الصحافة الإسرائيلية الملف اليومي صادر عن المكتب الصحفي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين الاربعاء 10/9/2025 العدد 1405

 الصحافة الاسرائيل- الملف اليومي

افتتاحيات الصحف + تقارير + مقالات

 

 

 

 

هآرتس 10/9/2025

 

 

في تصفية قيادة حماس توجد فرصة، لكن ليست التي قصدتها اسرائيل

 

 

بقلم: تسفي برئيل

 

 

القرار بتصفية قيادة حماس الخارج على الاراضي القطرية ليس مجرد استغلال فرصة استخبارية وعسكرية للانتقام من المسؤولين عن كارثة 7 اكتوبر. لقد كانت هناك فرص كثيرة كهذه في الماضي. انه قبل كل شيء قرار دبلوماسي وسياسي لانهاء المفاوضات بشأن تحرير الرهائن من جانب واحد؛ لوقف الحوار المرهق وعديم الجدوى الذي تبدو فيه اسرائيل وحماس كأنهما تنتظران كل منهما رد الاخرى على نحو يلزم كل طرف بالتنصل من مكانته كـ” رافض”؛ وللمناورة بين تغريدات ترامب ووعوده؛ وخاصة لتحرير الحكومة مما تراه قيودا وضعها الرهائن وعائلاتهم والجمهور الواسع على يديها. ومن وجهة نظرها هم يملون عليها استمرار الحرب في غزة، وطبيعتها وحجمها.  

 

 لا يزال غير معروف من وكم من اعضاء قيادة حماس قد قتلوا في الهجوم، لكن اذا استؤنفت المفاوضات – فستستمر في ان تدار اساسا بوساطة مصرية بين اسرائيل وقيادة حماس في القطاع، وعلى رأسها عز الدين حداد الذي يحتجز الرهائن. ستظل مسألة بقاء حداد مرتبطة بالطريقة التي سيدير فيها مساره. 

في العامين الاخيرين تصرفت حماس غزة – سواء بقيادة السنوار او بقيادة خلفائه – كمن بيدها الصلاحية للبت في كيفية ادارة المفاوضات، وفي الشروط والمواعيد، وفي مكانة الوسطاء، وفي النتيجة النهائية التي يجب الوصول اليها. ومع ذلك، حتى اذا نجحت اسرائيل في تصفية حداد، فلن تستطيع بذلك ضمان الافراج عن الرهائن: اذا لم يقتلوا من نشاط جيش الدفاع الاسرائيلي، فقد يعمد آسروهم الى قتلهم عندما يرون انهم لم يعودوا يشكلون درعا بشريا – وانهم قد اصبحوا عبئا.

في هذا السياق يمكن ايضا تقرير ان ادوات الضغط القطرية والمصرية على حماس غزة كانت قادرة على التأثير ما دامت قطر تمول حماس وتنقل الى التنظيم، بموافقة اسرائيل وتشجيعها، مئات ملايين الدولارات؛ وما دامت مصر تمسك بمعبر رفح، شريان الحياة الاقتصادي للقطاع. ما ان توقف الدعم القطري وسيطرت اسرائيل على معبر رفح من الجانب الغزي، حتى تحولت ادوات الضغط الى جهود تأثير لم تنجح حقا. وذلك خاصة بعد ان اتضح ان الولايات المتحدة – التي كان يفترض من وجهة نظر الوسطاء وحماس ان توفر الضمانات لاسرائيل – لم تؤد دورها. وبالنسبة الى كل ذلك، كانت قيادة حماس الخارج لاعبا ثانويا.

اغتيال قيادة حماس الخارج، على غرار تصفية كبار مسؤولي حماس الاخرين الذين عملوا خارج غزة، ليس كقتل حسن نصر الله وقيادة حزب الله.  لقد تمكنت اسرائيل من انهاء الحرب في لبنان لان لبنان وفر لها شريكا متفقا عليه – حكومة ورئيسا رأيا معها بنفس المنظار حلا يشمل تجريد حزب الله من سلاحه تمهيدا لتفاهمات سياسية حول ترسيم الحدود. مع ان حزب الله ما زال ذا قوة سياسية وعسكرية في لبنان، فقد فقد قيادته وقدراته العسكرية وغلافه اللوجستي. لذلك كان الاضرار به خطوة تغير الواقع.

حماس، من جهة اخرى، غير مطالبة بالتساوق وتكييف نفسها مع حكومة فلسطينية ذات سيادة. التزامها بـ “القضية الفلسطينية” وببرنامج سياسي يقود الى اقامة دولة فلسطينية يستند الى ايديولوجيا بعيدة عن غالبية الجمهور الفلسطيني. الى جانب اتهام اسرائيل، يرى هذا الجمهور في حماس مسؤولا مباشرا ومركزيا عن الدمار والقتل في القطاع. معارضة حماس المتواصلة لاتفاقات اوسلو جعلتها ذخرا وشريكا استراتيجيا لحكومات نتنياهو، التي رأت فيه جدار حماية ضد كل برنامج سياسي يقود الى حل الدولتين.

تصفية قيادة حماس، في غزة وخارجها، كان من الممكن في ظروف اخرى ان تحيي فرصة للمفاوضات السياسية بين اسرائيل والفلسطينيين وتمهد الطريق لحل سياسي تكون فيه منظمة التحرير الفلسطينية، التي اعترفت بدولة اسرائيل، قادرة على ادارة دولة فلسطينية. لكن حتى قبل الخوض في حل سياسي شامل، كان من شأن التصفية على الاقل ان تفتح ابواب غزة امام السلطة الفلسطينية، وان ترسخ فيها حكما بديلا، وان تستقطب تعاون دول عربية – كان بعضُها قد اعرب بالفعل عن الاستعداد للمساهمة في اعمار غزة – وبذلك تخلق واقعا جديدا. غير ان هذه ليست “الفرصة” التي قصدتها اسرائيل عندما قررت مهاجمة فيلا خليل الحية في الدوحة. بخلاف لبنان، لدى اسرائيل في غزة استثمار ايديولوجي ينتظر التنفيذ.

في هذه الاثناء، ما دام غير معروف ما آل اليه مصير قادة حماس وحين لا توافق اسرائيل على اي بديل فلسطيني في غزة، سوى عصابات مجندة على شاكلة تلك التي يقودها ياسر ابو شباب – فان الهجوم في قطر لا يزال يعتبر حدثا “لا يغير الواقع”، لا في غزة وربما ايضا ولا في المنطقة كلها. لقد سارعت قطر ومصر والامارات العربية المتحدة والاردن الى ادانة اسرائيل وطالبت “المجتمع الدولي” بمحاسبتها. واضافت الاردن كذلك انها ستدعم اي رد ترغب فيه قطر، لكن لا هي ولا باقي الدول اوضحت ما الذي تنوي فعله.

فعليا، هذه التصريحات لا اسنان لها حاليا. قطر ليست ايران – وبالمقارنة مع القاهرة وابو ظبي وعمان، فهي حتى لا تستطيع التهديد بقطع العلاقات الدبلوماسية مع اسرائيل. وفوق ذلك، تتهم قطر بالفعل بانها قد “باعت” حماس للولايات المتحدة واسرائيل. فمن غير المعقول ان دولة يوجد فيها اكبر قاعدة امريكية في الشرق الاوسط، التي ترصد كل حركة الطائرات من مسافة بعيدة، لم تكن تعلم مسبقا ان اسرائيل على وشك ان تهاجم. وهذه هي نفسها قطر التي “وافقت” بالتنسيق مع الولايات المتحدة على ان تهاجم ايران القاعدة الامريكية عقب الهجوم الامريكي والاسرائيلي على منشآت ايران النووية في حزيران. وقد حظيت حتى باشادة من الرئيس ترامب على “نجاحها” في التوصل الى وقف اطلاق نار بين اسرائيل وايران.

هذه قطر التي تعهدت باستثمار اكثر من تريليون دولار في الولايات المتحدة، وحاكمها، الشيخ تميم آل ثاني، عانق بحرارة قبل اربعة اشهر فقط الرئيس ترامب. وقبل ذلك وقع اتفاقا مع “Trump Organization”، شركة الاعمال العائلية للرئيس، لبناء ملعب غولف فاخر في الدوحة والذي ستقيمه شركة سعودية.

مع انحسار احتفالات الهجوم والمبالغة في تقدير “الرسالة” التي بعث بها رئيس الحكومة إلى جميع منظمات الارهاب ودول المنطقة، تعود اسرائيل إلى الواقع المروع نفسه في قطاع غزة. واقع تقف فيه على وشك اقامة حكم عسكري مباشر يكون مسؤولا عن حياة اكثر من مليوني انسان بتمويل دافع الضرائب الاسرائيلي. من دون الرهائن. ومن دون افق لإنهاء الحرب.

