الصحافة الإسرائيلية الملف اليومي صادر عن المكتب الصحفي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين الجمعة 25/7/2025 العدد 1365

 الصحافة الاسرائيل– الملف اليومي

افتتاحيات الصحف + تقارير + مقالات

 

 

 

 

اسرائيل اليوم 25/7/2025  

 

هكبي وباغزي في قصر العدل

 

 

بقلم: يوسي بيلين

 

محاكمة بلا استعراض. عندما جرت المحاكمات الاستعراضية خلف الستار الحديدي كانت هناك سفارات بعثت بمندوب عنها بمستوى قنصل، كي تحاول الجلوس في احد المقاعد الخلفية وتبليغ بلادها عن سير المحاكمة المفبركة التي كانت نهايتها معروفة مسبقا. هكذا ألمح العالم الحر للاتحاد السوفياتي وجريراتها بعدم رضاه.

الايكونومست البريطانية التي تصدر في كل سنة تقريرها الاعتباري عن الديمقراطية في العالم، انزلت هذه السنة إسرائيل الى المرتبة الـ 31، فيما أن الولايات المتحدة وجدت نفسها في المرتبة الـ 28. كلتاهما شهدتا علامات افضل، وكلتاهما توجدان في تصنيف “ديمقراطيات عليلة” أي – لا تزال ديمقراطيات لكن مع الكثير من النقاط السلبية (عندنا أساسا بسبب الاحتلال المتواصل في المناطق والاحكام الشخصية التي يوجد عليه الاحتكار الديني. في أمريكا هذا أساسا بسبب عقوبة الإعدام القائمة في الـ 36 ولاية من اصل 50). على أي حال فان الظهور السخيف للسفير الأمريكي مايكل هاكبي في محاكمة نتنياهو كان حدثا انتقدوه حتى في اليمين. يمكن ويجب انتقادنا على مظاهر الضعف الكثيرة في ديمقراطيتنا في الآونة الأخيرة، لكن لا توجد لدينا محاكمات ملفقة وليس للولايات المتحدة الحق ان تزايد علينا في سياق الديمقراطية، بعد سنوات طويلة كنا فيها في مرتبة اعلى بكثير منها في مقياس الديمقراطية في الايكونومست إياها.

لكن بعد يوم او يومين من ذلك هددنا هاكبي بان يأخذ منا حق الوصول الى الولايات المتحدة دون حاجة للحصول على التأشيرة لان بعضا من زملائه الافنجيليين لم يسمح لهم بالدخول الى إسرائيل، يكون تجاوز كل حدود. حسنا، اذ ا كان يصر على ذلك، فلن نمنعه من زيارة نتنياهو في المحكمة (في تلك المرات النادرة التي يصل فيها الى محاكمته ويتنازح مع قضاته)، واحد لن ينزع منه إمكانية أن يتذاكى ويجلب الى المحكمة باغز باني او دنالد داك، لكن على الا يعيد الحاجة الى التأشيرة.

 

الخليل في أيدينا

 

بعد المذبحة الرهيبة التي ارتكبها المخرب باروخ غولدشتاين في عيد البوريم سلمت صلاحيات الترخيص البلدية في مجال مغارة الماكفيلا في الخليل الى ايدي الفلسطينيين كجزء من الرغبة لتخفيض اللهيب. لكن ثقوا بوزير المالية ونصف وزير الدفاع عندنا. هو لن يسمح لاي لهيب ان يخبو وقد نجح، بهدوء تام ان يضمن ان تؤخذ صلاحيات الترخيص البلدية من ايدي الفلسطينيين. لعل هذا ليس نهاية العالم، وعندما نجد انفسنا متهمين بايقاع اضرار اقصى بكثير بالفلسطينيين في غزة وفي أماكن أخرى، فان هذا النبأ لا يسيطر على جدول الاعمال العام. كما أن أحدا لا يتوقع أي شيء طيب من سموتريتش. لكن كيف لا يوجد وزير واحد يسأل: “يا بتسلئيل، لماذا يطيب لك جدا اللعب بالنار.

------------------------------------------

 

هآرتس 25/7/2025   

 

إسرائيل تبني منذ ثلاثة أجيال هوية الضحية، وهكذا فهي تنفي الإبادة الجماعية في غزة

 

 

بقلم: دانييل بيلتمان

 

منذ 100 سنة تقريبا تركيا تتبع سياسة ثابتة لنفي الإبادة الجماعية للارمن، التي نفذتها الإمبراطورية العثمانية في الأعوام 1915 – 1918. منظومة نفيها تمتد الى مجالات كثيرة مثل الدبلوماسية، منشورات بحث، تاثير على الرأي العام الدولي واكاديميا مجندة. هدف هذه المنظومة هو منع استخدام مفهوم “الإبادة الجماعية“ من اجل الإشارة الى الاحداث، وطرح رواية بديلة تؤطر طرد وابادة الامن كخطوة رد ضرورية إزاء تهديد أمني داخلي، وليس باعتبارها نتيجة سياسة متعمدة للابادة الجماعية.

الانكار هو جزء رئيسي في الهوية القومية لتركيا الحديثة. الحكومات في تركيا على مر اجيالها عرضت القتل الجماعي كرد مبرر على تمرد الأرمن المسلح، وقالت بانه حدثت حرب أهلية قتل فيها أرمن واتراك على حد سواء، وانه لم يتم ارتكاب إبادة جماعية فيها.

نشر الضبابية والتشكيك بعدد الضحايا هو أسلوب بارز في سياسة الانكار. في أوساط الباحثين يوجد اجماع على ان 1.2 مليون ارمني قتلوا أو ماتوا نتيجة الطرد. الاتراك يقولون بان العدد كان اقل بكثير، 550 ألف تقريبا، وان كثيرين ماتوا بسبب المرض أو في المواجهات مع القبائل المحلية أو بسبب عقبات في الطريق، وليس في اعقاب تعليمات صريحة لابادتهم. أيضا في هذه الحالة فان الاعتراض على مصداقية المصادر الأرمنية أو الغربية (تقارير القنصلية الامريكية وبعثات التبشير والقساوسة) يستخدم كوسيلة لطمس المسؤولية السياسية للقيادة العثمانية التي عملت على إبادة مجموعة عرقية كاملة.

أيضا انكار الكارثة طور نماذج خاصة به بعد الحرب العالمية الثانية، حتى لو كان الامر يتعلق بظاهرة تختلف عن انكار الإبادة الجماعية للارمن. روبر بورسن، البروفيسور في الادب في جامعة ليون، نشر في 1980 كتاب بعنوان “الدفاع عن نفسي: حقيقة غرف الغاز، والدفاع ضد تزوير التاريخ”، الذي كتب فيه بانه لم يكن بالامكان تنفيذ إبادة جماعية بواسطة الغاز في معسكر اوشفيتس – بركناو. بمساعدة حسابات علمية قرر بورسن بان شهادات الناجين والتوثيق التاريخي مضللة. وحسب قوله فان حجم غرف الغاز لم يمكن من قتل عدد كبير جدا من الضحايا بمرة واحدة. وقال أيضا بانه نحن بحاجة الى وقت كبير نسبيا لاطلاق غاز الإبادة تسكلون ب، لذلك فانه لا يمكن ان يكون الضحايا قد ماتوا خلال بضع دقائق كما قال الشهود. وقال أيضا انه لم يكن بالإمكان اخلاء واحراق مئات الجثث في وقت قصير جدا، لان الامر يحتاج الى وسائل لم تكن موجودة في حينه.

ادعاءات بورسن تم دحضها من قبل مؤرخين، مهندسين، كيميائيين وغيرهم. هو مثال واضح على اخراج الإبادة الجماعية عن سياقها التاريخي عن طريق استخدام التلاعب بالحسابات. كما هو معروف الضحايا تم ادخالهم الى غرف الغاز بشكل مكتظ. منظومات التهوية والحرق في غرف الغاز تمت ملاءمتها بشكل خاص مع الأهداف التي خصصت لهذه الغرف، ومكنت من استخدام متواتر لها واخلاء سريع للجثث.

بورسن تجاهل بشكل ثابت التوثيق الألماني والصور الجوية وخطط بناء المحارق، وتجاهل شهادات حراس المعسكرات، وشهادات كثيرة لناجين وتجاهل المكتشفات الاثرية. حساباته شبه العلمية أصبحت مثال على تقنية الانكار التي تطرح حقائق “علمية” بشكل غامض، وتطرح أسئلة تتجاهل السياق التاريخي للحدث. منحى خطير مشابه يتطور في الواقع الإسرائيلي بالنسبة للجرائم الفظيعة في غزة. في حزيران 2024 نشر المؤرخ الدكتور لي مردخاي تقرير بعنوان “شهادة على حرب السيوف الحديدية”، الذي منذ ذلك الحين تم تحديثه عدة مرات بحسب الاحداث. التقرير يوفر توثيق منهجي وموسع لعمليات إسرائيل في غزة، التي يمكن اعتبارها جرائم حرب، وحتى إبادة جماعية. التقرير استند الى شهادات، صور أقمار صناعية، توثيق مصور، تقارير منظمات دولية وشهادات كثيرة لجنود في الجيش الإسرائيلي وشهود على الأرض.

هو يصف قتل المدنيين غير المسلحين، هجمات متكرر لمخيمات اللاجئين، المس بطالبي المساعدة الصحية، تجويع السكان، تدمير البنى التحتية مثل المستشفيات ومنشآت تحلية المياه ومحطات توليد الكهرباء والجامعات والمساجد، وعشرات آلاف القتلى الذين في معظمهم من الأطفال والنساء والتجويع الجماعي. إضافة الى التوثيق فان التقرير يشمل تحليل لعشرات التصريحات العلنية لسياسيين، حاخامات، موظفين عامين إسرائيليين، التي تدعو الى إبادة جماعية في غزة، وهو الدليل على نية تنفيذ الإبادة الجماعية.

المقررة الخاصة لحقوق الانسان التابعة للأمم المتحدة في المناطق الفلسطينية المحتلة، فرنشيسكا البانزا، قالت اثناء تطرقها للحرب بانه في إسرائيل تسمع دعوات صريحة للابادة واعتداءات بدون تمييز التي تخلق البيئة التي تؤدي الى الإبادة الجماعية. صورة مشابهة تظهر أيضا في تقارير “امنستي” وممثل الأمم المتحدة لحقوق الانسان وولكر تورك ومنظمات دولية أخرى. جميعهم حذروا من ان عدد القتلى من الأطفال والنساء والشيوخ يدل على فشل بنيوي في الحفاظ على مبدأ التناسبية والتمييز، الذي هو أساسي في القانون الدولي الإنساني. أيضا مؤخرا قال البروفيسور مايكل سباغيت، الخبير المعروف عالميا في تقدير عدد الضحايا في مناطق القتال، بان عدد القتلى في غزة تجاوز المئة ألف شخص (“هآرتس”، 17/7). حولت إسرائيل غزة الى انقاض ومكان غير قابل للعيش، قتلت بدون تمييز نساء وأطفال أبرياء وقامت بتصفية الأطباء وعمال الإغاثة وخلقت ظروف شديدة من الجوع والنقص. هذه إبادة جماعية.

