إغلاق مدارس أونروا… استهداف للتعليم واللاجئين في القدس

تتصاعد ضغوط الاحتلال الإسرائيلي على مدينة القدس وسكانها الفلسطينيين، بينما يواجه اللاجئون منهم تهديداً جديداً يمس التعليم، إذ قررت سلطات الاحتلال إغلاق ست مدارس لوكالة أونروا في القدس.
بات قرار إغلاق ست من مدارس وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “أونروا” في القدس وشيكاً بعد إصدار القرار في 8 إبريل/ نيسان الماضي، الذي ينص على منح مهلة مدة شهر واحد، ما ينذر بحرمان آلاف الطلبة من حق التعليم، ويضع العائلات المقدسية، خصوصاً اللاجئة ومحدودة الدخل، أمام خيارات لا تتناسب مع ظروفهم المعيشية.
ويؤكد مسؤولون ونشطاء وأهالٍ أن القرار الإسرائيلي بشأن مدارس “أونروا” في القدس يُعدّ تصعيداً سياسياً يندرج ضمن محاولات منهجية لطمس الهوية الفلسطينية في المدينة المقدسة، وإجبار الأهالي على إخضاع أبنائهم للمنهاج الإسرائيلي في مدارس بلدية الاحتلال ووزارة معارفه، وسط مخاوف جدّية من ضياع هوية الأبناء الوطنية في ظل غياب البدائل الفلسطينية القادرة على احتواء الأزمة.
يقول نهاد صيام (55 سنة)، وهو والد أحد طلبة مدرسة تابعة لوكالة “أونروا” في بلدة سلوان جنوب القدس، لـ”العربي الجديد”، إن “قرار إغلاق المدرسة ليس مجرد خطوة تستهدف الوكالة، بل هو استهداف مباشر لهوية التعليم الفلسطيني، ولصفة اللاجئ في مدينة القدس، ضمن مساعٍ إسرائيلية ممنهجة لطمس كل ما يرتبط بقضية اللاجئين. يهدف الاحتلال من إغلاق المدارس إلى التحكم بالعملية التعليمية، فالقرار سيفاقم أزمة التعليم في القدس، وسيدفع كثير من الطلبة وأهاليهم إلى خيارات لا يرغبون بها في ظل واقع سياسي واقتصادي ضاغط”.
استهداف وكالة “أونروا” مدخل لتصفية قضية اللاجئين الفلسطينيين
ويضيف صيام: “ابني في الصف الأخير بهذه المدرسة، وهي ليست مجرد مبنى، فهي مدرسة تاريخية درست فيها عندما كنت طفلاً، وقريبة من الجهة الجنوبية للمسجد الأقصى، وتقدم خدمة تعليمية متميزة لسكان منطقة واسعة. الكادر التعليمي والإدارة من النخبة، وبعض المعلمات اللواتي يدرّسن فيها اليوم هنّ خريجات المدرسة نفسها، وهناك أجيال تربت في هذه المؤسسة التي تمثل ذاكرة وهوية ومكاناً آمناً لأطفالنا، وقد كانت خياراً أساسياً للعائلات اللاجئة، ليس فقط لقربها، بل أيضاً لكونها مجانية، واعتمادها المنهاج الفلسطيني، ومع قرار الإغلاق، سيجد الأهالي أنفسهم أمام خيارات محدودة وصعبة”.
يتابع: “هناك أزمة في الغرف الصفية في جميع مدارس القدس، ومن لا يريد إرسال أطفاله إلى مدارس تابعة لوزارة المعارف الإسرائيلية التي تفرض المنهاج الإسرائيلي المحرّف، لن يجد بديلاً سهلاً، وسيضطر لتحمّل تكاليف مالية إضافية”.
بدورها، تقول غنى الخطيب، وهي أم لطفلتين تدرسان في الصفين السادس والتاسع بمدرسة أونروا في مخيم شعفاط شمال القدس، لـ”العربي الجديد”: “قبل الحديث عن الإغلاق، كانت ابنتاي تعودان من المدرسة مذعورتين بسبب اقتحامات الجيش الإسرائيلي المتكررة، والتي تترافق غالباً مع إطلاق قنابل الغاز المسيلة للدموع داخل المدرسة وفي محيطها، ما خلق حالة من الرهبة والضغط النفسي على الأطفال. نعيش اليوم خياراً أصعب، فأين سأذهب بهما بعد إغلاق المدرسة؟ قد أُجبر على تسجيلهما في مدارس بلدية الاحتلال، وهذا بالضبط ما يسعون إليه، وهو دفعُنا نحو المنهاج الإسرائيلي بالقوة”.
