عندما يبكي الرجال

في غزة، لم تعد الدموع حكرًا على الأمهات الثكالى، بل أصبحت وجوه الرجال ساحةً لكسرات لانقهر والجوع. في هذا الركن المحاصر من العالم، يبكي الرجال لأنهم أصبحوا مساهمين في حماية أسرهم من الموت البطيء، لا بغزو القمع، بل بسلاح التجويع المزدوج: من جهة ممنوع ومن جهة السماسرة والمرابين والتجارات.

في زمن المجاعة، حين يصبح الخبز حلمًا، والدقيقة رفاهية، لا يبكي الرجال إلا لأنهم طُعنوا من. لقد طعن طعنهم الخارجي بالأرض، وطعنهم بالصمت والتقاعس والاحتكار.

فمن سرقة الغزيين في عز الحرب؟

من وجهة نظر قوافل المعونة إلى فرصة رؤية المال الحرام؟

من ترك سوق بلا رقابة، والأسعار تنهش أجساد الأحكام؟

من سمح ليجاء بالفعل بالاستفراد بالشعب الجائع، تحت مظلة صمت السلطة؟

لانتقال العدوى لم تعد سوى لمسة إسرائيلية. بل هناك أطفال يستثمرون في الموت اليومي، من يعتاش على أن يطلب الكرامة، من مقتطفات من رائع العاجزين وهم يشك "كيس دقيق" برسومه، ويقايضون حياةهم بلتر زيت أو باكو شاي.

ورغم ذلك، لا نطالب منابر المساجد تصرخ في وجوهين، لا نرى خطا دراجة نارية تضحك المحتكرين، لا نستطيع أن نعلن عن حملة أمنية تلاحق الجشعين ولصوص، ولا بيانات من "سلطة الأمر الواقع"تضع حداً لسياسة السوق السوداء التي تُكمّل مشهد الموت الذي ترسمه هليكوبتر الاحتلال.

إن الصمت في مثل هذه الظروف ليس حيادًا، بل تواطؤًا. وتولى مسؤولية هذا الانهيار هو شريك في تجويع الناس. وكل ذلك من أجل القضاء على الإحتكار.

بل كيف يمكن لمجتمع ينادي بالتحرير، أن يعجز عن تحرير رغيف من الخبز الجشعين؟

يا من تبكون قهرًا وجوعًا، دموعكم أصدقائنا من كل الخطب والشعارات. لقد أيم بدموعكم جُبن الصامتين، وسرقة المربحين، وبؤس المفاجئة في اليمن الذي غابت عنه الكرامة وأبسط معايير المسؤوليات.

يا من تبكون في غزة، أنتم لستم ضعفاء، بل شهود على زمن ضحاياه بكل الأقنعة. دموعكم تفضح المتواطئين من داخل السور وخارجه، وكتب الحقيقة بملح الوجع.

إن التنوع في غزة ليس قدرًا.. نتيجة لسياسة تتقاطع فيها الحروب، مع الجشع، مع الصمت المريب.

disqus comments here