مراقب دولة الاحتلال: نتنياهو والحكومات المتعاقبة فشلوا في صياغة عقيدة أمن قومي لإسرائيل
تل أبيب: كشف تقرير جديد لمراقب الدولة الإسرائيلي، متنياهو أنغلمان، عن إخفاق إسرائيلي طويل الأمد في إعداد وإقرار "عقيدة أمن قومي رسمية"، معتبرًا أن هذا القصور حرم القيادة السياسية والعسكرية من رؤية إستراتيجية شاملة وأدّى إلى ضعف قدرة الدولة على مواجهة التحديات الأمنية المتغيرة.
وبحسب التقرير الذي صدر يوم الثلاثاء، فإنّ الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، وعلى رأسها حكومات بنيامين نتنياهو، فشلت في بلورة سياسة أمن قومي مكتوبة وموثقة وملزمة، رغم محاولات متكرّرة منذ نهاية التسعينيات.
وجاء في التقرير أن "القيادة السياسية لم تمارس مسؤوليتها لضمان أن تكون إسرائيل مستعدة لمواجهة التحديات الأمنية على أساس عقيدة أمن قومي منظمة ومحدثة ومصادق عليها رسميًا"، مؤكدًا أنّ هذا القصور ترك الجيش الإسرائيلي يعمل "من دون توجيه سياسي واضح أو رقابة فعّالة".
وقال أنغلمان إن الهدف من التقرير ليس تحميل المسؤولية المباشرة عن أحداث السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، بل تسليط الضوء على العلاقة بين غياب العقيدة الأمنية وضعف الجاهزية القومية. وأضاف أن "غياب مثل هذه العقيدة يجعل قدرة المستوى السياسي على توجيه الجيش والأجهزة الأمنية ومراقبتها محدودة، وفي بعض الحالات معدومة".
وأشار التقرير إلى أن نتنياهو بادر بين عامي 2017 و2018 إلى إعداد وثيقة بعنوان "عقيدة الأمن القومي 2030"، غير أنه لم يستكمل العمل عليها ولم يقدّمها لإقرار رسمي في الكابينيت، رغم إدراكه لأهميتها، وبهذا "لم يُنفّذ مسؤوليته في هذا الشأن"، بحسب نص التقرير.
كما انتقد المراقب أداء مجلس الأمن القومي الإسرائيلي الذي أُنشئ عام 2008، موضحًا أنه "لم يعرض منذ تأسيسه على الكابينيت أي صيغة محدّثة لعقيدة الأمن القومي"، ما يعني أنه لم يقم بدوره الذي نصّ عليه القانون.
ويرى التقرير في هذا الإخفاق المتراكم أحد جذور الفشل الذي ظهر في هجوم السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023، معتبرًا أن غياب عقيدة أمن قومي واضحة جعل القرارات الأمنية رهينة المبادرات الفردية داخل الجيش والحكومة، من دون إطار إستراتيجي يربطها بالأهداف القومية.
وقدّم المراقب أمثلة على قرارات عسكرية اتُّخذت دون توجيه سياسي مسبق، بينها تقليص وحدات الدبابات عام 2020، حين نفّذ الجيش خطة بهذا الخصوص من دون عرضها على الكابينيت أو موافقة وزير الأمن آنذاك، نفتالي بينيت.
في المقابل، نقلت صحيفة "يديعوت أحرونوت" أنّ مكتب رئيس الحكومة ردّ على ملاحظات المراقب بالتأكيد أن غياب الإقرار الرسمي لا يعني أن إسرائيل تعمل من دون عقيدة أمنية، إذ "قدّم نتنياهو تصوّره الأمني ووجّه الأجهزة الأمنية على أساسه"، وأن القانون لا يُلزم الحكومة بإقرار هذه الوثيقة رسميًا.
لكن المراقب شدّد على أنّ وجود عقيدة مصادق عليها رسميًا هو شرط للرقابة والمحاسبة وتوزيع الموارد بشكل متوازن بين الأمن والقطاعات الأخرى.
وبيّن التقرير أنّ ستّ محاولات جرت بين عامي 1998 و2021 لوضع عقيدة أمن قومي رسمية، إلا أنّ أياً منها لم يُقرّ، فيما كانت آخر مرة وُضعت فيها رؤية أمنية قومية شاملة في عام 1953 في عهد دافيد بن غوريون.
وأضاف أنغلمان أنّ "غياب رؤية قومية موحدة يفاقم التشتّت بين أجهزة الأمن ويمنع تحديد الأولويات على مستوى الدولة"، موصيًا بأن تتولى الحكومة ورئيسها إعداد وثيقة رسمية تُحدّد المصالح القومية والأولويات الأمنية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، على أن تُنشر هذه الوثيقة أمام الجمهور "في إطار مبدأ المسؤولية الحكومية تجاه المواطنين".
وأشار المراقب إلى أن غياب العقيدة الأمنية أدّى إلى "انهيار ثلاثة من المبادئ التي شكّلت أساس مفهوم الردع الإسرائيلي: الردع، والإنذار، والدفاع"، فيما بقي مبدأ الحسم غامضًا حتى اليوم.
وأظهر التقرير أن المسؤولين السياسيين والعسكريين، وفي مقدّمتهم نتنياهو وبينيت، أخطأوا في تقدير نيات حركة حماس، إذ اعتبروا أنها "مردوعة وغير معنية بالمواجهة"، وهو ما ثبت عكسه في السابع من أكتوبر.
واختتم مراقب الدولة تقريره بالتوصية بـ"إطلاق عملية منظمة لإقرار عقيدة أمن قومي رسمية تُحدّد المصالح العليا لإسرائيل وتوجّه عمل الأجهزة الأمنية"، محذرًا من أن استمرار الوضع القائم "يُبقي الدولة من دون بوصلة إستراتيجية واضحة ويُضعف قدرتها على الاستعداد لمخاطر المستقبل".