مجازر وتجويع وحصار.. عشرات الشهداء من المجوعين وغارات إسرائيلية متواصلة على قطاع غزة

غزة: يواصل الجيش الإسرائيلي حربه المفتوحة على قطاع غزة لليوم الـ668 على التوالي، وسط مشاهد كارثية من التجويع الممنهج، والدمار الواسع، والمجازر بحق المدنيين، خاصة أولئك الذين يحاولون الوصول إلى مراكز توزيع المساعدات الإنسانية، التي تعرف بـ"المساعدات الأميركية"، لسد رمق أطفالهم في ظل الانهيار الكامل للمنظومة الإنسانية.
وترافق هذه الهجمات حصار خانق وإغلاق كامل للمعابر، مع منع دخول المساعدات الإنسانية، ما أدى إلى تفشي المجاعة على نطاق واسع وظهور أمراض مرتبطة بسوء التغذية، خاصة بين الأطفال والنساء.
في اليوم الـ140 من استئناف الحرب الإسرائيلية على غزة، بعد خرق اتفاق وقف إطلاق النار، ركز سلاح الجو الإسرائيلي ضرباته على مناطق قريبة من مراكز توزيع المساعدات، مستهدفا بشكل مباشر تجمعات مدنية.
استشهد وأصيب العديد من المجوّعين ومنتظري المساعدات نتيجة استهدافهم بنيران الاحتلال في شمال وجنوب قطاع غزة، في وقت يدعي الاحتلال عمله من أجل توفير "ممرات آمنة" وإتاحة الوصول إلى حمولات المساعدات التي يتم إسقاطها من الجو على القطاع.
وأعلنت وزارة الصحة في غزة، الأحد استشهاد 6 فلسطينيين خلال 24 ساعة جراء المجاعة وسوء التغذية، إلى جانب 35 آخرين سقطوا برصاص جيش الاحتلال عند نقاط توزيع المساعدات، لترتفع حصيلة شهداء المجاعة إلى 175، بينهم 93 طفلًا.
وفي ظل هذا التصعيد، كشفت وسائل إعلام عبرية عن اتصالات متقدمة بين بنيامين نتنياهو ودونالد ترامب لبحث مقترح تسوية يتضمن وقفًا شاملًا للحرب مقابل إطلاق جميع الأسرى، ونزع سلاح المقاومة، ووضع غزة تحت إدارة دولية بقيادة أميركية، وذلك بعد نشر كتائب القسام مقطعًا مصورًا لأسير إسرائيلي يشتكي الجوع، ما فجّر غضب عائلات الرهائن داخل إسرائيل.
ارتفاع حصيلة الضحايا
أعلنت مصادر طبية، يوم الأحد، ارتفاع حصيلة الشهداء في قطاع غزة إلى 60,839، أغلبيتهم من الأطفال والنساء، منذ بدء عدوان الاحتلال الإسرائيلي في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023.
وأضافت المصادر ذاتها، أن حصيلة الإصابات ارتفعت إلى 149,588، منذ بدء العدوان، في حين لا يزال عدد من الضحايا تحت الأنقاض، ولا تستطيع طواقم الإسعاف والدفاع المدني الوصول إليهم.
وأشارت إلى أنه وصل إلى مستشفيات قطاع غزة 119 شهيدا (15 شهيدا منهم انتُشلت جثامينهم)، و866 مصابا خلال الساعات الـ24 الماضية، فيما بلغت حصيلة الشهداء والإصابات منذ 18 آذار/ مارس الماضي بعد خرق الاحتلال اتفاق وقف إطلاق النار 9,350 شهيدا، و37,547 مصابا.
وبينت أن حصيلة من وصل إلى المستشفيات من شهداء المساعدات خلال الساعات الـ24 الماضية 65 شهيدا، و511 إصابة، ليرتفع إجمالي شهداء لقمة العيش ممن وصلوا إلى المستشفيات إلى 1,487، والإصابات إلى 10,578.
ولفتت إلى أن هناك عددا من الضحايا ما زالوا تحت الركام وفي الطرقات، ولا تستطيع طواقم الإسعاف والدفاع المدني الوصول إليهم.
مجازر متواصلة.. شهداء وجرحى
استشهدت مواطنة وأصيب آخرون، مساء يوم الأحد، في قصف للاحتلال الإسرائيلي وسط قطاع غزة.
