الصحافة الإسرائيلية الملف اليومي صادر عن المكتب الصحفي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين الجمعة 11/7/2025 العدد 1353

الصحافة الاسرائيل– الملف اليومي
افتتاحيات الصحف + تقارير + مقالات
هآرتس 11/7/2025
احياء المحادثات بين ايران والولايات المتحدة بات مصلحة سعودية واضحة
بقلم: تسفي برئيل
“الخيار في يد أمريكا. هل الولايات المتحدة ستختار أخيرا الدبلوماسية أو ستبقى عالقة في حرب احد آخر؟”، هذا كان السطر الأخير في المقال الذي نشره وزير خارجية ايران عباس عراقجي في صحيفة “فايننشال تايمز” في يوم الثلاثاء الماضي. هذه صياغة مهمة تؤطر الهجوم على ايران وسياسة واشنطن منها كانجرار امريكي خلف إسرائيل وليس كمبادرة أمريكية. من هنا جاء تأكيده في المقال على ان الولايات المتحدة تستطيع استبدال الضرر الذي تسببت به الحرب بالتحرك الدبلوماسي، حيث قال: “نحن حققنا في اللقاءات الخمسة مع ويتكوف اكثر مما حققناه في السنوات الأربعة لولاية جو بايدن الفاشلة”.
ايران نفت رسميا انها توجهت مباشرة للولايات المتحدة من اجل استئناف المفاوضات التي توقفت عشية الحرب، كما قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. ولكن كبار زعماء ايران، بما في ذلك الرئيس مسعود بزشكيان، لا يتوقفون عن اطلاق التصريحات العلنية لصالح استئناف المفاوضات، ويعملون عن طريق الوسطاء على الدفع بها قدما. في اليوم الذي نشر فيه عراقجي مقاله في الصحيفة البريطانية، هبط في السعودية والتقى مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان ونظيره ومع وزير الخارجية فيصل بن فرحان ووزير الدفاع خالد بن سلمان، شقيق ولي العهد السعودي.
الزيارة التي حظيت بتغطية كبيرة في وسائل الاعلام السعودية، هي زيارة في سلسلة اللقاءات الدبلوماسية الكثيرة التي بادرت اليها الدولتان في الفترة التي سبقت الحرب وبعدها. السفير الإيراني في السعودية، علي رضا عنئاتي، قال عند انتهاء زيارته بان “القيادة السعودية تصمم على مواصلة القناة الدبلوماسية وتطوير العلاقات بين الدولتين في كل المجالات”. يبدو ان هذا ليس اعلان استثنائي، بل هو يشبه إعلانات سابقة نشرت بعد لقاءات مشابهة. لكن مجرد عقد هذا اللقاء عالي المستوى، بالذات في الوقت الذي فيه واشنطن والرئيس ترامب يواصلون التهديد والتلويح بإمكانية توجيه “ضربة ثانية وثالثة” ضد ايران اذا قامت باستئناف المشروع النووي، يمكن ان تدل على الطريقة التي تنوي ايران العمل فيها في المستقبل القريب.
الدول الثلاثة، قطر وعُمان والسعودية، هي الان مجندة للدفع قدما بالدبلوماسية التي تهدف الى استئناف جولة اللقاءات بين ويتكوف وعراقجي، التي ربما تكون في الأسبوع القادم. قطر التي توسطت من اجل وقف اطلاق النار في الوقت الذي فيه “سمحت” لإيران بمهاجمة قاعدة العديد الامريكية الموجودة على أراضيها باعتبار ذلك “عملية رد متفق عليها” على الهجوم الأمريكي، وحظيت بذلك على الشكر من الرئيس الامريكي، تعمل امام ايران من اجل إعادة على الأقل الرقابة على المنشات النووية.