الرد المضاد البارز اكثر على هذه الاتهامات جاء في تموز 2025. مجموعة من الباحثين (البروفيسور دان اورباخ والدكتور يونتان بوكسمان والدكتور يغيل حنكين والمحامي يونتان بارفرمان) في مركز بيغن – السادات في جامعة بار ايلان، نشرت تقرير يتكون من 250 صفحة بعنوان “فحص انتقادي لتهمة الإبادة الجماعية في حرب السيوف الحديدية”. بواسطة طرق بحث كمية، مع الاعتماد على توثيق إسرائيلي ومقارنة مع صراعات عسكرية أخرى، بالأساس في الشرق الأوسط، فان الباحثين اعترضوا على البيانات الأساسية التي استندت اليها جهات دولية في بلورة تهمة ان إسرائيل ترتكب إبادة جماعية. حسب اقوالهم فان هذه الجهات ترتكز الى بيانات تم تشويهها من قبل حماس، والى تقارير غير مؤكدة أو مبالغ فيها.

أيضا الخبير في السكان، البروفيسور سيرجو ديلا فرغولا، مشارك في بنية الانكار هذه التي توجد في أساسها الرغبة في انكار أنه يتم ارتكاب إبادة جماعية في غزة، مع استخدام التلاعب في الحساب. في المقال الذي نشرته “هآرتس” في 3/7، هو ينتقد الخطاب الدولي حول غزة ويقول بان تقدير عدد الفلسطينيين الذين ماتوا في غزة بـ 100 ألف مبالغ فيه ومنحاز ويستند الى بيانات تم تحريفها من مصادر فلسطينية ودولية لا يمكن الاعتماد عليها. وقد لخص سباغيت حجة ديلا فرغولا بـ “هذه الحجة سائدة بين الذين يسعون الى تقليل اهمية معاناة سكان غزة”.

نير حسون استعرض المشكلات وانصاف الحقائق في تقرير الباحثين من مركز بيغن – السادات (“هآرتس” 22/7)، وقال: التقرير وبحق ينتمي الى فئة “من يتاجرون بالشك” والذين يستخدمون تقنية الانكار المعروفة. بائعو الشك لا ينكرون الحدث، بل هم يشككون في البيانات ويخترعون بيانات جديدة. أوساط اقتصادية قوية تتبع أسلوب الانكار هذا، على سبيل المثال شركات السجائر (بالنسبة للعلاقة بين التدخين ومرض السرطان)، وشركات النفط الكبيرة (فيما يتعلق بالاحتباس الحراري). هذه هي أيضا تقنية من ينكرون الإبادة الجماعية التركية ومن ينكرون الكارثة.

بورسن قاس حجم غرف الغاز وقال انه لا يمكن ماديا ادخال اليها عدد الضحايا الذي تقرر استنادا الى الشهادات. لذلك فانه لا يمكن اثبات حدوث الإبادة الجماعية. كتاب التقرير الإسرائيليين يحسبون عدد الذخيرة التي استخدمها الجيش الإسرائيلي مقارنة بعدد المصابين الأبرياء ويستنتجون انه “لا يمكن تحديد تناسب الهجوم فقط حسب نتائجه مهما كانت مأساوية”. أي انه حتى لو ان الجيش الإسرائيلي استخدم كمية ذخيرة غير معقولة ونتيجة لذلك قتلت عائلات كاملة مع الأولاد الصغار، فانه لا يمكن القول اذا كان استخدام القوة متناسب أم لا. بكلمات أخرى، عدد الضحايا الكبير لا يثبت بانه تم ارتكاب جريمة، بل الهدف العسكري هو الذي يقرر.

هناك تقنية انكار أخرى سائدة وهي نسبة عدد الضحايا. كتاب التقرير يقولون بأنه يستحيل تحديد عدد دقيق للضحايا في غزة. أيضا بورسن قال ان من ماتوا بسبب المرض والاوبئة التي انتشرت في معسكرات الاعتقال لم يكونوا ملايين، بل آلاف على الأكثر. مع ذلك، حتى لو تم تقليص عدد الضحايا في غزة، مثلا ان 30 الف شخص بريء قتلوا، فهل القتل بهذا الحجم لا يحتاج الى محاسبة؟. مجرد التصميم على تقليص الجريمة لتصل الى عدد دقيق، وهو ضمن أمور أخرى الامر الذي يفعله من ينكرون الإبادة الجماعية، يطمس الجريمة من خلال الحساب.

تقرير اورباخ واصدقاءه حول غزة، مثل اعمال انكار أخرى في الماضي، لا يقترح اجراء تحقيق جدي، بل هو مجرد ادعاءات انتقائية تهدف الى استبعاد مسبقا أي إمكانية لتوجيه تهمة جنائية لإسرائيل بسبب تنفيذ إبادة جماعية. التغليف يصبح معقد اكثر ولكن الهدف واضح وهو نزع المسؤولية وتشويش المفاهيم والتشكيك وتحويل النقاش العام الأخلاقي الى نقاش فني. بهذه الطريقة يتم بناء حاجز بين الفظائع ومعناها، بالضبط مثلما حذر واضع ميثاق الأمم المتحدة للابادة الجماعية، رفائيل لمكين، من حدوثه عندما يتم بذل محاولات لطمس الهوية وظروف موت الضحايا، واستبدالها بالأرقام وتعريفات ونماذج إحصاءات.

هذه المقاربة تعارض تعريف الإبادة الجماعية الذي طرحه لمكين والذي تحدث عن تدمير بالتدريج، مؤسسي وثقافي، لمجموعات عرقية، أو تفسيرات متاخرة لباحثين، الذين اكدوا على مفهوم “النية المتراكمة”. الإبادة الجماعية لا تحتاج الى وجود نية صريحة، بل هي نتيجة عملية فيها تصريحات وسياسة فعلية وخطاب سياسي ونزع جماعي للإنسانية ونماذج عمل متكررة تندمج لتصبح عملية إبادة. عندما يقول سياسيون بانه لا يوجد أبرياء في غزة، وعضو كنيست يطلب القاء قنبلة نووية على القطاع، وآخرون يتحدثون عن الطرد الجماعي لمليون مدني، أو فصل الرجال عن النساء والأطفال وتصفيتهم، فان تراكم هذا الخطاب يكون جزء من آلية تشرعن النشاطات على الأرض.

لكن الفصل البائس اكثر في توجه الانكار المتبلور في إسرائيل لانكار الإبادة الجماعية في غزة محفوظ لمؤسسة “يد واسم”. المؤرخون، الذين يعملون فيها ويكرسون أيام طويلة لفحص احداث الكارثة، اختاروا وضع حاجز للفم والقلم إزاء الاعمال الفظيعة التي تحدث في غزة.

إزاء سيل تصريحات الإبادة الجماعية لسياسيين إسرائيليين في بداية الحرب، مجموعة الباحثين الإسرائيليين توجهت الى رئيس “يد واسم”، داني ديان، وطلبت ان تنشر المؤسسة ادانة علنية لهذه التصريحات التي طلبت بصورة صريحة تنفيذ إبادة جماعية، في كانون الثاني 2024 رد ديان على البروفيسور عاموس غولدبرغ، المبادر الى هذا الطلب: “الستة ملايين يهودي، الذين قتلوا في الكارثة، يستحقون مؤسسة تنشغل بهم وحدهم. لذلك، “يد واسم” لا تنشغل بهذه الإبادة الجماعية بحد ذاتها، بل هي تنشغل بتداعياتها على الكارثة. مجال نشاطنا هو الكارثة، فقط الكارثة”.

الأمور التي كتبها رئيس “يد واسم”، قاسية ليس فقط بسبب الصمت الذي يؤيده، بل أيضا بسبب انها مغلفة بغلاف الاستقامة المؤسسية، مع إدارة الظهر المتفاخرة للشعور التاريخي بالمسؤولية الذي يجب أن يكون في ذكرى الكارثة. “الستة ملايين يستحقون مؤسسة تنشغل فقط بهم”، كتب ديان، وكأن طهارة ذكر القتلى هي ذريعة لانغلاق القلب وغض النظر وكم الافواه امام جرائم الحرب المتواصلة، وعشرات الآلاف الذين يقتلون ويتم تجويعهم بجريمة فظيعة تحدث، ضمن أمور أخرى، على يد احفاد هؤلاء الضحايا انفسهم.

هل لم يقتل الستة ملايين أيضا بسبب أن كثيرين شرحوا لماذا هذا الامر ليس من اختصاصهم؟. التخندق الضيق في ادعاء ان مجال الانشغال هو فقط بـ “الكارثة”، هو أسلوب للانفصال الأخلاقي وعدم تحمل المسؤولية بسبب ملاءمة مؤسسية وتوافق أيديولوجي مع سياسة الحكومة التي ترتكب جرائم حرب فظيعة، وخيانة خطيرة لقيم الحرية والعدالة وحرمة حياة البشر، التي من المفروض ان تغرسها الكارثة.

عندما تختار مؤسسة تخليد مثل “يد واسم”، ليس فقط الصمت، بل الإعلان باطمئنان أنها تختار الصمت، فان هذه المؤسسة لا تعود مؤسسة للذكرى، بل أصبحت، سواء بارادتها أو لا، مؤسسة للتوارع والانكار. وعندما ترتكب مثل هذه الجرائم على يد الشباب الذين زاروا المؤسسة قبل بضع سنوات من تجندهم في الجيش، على بعد بضعة كيلومترات فقط عن مكان المؤسسة، فان هذا الصمت غير محايد، بل هو شراكة.

في الكتاب المشهور لعالمة الاجتماع التركية – الامريكية  فاطمة موغا تشافتشك، “انكار العنف – الماضي العثماني والحاضر التركي والذاكرة المشتركة” (2015)، تفحص الكاتبة جذور انكار الإبادة الجماعية للارمن كعملية نفسية واجتماعية عميقة ومستمرة، تجري بين أربعة أجيال للاتراك. وتجادل بان الانكار هو استجابة نفسية وجماعية للتعامل مع جريمة غير محتملة.