وأفادت مصادر محلية بأن القصف استهدف منزلا في مخيم 2 بالنصيرات، وسط القطاع
استُشهد ما لا يقل عن 70 مواطنا، بينهم 37 من طالبي المساعدات الإنسانية، وأُصيب العشرات بجروح متفاوتة، جراء العدوان الإسرائيلي المتواصل على قطاع غزة منذ فجر اليوم الأحد.
وأفادت مصادر طبية وشهود عيان، بأن قوات الاحتلال استهدفت مجموعات من المدنيين خلال انتظارهم تسلّم مساعدات غذائية، ما أدى إلى ارتقاء 37 شهيدًا في مناطق متفرقة، بينهم 7 على الأقل في منطقة جنوبية قرب مدينة خان يونس، حيث تم إطلاق النار بشكل مباشر قرب محور موراغ.
وأضافت المصادر، أن حصيلة الضحايا مرشحة للارتفاع بسبب وجود إصابات حرجة، في ظل انهيار المنظومة الصحية بشكل شبه تام، واستمرار الحصار المطبق ومنع دخول المستلزمات الطبية.
وفي السياق، وصفت منسقة الشؤون الإنسانية في منظمة أوكسفام الدولية ما يجري في غزة بأنه "إبادة حقيقية"، مشيرة إلى أن الاحتلال الإسرائيلي يمنع دخول المساعدات الغذائية والطبية إلى القطاع، ولا يسمح حتى لموظفي الأمم المتحدة بالوصول لتقييم الوضع الإنساني الكارثي.
وقالت المنسقة في تصريحات صحفية: "في غزة، هناك أشخاص يتضورون جوعًا حتى الموت".
وأضافت: "يموت المرضى بسبب نقص الأدوية ومنع إدخال المستلزمات الطبية.. وأن ما يحدث ليس أزمة إنسانية فحسب، بل جريمة مستمرة تتطلب تدخلًا دوليًا فوريًا".
ودعت إلى ممارسة ضغط دولي حقيقي على الاحتلال لفتح المعابر والسماح بإدخال المساعدات، وضمان حماية المدنيين والمؤسسات الإنسانية العاملة في القطاع.
استُشهد مواطنان وأصيب آخرون، يوم الأحد، جرّاء قصف إسرائيلي استهدف عناصر تأمين المساعدات الإنسانية في منطقة المخابرات، شمال غربي مدينة غزة.
وأفادت مصادر طبية، بأن القصف أوقع شهداء ومصابين في صفوف طواقم المساعدات ومرافقيها، في وقت تتواصل فيه الهجمات التي تطال حتى الجهود الإغاثية، وسط انهيار تام للمنظومة الإنسانية في القطاع.
وفي سياق متصل، استُشهد المواطن رأفت حسين العرجا (34 عامًا)، أحد العاملين في مركز مساعدات الطينة شمال غربي مدينة رفح، جرّاء استهداف مباشر للمركز الذي يشرف عليه.
انتشلت طواقم الإنقاذ، بعد ظهر يوم الأحد، جثامين 20 شهيدا ارتقوا في قصف الاحتلال أحياء الشجاعية والتفاح والزيتون شرق مدينة غزة.
وأعلنت مصادر طبية، استشهاد 44 مواطنا بنيران جيش الاحتلال الإسرائيلي منذ فجر الأحد، 22 منهم من منتظري المساعدات.
أعلنت مصادر طبية في قطاع غزة، وفاة ستة أشخاص، جميعهم من البالغين، نتيجة المجاعة وسوء التغذية، سجّلتها مستشفيات قطاع غزة، خلال الساعات الـ24 الماضية.
وبهذا يرتفع العدد الإجمالي لضحايا المجاعة وسوء التغذية إلى 175 شهيدًا، من بينهم 93 طفلًا.
يشار إلى أن الأزمة الإنسانية في قطاع غزة مستمرة في التفاقم، في ظل الحصار ونقص الإمدادات الغذائية والطبية، إذ تتداخل المجاعة القاسية مع حرب إبادة جماعية تشنها إسرائيل، منذ السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023.
وتغلق سلطات الاحتلال منذ 2 آذار/ مارس 2025 جميع المعابر مع القطاع، وتمنع دخول معظم المساعدات الغذائية والطبية، ما تسبب في تفشي المجاعة داخل القطاع.
وكانت وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين (الأونروا)، قد حذرت من أن سوء التغذية بين الأطفال دون سن الخامسة قد تضاعف بين آذار/مارس وحزيران/يونيو، نتيجة لاستمرار الحصار.