------------------------------------------

 

هآرتس 10/9/2025

 

 

نتنياهو راهن في قطر املاً بنجاح مستقبلي، لكن الخطر المتزايد على الرهائن فوري

 

 

بقلم: عاموس هرئيلِ

 

منذ فترة طويلة تبدو إسرائيل وكأنها تراهن على كل ما لديها في الحرب ضد حماس، وربما في الشرق الأوسط عامة. أمس (الثلاثاء) في الدوحة، عاصمة قطر، ازداد حجم الرهان بدرجة كبيرة إذ انه، في عملية مشتركة لجيش الدفاع الإسرائيلي والشباك، هاجم سلاح الجو قمة قيادة حماس في الخارج. في محيط رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو باتوا يصفون الهجوم بأنه إنجاز كبير – ليس فقط عملياتيا واستخباريا، بل أيضا استراتيجيا – والذي من المؤكد سوف يقرب إسرائيل من النصر. وكالعادة يجدر التشكيك في هذه الوعود، وبخاصة الانتباه إلى كيفية تأثير هذه الخطوة الهجومية على مصير الرهائن. لقد بات الخطر على حياتهم فوري، بينما احتمال ابداء حماس للمرونه بسبب الضغط، إن وجد، فهو في أفضل الأحوال شأن لتطور مستقبلي.

كان هدف القصف في الدوحة اجتماع فريق التفاوض من حماس برئاسة خليل الحية. وقد اجتمع كبار قادة التنظيم لبحث المقترح الامريكي الاخير في اطار النقاش حول صفقة الرهائن. ووفق التقديرات الاولى، فقد قُتل الحية في الهجوم. وكان في المكان مسؤولون اخرون في التنظيم، ويبدو ان بعضهم اصيب او قُتل. لا تزال حماس تبقي الصورة ضبابية بعض الشيء، لكن الدوحة ليست خانيونس. ستتضح هوية المصابين. والسؤال عمن تمكنوا من الافلات بسلام هي مسألة ايام، ان لم يكن خلال ساعات. وجاء في بيان رئيس الحكومة ان قرار الهجوم اتُخذ ردا على عملية اطلاق النار في القدس اول امس، والتي قُتل فيها ستة مدنيين. وقد سنحت الفرصة العملياتية امس خلال ساعات معدودة.

القصف، على بعد نحو 1700 كيلومتر من اراضي اسرائيل، لم يعد مهمة استثنائية الى هذا الحد بعد الحرب ضد ايران في حزيران والغارات المتكررة في اليمن. ما يختلف هنا هو هوية الهدف، على ارض قطر – دولة وصف نتنياهو العلاقات معها بانها “معقدة”. عندما قام الموساد بتصفية القيادي البارز في حماس اسماعيل هنية، في تموز من العام الماضي، تقرر تنفيذ الهجوم في ايران رغم ان هنية مكث معظم الوقت في قطر. هنا اجتازت اسرائيل خطا ترددت في اجتيازه في السابق، رغبة منها في الحفاظ على صلة مع القطريين. بعد المجزرة في7 تشرين الاول، التي احتفت بها قيادة حماس في الدوحة بصلاة شكر علنية على نطاق اعلامي ، وفي ذلك اليوم نفسه، تم اتخاذ قرار باستهداف كبار قادة حماس في الخارج. وهو ما ينفذ الان.

لكن هناك اسئلة اكثر حرجا – وعلى رأسها التأثير على مستقبل المفاوضات وعلى استمرار الحرب. في الآونة الاخيرة اشارت قطر الى انها تسحب يدها من الوساطة في المحادثات، في ظل غياب التقدم وبعد ان تذبذب نتنياهو عدة مرات في اجوبته على المبادرات الامريكية لاتفاق جزئي او كامل. ضربة شاملة لقيادة حماس في الخارج قد تغير قليلا موازين القوى الداخلية في التنظيم، مقابل قيادة حماس في غزة برئاسة عز الدين حداد. لكن القيادة في الخارج ليست بالضرورة اكثر تطرفا من حداد، الذي يختبئ في الانفاق ويصر على مواصلة ادارة الحرب. في حماس تتخذ القرارات بشكل مشترك، مع الاخذ في الاعتبار عوامل قوة اخرى مثل القيادة في الضفة الغربية وقادة السجناء المعتقلين في اسرائيل. وربما تحظى القيادة العليا في الضفة، التي قللت اسرائيل من استهدافها في الحرب، بنفوذ اكبر.

جميع رؤساء المنظومة الامنية، وعلى رأسهم رئيس الاركان ايال زمير، قالوا للكابنت قبل نحو اسبوعين انه يجب ومن المهم التقدم الى صفقة رهائن، بدلا من اجتياح مدينة غزة كما يريد نتنياهو ووزير الدفاع يسرائيل كاتس. رئيس مركز الاسرى والمفقودين، اللواء (احتياط) نيتسان الون، يحذر مرة بعد اخرى من الاضرار بالرهائن اذا حصل دخول بري واسع الى غزة. ويبدو ايضا ان زمير متحفظ ازاء الخطوات الاخيرة ويعتقد انه يجب استنفاد قناة المفاوضات.

وفق التسريبات الاولى بعد القصف في الدوحة، شاركت اسرائيل الولايات المتحدة خططها. وليس واضحا ما اذا كان الرئيس دونالد ترامب قد اعطى الضوء الاخضر. قد يكون نتنياهو وضعه امام امر واقع قبيل بدء الهجوم. على اي حال من المرجح ان اسرائيل لم تكن لتتحرك في ظل معارضة امريكية شاملة. مساء امس نشر ترامب بيانا غريبا قال فيه بانه ابلغ قطر مسبقا بالغارة الاسرائيلية. هذا يثير اسئلة اضافية: هل ابلغ القطريون حماس وانقذوا بعض افرادها؟ وان كان كذلك – فلماذا قيل بان حراس امن قطريين قتلوا في الضربة؟ من جهتها تدعي قطر انها ابلغت متأخرا، فقط بعد القصف.

في الآونة الاخيرة هدد ترامب مرارا وتكرارا حماس بدمار كامل من قبل اسرائيل اذا لم تخضع للشروط الاخيرة التي طرحها الاسبوع الماضي. لكن حماس تقودها مجموعة عنيدة لا تميل الى المرونة بسهولة بسبب ضغط خارجي.

لقد عززت اسرائيل امس خطواتها الهجومية وكسرت تابو تبنته لنفسها فترة طويلة، وهو الا تهاجم مباشرة في قطر. قد يدفع ذلك حماس الى الزاوية، لكنه لا يكسر بالضرورة روح من تبقى من قيادتها. يمكن تفهم الضائقة الرهيبة التي تعبر عنها عيناف تسنغاوكر وآباء اخرون للرهائن – فحياة ابناءهم في خطر متزايد، سواء من العملية البرية لجيش الدفاع الاسرائيلي او في ظل خطوات انتقام واساءة محتملة من قبل آسريهم من حماس.

------------------------------------------

 

إسرائيل اليوم 10/9/2025

 

 

اجتماعُ ظروفٍ استثنائي قاد إلى مهاجمة قمة قيادة حماس

 

 

بقلم: يوآف ليمور

 

بيانُ التصفية لقمة قيادة حماس، الذي نشره اليوم (الثلاثاء) الناطق باسم جيش الدفاع الإسرائيلي والشباك، خلا عمدًا من تفصيلَيْن مركزيَّيْن: الأول، تفصيلُ أهداف الهجوم قبل توافر اليقين بأنهم صُفّوا فعلًا؛ والثاني، المكانُ الذي نُفّذ فيه الهجوم. اسم “قطر” لم يُذكر فيه، وليس صدفة. فقد تحتاج إسرائيل لاحقًا إلى مساعدتها في الفصول القادمة من حربها التي لا تنتهي على حماس.

تناول البيانُ مسؤولية أهداف التصفية عن هجوم 7 أكتوبر وإدارةِ الحرب. غير أنّ من المرجّح أنّ الرغبة في الانتقام – مهما كانت قوية – لم تكن السببَ المركزي لقرار إسرائيل الاقتصاص من قيادة التنظيم العاملة في الخارج: لقد كان بالإمكان قتلُهم في موعدٍ آخر، وربما على نحوٍ أكثر سرية.

كذلك يبدو واهيًا الربطُ الذي أجراه رئيسُ الحكومة نتنياهو بالعمليات التي نُفّذت أولَ أمس: فقد شهدت إسرائيل عملياتٍ كثيرة في الماضي، ولم تثبَت أي صلةٍ بين المنفذين الذين عملوا في القدس وبين حماس. يبدو أنّ قرارَ العمل في قطر كانت له ثلاثةُ دوافع مركزية. الأول، اجتماعٌ استثنائي، ربما لمرةٍ واحدة، لشخصياتٍ محورية في قيادة التنظيم، مكن من الاقتصاصُ منها دفعةً واحدة.

الثاني، الفهمُ السائد في إسرائيل أنه مع هؤلاء الأشخاص – الذين يعيشون في عالمٍ من الرفاهية ولا يدفعون بأجسادهم ثمنَ المعاناة والدمار الناجمين عن الحرب في غزة – سيكون من الصعب، وحتى من المستحيل، الوصولُ إلى اتفاقٍ يقترب من متطلبات إسرائيل الأساسية لإنهاء الحرب. والثالث، تعزيزُ الردع من مجرد القرار بالهجوم في مكانٍ اعتبر حتى الآن حصينًا بحكم مكانة قطر الدولية وأهميتها كوسيط.