تضيف الخطيب: “الأعباء المادية ستضاعف حجم المأساة، فالمواصلات والكتب وبعد المدارس البديلة كلها تحديات، أضف إلى ذلك الحاجز العسكري عند مدخل المخيم، الذي سيُجبر الأطفال على عبوره يومياً في ظروف خطرة ومهينة. اللاجئون لهم حق في التعليم، وهذا الحق يجب ألا يُنتزع. نحن أبناء القدس، ونعيش بهوية مقدسية، لكن هناك كثيرين في المخيم يحملون هوية الضفة الغربية، وسيواجهون ظروفاً أشد قسوة في البحث عن مدارس بديلة”.
ويؤكد مسؤول اللجنة التعليمية في مخيم شعفاط شاهر علقم، لـ”العربي الجديد”، أن “قرار إغلاق المدرسة يهدد بشكل خاص الطلبة من أبناء الضفة الغربية، الذين يشكلون نسبة ملحوظة. هؤلاء الطلبة سيُتركون بلا مدرسة، بينما الطلبة من حملة الهوية المقدسية (الإسرائيلية) قد تتوفر لهم بدائل، لكنها بدائل مرفوضة من قبل المجتمع المحلي، لأنها مدارس تتبع بلدية الاحتلال ودائرة معارفها”
يضيف علقم: “في بداية شهر إبريل/ نيسان الماضي، تقدمت اللجنة التعليمية في مخيم شعفاط بالتماس رسمي أمام المحكمة الإسرائيلية عبر مركز (عدالة)، لكن لم نتلق أي رد حتى الآن، ومع تزايد الضغط، وصلت تهديدات مباشرة إلى المعلمين تحذرهم من الذهاب إلى المدارس بعد انتهاء المهلة التي حددتها سلطات الاحتلال للإغلاق. إذا نُفّذ قرار الإغلاق، فإن الخيار المتاح سيكون التعليم عن بُعد مؤقتاً، لتفادي اعتداءات الاحتلال، وإلى أن تتضح الصورة. البديل الإسرائيلي المفروض مرفوض جملة وتفصيلاً، خاصة مع فتح مكاتب تسجيل تهدف إلى إدخال الطلاب في المنظومة الإسرائيلية، والمشاركة في التسجيل تعني ضمنياً القبول بإغلاق المدارس”.
ويوضح: “الهدف الإسرائيلي هو فرض المنهاج الإسرائيلي بدلاً من الفلسطيني، في سياق حملة أوسع لطمس الهوية الوطنية، تبدأ من استهداف مدارس أونروا. هذه المدارس ليست مجرد مبانٍ، بل مؤسسات تعليمية تأسست منذ أواخر ستينيات القرن الماضي، وقد درستُ فيها شخصياً، ودرس فيها أبنائي”.
يتابع: “خلال لقاء جمع اللجنة التعليمية بوزير التربية والتعليم الفلسطيني أمجد برهم، طُرحت إمكانية استيعاب الطلاب في مدارس الأوقاف الإسلامية الخاضعة للوصاية الأردنية، لكن اللجنة أكدت رفضها أي بديل عن مدارس الوكالة، لأن “المسألة تمس حقوق اللاجئين قبل أن تكون مسألة تعليم فقط. نتخوف من تداعيات اجتماعية كبيرة، أبرزها التسرب المدرسي، إلى جانب صعوبات التنقل عبر الحواجز الإسرائيلية، والتكاليف الباهظة التي لا تقوى عليها العائلات التي اعتادت على مجانية التعليم في مدارس أونروا. الأمر معقّد، وأبعاده تتجاوز الإغلاق إلى محاولة تغيير بنية المخيم، ومصادرة مستقبل أبنائه، والتأثير على الطلبة والعاملين في تلك المدارس”.
في السياق نفسه، يوضح رئيس لجنة أولياء أمور الطلبة في مدارس القدس زياد الشمالي، لـ”العربي الجديد”، أن “أزمة إغلاق المدارس تحمل طابعين، الأول سياسي والآخر تعليمي، وكلاهما لا ينفصل عن الآخر في سياق السعي الإسرائيلي للسيطرة الكاملة على القدس وطمس هويتها الوطنية. من الناحية السياسية، تهدف المساعي الإسرائيلية إلى ضرب أساس وجود وكالة أونروا التي أنشئت بعد نكبة عام 1948 لخدمة اللاجئين الفلسطينيين، ما يجعل استهدافها جزءاً من محاولات القضاء على قضية اللاجئين وحق العودة”.
ويضيف الشمالي: “الهجمة على قطاع التعليم في القدس لا يمكن فصلها عن سلسلة الإجراءات الإسرائيلية ضد المدينة، من اقتحامات المسجد الأقصى، إلى هدم المنازل، وصولاً إلى محاولات فرض السيطرة على المنظومة التعليمية. إغلاق مدارس أونروا يعزز هيمنة الاحتلال على قطاع التعليم، ويعطي انطباعاً بأن التعليم الفلسطيني بات تحت السيطرة الإسرائيلية. طلاب مدارس الوكالة في غالبيتهم من أبناء العائلات الفقيرة، التي لا تقوى على دفع رسوم المدارس الخاصة، وفي مخيم شعفاط، هناك طلاب يحملون بطاقات اللاجئين، ما يعني أنهم لاجئون فعلياً، وإغلاق المدارس يعني حرمانهم من حقهم الأساسي في التعليم”.