وأكدت منظمة الصحة العالمية أن معدلات سوء التغذية في غزة وصلت إلى مستويات مثيرة للقلق، وأن الحصار المتعمد وتأخير المساعدات تسببا في فقدان أرواح كثيرة، وأن ما يقارب واحدا من كل خمسة أطفال دون سن الخامسة في مدينة غزة يعاني سوء تغذية حادا.
استشهد 18 مواطنا، 13 منهم من منتظري المساعدات، وأصيب آخرون، منذ صباح اليوم الأحد، برصاص وقصف جيش الاحتلال أنحاء متفرقة في قطاع غزة.
وأفاد مراسلونا نقلا عن مصادر طبية، باستشهاد 9 مواطنين بنيران قوات الاحتلال قرب مراكز مساعدات شمال رفح.
وأضافت المصادر ذاتها، أن شهيدين ارتقيا وأصيب آخرون، جراء قصف طائرات الاحتلال مدرسة تؤوي نازحين في حي الأمل غرب خان يونس.
وأشارت إلى استشهاد ثلاثة مواطنين، إصابة آخرين، في استهداف الاحتلال تجمعا للمواطنين في حي الشجاعية، شرق مدينة غزة.
وارتقى 4 مواطنين، وأصيب آخرون، جراء استهداف الاحتلال منتظري المساعدات بالقرب من "نتساريم" وسط القطاع.
وتواصل مدفعية الاحتلال قصف وسط خان يونس.
استشهد موظف وأصيب ثلاثة آخرون، فجر يوم الأحد، جراء قصف قوات الاحتلال الاسرائيلي، مقر جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني في مدينة خان يونس.
وأوضحت الجمعية في بيان صحفي مقتضب، أن قوات الاحتلال قصفت الطابق الاول من مبنى الجمعية، ما ادى الى استشهاد أحد الموظفين وإصابة ثلاثة آخرين، واشتعال النيران في الطابق.
مفاوضات وقف إطلاق النار
كشفت وسائل إعلام عبرية عن اتصالات متقدمة بين بنيامين نتنياهو ودونالد ترامب لبحث مقترح تسوية يتضمن وقفًا شاملًا للحرب مقابل إطلاق جميع الأسرى، ونزع سلاح المقاومة، ووضع غزة تحت إدارة دولية بقيادة أميركية، وذلك بعد نشر كتائب القسام مقطعًا مصورًا لأسير إسرائيلي يشتكي الجوع، ما فجّر غضب عائلات الرهائن داخل إسرائيل.
قالت صحيفة "هآرتس" العبرية في تقرير لها يوم الأحد، أن الصعوبة في التوصل إلى صفقة لا تكمن فقط في الموقف المتشدد الذي تبديه حركة حماس، بل أيضًا في صراعات القوى داخلها.
وأضافت أن جهود وساطة لصفقة الرهائن تسير حاليًا في ثلاثة مسارات منفصلة، من دون وجود حلقة وصل قد تثمر نتائج.
في المسار الأول، تواصل مصر وقطر إجراء اتصالات مع حماس، وانضمّت إليهما تركيا، حيث استضاف وزير خارجيتها هاكان فيدان يوم الجمعة وفدًا من الحركة برئاسة رئيس مجلس قيادتها، محمد درويش.
في المسار الثاني، الذي أعيد تنشيطه بجهود ستيف ويتكوف، تحاول الولايات المتحدة “تحسين” الموقف الإسرائيلي وصياغة مقترحات قد تقبل بها حماس. صحيح أن ترامب ساهم بتغريدة هجومية قال فيها إن “أسرع طريقة لإنهاء الأزمة الإنسانية في غزة هي أن تستسلم حماس وتفرج عن الأسرى”، إلا أن هذه التغريدة بدت ضعيفة مقارنة بتحذيره الشهر الماضي، عندما قال: “عليكم أن تختاروا – إما أن تفرجوا فورًا عن جميع الأسرى وتعيدوا جثامين كل من قتلتموهم، أو سيكون هذا نهايتكم. أنا أرسل إلى إسرائيل كل ما تحتاجه لإنهاء المهمة”. ومنذ ذلك الحين، يبدو أن مسار الضغط الوحيد المتاح أمام واشنطن يمرّ عبر القدس، حيث باتت غزة تمثل تهديدًا داخليًا لحملة ترامب.