هذه المعضلةُ لم تُطرح الآن للمرة الأولى. فقبل نحو عامٍ بالفعل اقترح الشباك، برئاسة رونين بار حينها، تصفيةَ قيادة حماس في الدوحة. ولم يُقر المستوى السياسي ذلك الاقتراح آنذاك، ورفض فرصًا واقتراحاتٍ اخرى برزت لاحقًا. الدوافعُ تغيّرت من مرةٍ إلى أخرى، لكن الخلاصة بقيت كما كانت – حتى بعد الظهر. من المحتمل أنّ ما رجّح الكفة، وهو دافعٌ مركزي رابع (وربما أول) للقرار، كان ضوءًا أخضر وربما حتى موافقةً صريحة من إدارة ترامب.

ما كانت إسرائيل لتهاجم في قطر من دون ضوءٍ أخضر كهذا. لدى الأميركيين أصولٌ كثيرة في قطر – أبرزُها أكبرُ قاعدةٍ لسلاح الجوّ التابع للسنتكوم (قيادة المنطقة الوسطى لحلف الناتو) في الخليج (والتي كانت أيضًا هدفًا لهجومٍ إيراني مضادّ ردًا على قصف مواقعٍ نووية في حزيران الماضي)، وإلى جانبها طيفٌ من المصالح الاقتصادية، بما في ذلك مصالحُ شخصيةٌ للرئيس دونالد ترامب وعائلته. في العالم العربي برزت شائعاتٌ مفادُها أنّ مقترحَ الرئيس الأميركي لإنهاء الحرب كان في الواقع شرك: وقد شكّل خلفيةً لاجتماع كبار قادة حماس في الدوحة، الذي قاد إلى موتهم.

من المرجّح أن تُعرَف التفاصيل قريبًا، وذلك أيضًا لصعوبة احتفاظ ترامب بسرّ، وكذلك على ضوء ردّ قطر. لقد حوّلت إمارةُ النفط نفسَها إلى مدينة – ملاذٍ لقادة منظمات الإرهاب على اختلافها – حماس، وإلى جانبها في الماضي أيضًا القاعدةُ وطالبان وآخرون – فيما اشترت لنفسها (بالمال) مكانةَ الوسيطٍ القادرٍ على إدارة التواصل بين جميع الأطراف. تُشير التصفيةُ إلى أنها لم تَعُد كذلك: فبالنسبة لقطر، التداعياتُ هي بعيدةُ المدى، اذ انها تقدم  صورة واثقة، وتبني على أساسها تطلعاتٍ دوليةً مثل استضافةٍ مستقبليةٍ للأولمبياد، استكمالًا للمونديال الذي استضافته قبل ثلاث سنوات.

ستُدين قطرُ بالتأكيد التصفيةَ، غير أنّه سيستغرقنا وقتَ لفهم ما إذا كانت قد سئمت هي نفسُها من حماس، أم أنها تواصل ربطَ مصيرها بمرعيتها وشريكتها في ايديولوجيا الإخوان المسلمين. سيتضح ذلك، ضمن أمورٍ أخرى، عندما يتبيّن ما إذا كانت قطر ستواصلُ الوساطةَ في الاتصالات من أجل اتفاق، أم أنها ستسحب يدَها من هذا الحدث.

ومن المرجّح أنه حتى إن كان الغضبُ من الدوحة أصيلًا، فان الخيارُ الأول هو الأرجح لأن قطر ستسعى إلى الحفاظ على مكانتها الإقليمية، لا سيّما حين تُعزّز التصفيةُ، من الجهة المقابلة، خصمَها العلني – مصر. لكن للتصفية تداعياتٍ أهمّ من دور قطر فيها.

أولُ هذه التداعيات هو ما يتعلّق بالرهائن. يصعبُ معرفةُ ما إذا كان ضربُ حماس بقوةٍ كهذه يعرّض حياتَهم للخطر فورًا: فقد روى رهائنُ مُفرَجٌ عنهم أن معاملتَهم تأثرت مباشرةً بالأحداث المختلفة. ينبغي علينا ان نامل بأن تبقى حماس – ما تبقّى منها – براغماتية، وأن ترى فيهم ذخرا.

التداعي الثاني يتعلق بمستقبل الحرب. ليس واضحًا مَن سيدير الشؤونَ في حماس الآن. لقد نالت إسرائيلُ تدريجيًا من كامل القمة العسكرية والسياسية للتنظيم، ولم يَبقَ في غزة إلا قادةٌ من المستوى المتوسط (يتصدرهم عزّ الدين حداد) وهم مُطالبون الآن بملء مناصب ولعب  أدوار أكبرَ عليهم بعدة مقاسات. ومع كل الرغبة في تعميق الضربات للتنظيم وقياداته، تحتاج إسرائيلُ أيضًا إلى طرفٍ تتحدث إليه في الجهة الأخرى كي تتمكن من دفع مصالحها المعرّوَفة والمحددة مسبقًا — إنهاءِ الحرب، إعادةِ الرهائن، نزعِ سلاح القطاع، وإقامةِ حكمٍ جديدٍ في غزة (خالٍ من حماس).

ملاحظتان على الهامش. الأولى بشأن التنفيذ. استخباراتٌ ممتازة للشباك، وقدرةٌ لافتة لسلاح الجوّ الذي أضاف دولةً أخرى إلى قائمة الأهداف التي عمل فيها خلال العامين الأخيرين. الثانية: يبدو أن الجدلَ قد انتهى حول ما إذا كانت قطرُ دولةَ معادية أم لا.

لا تهاجم إسرائيلُ علنًا (بل تعمل سرًا) في دولٍ ليست عدوّةً لها. قرارُها فعلَ ذلك بهذه الطريقة لم يُرَدْ به ضمانُ ألّا يخرج حيًّا أيٌّ ممن كان في غرفة الاجتماعات التي انعقدت فيها قمةُ قيادة حماس فحسب – بل أضاف أيضًا قطرَ، في الواقع، إلى القائمة السوداء.

-------------------------------------------

 

هآرتس 10/9/2025

 

 

نتنياهو صادق على هجوم اخر تحت ضغط القاعدة

 

 

بقلم: حاييم لفنسون

 

قبل 20 ساعة من الهجوم الاسرائيلي في الدوحة اتصل مصدر من واشنطن وقال: الاميركيون يخشون من ان القطريين يحرضون حماس – ويعرقلون مخطط ترامب لانهاء الحرب. في الولايات المتحدة لا يحبون ذلك. بعد ساعات قليلة قررت اسرائيل ان تسقط “الذخائر” لسلاح الجو في وسط الدوحة، على بعد تسع دقائق بالسيارة من فندق ريتس كارلتون المحبوب جدا لدى رؤساء حماس. بعد عامين من الحصانة لكبار مسؤولي التنظيم في قطر، فيما هم مطمئنون على امنهم، كسرت اسرائيل التابو.

تفيد رسالة ديوان رئيس الحكومة بان القشة التي قصمت ظهر البعير هي عملية اول امس (الاثنين) في القدس، مقترنة بـ”فرصة عملياتية”. من الجيد ان القرارات المهمة جدا تتخذ بعد نقاشات معمقة للتداعيات، لكننا اعتدنا. ما يهم هو القاعدة الانتخابية المقدسة، والقاعدة تفيض فرحا. قبل اول امس فقط اتهم مغردو القناة 14 غالي بهراف ميارا بالعملية، لانه بسببها لا يوجد رئيس للشباك، ولذلك لم ينجح الشباك في احباط العملية. لم تمر 24 ساعة، واتضح انه حتى مع قائم بالاعمال كل شيء على ما يرام. غالي نُسيت وليحيا بيبي.

التداعيات الفورية للهجوم هي على علاقات اسرائيل- قطر وعلى صفقة الرهائن. انها اهانة وطنية لقطر، وسيكون لها ثمن. من وجهة نظر قطر، استضافة رؤساء حماس هي خدمة قدمتها للغرب بصفتها دولة وسيطة. الخزائن في الدوحة مليئة برسائل – قد ترى النور قريبا – من اسرائيل ومن الولايات المتحدة، تطلبان استضافة رؤساء حماس، الحصول على اموال لغزة وما الى ذلك. في نظر قطر، هي تساعد اسرائيل وتتلقى بصقة في الوجه. وان تتلقى ايضا هجوما صاروخيا على العاصمة، الذي قتل فيه رجال امن قطريون يحمون حماس، فهذه خطوة اكثر من اللازم.

لا تملك قطر جيشا، وهي لن ترد بالقوة. لديها المال. هذا اختبار مثير للاهتمام: ما هو الافضل، جيش قوي ام محفظة لا تنضب. تمتلك قطر وسائل اعلام قوية (في الاسبوع الماضي شهدت قناة الجزيرة انقلابا هادئا، حين عينت عائلة آل ثاني للمرة الاولى ابنا من العشيرة مديرا عاما وعززت سيطرتها على القناة)، وروابط في الغرب، وامبراطورية رياضية، ومطارا محوريا، ووزراء اكثر حكمة من نظرائهم في اسرائيل. ستكون التداعيات طويلة الامد.

وماذا بشأن صفقة الرهائن وإنهاء الحرب؟ اعلنت قطر امس تعليق المفاوضات، وهي خطوة متوقعة. يجب الانتظار قليلا ورؤية من قتل من حماس، وكيف سيتصرف التنظيم، وماذا بعد. صورة المعلومات الاستخبارية حول مصالح قادة حماس متناقضة ومعقدة. هناك من يشير الى خليل الحية بوصفه المؤشر المتطرف في التنظيم، وآخرون يرون ان قادة حماس في غزة انهم المتطرفون. خالد مشعل، الذي يبدو ميالا الى التسوية، لم يكن في الاجتماع في الدوحة. مصادفة؟ من يدري.