المجتمع في تركيا يعاني من تناقض أخلاقي عميق. فهو يحتوي على عدد لا يحصى من الأدلة التي تدل على جريمة فظيعة، لكنه يخلق لنفسه رواية جماعية ترتكز الى كونه ضحية – ضحية الحروب والامبريالية الغربية وانهيار الإمبراطورية العثمانية. في هذه الديناميكية يتم خلق هوية قومية، التي المكون الدفاعي فيها – انكار التهمة – اصبح مؤسس بدرجة لا تقل عن الذكرى نفسها.

أيضا إسرائيل تبني منذ ثلاثة أجيال هوية الضحية التي تنتقل من الكارثة وتصل الى جرائم حماس في 7 أكتوبر. هي تنفي جرائمها وتعيش في وضع دائم من تشويه الواقع. أي محاولة للتحدث عن جرائم إسرائيل ضد الفلسطينيين تعتبر تهديد ليس فقط لصورة الأمة، بل أيضا لمجرد وجودها. الرواية الدفاعية تحولت الى أساس الهوية القومية، وكل انتقاد لها يواجه بعنف مؤسسي وعام، كما نشاهد ذلك الآن.

-------------------------------------------

 

هآرتس 25/7/2025   

 

هل انتم معنيون بإسرائيل تحب السلام وديمقراطية؟ التعليم هو هدف فوري للنضال

 

 

بقلم: شاؤول ارئيلي وافيتال سفيبك

 

هجوم 7 أكتوبر لم يكن صدمة قاسية فقط، بل هو أيضا لحظة كاشفة عميقة. فقد وضع حد للوهم الذي يقول بان إسرائيل يمكنها مواصلة إدارة النزاع بدون محاولة لحله. الهجوم أوضح ان استمرار انكار وجود النزاع والحاجة الى حل سياسي لا يعتبر خيار، ويجب الاختيار بين طريقتين. الأولى هي خطة “حسم” التي تقودها قوى اليمين المسيحاني والتي تشمل الانقلاب النظام وضم الضفة الغربية من اجل تجسيد حلم التفوق اليهودي من البحر حتى النهر. الثانية هي الطريقة السياسية التي ترتكز الى التسوية، الاعتراف المتبادل والانفصال الى دولتين.

يبدو ان المجتمع الإسرائيلي يخشى الان من الطريقة الثانية ويميل الى الأولى. الجمهور ينجذب الى النماذج المعروفة: الانغلاق، السيطرة بالقوة والانكار. ولكن الواقع واضح: فقط الاستيقاظ من وهم أنه يمكن حل النزاع بوسائل عسكرية فقط، الامر الذي سيمكن من وجود مستقبل آمن وعادل ومستقر للاسرائيليين والفلسطينيين. ومن اجل حدوث هذا الاستيقاظ فان هناك حاجة الى التخلي عن الاسطورة وكشف الآلية التي تشكل وعي الجمهور الكاذب في إسرائيل.

الالية الرئيسية لتشكيل وعي النزاع هي جهاز التعليم، بدءا بوزارة التعليم ومرورا بكتب التعليم وانتهاء بالصفوف. جهاز التعليم الذي يمكنه تشجيع التفكير المستقل والذي يرتكز الى الحقائق تحول في السنوات الأخيرة الى أداة في يد قوة سياسية التي تريد هندسة الوعي العام الوطني. هذه العمليات التي تظهر بشكل خاص في مادة التاريخ، المدنيات والجغرافيا، ولكن أيضا في النشاطات غير الرسمية في المدارس – جولات وبرامج اثراء – تعكس توجهات قومية متطرفة.

معطيات الاستطلاعات تدل على ان الفئة العمرية التي تدعم التسوية الاقليمية أكثر تدنيا هي الفئة بين 18 – 25 سنة، وهو الجيل الذي تربى في منظومة التعليم في العقد الأخير، الذي فيه مرت هذه المنظومة بعملية تسييس متزايدة. حيث ان التعليم لا يقدم تعقيد ولا يكشف الحقائق ولا يتيح فهم الروايات المتعارضة، ويخلق وعي مزيف بالنزاع الإسرائيلي – الفلسطيني، الامر الذي يرسخ فكرة ان الفلسطينيين لا توجد لهم حقوق، وانه لا مجال للعملية السياسية، وانه لا فائدة من التحدث عن السلام.

يمكن رؤية ذلك في كتاب المدنيات “ان تكون مواطن في إسرائيل، في دولة يهودية وديمقراطية”، الذي صدر في 2016 وشكل نوع من البيان السياسي المغطى. كتب الكثير بان الكتاب هو أداة للسيطرة السياسية لقوى غير ليبرالية على التعليم الرسمي. الكتاب يتبنى رؤية تقول ان الديمقراطية هي بالأساس حكم الأغلبية، مع تقليص وزن حقوق الانسان وتقييد قوة النظام واستبداد الأغلبية. هكذا هو يعطي الأساس الفكري للانقلاب النظامي. وقد كتب القليل عن هندسة الوعي التي لا ترى النزاع والحاجة الملحة الى تسوية سياسية.

مثال بارز على ذلك يوجد في الفصل حول مكانة الأقليات في الديمقراطية. تحت عنوان “هجرة عربية الى إسرائيل” جاء اقتباس جزئي لاقوال المؤرخ البروفيسور جاد غلبر، الذي يشير الى انه كانت هجرة عربية، سواء قبل الهجرة اليهودية الأولى في 1882 أو في النصف الأول من القرن العشرين. ولكن يوجد خلاف حول حجمها. ولكن في المصدر كتب غلبر بعد ذلك بانه أيضا حسب تقديرات واسعة الهجرة لعبت من الخارج دور ثانوي في تطور السكان العرب في ارض إسرائيل خلال المئة سنة التي سبقت انتهاء الانتداب.

الكتاب يتجاهل ان معظم الباحثين يتفقون على انه فقط 15  – 20 في المئة من الزيادة في السكان العرب في فترة الانتداب، من 673 ألف في 1922 الى 1.3 مليون عشية إقامة دولة إسرائيل، كانت نتيجة الهجرة. معظم الزيادة جاءت من التكاثر الطبيعي (من اعلى النسب في العالم)، ومن الزيادة الدراماتيكية في متوسط العمر المتوقع. هذا الحذف مقصود، والهدف منه هو الاحتجاج على كون الفلسطينيين اقلية من سكان اصليين، وبذلك اضعاف ادعاءاتهم بعلاقتهم التاريخية بالبلاد، وتعزيز فكرة حق اليهود الحصري، وهي الفكرة التي تخدم من يعارضون التسوية الإقليمية.

مثال آخر على التشويه هو الخارطة التي تظهر في كتاب “بريطانيا والوطن القومي اليهودي: التعهد وتغيير الحدود من 1917 – 1923”. في هذه الخارطة يظهر ضمنيا الادعاء بان شرق الأردن كان يجب ان يكون جزء من الوطن القومي اليهودي، لكن تم فصله عنه من قبل البريطانيين خلافا للتعهدات الدولية في مؤتمر سان ريمو. الحقيقة التاريخية مختلفة. ففي الكتاب الأبيض الأول (1922) جاء ان “حكومة جلالة الملك تريد لفت الانتباه الى حقيقة ان صيغة الوعد الدولي (وعد بلفور) لم تقصد ان فلسطين بالاجمال ستصبح وطن قومي لليهود، بل ان هذا الوطن القومي ستتم اقامته في فلسطين”.

الحركة الصهيونية لم تطالب في أي يوم بكل شرق الأردن، بل فقط 20 في المئة منه. أيضا اخراج شرق الأردن من سريان وعد بلفور يظهر بصراحة في المادة 25 في صك الانتداب، وبريطانيا اشترطت مسبقا المصادقة على الانتداب بموافقة الحركة الصهيونية – التي وافقت حقا بكل اقسامها من وايزمن وحتى جابوتنسكي. في نهاية المطاف الترسيم النهائي لحدود الدولة اليهودية “في جزء من فلسطين” وفقا لوعد بلفور وصك الانتداب، تم تحديده في قرار التقسيم 181، ولذلك جاء في اعلان الاستقلال بان دولة إسرائيل أقيمت على “أساس قرار الجمعية العمومية للأمم المتحدة”. ان عرض الموضوع وكان الامر يدور حول سرقة غير صحيح، بل هو دعاية.

من اجل اظهار رسالة “السرقة” فان هضبة الجولان تم وصفها في الخارطة كـ “منطقة تم اعطاءها للانتداب الفرنسي على سوريا في 1923، بدون الإشارة الى انه في المقابل الفرنسيون نقلوا الى فلسطين/ ارض إسرائيل نصف بحيرة طبريا التي كانت في حدود سوريا. هكذا تولد وعي الاضطهاد الذي يستهدف الآن معارضة أي تسوية إقليمية.

لا يقل عن ذلك خطورة هو الادعاء في الكتاب بان “حدود الدول يتم ترسيمها بطرق مختلفة، من بين ذلك اتفاقات سياسية، احتلال عسكري وانفصال لدول”. التركيز هو على “يتم ترسيمها” في الوقت الحالي. هذه الصيغة تريد ادخال من البوابة الخلفية الشرعية للاحتلال، لكن القانون الدولي منذ ميثاق عصبة الأمم في 1919 يحظر “امتلاك” الأراضي بالقوة، وهو المبدأ الذي تم التأكيد عليه مرة أخرى في وثيقة الأمم المتحدة. وحتى لو وجد الاحتلال في حرب دفاعية فان هذا لا يعطي الدولة المحتلة الحق في ضم الأرض لها.

هكذا يوفر كتاب التعليم “مصادقة تعليمية” لفكرة ضم الضفة الغربية. التاثير المتراكم لهذه الرسائل على الطلاب حاسم. فمن تربى على ان الاحتلال هو قانوني، وان الطرف الثاني ليس من مواليد البلاد، وان العالم ارتكب بحقنا ظلم تاريخي، سيصعب عليه تاييد اتفاق سياسي في المستقبل.

مثال آخر هو الخارطة التي تبدأ الفصل عن الشرخ القومي بين اليهود والعرب في دولة إسرائيل، الذي عنوانه “انتشار البلدات العربية في دولة إسرائيل”. من العنوان يتولد الانطباع بان الخارطة والفصل يركزان على العرب مواطني دولة إسرائيل، وليس الفلسطينيين في المناطق المحتلة. لذلك فانه مطلوب التمييز بين البلدات على جانبي الخط الأخضر.