في المسار الثالث، تعمل دول الخليج بقيادة السعودية، ومع فرنسا ودول أوروبية أخرى، على بلورة حل سياسي يشمل الاعتراف بدولة فلسطينية، وقبل ذلك إنشاء كيان لإدارة غزة لا تكون حماس شريكة فيه.
وقالت الصحيفة العبرية، تواجه هذه المسارات الثلاثة موقفًا متشددًا من حماس، عبّر عنه خليل الحية، نائب يحيى السنوار. وقال الحية: “لا جدوى من التفاوض بينما تشن إسرائيل حرب إبادة وتجويع على غزة”، موضحًا أنه لن يعود إلى طاولة المفاوضات إلا إذا أُدخلت مساعدات إنسانية إلى القطاع “بشكل لائق”. لكن مجرد العودة إلى المفاوضات لا يضمن التوصل إلى صفقة، إذ لم تتغير المطالب الأساسية للحركة. كما أنه ليس واضحًا ما إذا كان الحية يشير إلى صفقة جزئية أم شاملة، كما تتحدث مصادر أمنية إسرائيلية.
المقترح الجزئي، الذي تحقق فيه بعض التقدم، قد يكون له فرصة أكبر في حال فتح مسارات المساعدات الإنسانية، لكن لا تزال هناك خلافات جوهرية مثل عدد الأسرى الفلسطينيين الذين سيتم الإفراج عنهم ومدى انسحاب الجيش الإسرائيلي. أما الصفقة الشاملة، فهي أكثر تعقيدًا، لأنها تتطلب قرارًا إسرائيليًا بوقف الحرب، الانسحاب من غالبية مناطق القطاع، وتشكيل كيان فلسطيني أو فلسطيني-عربي لإدارة غزة. في المقابل، تطالب إسرائيل بأن تنزع حماس سلاحها، أن تُنفى قيادتها في غزة، وألا تكون شريكة كتنظيم في إدارة القطاع.
حماس صرّحت بأنها مستعدة للتنازل عن حصتها في الحكم إذا أُقيم “جسم إداري متوافق عليه”، لكن النفي القسري ليس جزءًا من معادلتها، وقد أوضح ممثلوها أنهم لن يضعوا السلاح “إلا إذا أُقيمت دولة فلسطينية مستقلة”.
حماس تخشى من الاعتراف بدولة فلسطينية، لأنه قد يفرض عليها الاعتراف بإسرائيل، التخلي عن الكفاح المسلح، وقبل كل شيء، فقدان دورها في إدارة الدولة المقبلة وصياغة هويتها.
في الأثناء، أثار الحية عاصفة في مصر عندما دعا “شعب مصر، قادة مصر، جيش مصر، العائلات، المثقفين، الكنائس والنخب” إلى التحرك: “إخوانكم في غزة يموتون جوعًا، وهم على حدودكم… قرّبوا صوتكم، حتى لا تموت غزة جوعًا، وحتى تفتح مصر معبر رفح”.
النظام المصري، الذي يفرض قبضة مشددة على الإعلام ويمنع المظاهرات المؤيدة لغزة، اعتبر هذه الدعوة اتهامًا مباشرًا للقاهرة بالتجويع، ومحاولة لإثارة التمرد الشعبي. الكاتب محمد السيد صالح كتب ردًا أن “إجراءات القمع الإسرائيلية وتوسيع الاستيطان، التي تهدف إلى تقويض حل الدولتين، تسارعت في العقود الثلاثة الماضية، لكن ما فعلته حماس في عملية طوفان الأقصى أخطر بكثير”. وأضاف في صحيفة “المصري اليوم” أن “جزءًا كبيرًا من الرأي العام المصري والعربي يتفق معه”. مصر الرسمية أوضحت أنها ستواصل جهود الوساطة رغم تصريحات الحية، لكنها اعترفت بأن أدوات الضغط المتوفرة لديها محدودة.
على الورق، تبدو المبادرة السياسية التي تقودها السعودية وفرنسا، والتي انضمت إليها دول غربية أعلنت نيتها الاعتراف بدولة فلسطينية (بشروط محددة)، وكأنها قد توفّر لحماس “سلّم نزول” يمكّنها من ترك السلاح. نظريًا، قد تدّعي الحركة أنها حققت الحلم الوطني الفلسطيني، لا فتح أو السلطة. لكن هذه المبادرة تفتقر إلى ركيزتين تمنحانها أفقًا واقعيًا: إسرائيل ترى فيها تهديدًا موجّهًا ضدها وتعتبرها “جائزة للإرهاب”، والولايات المتحدة، التي تقف خلفها، أوضحت موقفها عندما فرض ترامب عقوبات مبهمة على قيادة منظمة التحرير وعلى مسؤولين في السلطة الفلسطينية.