يمكن تقدير ان مركز الثقل في المفاوضات سينتقل من قطر الى مصر. ظاهريا الصفقة لا تزال على الطاولة. في الايام الاخيرة نقل الاميركيون الى حماس رسائل بشأن طبيعة الترتيب النهائي، نوع من تفسير مخفف للشروط الاسرائيلية. على سبيل المثال، في الولايات المتحدة قالوا لحماس ان اسرائيل ستنسحب من الطوق، وانه سيصبح منطقة فصل بلا حماس. هكذا سيزعم نتنياهو ان هناك “منطقة امن” تفصل بين اسرائيل وغزة، وحماس ستحصل على انسحاب كامل من غزة. لا يزال غير واضحا تأثير التصفية على صورة المعركة: للمقارنة، تصفية محمد ضيف والاخوين السنوار لم تغير شيئا في الصورة الاستراتيجية.

يرى المتفائلون في الحكومة ان الانجاز الذي حققه نتنياهو امام قاعدته سيمنحه هامش مناورة لانهاء الحرب. في الجيش يتوسلون عدم مواصلة عملية “عربات جدعون 2، التي يرون فيها ضررا اكثر من فائدة. السؤال هو ما اذا كان نتنياهو يؤمن بالعملية التي يروج لها بقوة، ام ان كل شيء مجرد عرض، وانه يبحث عن طريقة للنزول عن الشجرة قبل ان يدفن تحتها في عملية دامية وعديمة الجدوى. ظاهريا حصل امس في الدوحة على شجرة كبيرة. سيتمكن من الادعاء امام طائفة مؤيديه بان حماس تلقت منه ضربة قاسية الى هذا الحد، وبانهم الآن وافقوا على شروط لم تقبل من قبل، وهذا هو الوقت المناسب للقطع. كالعادة عند نتنياهو، كل الخيارات مفتوحة. المستطلعون يعملون، والدعايات والمناورات تدور، والقرارات مؤجلة.

 ------------------------------------------

 

معاريف 10/9/2025

 

 

رسالة مدوية وراء الهجوم الاسرائيلي على قطر

 

 

بقلم: افي اشكنازي

 

عملية “قمة النار” انطلقت على الدرب قبل اسابيع. الشباك، الذي ينسق اعمال جمع المعلومات ضد حماس في الخارج جاء بمعلومة تفيد بان نحو كل القيادة السياسية لحماس ستجتمع في لقاء واسع في الدوحة.

كل الشخصيات التي كان يفترض بها ان تحضر اللقاء كانت على قائمة التصفية لدى فريق “نيلي” في الشباك. والعملية أمس كانت تشبه جمع المعلومات والتخطيط لتصفية صالح العاروري في كانون الثاني 2024 في لبنان. جمع معلومات من الشباك، تخطيط الشباك وسلاح الجو – وتنفيذ سلاح الجو والشباك.

المشكلة في كل القصة أمس هي ان كل اولئك المسؤولين الكبار كان يفترض أن يصفوا قبل وقت طويل من ذلك. حقيقة انهم تنفسوا الهواء منذ 7 اكتوبر ليست مثابة خلل. في الشباك لم يرفعوا أمس كأس نبيذ – فهم ينتظرون النتائج النهائية للهجوم. “نحن نريد التأكد بان كل من اعتقدنا انه كان في المبنى بالفعل كان في وقت الهجوم”، يقول مصدر في جهاز الامن.

في سلاح الجو يقولون انهم استخدموا سلاحا دقيقا. في كل قذيفة من هذا السلاح مئات الكيلوغرامات من المواد المتفجرة، وبالاجمال القيت عشر قذائف. “من كان في المبنى لا يمكنه أن ينجو”، قال مصدر في سلاح الجو.

اوضحت اسرائيل امس لكل الشرق الاوسط بضعة امور: أولا، لا يوجد هدف بعيد على سلاح الجو؛ ثانيا، لا يجد هدف آمن لأناس حماس؛ كل من وقع فريق “نيلي” على أنه ابن موت، يجدر به ان يبحث عن شركة تامين توافق على التامين عليه، كي يكون لخلفه بضع ليرات. مشكوك فيه ان يجد شركة تامين كهذه.

كما ان قادة حماس في غزة يمكنهم ان يعيدوا الان احتساب المسار. فقد اثبتت اسرائيل انها مصممة على ان تنتهي من حماس في غزة، في قطر، في دمشق وفي اماكن اخرى. اضافة الى ذلك هاجمت اسرائيل قادة حماس في قطر في وضح النهار، مع عشر طائرات قتالية سارت مباشرة من وسط اسرائيل – 1800 كم. لم تكن هذه عملية في الظل. فقد حرصت اسرائيل على ان يفهم الجميع الرسالة – من صفتهم (اذا كانوا صفوا) وكيف.

لئن كان يحتاج الخيال قبل حملة “الاسد الصاعد” لأن يعمل ساعات اضافية في محاولة لأن يفهم كيف صفي اسماعيل هنية في طهران، فلا حاجة الآن الى الخيال. هناك ببساطة حاجة لفتح “الجزيرة” وان يرى بالبث الحي والمباشر كيف يفعل سلاح الجو ما يريد وكيفما يريد في سماوات الشرق الاوسط، بما في ذلك فوق قطر – وفي كل دولة يختارها.

بالمناسبة، الموساد لم يعارض العملية. رئيس الموساد، دادي برنياع، كان في سر الامور. لشدة الاسف، في اثناء الهجوم كان هو مع عائلته في جنازة والد زوجته، الذي توفي قبل بضع ساعات من العملية.

بخلاف ما زعم، لا صلة بين الهجوم والاحداث القاسية أول أمس. فقد خطط للحدث على مدى اسابيع. في اليوم الاخير في سلاح الجو كانوا متحفزين. جلس الطيارون في طائراتهم على مدى ساعات، ومرتان اعطى الشباك ضوء اخضر. الاول كان للاقلاع الى الدوحة بعد ان وصلت المعلومة النهائية بان اللقاء سيتم. والثاني صدر قبل نصف ساعة من الهجوم، حين وصلت المعلومة بان كل الحاضرين وصلوا الى قاعة اللقاء.

لقد اثبتت اسرائيل مرة اخرى بان لديها استخبارات فاخرة، باستثناء أن لاسفنا لم يكن هناك في الليلة المصيرية بين 6 و7 اكتوبر. والآن تحاول اسرائيل التغطية على الاخفاق الرهيب، بصيد الاشرار في كل الشرق الاوسط.

------------------------------------------

 

يديعوت 10/9/2025

 

 

خطوة إلى الأمام في استراتيجية “قطع رؤوس القيادات”: مغزى الهجوم في قطر

 

 

بقلم: رون بن يشاي

 

في عملية “قمة النار” اتخذت إسرائيل خطوةً إلى الأمام في استراتيجية “قطع رؤوس القيادات” لمحور الشر الذي تقوده إيران. الهجوم الجوي على مقر حماس في الدوحة عاصمة قطر كان على ما يبدو يهدف إلى تحقيق هدفين – الأول، إبعاد خليل الحية وربما أيضًا زاهر جبارين من فريق التفاوض التابع لحماس، إذ إنهما يمثلان موقفًا متشددا وغير قابل للتسوية حيال مطالب واشتراطات حماس في المفاوضات طوال الوقت.

مؤخرًا، ووفقًا للتقارير، كانت هناك خلافات بين الحيّة، الذي ينتمي إلى القيادة في غزة وإلى مخطّطي مجزرة 7 أكتوبر، وبين قائد لواء مدينة غزة، عزّ الدين حداد، الشخصية الأرفع داخل القطاع. كان حداد مستعدًا للتنازل في بعض القضايا، وحسب بعض التقارير فقد مال إلى قبول المقترح الأميركي الأخير، في حين عارض الحيّة وجبارين ذلك وطرحا مطالب متشددة. ربما تكون قد نشأت حالة تُجري فيها إسرائيل المفاوضات مباشرةً مع حداد، على غرار حصار بيروت عام 1982، حينها أُديرت مفاوضات (عبر وسطاء) مع ياسر عرفات نفسه – وقد وافق بالفعل، بوساطة أميركية، على الإخلاء.

يُطرح السؤال  لماذا ترغب إسرائيل في إدارة المفاوضات مباشرةً مع حداد؟ حسنًا، إنه قيادي رفيع في حماس في القطاع حاليًا، وهو يشعر بالضغط العسكري الآخذ في الازدياد عليه، وهو أيضًا حساس لمعاناة السكان الذين يُضطرون إلى الإخلاء ويتضررون من الهجمات. وذلك بخلاف قيادة حماس في الدوحة، التي تجلس على الأرائك في فنادق مريحة ولا تخضع لأي ضغط.

الهدف الثاني للهجوم غير المألوف في خصائصه هو رغبة القيادة السياسية والأمنية في إسرائيل في الإيضاحٍ لحماس وللوسطاء أننا لن نتنازل عن مطلب إطلاق سراح الرهائن، ولا عن القضاء على الجناحين العسكري والمدني لحماس من غزة. المقصود هو إثبات أن إسرائيل ستطارد أفراد التنظيم الإرهابي في كل مكان، بما في ذلك في أنحاء العالم، مع المجازفة بالدخول في مواجهات مع أصدقائها مثل الولايات المتحدة، ومع دولة لها علاقات دافئة ووثيقة مع الأميركيين، مثل قطر، من أجل تحقيق هذا الهدف.

