توتر العلاقات بين مصر وإسرائيل

ترجع أسباب التوتر بين مصر وإسرائيل إلى السياسات الإسرائيلية التي تشكل تهديداً للأمن القومي المصري والعربي أيضاً، تصاعد التوتر بين الجانبين بعد رفض مصر اقتراح الرئيس الأميركي دونالد ترامب لما يسمى «اليوم التالي» ورفض مصر استقبال المهجّرين الفلسطينيين من قطاع غزة في الأراضي المصرية.

بل رفضت مصر بشدة اقتراح زعيم المعارضة يائير لابيد الذي يدعو إلى وضع قطاع غزة تحت مسؤولية مصر لمدة 15 عاماً، مقابل إلغاء المجتمع الدولي للديون الخارجية المصرية التي تقدر بـ«155» مليار دولار. مؤكدة أن القاهرة لن تشارك في أي محاولة للسيطرة على غزة، وبعد هذا الرفض تعرضت هي وجيشها إلى انتقادات حادة واتهامات شديدة من قبل سياسيين ومسؤولين وعسكريين إسرائيليين.

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، قال إن «غزة تحولت إلى سجن كبير، وأن مصر تمنع الفلسطينيين من مغادرة القطاع»، لكن الأمور لم تتوقف عند انتقادات المستوى السياسي، ووصل إلى الجانب العسكري والأمني، في الجانب العسكري عبّر أكثر من مسؤول إسرائيلي عن تخوفه من الوضع العسكري لمصر، إذ أعرب مندوب إسرائيل الدائم في الأمم المتحدة داني دانون عن مخاوف بشأن تسلح الجيش المصري.

رد عليه مندوب مصر الدائم لدى الأمم المتحدة مؤكداً أن العقيدة العسكرية المصرية دفاعية، كما أنها قادرة على الردع، قائلاً «إن مصر أول من أرسى دعائم السلام في الشرق الأوسط، وهي ملتزمة بقضية السلام كخيار استراتيجي، لكنها قادرة على الدفاع عن أمنها القومي بجيش قوي، وتاريخ يمتد لآلاف السنين».

من الناحية الأمنية تروّج جهات إسرائيلية أخباراً عن استعدادات عسكرية مصرية، ويجري الحديث عن تعزيزات عسكرية تحشدها القاهرة، لمهاجمة إسرائيل بشكل غير متوقع رغم معاهدة السلام، مما دفع وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس للتصريح « لن يسمح لمصر بانتهاك معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية عام 1979». أما رئيس الأركان الإسرائيلي هرتسي هاليفي - قبل استقالته- قال: إن « مصر لا تشكل تهديداً حالياً لإسرائيل لكن الأمر قد يتغير في لحظة» معبّراً عن قلقه مما سماه تهديداَ أمنياً مستقبلياً من مصر. وطبقاً ليديعوت أحرونوت، فإن الوزير الإسرائيلي السابق يوفال شتاينتز، الذي يشغل حالياً منصب رئيس مجلس إدارة شركة رافائيل لأنظمة الدفاع المتقدمة، كان قد حذر من تنامي القدرات العسكرية المصرية، وشدد على ضرورة أن تراقب إسرائيل التطورات عن كثب. وتقول يديعوت أحرونوت إن هذه المخاوف تأتي مع احتدام التوتر بين إسرائيل ومصر منذ اندلاع الحرب في غزة، لا سيما فيما يتعلق بممر فيلادلفيا حيث طالبت مصر إسرائيل بسحب قواتها.

لم تبقَ الأمور مجرد شائعات وقلق ومخاوف وتحذير، بل وصلت إلى حد الاتهامات، حيث طالت اتهامات غير موثقة مصر أنها مسؤولة بشكل كبير عما حصل في السابع من أكتوبر، في إشارة إلى عملية طوفان الأقصى، وأن حماس تسلحت عن طريقهم. سفير إسرائيل لدى الولايات المتحدة يحيئيل لايتر اتهم مصر بارتكاب انتهاك خطير للغاية لمعاهدة السلام المبرمة معها، وتحاول توسيع وجودها العسكري في شبه جزيرة سيناء. وهناك قواعد بُنيت، ولا تُستخدم إلا في العمليات الهجومية والأسلحة الهجومية.

وقد تحدث السفير بالتفصيل عن توسيع المطارات العسكرية شرق القاهرة وفي سيناء ورفيدم والعريش، وبناء خنادق محصنة، وبناء مخابئ جديدة، وحواجز مضادة للدبابات، ومستودعات ذخيرة جديدة، ومضاعفة احتياطي الوقود، وتشييد 7 أنفاق تحت قناة السويس -أربعة منها قرب مدينة الإسماعيلية وثلاثة قرب مدينة بورسعيد- وتوسيع الطرق الرئيسية في سيناء وتحويلها إلى طرق سريعة، رغم انخفاض حركة المرور المدنية في تلك المناطق التي تشهد كثافة سكانية قليلة، ووفقاً لمصادر أمنية، فإن مصر لديها قوات عسكرية في شبه جزيرة سيناء أكثر بأربع مرات من المسموح لها بموجب اتفاقية كامب ديفيد للسلام، ولو أنها جاءت بموافقة إسرائيلية على حرب الجيش المصري ضد تنظيم داعش في سيناء، بينما يقول مراقبون أن أعداد كبيرة من القوات والعتاد والأسلحة نُقلت إلى القرب من الحدود في سيناء، لمواجهة المخطط الإسرائيلي للتهجير القسري، الذي إن حدث سيفجر الوضع المتوتر أصلاً.