لكن المدن الفلسطينية الثمانية الكبرى في الضفة الغربية تم التاشير عليها بنفس الإشارة التي تم التاشير بها على المدن العربية داخل دولة إسرائيل، أيضا اريئيل ومعاليه ادوميم الموجودة شرق الخط الأخضر تم التاشير عليها بنفس الإشارة التي تم التاشير بها على المدن اليهودية التي توجد غرب الخط الأخضر. النتيجة هي محو الخط الأخضر وطمس الفرق بين إسرائيل والمناطق المحتلة وطرح فكرة “كلها لي” كواقع مفهوم ضمنا. هكذا يربون جيل يعيش مع تصور ان إسرائيل تمتد بصورة طبيعية على كل المنطقة بين البحر والنهر، مع التنكر للقانون الدولي والخلاف العام وإمكانية التسوية.

اذا لم يكن هذا كاف فانه في الكتاب غاب تماما الفصل الذي تناول الشرخ الأيديولوجي بين معسكر اليسار ومعسكر اليمين بالنسبة لحدود الدولة ومستقبل النزاع. في كتاب المدنيات السابق ظهر فصل طرحت فيه مواقف مختلفة بخصوص قضية المناطق، وتم فحص تداعيات كل رؤية، وذكرت فيه أيضا اتفاقات السلام مع مصر والأردن. وحتى التغييرات في موقف م.ت.ف في 1988 عندما وافقت على قرار 242 و338 واعترفت بحق إسرائيل في الوجود ووافقت على دولة فلسطينية على 22 في المئة من الأرض، اختفت كليا من النسخة الجديدة. إخفاء الموضوع الأكثر أهمية والحساس في المجتمع الإسرائيلي من كتاب التعليم الرئيسي للمدنيات، وهو المادة الأساسية في المنهاج التعليمي لتطوير فهم النزاع هو تشويه أخلاقي، تعليمي ومدني. بدلا من تشجيع اختيار واعي للطلاب فان الكتاب يطور لديهم العمى.

مثلما كتب مردخاي (موريلا) بار – اون في كتابه “حدود دخان” (اصدار يد اسحق بن تسفي): “تعديل الطبعات التاريخية الجغرافية المجندة ليس فقط محتمل، بل هو حيوي، لأنه في المجال التعليمي هو أيضا يسمح للجيل الجديد بان يفهم بشكل اصح جوهر النزاع بين دولة إسرائيل والعرب”.

مادة المدنيات هي فقط احد الاعراض. عمليات مشابهة تجري أيضا في المواد الأخرى في مناهج كثيرة أخرى لوزارة التعليم. من هو معني بإسرائيل المحبة للسلام والديمقراطية يجب عليه رؤية في التعليم هدف فوري لنضال الجمهور. مؤخرا تشكل “ائتلاف التعليم من اجل السلام”، وهي مبادرة لآباء ومعلمين ورجال تعليم ومنظمات، يريدون إعادة خطاب السلام الى منظومة التعليم، في اعقاب قرار المحكمة العليا حول الالتماس الذي قدمته  “حرية المعلومات” و”إسرائيل حرة” – فان وزارة التعليم ملزمة الآن بنشر قاعدة البيانات التي تشمل قائمة البرامج التي يتم تعليمها في المدارس، بما في ذلك التي تسوق التهويد والتوبة أو التعليم القومي المتطرف، ويتم تمويلها من الميزانية العامة بمبلغ 2.5 مليار شيكل في السنة.

الصراع على تعليم الجيل القادم يبدأ بالصراع على ماذا يعلمون. اذا كنا نرغب في ضمان مستقبل آخر، اكثر امنا وعدلا وديمقراطية، يجب علينا القول بصوت واضح: كفى لاحتلال التعليم.

-------------------------------------------

 

معاريف 25/7/2025   

 

السير الى النهاية

 

 

بقلم: اليعيزر تشايني مروم

 

منذ رحلة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الأولى الى واشنطن والحوار مع دونالد ترامب، يبدو أن إسرائيل تعمل للوصول الى اتفاق مرحلي ووقف النار. الرئيس ترامب معني بتحريك مسيرة سلام إقليمية وضم دول أخرى الى اتفاقات إبراهيم وعلى رأسها السعودية، ليؤدي بذلك الى نمو اقتصادي إقليمي وعزل ايران.

واضح أن ما سيجلب السعوديين ودول أخرى الى الطاولة هو انهاء الحرب في غزة وبدء مسيرة الاعمار. استجابت إسرائيل الى طلب ترامب وارسلت طاقما لخوض مفاوضات غير مباشرة مع حماس في الدوحة على اتفاق مرحلي، يتضمن وقف نار لستين يوما، في اثناءه يتحرر عشرة مخطوفين احياء وجثامين موتى في عدة دفعات.

في وقت وقف النار تجرى محادثات على مرحلة انهاء الحرب، في ظل إعطاء ضمانات من الرئيس ترامب لحماس الا تستأنف الحرب طالما تجرى مفاوضات. فهمت حماس بان إسرائيل معنية جدا بعقد صفقة بسبب ضغط امريكي فشددت الشروط، وطاقم المفاوضات بتعليمات من رئيس الوزراء وافق على تنازلات كثيرة.

وحسب ما نشر، ففي اثناء وقف النار سينتشر الجيش الإسرائيلي في خطوط هيكلية لنهاية الحرب. السكان في غزة يعودون الى كل ارجاء القطاع، ومساعدات إنسانية تدخل وتوزع عمليا من قبل حماس – التي ستعود لتسيطر على ما تبقى من غزة.

رغم انتصار إسرائيل العسكري في القطاع، تجري المفاوضات بشروط بدء صعبة. حماس التي تتحدث مباشرة مع محافل أمريكية رسمية تجمع الثقة بالنفس والاهمية. هي لا تزال تحتجز 20 مخطوفا احياء، وتفهم بان إسرائيل جاءت لتعقد صفقة بكل ثمن تقريبا بناء على طلب الرئيس ترامب. في هذه الاثناء، توجد إسرائيل في موقع دون، وهي في واقع الامر تجري منذ الان مفاوضات تنازلت فيها عن انتشار الجيش الإسرائيلي في محور موراغ ونتساريم، وكذا عن انتشار أوسع في فيلادفيا. يبدو هذا الانتشار كما اسلفنا كانتشار للجيش الإسرائيلي في خطوط انهاء الحرب. في نهاية المعركة سيتطلع الجيش الإسرائيلي لان يتموضع في شريط عازل حول القطاع وعلى عرضه تجرى مفاوضات منذ الان. بالمقابل تحصل إسرائيل فقط على قسم من المخطوفين، وحماس، التي ستبقى صاحبة السيادة، يمكنها أن تواصل إعادة بناء نفسها من ناحية عسكرية أيضا.

 

تكنوقراطيون عرب

 

إسرائيل ملزمة بان توقف الانجراف وتعيد احتساب المسار من جديد. خير أننا اوقفنا المفاوضات في الدوحة التي ليست الا حدث ابتزاز ومماطلة من جانب حماس. وصول ستيف ويتكوف الى أوروبا هو فرصة للجلوس قبالته والقول بشكل واضح ان هذا المنحى لصفقة جزئية لا ينجح، واننا مستعدون للسير منذ الان الى منحى انهاء الحرب يتمثل للكل مقابل الكل. المعنى هو، ضمن أمور أخرى قبول أجزاء من المقترح المصري، الذي في اطاره يحكم في القطاع في المرحلة الانتقالية تكنوقراطيون عرب.

اعمار القطاع هو الورقة الأهم في ايدي إسرائيل، وعلينا أن نضمن تحكما إسرائيليا كاملا بالعملية، بموافقة أمريكية والتأكد من أن حماس لا يمكنها أن تكون جزءا من العملية. التحكم بالاعمار – الذي يتضمن خطة مدنية كاملة، بما في ذلك التعليم – سيضمن وجه غزة لسنوات طويلة.

بالتوازي، ستنتشر إسرائيل عسكريا على الحزام العازل، وهكذا يكون بوسعها ان تدافع عن بلدات الغلاف ضد اجتياح ما مع منطقة امنية بعرض 1 – 1.5 كيلو متر وبالمقابل تحصل على كل المخطوفين الاحياء والاموات. الثمن الذي ستدفعه إسرائيل هو ان في هذه المرحلة لن يجرد القطاع من السلاح، ولاسرائيل سيكون كتاب جانبي امريكي يسمح بعمل عسكري ضد بنى تحتية عسكرية.

من ناحية سياسية، لرئيس الوزراء توجد اغلبية في الحكومة لخطوة من هذا النوع. الكنيست ستخرج الى الاجازة في يوم الاحد القادم ويبدو أن الانتخابات على أي حال ستجرى في الربع الأول من العام 2026. من الأفضل لرئيس الوزراء أن يصل الى الانتخابات مع اتفاق انهاء الحرب يعيد كل المخطوفين، فيما أن الانتصارات على حزب الله وايران لا تزال حديثة العهد.

ان اتفاقا سياسيا بقيادة الولايات المتحدة مع دول تنضم الى اتفاقات ابراهيم، سيكون إنجازا جوهريا، وسيسمح بإعادة بناء الاقتصاد والمجتمع الممزق، الذي يحتاج هو الاخر الى عملية اعمار واشفاء.

-------------------------------------------

 

هآرتس 25/7/2025   

 

التقرير “الاكاديمي” الذي يحاول دحض الجرائم في غزة يخدم الدولة كورقة التين

 

 

بقلم: لي مردخاي

 

في الأسابيع الأخيرة يجري نقاش محموم في الشبكات الاجتماعية حول تقرير نشرته مجموعة من الباحثين الإسرائيليين بعنوان “فحص انتقادي لتهمة الإبادة الجماعية في حرب السيوف الحديدية” (اصدار مركز بيغن – السادات للأبحاث الاستراتيجية في جامعة بار ايلان، 9 تموز، 2025). كتاب التقرير اعلنوا عن كتابته قبل نصف سنة، ومنذ ذلك الحين وعدوا في الشبكات الاجتماعية بدحض كليا الادعاءات بشأن ان إسرائيل ترتكب إبادة جماعية في غزة. بعد أسبوعين على نشر التقرير يبدو انه من وجهة نظر كثيرين فان النتيجة بعيدة كل البعد عن ان تكون مقنعة، وكتاب التقرير لم “يقوموا بالوفاء بوعودهم” على اقل تقدير.

بالتحديد بسبب أن كُتاب التقرير ارادو اجراء فحص نقدي وترسيخ نتائجه على منهجية اكاديمية يتبين الى أي درجة فشلوا في مهمتهم. ومثلما اظهر الكثير من النقاد في الشبكات الاجتماعية فانه لا يجب أن يكون المرء خبير في القضاء الدولي كي يرى بان التقرير لا يناقش حقائق جوهرية ويتجاهل استنتاجات رئيسية، وحتى تلك التي تظهر في مصادر إسرائيلية رسمية.

