حين تضيق الحياة...تفتح الكلمة نافذة
Thu 11 September 2025

في المخيمات الفلسطينية، حيث البيوت متلاصقة كأنها لا تسمح للمسافة أن تتنفس، وحيث تعب اللجوء يثقل الأكتاف، تبقى الكلمة هي الرفيقة الأقرب للنساء.
كلمة صغيرة قد تشعل أملا، أو تخفف وجعا، أو تمنح قلبا منهكا قوة ليكمل.
الكلمة التي تعيد الحياة
تجلس أم حسن، أم لسبعة أبناء، أمام باب بيتها الضيق، تقول لي:
لما بيجيني خبر شهادة شاب من المخيم، أو لما بسمع إنو غزة عم تنقصف، ما بلاقي شي يواسيني غير كلمة وحدة من جارتنا: اصبري الصبر مفتاح الفرج بهالكلمة بوقف ع رجلي من جديد.
تضحك سعاد، وهي تحمل طفلتها، وتقول:
ابنتي ما بتنام إلا إذا غنيتلها. الكلمة اللي بقولها إلها قبل النوم، بتخليها تحس بالأمان… حتى لو الكهرباء مقطوعة والليل موحش.
الكلمة وقت الحرب… وجع ودواء
حين يشتد القصف في غزة، أو تصل أخبار الاعتقال من الضفة، أو يرحل شاب من المخيم برصاصة عابرة… ما الذي يبقى للنساء غير الكلمة؟
في ليالي الحرب الطويلة، تجتمع النساء في الأزقة الضيقة. واحدة تبكي، وأخرى تحاول تهدئة قلبها، لكن كلمة "رح نضل سوا" تشعل نار الصمود، وكلمة "ولادنا شهداء،" ترفع رأس أم مكسور وتحول دمعها لقوة.
في المخيم، لا دواء كاف، ولا كهرباء تضيء الليل، لكن هناك كلمة تقال، تواسي وتشد على الأيدي، وتترك أثرها أعمق من أي علاج.
فالنساء يعرفن أن الكلمة قد لا توقف الحرب، لكنها تمنح قلبا واحدا قوة ليكمل، ومن قلب لقلب تبنى سلسلة صمود كاملة.
الكلمة ذاكرة ووصية
تقول الحاجة أم نادر، وهي في السبعين:
كلمة جدي قبل ما نمشي من نزوح لنزوح بعدها بقلبي: لا تنسوا الأرض. يمكن راحت سنين طويلة، بس هالكلمة بعدها بتربي أولادنا وأحفادنا
هكذا، تتحول الكلمة من مجرد صوت، إلى وصية تحفظ هوية وتبني جيل.
الكلمة حضننا الأخير
الكلمة ليست مجرد حروف، بل هي حضن، ودواء، وذاكرة.
في المخيمات، النساء لا يحملن سلاحا ولا يملكن مالا، لكنهن يملكن قوة الكلمة التي تعلم، وتعزي، وتبقي الحلم حيا.
وحتى في أقسى اللحظات، تبقى الكلمة صدى يردد:
رح نرجع… مهما طال الغياب.