وترى اسرائيل أن مصر خالفت المادة الرابعة من اتفاقية كامب ديفيد للسلام 1979، حسبما جاء في البند الأول من المادة الرابعة «تقام ترتيبات أمن متفق عليها بما في ذلك مناطق محدودة التسليح في الأراضي المصرية أو الإسرائيلية وقوات أمم متحدة ومراقبين من الأمم المتحدة. وهذه الترتيبات موضحة تفصيلاً من حيث الطبيعة والتوقيت في الملحق الأول، وكذلك أية ترتيبات أمن أخرى قد يوقع عليها الطرفان».

ضابط استخبارات إسرائيلي سابق، شن هجوماً حاداً على مصر بأنها « تدوس على اتفاقية السلام منذ توقيعها العام 1979، وتقضمها بلا كلل.. مما يمنح مصر امتيازاً استراتيجياً يقرب المدافع 60 كيلومتراً من إسرائيل، يبدو هذا وكأنه انتحار». وزعم أن: «هذا سيقرب البنادق المصرية من تل أبيب، في الوقت الذي دعمت فيه مصر حماس وسلحتها لسنوات طويلة».

امتد الوضع المتوتر إلى سباق تسلح حيث كشفت وسائل إعلام إسرائيلية أن إسرائيل تسعى للحصول على المقاتلة الأمريكية الجديدة F-15EX Eagle II، وذلك بهدف الحفاظ على تفوق سلاح الجو الإسرائيلي على نظيره المصري، بعد صفقة طائرات صينية متطورة لمصر تحقق للقاهرة تفوقاً جوياً تقلق إسرائيل.

ورغم أن العديد من المحللين يتفقون على أن العلاقات بين مصر وإسرائيل شهدت توتراً منذ بدء الحرب في غزة، وبدأت مظاهره، باتهامات متبادلة بالمسؤولية عن إغلاق معبر رفح، وتصاعدت تباعاً مع انتهاكات تل أبيب لمعاهدة السلام بالوجود في محور فيلادلفيا، واتهامات من جانب تل أبيب للقاهرة بخرق المعاهدة، عبر تحديث البنية العسكرية في سيناء. يُشار أيضاً إلى أسباب أخرى لهذا التوتر، لما تصدره القاهرة من بيانات الإدانة والاستنكار لسياسات إسرائيل، حيث أدانت وزارة الخارجية المصرية ممارسات إسرائيل في الضفة الغربية وغزة وسوريا، وطالبت بإلزام إسرائيل بإنهاء احتلالها للأراضي السورية، واحترام اتفاقية فضّ الاشتباك لعام 1974 ووقف الغارات الإسرائيلية على مواقع عدة في الأراضي السورية، مستغلة الأوضاع الداخلية في سوريا، في انتهاك صارخ جديد للقانون الدولي، وتعدٍ سافر على سيادة الدولة السورية واستقلالها ووحدة أراضيها.

واستنكرت مصر الاستهداف الإسرائيلي المتعمد للمنشآت والطواقم التابعة للوكالات والمنظمات الأممية، والمنشآت الطبية، وما يعكسه هذا السلوك الشائن من عدم اكتراث كامل بالقانون الدولي، وإصرار إسرائيل على مواصلة ارتكاب الجرائم من دون رادع، وسط صمت دولي مخزٍ. وعبّرت القاهرة عن استنكارها وإدانتها الكاملة لاقتحام وزير الأمن القومي الإسرائيلي للمسجد الأقصى، محذرة من مغبة الاستمرار في هذا النهج شديد الاستفزاز والتهور.

يزيد التصعيد العسكري في غزة من حدة التوتر في العلاقات مع مصر، لما يشكله التصعيد في المنطقة من مخاطر على الأمن القومي المصري بحكم الجوار الجغرافي، ويرجع آخرون التوتر بين مصر وإسرائيل إلى عدم احترام تل أبيب لدور الوسيطين القطري والمصري، اللذين يحاولان طوال الوقت محاصرة كل أشكال الانتهاك الإسرائيلي، وبذل جهد كبير في الوساطة لوقف إطلاق النار في القطاع، التي ما أن تؤدي إلى اقتراب انتهاء الحرب، حتى تخرق اسرائيل اتفاق وقف إطلاق النار في غزة. هذه الانتهاكات الإسرائيلية تؤدي في المنطقة إلى خلق توتر في العلاقات مع القاهرة. باعتبارها محاولة للدفع نحو مزيد من التصعيد والتضييق على الشعب الفلسطيني ودفعه للتهجير، وتعطيل تنفيذ المراحل اللاحقة، وفي مقدمتها «إعادة الإعمار» التي أعدّت القاهرة خطة متكاملة بشأنه لمواجهة مخطط التهجير وتصفية القضية الفلسطينية.

وحسب محللين سياسيين فإن تصاعد التوتر بين مصر وإسرائيل، لن يتجاوز الأُطر السياسية وأكدوا أن القاهرة ملتزمة بالمسارات الدبلوماسية، وتلجأ إلى المجتمع الدولي للمطالبة بـتحمل مسؤوليته في هذا الإطار، والابتعاد عن سياسة ازدواج المعايير، ووضع حدّ للسلوك الإسرائيلي. وطالبت «الأطراف الدولية الفاعلة بالاضطلاع بمسؤولياتها تجاه التجاوزات الإسرائيلية المتكررة، وشدّدت على أن استمرار العجز عن وقف الانتهاكات والاستفزازات الإسرائيلية، وعدم اتخاذ إجراءات رادعة من قبل المجتمع الدولي لوضع حدّ لتلك التصرفات المستهترة والمستخفة بالقانون الدولي، من شأنهما أن يشكّلا أساساً لموجة غضب واسعة قد تتسبب في تفجر الأوضاع بمنطقة الشرق الأوسط، وتؤدي إلى تداعيات خطيرة على السلم والأمن الدوليين.

disqus comments here