حسب أحد النقاد فان كتاب التقرير “يهينون ليس فقط انفسهم، بل يلحقون العار العميق بالاكاديميا الإسرائيلية”. ناقد آخر كتب ان منهجية كتاب التقرير تسمح لهم بـ “تفسير الحقائق حسب السياق الذي هم معنيون به، أي الذي يظهر إسرائيل بأفضل صورة ممكنة، باختصار، دعاية”، كاتب آخر قارن اسلوبهم مع أسلوب “رافضي التطعيمات أو الذين يؤمنون بأن الأرض مستوية”.

بصفتي كاتب التقرير الرئيسي، الذي تقرير الباحثين في مركز بيغن – السادات يردون عليه، ولأنني اعتقد انه في غزة تجري باسمنا تقريبا منذ سنتين جرائم خطيرة، مهما كن اسمها، أنا مسرور من النقاش العام وتجند المزيد من الإسرائيليين للمشاركة فيه. لا شك ان اظهار الأخطاء والعيوب الكثيرة في “عملية فحص انتقادية لتهمة الإبادة الجماعية في حرب السيوف الحديدية” هي أمر هام، وهي واحدة من النقاط المهمة في الخطاب الإسرائيلي العميق والجوهري بخصوص الحرب، والطريقة التي تدار فيها، حتى لو كان النقاش يجري بصورة متاخرة جدا بالنسبة لسير الاحداث.

رغم ذلك فانه محظور النسيان بان الامر لا يتعلق بمشكلة نظرية في التاريخ البيزنطي في القرن السادس، بل بمشكلة آنية تشكل امام ناظرينا العالم الذي نعيش فيه. الحرب ضد غزة تجري منذ 21 شهر، وحتى الان قتل فيها ليس اقل من 59 الف فلسطيني، والعدد الحقيقي تقريبا هو 100 ألف، معظمهم من المدنيين غير المشاركين. بالنسبة لهم فان اثارة النقاش الاكاديمي في إسرائيل لم يعد ذي صلة. في الأشهر الأخيرة قتل اكثر من ستين فلسطيني كل يوم بالمتوسط. عندما بدأ النقاش الجماهيري بجدية في الأسبوع الماضي مرة أخرى تم اطلاق النار على غزيين أرادوا الحصول على الطعام، كما أوضح ذلك فيلم فيديو ظهر فيه اطلاق نار تقريبا عشوائي باتجاه ما يظهر كمئات الأشخاص الذين يتجمعون ويأملون عدم الإصابة.

في الوقت الذي توسع فيه النقاش احتضرت وماتت هالة عرفات هي و12 من أبناء عائلتها، الذين دفنوا تحت الأنقاض بعد قصف بيتهم وبعد ان واصل الجيش الاسرائيلي مهاجمة الذين حاولوا انقاذهم من تحت الأنقاض. في الوقت الذي يزداد فيه اشتعال النقاش، يتواصل محو قطاع غزة امام انظار الذين ما زالوا ينظرون اليه من بيننا. أصدقاء الجندي الذي قتل قبل أسبوع من ذلك قالوا في فيلم بانهم دمروا تقديرا له 409 مبان خلال أيام الحداد السبعة بواسطة معدات ميكانيكية. في موازاة ازدياد الانتقاد للتقرير المذكور أعلاه فان 19 فلسطيني تم سحقهم حتى الموت في احد مراكز توزيع المساعدات الإنسانية، في الفوضى التي حدثت بعد ان رموا عليهم قنابل الغاز في الوقت الذي حاولوا فيه الحصول على الطعام. العملية الفكرية الناجحة في الشبكات الاجتماعية فقط تظهر الفشل الفعلي في وقف الجرائم في الواقع، وحتى في اظهارها في الخطاب العام.

طبيعة النقاش تكشف الكثير من مواقف إسرائيليين كثيرين. التقرير لم يولد في فضاء فارغ، بل هو يشكل جزء من سياسة إسرائيلية ثابتة. كتاب التقرير عبروا عن الثقة المبالغ فيها بالنفس الى درجة الوقاحة، وتطاولوا على كثيرين حولهم ممن اختلفوا معهم، ووعدوا بامور عظيمة: وثيقة تثبت أنهم وحدهم على حق، وأن باقي العالم على باطل. بعد ان قدموا عمل هزيل انتقلوا بشكل شبه تلقائي الى موقف التباكي على انهم جرحوا مشاعرهم وبدأوا في مهاجمة خصومهم (“اليسار الراديكالي هو مثل طائفة ستالينية”) بدون ان يردوا على جوهر الانتقادات ضد التقرير.

مجرد استغراب كتاب التقرير من انتقادهم يثبت حجم انفصالهم عن الخطاب الإسرائيلي الانتقادي، ولا نريد القول الخطاب الدولي. هو يعكس صدى مجموعة الخبراء والمعلقين الأمنيين، المنفصلين عن الإحباط والغضب للكثيرين في إسرائيل وفي العالم، في ضوء السلوك الاجرامي الإسرائيلي في غزة. مع ذلك، على خلفية الصور الفظيعة التي تظهر من القطاع في هذه الأيام والتي تصل حتى الى وسائل الاعلام الرئيسية في إسرائيل، فقد أقر احد كتاب التقرير بان “نقص الغذاء والماء في القطاع الان يمثل انذار حقيقي”.

رجال السلك الاكاديمي المسؤولين عن انتاج المعرفة، يوجد لهم التزام بالعمل لصالح المجتمع الإنساني كله، في إسرائيل وخارجها. العمل لصالح المجتمع يقتضي مواجهة الحقيقة – نفس الحقيقة التي مراكز القوة مثل منظومات الحكم ومنظومات الامن التي تدير حياتنا تفضل اخفاءها عن اعيننا. في اللغة الإنجليزية يوجد تعبير “يجب قول الحقيقة للسلطة”. يبدو انه لا يوجد ما يوازي هذه المقولة بالعبرية. (لماذا؟). هذا التعبير يطالب بقول الحقيقة حتى لو كانت قاسية ومؤلمة لجهات السلطة مع الاستعداد لدفع ثمن شخصي لمعارضة النظام. كتاب التقرير اختاروا فعل بالضبط العكس، وأن يخدموا منظومات القوة بدلا من تحديها.

التقرير في الواقع اكسبهم دعوات لمنتديات رسمية ومنصات إعلامية لنشر آرائهم. ولكنه في الواقع بمثابة ورقة تين تستر عورة الدولة: وثيقة “اكاديمية” من المفروض أن تكون محايدة، لكنها سياسية في جوهرها، تمكن إسرائيل من الادعاء ببراءة دمتها في وجه تضاؤل مؤيديها في المجتمع الدولي. وبمساعدة ذلك شوه كتاب التقرير سمعتهم واضفوا الشرعية على الجرائم التي ترتكب في غزة – وهي شرعية سيدفعون ثمنها شخصيا، مهنيا واخلاقيا، في المستقبل. بالنسبة لهم لا حاجة الى اثبات أي شيء، يكفي زرع الشك. ولا يجب فعل أي شيء باستثناء الايمان بالنظام، رغم خذلانه لنا مرارا وتكرارا. ومن اجل خدمة هذه الأهداف يتم تجنيد هذا التقرير بكل عيوبه.

في اعقاب النقاش العام الصاخب حول التقرير فانه يسهل الغرق في الانتقاد حول كتاب التقرير. ولكن هذا سيكون خطأ لان الهدف الحقيقي ليس الانتصار في النقاش شبه الاكاديمي في الانترنت، بل وقف الاعمال الفظيعة التي تحدث في العالم الحقيقي. المشكلة ليست في التقرير الحالي، بعيوبه البحثية والأخلاقية، بل في المنظومة التي يمثلها والتي تريد ان تغسل ايديها في نفس الوقت الذي ترتكب فيه جرائم فظيعة على بعد مسافة قصيرة من مراكز قوتها. نفس المنظومة خلقت في غزة باسمنا جهنم متواصلة بالنسبة للأطفال والنساء والرجال الذين يعيشون هناك.

بعد دحض الادعاءات التي جاءت في التقرير يجب علينا استغلال الرؤية الجديدة لبناء بديل أخلاقي وسياسي: انتاج معرفة تحترم الواقع، المطالبة بمساءلة حقيقية، والأكثر أهمية هو التكاتف من اجل تحرك مدني لمنع المزيد من الجرائم حتى لو اقتضى ذلك شل الروتين في البلاد. هذه هي الخطوة الأولى التي يجب اتخاذها نحو التصحيح بعيد المدى الذي ينتظرنا في السنوات والعقود القادمة.

-------------------------------------------

 

 

 

يديعوت احرونوت 25/7/2025 

 

ألعاب الجوع

 

 

بقلم: نداف ايال

 

يوم الأربعاء حسم الامر لدى المستوى السياسي. في العالم بثوا صورا لموتى من الجوع في غزة. رضع تبرز عظامهم من جلدهم. المحادثات للجيش الإسرائيلي ولوزارة الدفاع أصبحت مضغوطة. مصدر واحد قال لي: “هستيرية”. “ادخلوا كل شي، كل شيء بدون حدود، قال مندوبو الحكومة للضباط، “شاحنات بدون قيد. ارفعوا الحواجز. وماذا عن الخطة الا تصل المساعدات الى حماس؟ لا تعنينا في هذه اللحظة”.

حتى قبل أسبوع وبخوا وشهروا برجال منسق اعمال الحكومة في المناطق بان المساعدات تصل الى حماس. اما الان فيحثوهم – لماذا لا يوجد ما يكفي من المساعدات في القطاع. حادو السمع كان يمكنهم أن يسمعوا بداية تبادل الاتهامات. الحكومة، ارادت فقط ان تنقل اكبر قدر ممكن من الغذاء للفلسطينيين. انه هو جهاز الامن الذي ضللها. لا يوجد جوع، لكن اذا كان يوجد فهذا ليس بذنب الوزراء ورئيس الوزراء. هم لم يعرفوا. انها الإجراءات، عقيدة القتال للحكومة وللجيش منذ 7 أكتوبر.

في إسرائيل يعودون ويدعون بانه توجد حملة دعائية من حماس وان هذه ترتبط بالمفاوضات للصفقة. هذا قول دقيق وهو يستند الى معلومات استخبارية صلبة. لكن توجد فقط مشكلة واحدة: هذه الحملة تجرى منذ بداية الحرب. فلماذا تبرز الان؟ لماذا تنشر صحيفة صفراء يمينية مثل “ديلي اكسبرس” البريطانية، التي ليست بالضبط محبة لفلسطين، صورة رضيع مجوع على غلافها؟ الجواب بسيط: لان الواقع يملي هذا. لانه توجد حقائق. ويوجد جوعى في قطاع غزة.