يمكن الافتراض أنّ الهجوم جرى تنسيقه مع البيت الأبيض (وإلّا لَكان قد صدر ردّ أيضًا من القاعدة الأميركية في قطر)، وأنّ فريق ترامب نسّق الهجوم مع قطر. لدى القطريين تاريخ من الموافقة على هجمات تُنفَّذ على أراضيهم – آخرها في نهاية عملية “شعب كالاسد”: بعد أن هاجمت طائرات أميركية المنشأة النووية في فوردو، وافقت قطر على أن يهاجم الإيرانيون على أراضيها أكبر قاعدة جوية في الشرق الأوسط، وقد أنذرت الولايات المتحدة مسبقًا. لقد جرى إخلاء القاعدة من الطائرات والأفراد قبل الهجوم، بحيث لم تقع خسائر، ولم يكن الضرر كبيرًا. من المرجّح جدًا أنّ سيناريو مشابه قد وقع هذه المرّة. وقد ردّ القطريون في هذه الأثناء ببيان إدانة لانتهاك القانون الدولي وبفتح تحقيق، ومن المحتمل أن يجمّدوا علاقاتهم مع إسرائيل ومشاركتهم في المفاوضات، لكن من المنطقي أن تُستأنف لاحقًا تدريجيًا.

وفقًا للتقارير، فقد وقع الهجوم عندما جرى جمع قيادة حماس لمناقشة المقترح الأميركي لصفقة الرهائن وإنهاء الحرب، لكن يمكن الافتراض أنّ هذه حرب نفسية – وقد وُجّهت العملية مباشرةً إلى الشخصيات المتصلبة خصوصًا في قيادة التنظيم الإرهابي. يمكن تقدير أنّ حماس ستعلّق المفاوضات لبعض الوقت، وأنها، إلى جانب الغضب القطري، قد يعبّر الأميركيون أيضًا علنًا عن عدم رضاهم عن العملية، وربما ينفون كذلك أنّه كان هناك تنسيق. ومع ذلك، من المرجّح أن تُستأنف المفاوضات لاحقًا، وربما يقودها حينها أشخاص أقل تشددًا من صفوف قيادة حماس – سواء كان حداد نفسه من غزة، أو أشخاص من الصفين الثاني والثالث المقيمين بشكل دائم في تركيا.

------------------------------------------

 

 

اسرائيل اليوم 10/9/2025

 

 

ديرمر نسج، الوزراء ابقوا في حالة غموض: هكذا ولدت العملية

 

 

بقلم: شيريت افيتان كوهين

 

عملية “قمة النار” كانت مبهرة وتطلبت جسارة سياسية وعملياتية. خير ان كان من اخرجها الى حيز التنفيذ قبل نهاية الحرب التي في الافق. نتنياهو، كاتس وزمير – الانجاز على اسمائهم.

في اثناء السنة الماضية، أعد الاقتراح لتصفية قادة حماس في الخارج من قبل المستوى الامني الذي اقترحها على المستوى السياسي – اصحاب القرار. غير انه لاسباب مختلفة، وعلى رأسها الاعتراض الامريكي، تأجل القرار. ضوء اخضر مبدئي من البيت الابيض، أو على الاقل موافقة بالصمت، جاء بواسطة الوزير اياه الذي يحظى بانتقاد وسخرية في وسائل الاعلام على ادائه – مقرب نتنياهو رون ديرمر الذي مؤخرا فقط ارسل الى واشنطن لسلسلة لقاءات. الخطط التي كانت في الجارور تلقت ضوء اخضر في جلسة الكابنت المصغير، لكن على التوقيت كانا مؤتمنين نتنياهو وكاتس فقط. كما ان البيت الابيض أُطلع اثناء التنفيذ. اجتماع المسؤولين الكبار في نقطة واحدة في الدوحة حسم مصيرهم.

وبينما بقي وزراء الكابنت الموسع في حالة غموض حفاظا على سرية العملية حتى لحظة الحقيقة، فان محفل السباعية فقط – وزراء الكابنت المصغر نتنياهو، كاتس، ديرمر، ساعر، درعي، بن غفير وسموتريتش – عرف بان الهدف التالي ليس فقط توسيع الحملة في غزة، بل ايضا تصفية الحساب مع من يقفون على رأس منظمة الارهاب، حتى في مكان اقامتهم في الدوحة. الدولة التي اعتبرت مدينة لجوء بسبب علاقاتها مع الولايات المتحدة فقدت صدارتها دفعة واحدة. مثلما اثبتت اسرائيل في عمليتها ضد تنظيم ايلول الاسود، لا يوجد مخبأ ناجع بما يكفي لمن دماء 1200 اسرائيل على ايديهم، ومن يحتجز منذ نحو سنتين مخطوفين ولا يزال يهدد باخضاع اسرائيل سياسيا من خلالهم.

 

الرسالة من 7 اكتوبر

 

في احتفالات يوم الاستقلال الامريكي في القدس قال نتنياهو ان: “قادة الارهاب لن يتمتعوا بحصانة. على اعدائنا ان يعرفوا امرا واحدا: منذ اقامة دولة اسرائيل – دم اليهودي ليس مهدورا. في بداية الحرب قلت ان ايا من منفذ المذبحة لن يخرج من هذا. انا افعل هذا كي اضمن امن الاجيال القادمة. “الاحق عدوي وانال منه ولن اعود الى ان اقضي عليه””.

لشدة الحظ، فان السؤال الذي طرحه قادة الدولة والجيش لم يكن هل يوجد بديل لقادة حماس، بل الى أي مدى سيكون التنفيذ كاملا. الرسالة التي قررها ملايين الاسرائيليين في 7 اكتوبر حين لم يكن دم اخوانهم قد جف بعد هي ان حماس يجب ان تباد.

في تقييم للوضع اجراه زمير بعد تصفية أبو عبيدة قال: “معظم قيادة حماس صفيت، واليد لا تزال ممدودة. معظم المسؤولين المتبقين يتواجدون في الخارج وسنصل اليهم هم ايضا”. قال – ونفذ.

من خلف الكواليس، يبدو ان موافقة الولايات المتحدة على خطوة على هذا القدر من الجسارة من جانب اسرائيل ترمز الى أن الرئيس الامريكي دونالد ترامب هو الآخر مل جر الارجل والاعيب القوة التي تمارسها حماس. المنظمة لم تتراجع حين ردت عمليا اقتراح انهاء الحرب من الرئيس الامريكي بجلالته. كل من يريد ان يرى الحرب تنتهي بات يفهم بانه مطلوب الانتقال الى الدوحة – لتصفية حماس وفي نفس الوقت توجيه ضربة لصورة الدولة التي تلعب على كل الملاعب: تمول الارهاب، تحصل على شرعية كوسيط نزيه، يمكنها ان تنقذ المخطوفين من ايدي مرعيتها في الشرق الاوسط، كله معا.

 

حصانة دبلوماسية لقطر

 

مثلما لم يكن ممكنا انهاء الحرب فيما تبقي حماس قيادتها خارج الانفاق فانه لا يمكن ان نتوقع اختراقا في المفاوضات لانهاء الحرب واعادة المخطوفين فيما تكون قطر تتمتع بحصانة دبلوماسية، بل واحيانا يكون هذا بموافقة من القيادة الاسرائيلية.

الآن بالذات لعله يمكن ان نتوقع بان ما لم يتقدم على مدى اشهر سيجد الان تعبيرا له.

الآن، حين يكون واضحا ان اسرائيل لا تمتنع عن أي خطوة في الطريق لتحقيق اهدافها، وأن أي مخرب ببدلة ليس حصينا – سيكون ممكنا اخضاع حماس، انهاء الحرب واعادة المخطوفين. يمكن لهذا ان يحصل استمرارا لاستخدام القوة أو بالاتفاق، مثلما قال نتنياهو امس مرة اخرى حين اعلن بان مقترح ترامب لا يزال ساري المفعول.

والى ذلك مدهش كان ان نرى امس بأي سرعة انتقلت المعارضة في اسرائيل من مرحبة بالعملية المذهلة الى التساؤل في التوقيت. التاريخ وحده سيحكم على حجم الانجاز، وحان الوقت لان تفهم المعارضة ايضا الحدث.