ويلفت إلى أن “مدارس المعارف الإسرائيلية لا تملك القدرة على استيعاب هؤلاء الطلاب، إذ تعاني أصلاً من اكتظاظ شديد ونقص في الصفوف الدراسية، بينما المدارس الفلسطينية الأخرى في المدينة تعاني من عجز يتجاوز ألفي غرفة صفية، ما يجعل نقل الطلاب إليها شبه مستحيل. يتوزع حضور مدارس (أونروا) على أحياء عدة في مدينة القدس، مثل وادي الجوز، وسلوان، وصور باهر، وفي حال لم تتوفر بدائل حقيقية، فإن النتيجة ستكون تجهيل الطلبة، وقطع الطريق أمام استكمال مسارهم التعليمي”.
ويحذر الشمالي من أن “إغلاق هذه المدارس وحرمان الفلسطينيين من بدائل فلسطينية سيتركان خياراً وحيداً أمام الأهالي يتمثل في إرسال أبنائهم إلى المدارس الإسرائيلية، وهو ما سيزيد من أعداد الطلاب الذين يتعلمون وفق المنهاج الإسرائيلي، الأمر الذي يشكل خطراً مباشراً على الهوية الوطنية الفلسطينية. تواصلنا مع مسؤولي “أونروا” في القدس، وأكدوا أنه لم يصدر أي قرار رسمي بالإغلاق، وأن أي خطوة في هذا الاتجاه لا تحدث إلا بقرار رسمي من الوكالة. رغم ذلك، على وزارة التربية والتعليم الفلسطينية الاستعداد لاحتضان الطلبة”.
من جانبه، يؤكد المستشار الإعلامي لوكالة أونروا عدنان أبو حسنة، لـ”العربي الجديد”، أن إسرائيل تواصل خطواتها الرامية لإنهاء وجود الوكالة في مدينة القدس، في مخالفة واضحة للاتفاقيات الدولية وللقرارات الأممية، وفي تصعيد جديد غير مسبوق.
ويضيف: “تأتي قرارات الاحتلال بشأن إغلاق المدارس ضمن مسار قانوني وسياسي بدأ قبل سنوات، والقرار مخالف للمواثيق الدولية، وخصوصاً الاتفاقية الموقعة بين إسرائيل وأونروا بتاريخ 14 يونيو/حزيران 1964، والتي تنص على منح الوكالة الحصانة الكاملة لمنشآتها وأفرادها، وتسهيل عملياتها في القدس والضفة الغربية وقطاع غزة، لكن إسرائيل تنكرت لاحقاً لهذه الاتفاقية، وألغتها من جانب واحد”.
ويوضح أبو حسنة: “لم تكتفِ سلطات الاحتلال بالإجراءات الإدارية، بل شرع الكنيست الإسرائيلي بإصدار قرارين يهدفان لحظر عمل أونروا في القدس الشرقية وغزة والضفة الغربية، وتُرجمت هذه القرارات على الأرض بإغلاق مقر الوكالة في حي الشيخ جراح، وبتحديد مهلةِ شهر لتنفيذ إغلاق المدارس الست، ما يهدد مصير أكثر من 800 طالب وطالبة مسجلين فيها. هذه قرارات خطيرة، ونتابع الأمر بشكل مكثف مع جهات مختلفة في الأمم المتحدة، لكن حتى الآن لم تظهر استجابة إسرائيلية إيجابية، بل على العكس، تتواصل السياسات المانعة تجديدَ تأشيرات الموظفين الدوليين، ما يؤدي إلى خروجهم من القدس والضفة وغزة”.
ويشدد أبو حسنة على أن “الوكالة لن توقف التعليم، وستواصل رسالتها، لكن لا نعرف كيف ستتصرف إسرائيل بعد انقضاء المهلة التي حددتها لتنفيذ القرار. هذا التصعيد يقع ضمن إطار أوسع يتمثل في تصريحات رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، الذي أعلن صراحة نيته تصفية أونروا، في خطوة تمهيدية لتصفية قضية اللاجئين الفلسطينيين، وقطع الطريق أمام أي حل سياسي عادل، خاصة حل الدولتين. تفويض أونروا مستمد من الجمعية العامة للأمم المتحدة، وليس من إسرائيل، وأي تغيير في التفويض لا يحدث إلا عبر تصويت أممي، والتصويت القادم سيكون في ديسمبر/كانون الأول 2025، وحتى ذلك الحين، سنواصل عملنا في جميع مناطق العمل، بما فيها القدس الشرقية”.