لقد كانت الخطيئة الأولى هي القرار بوقف كل المساعدات الى قطاع غزة في شهر اذار، ومواصلة ذلك حتى أيار. الحكومة تفاخرت بهذا القرار. سموتريتش كتب على التويتر بان هذه “خطوة هامة في الاتجاه الصحيح. مدخل لبوابات الجحيم”. حماس بالفعل فقد مصدر دخل، لكن أسعار الدقيق والغذاء في القطاع بدأت تعربد. طلب وعرض. ليس الفلسطينيون فقط بدأوا يدفعون الاف في المئة اكثر لقاء كيلو من الطحين (مقارنة بشباط 2025). بل بدأوا يخزنون أيضا – إذ ان أحدا لا يعرف متى سيستأنف التموين، اذا كان سيستأنف على الاطلاق. بالتوازي، سيطر الجيش الإسرائيلي على مناطق جديدة في القطاع. الفوضى العامة تعاظمت؛ سكان خانيونس، المدينة الثانية في حجمها في القطاع، حشرت في منطقة المواصي. توجد أماكن في غزة دفع فيها هذا الأسبوع اكثر بكثير من 100 شيكل لكيلو الطحين. توجد أماكن أخرى السعر فيها معقول. في منطقة الحرب، وبعامة، اسعار مبالغ فيها للغذاء تؤدي الى الجوع. اول من يتضرر من مثل هذا الجوع هم المرضى، الرضع، الذين يحتاجون الى تغذية خاصة، العجز، عائلاتهم. بعدهم، يبدأ السقوط.

الخطيئة الثانية كانت صندوق غزة الانساني. منظمة إغاثة، مشروع لحكومة إسرائيل، كان يفترض أن يقلل من شدة سيطرة حماس على المجتمع الفلسطيني. وقد احتفل به هنا بأغلبية شعبية. التحذيرات السابقة ليوآف غالنت، بيني غانتس، جادي آيزنكوت، هرتسي هليفي – وكلهم رجال امن مجربون في غزة – ردت. تحذيرات المنظمات الإنسانية من أن المساعدات يجب ان تصل الى السكان، وليس السكان الى المساعدات، الغيت باحتقار. الإسرائيليون عرفوا كل شيء. “مراكز التوزيع العاجل” أصبحت مراكز سلب سريع. إسرائيل خلقت طلبا هائلا وانعدام أمن غذائي بوقف المساعدات في اذار، وعندها فتحت نقاط التوزيع. من يصل اليها هم شباب يمكنهم كيفما اتفق ان يحملوا المؤن ويأتون تحت خطر الموت كنتيجة للنار من بعيد للجيش الإسرائيلي. بعضهم يتزودون من اجل عائلاتهم، وكثيرون يمكنهم ان يعودوا مرة ثانية وثالثة ورابعة في الأسبوع، لاخذ الغذاء وغيره. اما حماس فوجدت السبيل للسيطرة على قسم من هذه المساعدات. بالتوازي، فشل أخلاقي مدوٍ: أناس دعتهم إسرائيل للمجيء لاخذ الغذاء لا يعودون على قيد الحياة. وهذا لم يحصل مرة، او مرتين. باختصار، صندوق غزة الإنساني كان يفترض ان يعطي حلا إنسانيا؛ اما في هذه اللحظة فهو يلوح كفشل انساني وكارثة إعلامية. أو العكس.

حيال هذه الإخفاقات، طلبت إسرائيل ان تعود الأمم المتحدة لتوزيع الغذاء في القطاع. الطلب الهائل يتسبب في أن تسلب شاحناتها في خط التماس الأول. الغذاء ببساطة لا يتسلل بما يكفي من العمق الى مراكز السكان. الكثير مما يوزع يباع، وهذا يجسد حجم الفشل. دافعو الضرائب في إسرائيل يمولون الان نصف غذاء قطاع غزة تقريبا، على أساس يومي. النصف الثاني يـأتي من منظمات الإغاثة. كل شيء يدخل مجانا لكنه يباع. بسبب حماس. بسبب السماسرة. بسبب خطر الموت في الطريق الى الغذاء. بسبب الفوضى.

حكومة نتنياهو يمكنها أن تكتب كتابا: هكذا وقعنا في فخ حماس. الحكومة سيطرت على المساعدات الإنسانية – وحتى ليس عليها كلها – والان تعتبر كالمسؤولة الوحيدة عما يجري في القطاع. حماس تتشجع من الاهتمام العالمي بالمعاناة الفلسطينية، من القتلى والجرحى للجيش الإسرائيلي في القطاع. هذه المنظمة هي آكلة موت حقيقية، وتستمد متعة عظيمة من معاناة أبناء شعبها. لقد سمحت لها إسرائيل بهذا النجاح: منظمة فتحت حربا بمشروع تجريبي لابادة شعب في حدود إسرائيل أدت بإسرائيل الى الابتعاد عن قيمها، الى تراجع تاريخي في مكانتها في الولايات المتحدة، كل الطريق الى صور الغلاف لرضع مجوعين في غزة واجماع واسع في العالم بانها ترتكب جرائم حرب و/او جرائم ضد الإنسانية. في ضوء هذا النجاح سهل أن نفهم المفاوضات المتصلبة التي تجريها حماس في الدوحة.

 ------------------------------------------

 

 

يديعوت أحرونوت 25/7/2025

 

فشل وثكل يومي… لقادة إسرائيل: أخرجوا حالاً من غزة ووحلها

 

 

بقلم: ناحوم برنياع

 

 الجيش الإسرائيلي يخوض حرباً عقيمة في غزة. الادعاء القائل بأن الضغط العسكري يرقق حماس ويقرب من صفقة مخطوفين لا ينسجم مع الواقع. رغم ذلك، تواصل محافل عسكرية، بما في ذلك رئيس الأركان، تكرار هذا الادعاء. الثمن باهظ. كل يوم وقتلاه وجرحاه، بالعبوات أو بالحوادث العملياتية. كل يوم والخطر يتزايد على حياة المخطوفين. كما أن الهدف المعلن الثاني للحرب، حسم حماس، لم يصل إلى التحقق. وفي هذه الأثناء، المزيد من غير المشاركين في غزة يصابون أو يقتلون بالنار أو الجوع، والدمار مخيف في نطاقه، وإسرائيل تعتبر عن حق أنها تتحمل جزءاً من المسؤولية على الأقل.

لأفضل علمي، لم يخطط أحد لهذه الفوضى. على الرغم من ذلك، الفوضى هناك. يبدأ الخروج منها بفهم أن الطريق الحالي يؤدي إلى الثكل والفشل. إذا لم يكن طريق آخر فمن الأفضل التوقف. مثلنا كمن يجلس أمام طاولة القمار في كازينو، يخسر في كل جولة، لكنه يصر على المواصلة، ربما في النهاية يكسر الصندوق.

-------------------------------------------

هآرتس 25/7/2025

 

الكنيست تعد قانوناً يسمح بإغلاق وسائل إعلام أجنبية دون إقرار “العليا”: لا نريد نقل فظائعنا في غزة

 

 

بقلم: أسرة التحرير

 

لماذا لا تسمح إسرائيل للصحافين بالدخول إلى غزة. لماذا عندما تسمح بذلك تصر على إشراف ورقابة من الناطق العسكري؟ لماذا تتعاون محكمة العدل العليا مع الحكومة؟

تقع في غزة كارثة تتضمن قتلاً بالجملة، جوعاً جسيماً، هدماً ممنهجاً ونقلاً قسرياً للسكان المدنيين من منطقة إلى أخرى. إن عدم سماح إسرائيل لوسائل الإعلام الحر – الإسرائيلي والعالمي – بتغطية فظائع الحرب طوال سنة وتسعة أشهر، ليس صدفة. إسرائيل تصر على إخفاء واقع وحشي سيجر نقداً عالمياً مثلما يحصل الآن عملياً. الحكومة، بإسناد المحكمة، تؤمن أن في وسعها توفير صورة وضع بديلة، أكثر راحة للهضم كجزء من منظومة “الإعلام الرسمي” (هسبرا) الذي ليس سوى اسم آخر للدعاية. أمس، أقرت لجنة الأمن القومي في الكنيست بإعداد القراءة الأولى مشروع قانون يسمح بإغلاق وسائل إعلام أجنبية دون إقرار من المحكمة.

وسائل الإعلام العالمية، بإسناد من قسم من وسائل الإعلام في إسرائيل، بما في ذلك اتحاد الصحافيين والصحافيات، تحاول منذ فترة طويلة الحصول على إذن بالدخول إلى غزة. منذ كانون الأول 2023 حاول اتحاد الصحافيين الأجانب في إسرائيل (FPA) – المنظمة التي تمثل نحو 370 صحافياً و130 وسيلة إعلام – خوض إجراءات في محكمة العدل العليا في هذا الشأن. غير أن الدولة، من خلال محكمة العدل العليا، تفعل كل شيء كي ترد وتماطل في الالتماسات.

في كانون الثاني 2024 ردت القاضية روت رونين الالتماس الأول. وثمة التماس آخر في 10 أيلول 2024 كان يفترض أن يصل إلى مداولات محكمة العدل العليا في 23 حزيران من هذه السنة، لكنها تأجلت إلى 23 أكتوبر بسبب الحرب مع إيران. في موقع “العين السابعة” قيل إن الدولة طلبت وحصلت من محكمة العدل العليا على سبعة تمديدات لتقديم الرد، الذي لم يأتِ في النهاية إلا في 30 حزيران.

تشدد الدولة بمعارضتها دخول الصحافيين على أمنهم “بسبب المخاطر جراء القتال. غير أن 73 وسيلة إعلام ومنظمات صحافيين – بينها “نيويورك تايمز”، و”واشنطن بوست” و”سكاي نيوز” – نشرت قبل نحو سنة كتاباً شددت فيه على أن “هذه مخاطر كان الكثير من منظماتنا أخذتها على نفسها طوال عقود كي تحقق وتوثق التطورات في الزمن الحقيقي، وتفهم آثار الحروب في العالم”. يخيل أن إسرائيل تخشى من كشف الوضع الصعب في غزة أكثر من حرصها على أمن الصحافيين. غير أن التخوف زائد: المشاهد القاسية باتت الآن تلعب دور النجم في أغلفة رئيسية للصحف العالمية وعلى شاشات التلفزيون.