------------------------------------------

 

معهد بحوث الأمن القومي (INSS) 10/9/2025

 

 

أزمة خطيرة في مكانة إسرائيل في الولايات المتحدة: تهديد استراتيجي ناشئ

 

 

بقلم: إلداد شافيت وتيد ساسون

 

 تمر مكانة إسرائيل في الولايات المتحدة بأزمة غير مسبوقة. فالدعم التقليدي لها يتراجع بشكل ملحوظ بين الديمقراطيين، وحتى بين بعض الجمهوريين. ويتجلى هذا التوجه بشكل خاص بين الشباب من كلا التيارين السياسيين. وتشير استطلاعات الرأي إلى أن الرأي العام تجاه إسرائيل يتأثر سلبًا وبشكل مباشر بسلوكها في الحرب والوضع الإنساني في قطاع غزة. كما يُلاحظ تراجع ملحوظ في الدعم وتزايد في الانتقادات الموجهة لإسرائيل في أوساط الجالية اليهودية، وخاصة بين التيارات الليبرالية. وقد تُلحق هذه الاتجاهات الضرر بحرية إسرائيل السياسية والعسكرية في العمل، وتُشكل تهديدًا حقيقيًا لأمنها، فبالإضافة إلى تزايد اعتماد إسرائيل على رئيس يُنظر إليه على أنه متقلب، تتزايد أيضًا داخل الحزب الجمهوري الانتقادات الموجهة لتحركات إسرائيل ومدى الدعم لها. ومن المتوقع أن تُصعّب الانتقادات الحادة الموجهة إلى القاعدة الديمقراطية على أي قيادة مستقبلية للحزب استعادة نطاق الالتزام الذي أُعطي لإسرائيل في الماضي. لا تزال إسرائيل تتمتع بقاعدة دعم واسعة، لا سيما بين اليهود الأمريكيين، وكبار السن، والمحافظين، والمسيحيين الإنجيليين، لكن هذه القاعدة وحدها لا تضمن دعمًا واسعًا ومستقرًا. إن استراتيجية إعلامية لا تدعمها تغييرات جوهرية في السياسات لن تُغير التوجهات، ولاستعادة مكانتها، يتعين على إسرائيل اتخاذ خطوات واضحة لإنهاء القتال، وتحسين الوضع الإنساني في قطاع غزة، وصياغة استراتيجية طويلة الأمد تضمن استقرار علاقتها الوثيقة مع الولايات المتحدة.

 تُعتبر إسرائيل حليفًا استراتيجيًا رئيسيًا للولايات المتحدة. على مر السنين، تجاوز الدعم لها الحدود الحزبية وارتكز على طيف واسع من المصالح المشتركة، لا سيما القيم العميقة والعلاقات الأمنية. ومع ذلك، في السنوات الأخيرة، وخاصةً على خلفية الحرب في قطاع غزة، برزت اتجاهات متزايدة تُشير إلى تغير في المواقف العامة، وحتى المؤسساتية، في الولايات المتحدة تجاه إسرائيل. وتتجلى هذه التغييرات بشكل خاص بين مؤيدي الحزب الديمقراطي، إلا أن هناك انخفاضًا ملحوظًا في الدعم واضحًا أيضًا بين الجمهوريين، وخاصة الشباب الذين ينتمون إلى الحزب. ينبع هذا التحول من مجموعة عوامل، أبرزها تغير الأولويات في الولايات المتحدة، إلى جانب عدم الرضا عن سلوك إسرائيل في السنوات الأخيرة، وخاصةً الحرب الدائرة في غزة.

 في يوليو الماضي، نشر معهد غالوب استطلاعًا جديدًا أظهر أن 32% فقط من الأمريكيين ينظرون بإيجابية إلى العمليات العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة – بانخفاض قدره 10 نقاط مئوية مقارنة باستطلاع مماثل أُجري في أيلول/سبتمبر 2024. وأعرب 60% من المشاركين عن معارضتهم للعمليات العسكرية الإسرائيلية. أُجري الاستطلاع بعد وقت قصير من انتهاء الحرب مع إيران، وبالتوازي مع جولة مفاوضات بين إسرائيل وحماس حول وقف إطلاق النار واتفاق لإعادة الرهائن. في ذلك الوقت، هيمنت على وسائل الإعلام الأمريكية عناوين رئيسية تركز على تدهور الوضع الإنساني في غزة، بما في ذلك مزاعم المجاعة الجماعية وارتفاع عدد المدنيين الذين قُتلوا أثناء محاولتهم الحصول على الطعام من مراكز توزيع “صندوق الإغاثة الإنسانية لغزة”، الممول من الولايات المتحدة وإسرائيل. بالإضافة إلى ذلك، وردت تقارير عن هجمات على فلسطينيين في الضفة الغربية على يد متطرفين يهود، بما في ذلك مقتل مواطن أمريكي.

 وكما في السابق، كشف الاستطلاع عن فجوات كبيرة بحسب الانتماء الحزبي بين الديمقراطيين (8% تأييد) والجمهوريين (71% تأييد) والمستقلين (25% تأييد). وكان الرقم الأبرز والأكثر إثارة للقلق في الاستطلاع هو اتجاهٌ كان أكثر وضوحًا هذه المرة – وهو الانتقاد اللاذع لإسرائيل بين الفئة العمرية الأصغر سنًا، بمن فيهم الجمهوريون: 9% فقط من جميع المشاركين الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و34 عامًا أعربوا عن دعمهم للعمليات العسكرية الإسرائيلية في غزة.

 ويتجلى تآكل مكانة إسرائيل لدى الرأي العام الأمريكي بوضوح في استطلاعات أخرى:

في أبريل، أظهر استطلاع رأي أجراه مركز بيو للأبحاث أن 53% من الأمريكيين أعربوا عن رأي سلبي تجاه إسرائيل، بزيادة قدرها 10 نقاط عن استطلاع أجري في يناير 2014. وكان ارتفاع المشاعر السلبية أكثر وضوحًا بين الديمقراطيين الأكبر سنًا والجمهوريين الأصغر سنًا. في الواقع، انقسمت الآراء حول إسرائيل بالتساوي بين الجمهوريين الذين تقل أعمارهم عن 50 عامًا، حيث عبر بعضهم عن مشاعر إيجابية والبعض الآخر عن مشاعر سلبية تجاه الدولة اليهودية.

أظهر استطلاع رأي أجراه مجلس شيكاغو للشؤون العالمية في مايو أن الأمريكيين يمنحون إسرائيل تقييمًا “مخيبًا للآمال” بلغ 50 من 100، وهو الأدنى منذ عام 1978، مع انخفاض الدعم بشكل كبير بين الديمقراطيين.

وأفاد استطلاع رأي أجرته جامعة ماريلاند في أغسطس أنه ولأول مرة، يتعاطف عدد أكبر من الأمريكيين مع الفلسطينيين أكثر من الإسرائيليين، وأن 41% يعتبرون أفعال إسرائيل في غزة “إبادة جماعية” أو “شبيهة بالإبادة الجماعية”. أظهر استطلاع رأي أجرته جامعة كوينيبياك في أغسطس/آب أن 60% من المشاركين يعارضون المساعدات العسكرية الأمريكية لإسرائيل، وهو أعلى مستوى معارضة يُسجل في مثل هذه الاستطلاعات منذ هجوم حماس على إسرائيل في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023. كما وجد الاستطلاع أن 77% من الديمقراطيين و20% من الجمهوريين يعتقدون أن إسرائيل ترتكب إبادة جماعية في غزة.

 تعكس هذه البيانات تحولاً تاريخياً جذرياً: فبينما كان دعم إسرائيل في الماضي متساوياً تقريباً بين كلا المعسكرين السياسيين، اتسعت الفجوة على مدار ربع القرن الماضي، وخاصةً في السنوات الأخيرة، إلى مستويات غير مسبوقة. وهي لا تعكس تحولاً أيديولوجياً داخل كل حزب فحسب، بل تعكس أيضاً تسييساً متزايداً للقضية الإسرائيلية الفلسطينية، حيث أصبح الموقف من إسرائيل مسألة إجماع وطني ومؤشراً على الانتماء الحزبي.

 خلال الولاية الأولى للرئيس ترامب، ساء الوضع. وقد دمج بعض الديمقراطيين التقدميين دعم الفلسطينيين في أجندة أوسع للنضالات الاجتماعية، وخاصةً بعد احتجاجات حركة “حياة السود مهمة”. خلال حرب السيف الحديدي، ورغم دعم إدارة بايدن لإسرائيل، انتشر انتقاد إسرائيل لإيذائها المدنيين في غزة، وتراجع دعم الديمقراطيين لها بشكل ملحوظ. ومع ذلك، تشير نتائج استطلاعات الرأي بوضوح إلى أن الدعم بين الجمهوريين، وخاصةً بين الشباب، يشهد اليوم، ولأول مرة منذ سنوات، تراجعًا ملحوظًا. وحتى بعد تغيير الإدارة، لا تزال حرب السيف الحديدي تؤثر على الرأي العام.

بين الديمقراطيين، عزّزت الحرب الأصوات المعارضة لسياسة إسرائيل، بما في ذلك الدعوات إلى ربط المساعدات العسكرية بتلبية الشروط الإنسانية.

بين الإنجيليين الشباب، وسّعت صور غزة الفجوة مع الرسائل التقليدية للقيادة الدينية

.بين اليمين، وخاصةً مؤيدي حملة “لنجعل أمريكا عظيمة مجددًا”، احتدم الجدل حول مدى استفادة الولايات المتحدة من المساعدات غير المشروطة لإسرائيل.

