرة، احتفلنا بها رغم كل الظروف”.
وفي قطر، يوضح سيف المري، أحد الجماهير الحاضرة في استاد البيت: “الحضور الجماهيري من كل الدول العربية عكس حالة استثنائية من التواصل، والبطولة لم تكن مجرد مباريات، بل منصة رمزية للتعبير عن الهوية والانتماء”.
الرسائل الرمزية للملاعب
وفق الدكتور جورج حداد، أظهرت المباريات أن إسرائيل تعاملت البطولة وكأنها “ساحة رمزية للتأثير السياسي”، حيث أي نجاح عربي يُقرأ في سياق التحولات الإقليمية: “المتابعة الإسرائيلية لم تكن مجرد اهتمام رياضي، بل جزء من استراتيجيات تقييم مدى تأثير الوحدة العربية في المجال الرمزي والسياسي، خاصة عندما انعكست هذه الانتصارات على المزاج العام للجماهير والمنصات الإعلامية”.
وتضيف الدكتورة دياب: “من الناحية الحقوقية والسياسية، الرياضة لم تعد مجرد لعبة، بل أصبحت مؤشراً لتقييم الأداء المؤسسي والدبلوماسي، وكل احتفال جماهيري يعكس قوة رمزية لا يمكن تجاهلها”.
تظهر استطلاعات الرأي والمواقف الجماهيرية العربية مؤشرات مثيرة، ففي الأردن، يقول أحمد الطويل: “نجاح الفرق العربية أمام الفرق الأخرى قد يكون استفزازاً لبعض الأطراف، لكنه يعكس قوة التضامن العربي”، ويؤكد: “نشعر بالفخر والدعم للفرق العربية، وكأن كل هدف كان رسالة للهوية المشتركة، وتحولت مناطق المشجعين لساحة رمزية للتعبير عن وحدة الشعوب العربية”.
الرياضة كمنصة سياسية
توضح بطولة كأس العرب في قطر أن كرة القدم لم تعد مجرد منافسة رياضية، بل تحولت إلى منصة رمزية تعكس الهوية والتضامن العربي، وتطرح أسئلة سياسية وقانونية ودبلوماسية على أطراف متعددة، بما فيها إسرائيل التي تابعت كل خطوة عن كثب.
وفي ظل هذه الأجواء، تبقى الجماهير طرفاً فاعلاً، واللاعبون أداة رمزية لتجسيد القوة الناعمة للرياضة، فيما استمرت قطر في إدارة البطولة وفق المعايير الدولية، محافظًة على التوازن بين الرياضة والسياسة، ومقدّمة نموذجاً لما يمكن أن تكون عليه الفعاليات الرياضية الكبرى في الشرق الأوسط.