أمس، نشرت وكالات الأنباء “رويترز”، AP، AFP، وشبكة “بي.بي.سي” بياناً مشتركاً، أعربت فيه عن قلقها على سلامة أناسها الذين في القطاع. على محكمة العدل العليا أن تتوقف عن التعاون مع هذه الممارسة وتأمر الدولة بالسماح بدخول الصحافيين فوراً.

-------------------------------------------

 (فورين أفيرز) 15/7/2025

 

مكاسب الاعتراف بدولة فلسطينية.. وكلفته

 

 

بقلم: مارك لينش؛ وشبلي تلحمي

 

هل ما يزال حل الدولتين ممكناً في ظل واقع الدولة الواحدة؟

قد يتحول الاعتراف الدولي بدولة فلسطينية من دون تحقيق تغييرات ملموسة على الأرض إلى خطوة رمزية فارغة تُكرّس واقع الاحتلال بدل مواجهته، وتمنح إسرائيل غطاءً دبلوماسياً جديداً. ويهدد استمرار هذا النهج بتحويل فكرة الدولة الفلسطينية إلى وهم قانوني يخفي تعميق الضم والاستيطان وتهجير الفلسطينيين.

***

في حزيران (يونيو) الماضي، خططت الأمم المتحدة لعقد مؤتمر يبحث في حل الدولتين لإنهاء الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني. وكان من المتوقع أن يشهد المؤتمر، برعاية فرنسية وسعودية، توافق الدول المشاركة على الاعتراف بدولة فلسطين والدعوة إلى استئناف عملية السلام -على الأرجح استناداً إلى مبادرة السلام العربية التي أطلقتها السعودية في العام 2002، التي اقترحت إقامة سلام شامل بين الدول العربية وإسرائيل عقب قيام دولة فلسطينية.

وقد دانت إسرائيل المؤتمر مراراً، فيما لم تبد الولايات المتحدة أي حماسة تذكر. ووفقاً لوكالة "رويترز"، جاء في برقية أرسلتها وزارة الخارجية الأميركية في حزيران (يونيو) الماضي إلى السفارات الأميركية حول العالم: "إننا نحث الحكومات على عدم المشاركة في المؤتمر. الولايات المتحدة تعارض أي خطوات أحادية للاعتراف بدولة فلسطينية مفترضة، لأنها تضيف عقبات قانونية وسياسية كبيرة أمام التوصل إلى حل نهائي للصراع، وقد تجبر إسرائيل على اتخاذ مواقف خلال الحرب، مما يصب في مصلحة أعدائها".

وكان لدى إدارة ترامب اعتراض أكثر جوهرية على المؤتمر؛ إنها لا تعارض الاعتراف بدولة فلسطينية فحسب، بل تعارض أيضاً إنشاء مثل هذه الدولة من الأساس. وقال السفير الأميركي لدى إسرائيل، مايك هاكابي، في مقابلة مع "بلومبيرغ نيوز": "ما لم تحدث تحولات كبيرة في الذهنية القائمة، فلن يكون ذلك ممكناً"، مضيفاً أنه لا يتوقع أن يرى مثل هذه النتيجة "في حياتنا". واقترح أنه إذا قامت دولة فلسطينية يوماً ما، فلا ينبغي أن تكون في الأراضي الفلسطينية التي تحتلها إسرائيل، بل في "دولة إسلامية".

وقبل أيام قليلة من الموعد المقرر لانعقاد المؤتمر، شنت إسرائيل سلسلة من الغارات الجوية على إيران. وقد ألقت الحرب التي استمرت 12 يوماً، والتي انضمت إليها الولايات المتحدة في نهاية المطاف، بظلالها على القضية الإسرائيلية - الفلسطينية، وجعلت من غير الممكن، من الناحية اللوجيستية، المضي قدماً في المؤتمر، مما أدى إلى تأجيله. وقال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في مؤتمر صحفي: "لا يمكن لهذا التأجيل أن يضعف عزمنا على المضي قدماً في تنفيذ حل الدولتين". وأضاف "مهما كانت الظروف، فقد أكدت عزمي على الاعتراف بدولة فلسطين".

وليس ماكرون وحده في هذا الموقف، ومن المرجح أن يستمر الزخم المؤيد لاعتراف أوسع بدولة فلسطين في الأسابيع والأشهر المقبلة. وسواء عقد مؤتمر الأمم المتحدة كما هو مخطط له أم لا، فإن قضية الاعتراف الدولي لن تغيب عن المشهد.

قد يبدو الواقع الميداني أقل قابلية لإحياء حل الدولتين، وأكثر ميلاً نحو ترسيخ واقع الدولة الواحدة. فالحرب الإسرائيلية على غزة تمهد لعودة السيطرة الإسرائيلية المباشرة، واستيطان الأراضي، وربما طرد السكان الفلسطينيين منها. وفي الضفة الغربية، كثف المستوطنون الإسرائيليون، بدعم من قوات الأمن الإسرائيلية، حملة عنف وترهيب أدت إلى تفريغ كثير من التجمعات الفلسطينية، في محاولة لتهيئة الأرضية لضم إسرائيلي محتمل. ويؤكد المسؤولون الإسرائيليون، علناً، عدم اهتمامهم بحل الدولتين، وهو موقف عبر عنه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بوضوح، وكان آخر ذلك خلال لقائه بالرئيس دونالد ترامب في البيت الأبيض مطلع تموز (يوليو) الحالي. وبحسب تقارير إعلامية عدة، فإن تفاصيل مقترحات ترامب بشأن "الصفقة الكبرى" التي تربط إنهاء حرب غزة بتوسيع دائرة التطبيع بين إسرائيل والدول العربية، لا تتضمن إقامة دولة فلسطينية.

لكنّ الاعتراف بدولة فلسطينية قد لا يكون مستبعداً تماماً. فكلف الصراع المستمر الباهظة، إلى جانب ميل ترامب إلى تبني رؤية قريبة من مواقف قادة دول الخليج الذين يعطون الأولوية للاستقرار، تدفع باتجاه تحرك ما على المسار الفلسطيني لإرضاء الرأي العام المحلي وتبرير مزيد من التعاون الإقليمي. ومن منظور ترامب العالمي القائم على عقد الصفقات، فإن الولايات المتحدة تعطي، وإسرائيل تأخذ. تعد إسرائيل دولة تابعة مكلِفة: كلفت حرب غزة واشنطن أكثر من 22 مليار دولار، بينما أثقلت كاهل الجيش الأميركي وأدخلت الولايات المتحدة في قتال مع إيران. وقد أدت المواجهة مع المتمردين الحوثيين في اليمن، الذين فرضوا حصاراً على السفن المتجهة إلى إسرائيل تضامناً مع الفلسطينيين، إلى تقييد البحرية الأميركية وتطلبت استخدام ذخائر تجاوزت قيمتها مليار دولار، مما دفع ترامب إلى التوصل إلى نوع من وقف إطلاق النار مع الحوثيين، حتى من دون استشارة إسرائيل.

من الواضح أن ترامب محبط من الوضع الراهن. وكما كان واقع الحال بالنسبة لأسلافه، فإن أسهل استراتيجية سياسية متاحة له ستكون خطوة رمزية تعيد تأكيد حل الدولتين، لكنها لا تنتج حلاً حقيقياً. سوف تخبره دول الخليج والأوروبيون وأطراف أخرى بأن وقف إطلاق النار في غزة ليس كافياً، على الرغم من الحاجة الماسة إليه. وحتى لو نجح وقف إطلاق النار، فمن غير المرجح أن يفضي إلى نهاية دائمة للحرب. في الواقع، بات كثير من الإسرائيليين المتشددين يدركون أن الجيش الإسرائيلي لن يتمكن من تدمير "حماس". وبذلك، يكون السبيل الوحيد لإنهاء الحرب، من دون حدوث تغيير جذري في الرأي العام الإسرائيلي أو القيادة الإسرائيلية، هو أن تكبح الولايات المتحدة جماح حكومة إسرائيلية توسعية مدججة بأسلحة أميركية مدمرة.

في ضوء كل ما سبق، لا ينبغي التقليل من أهمية الزخم المتزايد نحو الاعتراف بدولة فلسطينية. إذا ما أقدمت موجة جديدة وواسعة من الدول على الاعتراف الجماعي بفلسطين، فسيشكل ذلك إشارة قوية إلى الإحباط الدولي المتزايد من تدمير غزة وهيمنة إسرائيل الشبيهة بنظام الفصل العنصري على الضفة الغربية. وسيرحب جزء كبير من العالم بأي بديل عن المسار الذي يبدو أنه يقود حتماً نحو الإبادة والضم. كما سيسهم الاعتراف بفلسطين في ترسيخ النقاش حول الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني ضمن إطار القانون الدولي، وقد ينقذ غزة من الدمار الشامل والتهجير الذي يهدد به بعض وزراء الحكومة الإسرائيلية. وفوق ذلك، سيمنح الاعتراف إدارة ترامب ورقة ضغط يمكن استخدامها للدفع باتجاه "الصفقة الكبرى" التي يسعى إلى إبرامها.

لكن الاعتراف بالسيادة الفلسطينية الشرعية من دون أي تغير ملموس على الأرض قد يتحول إلى فخ. فالاعتراف لا يمكن أن يكون غاية في حد ذاته. وإذا اختارت دول عدة الاعتراف بدولة فلسطين من دون أن تواجه الواقع المتفاقم المتمثل في ترسيخ الهيمنة الإسرائيلية على الأراضي المحتلة، فقد ينقلب هذا الاعتراف إلى نتيجة عكسية وخطرة. وإذا ما أصبح الاعتراف الرسمي بديلاً عن الدفاع الجاد عن سيادة القانون الدولي ومعالجة واقع معاناة الفلسطينيين، فسيكون في أحسن الأحوال مجرد خطوة رمزية جوفاء، وفي أسوئها تبديداً هائلاً لرأس المال السياسي الدولي النادر.

الاعتراف ليس كافياً.. الأهم هو الحفاظ عليه

شهدت مساعي الاعتراف بدولة فلسطين تاريخاً طويلاً. في العام 2012، اعترفت "الجمعية العامة للأمم المتحدة" بفلسطين كعضو مراقب من دون حق التصويت. وعلى الرغم من أن هذا الاعتراف لم يحدث تقدماً ملموساً نحو الاستقلال أو السيادة الفلسطينية، فإنه مكّن فلسطين من أن تصبح طرفاً في "المحكمة الجنائية الدولية"، وأن توسع جهودها الدبلوماسية داخل مؤسسات الأمم المتحدة. وعلاوة على ذلك، فإن الاعتراف يعزز بطبيعته فكرة حل الدولتين التي بدأت تضعف، ويؤكد المبدأ الذي ينص على أن السيطرة الإسرائيلية على الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية غير قانونية، وأن "إسرائيل ملزمة بإنهاء وجودها غير القانوني في الأرض الفلسطينية المحتلة في أسرع وقت ممكن"، بحسب ما قضت به "محكمة العدل الدولية" في حكمها الشامل الذي أصدرته العام الماضي.