 

 اتجاهات الحزب الديمقراطي

 

على الرغم من اتجاهات الرأي العام، وخاصةً بين الناخبين الديمقراطيين، قدّمت إدارة بايدن آنذاك دعمًا واسعًا لإسرائيل من خلال مساعدات طارئة بمليارات الدولارات، وأسلحة ومعدات عسكرية، وحماية دبلوماسية في الأمم المتحدة، وتعاون عسكري مباشر ضد حزب الله وإيران. ومع ذلك، فإن التراجع الكبير في دعم إسرائيل بين مؤيدي الحزب الديمقراطي بدأ يؤثر أيضًا على قيادة الحزب. في يوليو 2025، دعا 40 عضوًا ديمقراطيًا في مجلس الشيوخ إلى استئناف محادثات وقف إطلاق النار، وانتقدوا سياسة إدارة ترامب المتعلقة بالمساعدات الإنسانية. بعد أيام، صوّتت أغلبية أعضاء مجلس الشيوخ الديمقراطيين لصالح مقترحات رمزية للسيناتور بيرني ساندرز للحد من مبيعات الأسلحة لإسرائيل. ومن المرجح أن تُصعّب هذه الانتقادات اللاذعة في أوساط القاعدة الديمقراطية على أي قيادة حزبية مستقبلية استعادة نطاق الالتزام الذي سبق التعهد به تجاه إسرائيل. وفي هذا السياق، تجدر الإشارة إلى دعوة جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس بايدن، الديمقراطيين في الكونغرس للتصويت ضد نقل الأسلحة إلى إسرائيل.

 من المهم الإشارة إلى أن سلوك الحكومة الإسرائيلية له تأثير مباشر على تراجع الدعم، ليس فقط بسبب الحرب في قطاع غزة، ولكن أيضًا بسبب الشعور بتزايد الفجوات في القيم المشتركة – مع التركيز على الإضرار بالديمقراطية والاهتمام بحقوق الإنسان، والتقييم بأن الحكومة الإسرائيلية تخلت عن مبدأ الحفاظ على التوافق الحزبي، وتتجه بشكل رئيسي نحو العلاقات مع الجمهوريين. كما ساهمت العوامل التالية في ذلك:

اتهام رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بأنه اختار مواصلة الحرب في قطاع غزة للحفاظ على الائتلاف الحكومي.

معارضة نية الحكومة الإسرائيلية نقل السكان الفلسطينيين من قطاع غزة وضمه.

الادعاء بأن إسرائيل تنتهك القانون الدولي، بارتكابها جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية من خلال فرض قيود صارمة على المساعدات الإنسانية لقطاع غزة، واستخدام القوة ضد السكان المدنيين.

اتهام إسرائيل بالتساهل مع المتطرفين اليهود الذين يهاجمون الفلسطينيين في الضفة الغربية.

 

 

 الاتجاهات داخل الحزب الجمهوري

 

يواصل الرئيس ترامب وإدارته تقديم دعم واسع لإسرائيل، عسكريًا وسياسيًا، ورغم اهتمامهم بتعزيز هيكلية جديدة في الشرق الأوسط، تتمحور حول توسيع نطاق اتفاقيات إبراهيم، إلا أنه ليس من الواضح أنهم يضغطون على إسرائيل لإنهاء الحرب في غزة فورًا، وهو شرطٌ أساسيٌّ للمضي قدمًا في هذه الاستراتيجية. وكان قرار الرئيس ترامب بمهاجمة المنشأتين النوويتين في نطنز وفوردو، كشرطٍ ضروري لإنهاء الحرب بين إسرائيل وإيران في يونيو/حزيران، تعبيرًا واضحًا عن هذا الدعم.

 مع ذلك، حتى داخل الحزب الجمهوري، تتزايد دلائل انتقاد سلوك إسرائيل وتساؤلات حول منطق استمرار المساعدات لها. ولا يزال اليمين الأمريكي يُعرب عن دعمه لإسرائيل بشكل كبير، ولكن بين المحافظين الشباب، هناك تزايد ملحوظ في خطاب “أمريكا أولًا”، مما يُقوّض الحاجة إلى مساعدات خارجية واسعة النطاق، بما في ذلك لإسرائيل. حذّر قادة الرأي، بمن فيهم تاكر كارلسون وستيف بانون وتشارلي كيرك، من النفوذ المفرط للجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية (AIPAC) وضغطها لشنّ الحروب نيابةً عن إسرائيل. وقد تمسّكت معظم المؤسسة الجمهورية بدعمها لإسرائيل، لكن بعض أعضاء الكونغرس من الحزب انضمّوا مؤخرًا إلى هذه الانتقادات، وأبرزهم مارجوري تايلور غرين، التي اتهمت إسرائيل بارتكاب “إبادة جماعية” في غزة.

تُحدث هذه الديناميكية فجوةً بين قيادة الحزب، التي لا تزال تدعم إسرائيل دعمًا قاطعًا، وجزءٍ من الجمهور الأصغر سنًا، الذين لا يُبدون استعدادًا لدعم إسرائيل إلا عندما يُنظر إليها على أنها تعمل لصالح الولايات المتحدة مباشرةً. ويُشكّل تراجع دعم إسرائيل بين الجمهوريين الشباب، بمن فيهم المجتمع الإنجيلي، ضغطًا على قيادة الحزب، التي تُدرك التحوّل في الرأي العام المحلي.

 

 يهود الولايات المتحدة

 

لا توجد سوى استطلاعات رأي قليلة وموثوقة حول مواقف اليهود الأمريكيين من إسرائيل والحرب في غزة. أظهر استطلاع للرأي أجراه مركز معلومات الناخبين اليهود أن مشاعر الانتماء لإسرائيل قفزت إلى 82% فورًا بعد هجوم حماس، لكنها عادت منذ ذلك الحين إلى 69%، وهو مستوى ما قبل الحرب.

 امتنعت المنظمات اليهودية الكبرى، مثل الاتحادات الرئيسية، و”الجبهة الوطنية لأمريكا”، ومؤتمر الرؤساء، عن توجيه انتقادات علنية لطريقة إدارة الحرب. لكن الجناح الليبرالي، بقيادة حركة الإصلاح، أصدر بيانًا لاذعًا في يوليو/تموز أدان فيه “التجويع الواسع النطاق لآلاف الفلسطينيين في غزة”، واعتبر أن حرمانهم من الطعام والماء والدواء – وخاصة الأطفال – أمر “غير مبرر”.

 كما دفع قرار مجلس الوزراء السياسي الأمني ​​بتوسيع نطاق القتال واحتلال مدينة غزة اللجنة اليهودية الأمريكية (وهي منظمة معتدلة ذات نفوذ) إلى إصدار تحذير استثنائي من “مخاطر جسيمة” على وضع الرهائن وحياة المدنيين من كلا الجانبين. وفي الكواليس، يُحذر القادة اليهود من “أزمة غير مسبوقة” في مكانة إسرائيل لدى الولايات المتحدة. في هذا السياق، خصص اتحاد نيويورك مليون دولار لمنظمة الإغاثة الإسرائيلية “معونة إسرائيل” لتقديم المساعدات الإنسانية في غزة.

 

الملخص والتوصيات

 

يمر وضع إسرائيل في الولايات المتحدة بأزمة غير مسبوقة: فبينما لا تزال بعض قواعد دعمها التقليدية، وخاصة بين الجمهوريين الأكبر سنًا، مستقرة، فإن تراجع الدعم بين الديمقراطيين والمستقلين، وحتى بعض الجمهوريين، يُثير دلائل خطيرة. في الوقت الحالي، تعتمد إسرائيل بشكل متزايد على رئيس يُنظر إليه على أنه متقلب، وعلى حزب، على الرغم من سيطرته عليه، ينتقد ويشعر بخيبة أمل متزايدة تجاه تحركات إسرائيل ومدى الدعم الأمريكي لها. لا تعكس هذه الاتجاهات انتقادات لسلوك إسرائيل العسكري والسياسي فحسب، بل تعكس أيضًا تحولًا في القيم والأولويات لدى الرأي العام الأمريكي. إن تراجع التضامن الحزبي مع إسرائيل قد يضر بقدراتها الاستراتيجية والعملياتية، ويحد من مرونتها السياسية، ويجعلها عرضة للتحديات الإقليمية. لذلك، فإن تراجع الدعم الأمريكي ليس مجرد قضية سياسية، بل تهديد حقيقي لأمن إسرائيل.

 في ظل هذا الواقع، تحتاج إسرائيل إلى استراتيجية مُكيّفة لوقف التآكل المستمر وضمان صمودها الاستراتيجي والدبلوماسي في المستقبل. إن استراتيجية إعلامية لا ترتبط ارتباطًا مباشرًا وشفافًا بالسياسة الفعلية لن تنجح في تغيير الاتجاهات الحالية، وتشير التقديرات إلى أنه بدون خطوات ملموسة لإنهاء الحرب في قطاع غزة، ستواجه إسرائيل صعوبة في استعادة مكانتها لدى الرأي العام والقيادة السياسية في الولايات المتحدة.

ستكون استعادة الدعم الأمريكي لإسرائيل عملية طويلة، لكن لا يزال لإسرائيل حلفاء مهمون – بين اليهود الأمريكيين، وكبار السن الأمريكيين، والمسيحيين الإنجيليين، والمحافظين. وللبناء على هذا الأساس واستعادة الدعم الحزبي، يجب اتخاذ الخطوات التالية على وجه السرعة والترويج لها:

يجب على إسرائيل أن تقدم للحكومة الأمريكية وللرأي العام خطة منهجية، تتضمن أهدافًا سياسية وأمنية، وجداول زمنية، ومعالم بارزة، توضح نيتها إنهاء الحملة في قطاع غزة، وليس إدامتها.