ومن المفارقات، أن حماس تشارك من حيث الجوهر موقف إسرائيل والولايات المتحدة، لأن الاعتراف بدولة فلسطينية قد يلزمها بالاعتراف بإسرائيل، ونبذ الكفاح المسلح، والأهم من ذلك، التخلّي عن دورها في إدارة الدولة القادمة وصياغة هويتها، مصادر في الحركة تقول إن أحدًا لم يسألها عن موقفها من الاعتراف الدولي المحتمل بدولة فلسطينية.
مصدر فلسطيني في الضفة الغربية مقرّب من الحركة قال لـ”هآرتس” إن مسألة طبيعة الدولة الفلسطينية أُثيرت سابقًا في محادثات المصالحة بين فتح وحماس التي أدّت إلى الإعلان عن تشكيل حكومة فلسطينية موحدة. بل صدرت حينها تصريحات علنية عن التزام حماس بالاتفاقات التي وقّعتها منظمة التحرير، بما فيها اتفاق أوسلو، والسعي إلى إقامة دولة فلسطينية. لكن “تلك التفاهمات انهارت، والتصريحات تم إنكارها أو تعديلها بعد وقت قصير”.
المبادرة السياسية التي تقودها السعودية وفرنسا تفتقر إلى ركيزتين تمنحانها أفقًا واقعيًا. إسرائيل ترى فيها تهديدًا موجّهًا ضدها، والولايات المتحدة أوضحت موقفها حين فرض ترامب عقوبات غامضة على قيادة منظمة التحرير ومسؤولين في السلطة الفلسطينية.
بحسب نفس المصدر، فإن “حماس اليوم في مكان مختلف، ولا يوجد أحد يمكنه اتخاذ قرارات سياسية حاسمة. الهيكلية التي كانت تميز الحركة انهارت، ومجلس الشورى، الذي كان يحدد المواقف الأيديولوجية التي تُشتق منها الاستراتيجية، بات جسمًا ضعيفًا، منقسمًا، وعديم السيطرة الميدانية”.
الوضع مشابه أيضًا في مجلس القيادة، المسؤول عن الشؤون اليومية للحركة، والذي أُنشئ بعد اغتيال إسماعيل هنية في يوليو/تموز 2024. من أعضائه: خالد مشعل، خليل الحية، المسؤول عن الضفة زاهر جبارين، الأمين العام نزار عوض الله، ودرويش، الذي يرأس أيضًا مجلس الشورى. لا يسود بين هؤلاء انسجام لا على المستوى الشخصي ولا الأيديولوجي أو السياسي. ويكفي أن نذكر أن نزار عوض الله كان منافسًا سياسيًا ليحيى السنوار على رئاسة المكتب السياسي في غزة. أما مشعل، الذي قطع العلاقة مع سوريا بعد المجازر التي ارتكبها بشار الأسد، وأدى إلى قطيعة طويلة مع إيران، فيُعتبر اليوم شخصية “معتدلة” تدفع نحو تسويات تُنهي الحرب. في حين يُنظر إلى درويش على أنه مقرّب من دوائر السلطة الإيرانية.
إلى هذه الخلافات الشخصية والفكرية تنضم مشكلة غياب شخصية قوية وكاريزماتية داخل الحركة قادرة على اتخاذ قرار وفرضه على القيادة. ووفقًا لمصادر نُقلت في صحيفة “الشرق الأوسط”، فإن هذا يتجلى مؤخرًا في توجه الحركة إلى التشاور مع تنظيمات فلسطينية أخرى مثل الجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية في كل مرة تتلقّى فيها عرضًا من الوسطاء، بينما في الماضي لم تكن تُعير لمواقف تلك التنظيمات أي اهتمام تقريبًا.
وختمت الصحيفة العبرية تقريرها بالقول، من الصعب تقدير تأثير توسيع دائرة التشاور على المفاوضات، وليس من الواضح أيضًا مدى انصياع من يحتجزون الأسرى فعليًا لقيادة حماس. الافتراض العملي هو أن مجرد مناقشة التفاصيل الملموسة المتعلقة بالصفقة يدل على أن حماس قادرة على تنفيذ ما يتم الاتفاق عليه، لكن لا توجد أي ضمانة لذلك.