أصبح الاعتراف بدولة فلسطين خياراً جذاباً مع تصاعد الغضب إزاء أهوال الحرب في غزة، مما زاد الضغوط من أجل اتخاذ بعض الإجراءات الدولية الملموسة والهادفة. وسيشكل اعتراف الدول الأوروبية بفلسطين، على وجه الخصوص، نكسة كبيرة للدبلوماسية الإسرائيلية، بالنظر إلى الضغوط الشرسة التي تمارسها إسرائيل من أجل حشد الدعم الغربي لسياساتها وصد المنتقدين حول العالم. وإذا انضمت دول أوروبية غنية ومؤثرة إلى قائمة الدول التي تعترف بفلسطين، فسيشير ذلك إلى انهيار الحاجز الواقي الذي أقامته إسرائيل في وجه الضغوط الدولية الجادة، وسيزيد من اعتمادها على الولايات المتحدة التي لا يمكن التنبؤ بتصرفاتها.

وعلى الرغم من أن دولاً عدة تعترف بالفعل بفلسطين كدولة، فإن موجة جديدة من الاعترافات قد تطلق سلسلة واسعة من الدعم العالمي. ويعتقد المؤيدون أن هذا الاعتراف الواسع يمكن أن يفرض ضغطاً جديداً على إسرائيل لدفعها نحو حل الدولتين، من خلال تقوية أصوات الإسرائيليين المؤيدين لقيام دولة فلسطينية مستقلة، الذين تم إسكاتهم في الأعوام الأخيرة، ويفتح طريقاً أمام الفلسطينيين للخروج من المأزق الحالي. من هذا المنظور، قد يكون الاعتراف بفلسطين بمثابة نقطة محورية لتفريغ الغضب العالمي الهائل إزاء أحداث غزة وتحويله إلى خطوة ملموسة. وقد يؤدي إلى انهيار ائتلاف نتنياهو وتحفيز التغيير السياسي المطلوب بشدة في إسرائيل. وبالنظر إلى الموارد الهائلة التي سيكون من الضروري حشدها لإعادة إعمار غزة وأجزاء الضفة الغربية المدمرة، سيكون المانحون أكثر استعداداً لتقديم الأموال إذا كان ذلك ضمن مسار واضح نحو حل نهائي.

لكن الإيمان بإمكانية تحقيق مثل هذه النتيجة يتطلب ما يمكن وصفه بلغة متفائلة بأنه خطوة جريئة. لم يعد حل الدولتين يبدو واقعياً منذ أعوام طويلة، والفرص لتحقيقه تضاءلت أكثر خلال الأشهر الـ19 الماضية. ويجعل الوضع على الأرض في غزة والضفة الغربية من تقسيم الأراضي والتعايش السلمي أمرين يصعب تصورهما. وقليل من الإسرائيليين اليوم يعارضون السفيرة الإسرائيلية لدى المملكة المتحدة، تسيبي حوتوفلي، التي أعلنت الشهر الماضي بصراحة: "لقد انتهى حل الدولتين".

يمكن القول إن هذا كان صحيحاً قبل وقت طويل من هجوم "حماس" على إسرائيل في العام 2023 والحرب التي أعقبت ذلك. وكما كتبنا نحن ومؤلفان آخران في مجلة "فورين أفيرز" قبل أشهر من السابع من تشرين الأول (أكتوبر)، "كثيراً ما شكلت جميع الأراضي الواقعة غرب نهر الأردن دولة واحدة تحت الحكم الإسرائيلي، تسري عليها، أرضاً وناساً، أنظمة قانونية مختلفة تماماً، ويعامل فيها الفلسطينيون على الدوام معاملة طبقة دنيا". وقد زاد الهجوم الإسرائيلي على غزة من ترسيخ هذا الواقع للدولة الواحدة الشبيه بنظام الفصل العنصري، في وقت يدفع فيه المسؤولون الإسرائيليون نحو احتلال دائم، بل وحتى ضم الأراضي الفلسطينية. ومع تحول غزة إلى منطقة غير صالحة للعيش، تتعرض الضفة الغربية أيضاً لمزيد من التدمير والتشريد، فيما تتسارع وتيرة بناء المستوطنات الإسرائيلية هناك.

في ظل هذه الظروف، قد يُنظر إلى الاعتراف بفلسطين على أنه لا يتعدى كونه مراوغة: مجرد وسيلة لإصدار بيان من دون اتخاذ إجراءات فعلية نحو التغيير. وستكون الدعوة إلى حل الدولتين أسهل من مواجهة واقع الهيمنة الإسرائيلية على دولة واحدة بحكم الأمر الواقع. وتأكيد وجود دولة فلسطينية أسهل من اتخاذ الإجراءات البالغة الصعوبة التي يتطلبها إنشاء هذه الدولة على أرض الواقع. ولكي لا يكون الاعتراف مجرد بادرة فارغة، يجب أن يقترن المؤتمر بمطالبات بإحداث تغييرات ملموسة على الأرض تتناسب مع الوضع القانوني الجديد لفلسطين. كما يجب أن يتضمن تأكيد السيادة الفلسطينية توضيحاً للكلف المترتبة على استمرار الانتهاكات الإسرائيلية للقانون الدولي، ويقدم الحماية للفلسطينيين من مزيد من الانتهاكات، ويضع خطوات لبناء مؤسسات حكم، واقتصاد قابل للاستمرار، من بين الأنقاض التي خلفتها إسرائيل.

 

لا مستحيل في السياسة

 

ليس من المستغرب أن تعارض إدارة ترامب مؤتمر الأمم المتحدة. فمن غير المرجح أن تنجح مناشدات القانون الدولي في إقناع ترامب نفسه، الذي أصدر أخيراً أمراً تنفيذياً بفرض عقوبات على أربعة قضاة من "المحكمة الجنائية الدولية" بسبب تحقيقاتهم في جرائم حرب مزعومة ارتكبتها إسرائيل في الأراضي الفلسطينية. عندما يتعلق الأمر بإسرائيل، فإن ترامب ليس استثناءً بين رؤساء الولايات المتحدة: فعلى مدى عقود، وتحت إدارات رئاسية متعاقبة، كانت السياسة الأميركية تكتفي بالكلام عن حل الدولتين، بينما تفعل كل ما في وسعها لمنع تطبيق القانون الدولي على الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني.

لكن هذه لحظة غير عادية في السياسة الأميركية أو العالمية. فاستعداد ترامب لكسر التقاليد وتجاهل آراء المتخصصين، وتودده للدول الخليجية الثرية، ونفوره الشخصي من نتنياهو، كلها عوامل تدفع واشنطن في اتجاهات غير متوقعة. ويشير هجوم ترامب على "المحكمة الجنائية الدولية"، وأفكاره بشأن إفراغ غزة من سكانها واحتلالها، واستغلاله المخاوف (الصادقة منها وغير الصادقة) من معاداة السامية لمهاجمة الجامعات الأميركية، إلى توجه يميني تقليدي مؤيد لإسرائيل. ولكن عندما يتعلق الأمر بالشرق الأوسط، يمكن لترامب أن يكون غير متوقع: فقد فاجأ المراقبين -وحتى مؤيديه- عندما رفع العقوبات عن الحكومة السورية الجديدة وسعى إلى التوصل إلى اتفاق نووي مع إيران.

إن اعتماد إسرائيل على الدعم الأميركي في حربها، وعزلتها الدولية المتزايدة، جعلاها أكثر اعتماداً على واشنطن من أي وقت مضى. وفي الوقت نفسه، تجد إسرائيل نفسها غير متوافقة مع السياسة الأميركية تجاه إيران وسورية، وتفقد شعبيتها بين الأميركيين العاديين، بمن فيهم الجمهوريون الذين تقل أعمارهم عن 50 عاماً. وفي علاقتها مع واشنطن، تبدو إسرائيل الآن في موقع أكثر هشاشة مما كانت عليه منذ نهاية الحرب الباردة، عندما أطلق الرئيس جورج بوش الأب جهداً طموحاً لتحقيق سلام شامل في الشرق الأوسط.

وهكذا، يجد ترامب نفسه أمام فرصة غير مألوفة لإحداث تغيير جوهري. وقد أظهر بالفعل أنه يعتقد أن الوقت قد حان لإنهاء حرب إسرائيل على غزة، وأنه ينظر إلى القضية الفلسطينية بوصفها مرتبطة بدبلوماسيته تجاه إيران وشراكاته مع دول الخليج. ولا يبدو أنه ينظر إلى العلاقة الأميركية - الإسرائيلية كعلاقة "استثنائية" بالمقارنة مع علاقات واشنطن مع دول أخرى. كما أنه ركز عملية صنع القرار في البيت الأبيض، وأقصى الخبرات البيروقراطية التي عادة ما تبقي السياسة الخارجية الأميركية على مسار تقليدي واحد. وتظهر سياساته الداخلية المثيرة للجدل أنه لا يكترث كثيراً بردود الفعل السياسية المحلية.

سوف يكون تبني جهود عالمية متجددة للاعتراف بدولة فلسطين وتحقيقها فعلياً على أرض الواقع بمثابة نوع من الانعطاف الدراماتيكي الذي ربما لا يستطيع تحقيقه سوى زعيم غير مقيد بالاعتبارات السياسية التقليدية وذي شخصية متقلبة مثل ترامب. ما يزال من غير المرجح أن يحدث ذلك. وحتى لو حدث، فلن يكون كافياً بمفرده. لكن الاعتراف بفلسطين وفرض إنهاء حرب إسرائيل على غزة يمثلان أفضل سبيل أمام ترامب للتوصل إلى اتفاق نووي جديد مع إيران، وتعزيز الشراكات الأميركية في الخليج، وإثبات أنه قادر حقاً على تحقيق نتائج أفضل في السياسة الخارجية مقارنة بأسلافه.

*مارك لينش: متخصص في مجال العلوم السياسية والشؤون الدولية في "جامعة جورج واشنطن". شبلي تلحمي: أستاذ كرسي أنور السادات للسلام والتنمية في جامعة ميريلاند وباحث بارز غير مقيم في معهد بروكينغز. الترجمة لصحيفة الإندبندت

-----------------انتهت النشرة-----------------

disqus comments here