يجب على إسرائيل السماح بدخول مساعدات إنسانية واسعة النطاق إلى القطاع (غذاء، دواء، وقود)، بالتنسيق مع الهيئات الدولية، وتقديم تقارير شفافة إلى الرأي العام الأمريكي والكونغرس حول الخطوات الرامية إلى الحد من الضرر الذي يلحق بالمدنيين.

من الضروري إعادة بناء قنوات حوار مباشرة مع قيادة الحزب الديمقراطي، وفي الوقت نفسه، زيادة التواصل مع المجتمعات اليهودية والمجتمعات التقدمية والمجموعات الطلابية، من أجل الحد من الاغتراب وتعزيز فهم هذه الجماهير بأن إسرائيل منتبهة للمخاوف الأخلاقية والاحتياجات القيمية للجمهور الديمقراطي.

على إسرائيل أن تُظهر استعدادها للدفع بخطوات سياسية (على سبيل المثال، تعزيز السلطة الفلسطينية، والمشاركة في عملية إقليمية برعاية أمريكية)، كدليل على التزامها بتعزيز حل مستقبلي للقضية الفلسطينية، وعدم الاكتفاء بإدارة الصراع بشكل مستمر.

------------------------------------------

إسرائيل اليوم 10/9/2025

 

كلما زادت إسرائيل الضغط العسكري في الساحة الفلسطينية دفعت ثمناً باهظاً

 

 

بقلم: يوآف ليمور

 

كان هذا اليوم (أمس) يوماً صعباً بصورة خاصة، ومن أصعب الأيام التي عرفتها إسرائيل في الفترة الأخيرة.

بدأ اليوم بخبرٍ لم يُسمح بنشره إلاّ في ساعات المساء، وذلك بشأن مقتل أربعة جنود في غزة، وتبع ذلك عملية إطلاق نار قُتل فيها ستة مدنيين في القدس، وفي هذه الأثناء، واصل سلاح الجو ملاحقة الطائرات المسيّرة التي تُطلَق نحو إسرائيل من اليمن.

كانت الحادثة في غزة دليلاً مؤلماً آخَر على الثمن والصعوبة الملازمَين لحرب العصابات؛ ففي الوقت الذي يعاني فيه الجيش الإسرائيلي جرّاء مشكلات مفهومة تتعلق بالتخبط والبطء في التحرك، فإن العدو ينشغل بالتخفي، ويستغل كل فرصة صغيرة للانقضاض على القوات.

ويشير التحقيق الأولي في الحادثة إلى أن ما حدث بالضبط هو أن مسلحين نجحوا في التسلل بسرّية إلى قرب موقع تحصَّن فيه لواء 401 في حي الشيخ رضوان، وألقوا عبوة ناسفة داخل دبابة كانت عائدة من عملية، وهو ما أسفر عن مقتل أربعة من طاقمها.

على الرغم من أن "حماس" لا تملك القدرة على أن تشكل قوة عسكرية تقليدية ضد الجيش الإسرائيلي، الذي يستعد لعملية "عربات جدعون 2"، فمن المرجح أنها أعدّت العديد من الكمائن، وتستعد لاستغلال نقاط الضعف لضرب القوات.

ومن المتوقَع أن تترافق مرحلة التوغل الكبير للجيش الإسرائيلي إلى داخل غزة مع سِتَارٍ ناري متحرك، لكنه لن يستطيع منع وقوع خسائر بشرية؛ ففي الجولة السابقة، حين تم احتلال المدينة في تشرين الثاني 2023، قُتل 122 جندياً، وتشير التوقعات التي قُدمت إلى أعضاء المجلس الوزاري إلى عدد كبير من الضحايا أيضاً في هذه الجولة (إلى جانب الخشية من الإضرار بالرهائن).

كما ذكرنا، فقد غيرت "حماس" منذ ذلك الحين طبيعة قتالها، لكن من المشكوك فيه أنها فقدت من اندفاعها، ويبدو أن تهديدات الوزراء لا تُرعبها، والجمهور الفلسطيني لا يسارع إلى مغادرة المدينة قبل العملية.

على الرغم من تسارُع قصْف الأبراج السكنية في غزة، فإنه لم يغادر جنوباً سوى أقل من 10% من سكان المدينة، وبالتالي، فإن الجيش الإسرائيلي سيكون مطالَباً بتكثيف الجهود – بما في ذلك بالقوة النارية – من أجل دفْع المدنيين إلى المغادرة، وهي خطوة ضرورية مسبقة لاحتلال المدينة.

إن كلّاً من الضغط العسكري في غزة، والتهديدات بتوسيعه، يشكلان أيضاً الخلفية للاضطرابات المتزايدة في الضفة الغربية؛ فمنفذو الهجوم عند تقاطُع راموت في القدس لا ينتمون إلى أي تنظيم "إرهابي"، ولم يكن لديهم ماضٍ أمني، لكن من المرجح أنهم تأثروا بما يجري في القطاع.

وقد نجحوا في التسلل عبر شبكة إحباط الهجمات المكثفة التي يشغّلها "الشاباك"، والتي أحبطت نحو 1000 عملية منذ بداية العام، ما يُعيد تأكيد أن الحرب ضد "الإرهاب" لا تضمن نجاحاً بنسبة 100%.

ويكشف الهجوم المسلح في القدس، مع ذلك، بعض نقاط الضعف، التي تَبْرُزُ بصورة خاصة في ظل الضغط العسكري الكبير الذي تمارسه إسرائيل في الضفة الغربية في الأشهر الأخيرة: الثغرة الأولى تتعلق بالعمال الفلسطينيين غير النظاميين (العمال من دون تصاريح)، وهو أمر تتجاهله الحكومة؛ فإن عشرات الآلاف من الفلسطينيين يقيمون في إسرائيل (ويعملون فيها) بصورة غير قانونية، وبعضهم يقيم بها بصورة دائمة، وبعضهم يدخل ويخرج يومياً.

إذاً، فالمسارات ونقاط التسلل معروفة، لكنها لا تُعالَج بجدية، وكذلك التعامل مع المهربين وأرباب العمل ليس شاملاً.

في موجة الهجمات سنة 2022، نجحت إسرائيل في إغلاق المنطقة الحدودية بفاعلية، لكن الحاجز عاد إلى التصدُع نتيجة الضائقة الاقتصادية في السلطة الفلسطينية.

ولا يتعلق الأمر بمسألة أمنية فقط، بل أيضاً بقضية وطنية؛ فإذا كانت إسرائيل في حاجة إلى قوة عاملة، فعليها أن تُدخل الفلسطينيين بطريقة رسمية، وبذلك يمكنها السيطرة على مَن يدخل أراضيها.

الثغرة الثانية تتعلق بكمية الأسلحة غير القانونية المنتشرة في الضفة؛ إذ تمكّن المسلحون من الحصول على سلاحَين استُخدما في العملية: رشاش "كارلو" محلّي الصنع (يُنتَج محلياً بناءً على تصميم السلاح السويدي "كارل غوستاف")، ومسدس عادي.

ولو كان في حوزتهم رشاش عادي، لكان عدد الضحايا أكبر كثيراً.

هذا يفرض على قوات الأمن تكثيف جهود جمع الأسلحة، بينما تبذل إيران جهوداً هائلة لتهريب السلاح عبر الحدود الأردنية.

الثغرة الثالثة، والمعروفة مسبقاً، هي الواقع المعقَد في القدس – المدينة الأكثر كثافة وتعقيداً في إسرائيل.

وفي الأسابيع المقبلة، سيصل هذا التحدي إلى ذروته، مع بدء أيام عيد الغفران (الصلوات الليلية قبل الأعياد)، وتليها أعياد شهر "تشري" العبري، والتي ستجلب إلى المدينة العديد من الزوار والفعاليات، على خلفية زيادة متوقعة في عدد اليهود الذين سيصعدون إلى الحرم القدسي، إلى جانب دعوات صريحة من "حماس" إلى شن هجمات انتقامية.

ويحذّر "الشاباك" منذ فترة من أن الضفة الغربية تقف على شفا انفجار غير قابل للسيطرة، يمكن أن يجر إليه أيضاً بعض عناصر الأجهزة الأمنية الفلسطينية.

وفي الوقت الحالي، فإن هذه التهديدات لا تحظى باهتمام الحكومة، التي تقتنع – تماماً كما في غزة – بأنها ستنجح في وقف هذا الاتجاه، لكن يبدو أن العكس هو ما يحدث؛ فكلما زادت إسرائيل استخدام القوة في الساحة الفلسطينية، في كلَا جزأَيها، دفعت ثمناً باهظاً أكثر.

وليس ذلك فقط في الميدان نفسه، بل أيضاً في الساحة السياسية، حيث يزداد الثمن يوماً بعد يوم؛ إذ أعلنت إسبانيا عدة خطوات مهمة يمكن أن تكون مقدمة لموجة من المقاطعات والعقوبات.

وقد ردت إسرائيل، طبعاً، بخطوات دبلوماسية من جانبها، لكنها ستكون في حاجة إلى ما هو أكثر كثيراً من ذلك لمواجهة التحدي الهائل الذي أمامها: في غزة، والضفة، وفي العالم كله.

ويمكن لخطة ترامب أن تكون خطوة في الاتجاه الصحيح، وأن تمنح إسرائيل فرصة للخروج من الهاوية الخطِرة التي تسير نحوها بعينَين مفتوحتين.

-----------------انتهت النشرة-----------------

disqus comments here