الجدول الزمني لا يسمح بالوقت للتاخير. ايران طردت مراقبي الوكالة الدولية للطاقة النووية. وحسب تقارير إيرانية قامت بتفكيك كاميرات المراقبة للوكالة في المواقع النووية. عمليا، لا توجد الان أي رقابة منظمة في هذه المواقع ولا توجد معلومات موثوقة عن مصير الـ 408 كغم من اليورانيوم المخصب بمستوى 60 في المئة.
إعادة المراقبين، فحص المواقع، مسح الاضرار وتحديد كامل لمكان اليورانيوم، كل ذلك يمكن ان يكون الشرط الأساسي لاي عملية دبلوماسية. ضد هذه الطلبات يقف القانون الجديد الذي صادق عليه البرلمان الإيراني، الذي يحظر التعاون مع الوكالة وينص على ان أي رقابة ستكون فقط بمصادقة المجلس الأعلى للامن القومي، خلافا للترتيبات التي وضعت في الاتفاق النووي الذي منح المراقبين الصلاحية للقيام بعملية الرقابة بشكل مفاجيء، بدون ابلاغ مسبق او تنسيق مسبق. الخوف هو من ان كل يوم يمر بدون رقابة سيمكن ايران من البدء في إعادة ترميم المشروع النووي او إخفاء مواد ووسائل ستخدمها بعد ذلك.
في نفس الوقت أيضا امام ايران تتكتك ساعة الرمل التي ستلزمها باتخاذ قرار في الفترة القريبة. في هذا الشهر سيكون الموعد النهائي لفتح بند إعادة فرض العقوبات الذي يلزم مجلس الامن بإعادة فرض العقوبات الدولية التي تم رفعها عن ايران عند توقيع الاتفاق النووي الأصلي في 2015. اذا تم استكمال هذه العملية فان تفعيل البند سيكون في 18 تشرين الأول. استئناف المفاوضات بين أمريكا وايران يمكن ان يعيق هذا الاجراء، شريطة انه خلال فترة قصيرة سيتم تحقيق تفاهمات جوهرية تمكن من التوقيع على الاتفاق.
دبلوماسي أوروبا يمثل دولة موقعة على الاتفاق النووي قال في هذا الأسبوع للصحيفة بان “الافتراض في أوروبا هو انه رغم تصريحات الرئيس ترامب إلا أن هجمات أمريكا وإسرائيل لم تنجح في تدمير كل منشات التخصيب وتدمير مخزون اليورانيوم المخصب بمستوى 60 في المئة. ورغم ان الخيار العسكري الذي قبل ذلك شكل فقط تهديد لردع ايران والدفع قدما بالخطوات السياسية، الآن تم تطبيقه والنتيجة هي انه اذا كانت هناك حاجة الى استخدامه مرة أخرى، أيضا بعد ذلك لن يكون مناص من بلورة اتفاق صارم ومراقب بشكل جيد. نحن نتلقى إشارات من واشنطن بان هذا هو التوجه الذي يسعى اليه ترامب الان. سننتظر ونرى ما الذي سيحدث في الأيام القادمة وليس في الأسابيع القادمة. هو تجنب تقدير فرصة نجاح جهود احياء القناة السياسية.
قطر هي التي تعمل من اجل استئناف المفاوضات بين الولايات المتحدة وايران، لكن السعودية يمكنها توفير الغلاف السياسي الذي سيدعم الضمانات التي تطلبها ايران من الولايات المتحدة، تطبيق أي اتفاق سيتم التوقيع عليه.
في هذا السياق يجب الانتباه الى ان السعودية تحاول اظهار الحيادية في كل ما يتعلق بالخطوات العسكرية ضد ايران. فهي تعارض أي هجوم عسكري ضد ايران، وأوضحت بانها لن تسمح باستخدام أراضيها لهذا الهدف. عندما بدأ الهجوم كانت السعودية اول دولة ادانته، حتى لو كانت امتنعت عن توجيه ادانة مباشرة للولايات المتحدة. إضافة الى ذلك هي لا تسوق بشكل علني حلف الدفاع مع الولايات المتحدة، وأيضا قضية المشروع النووي السعودي التي وضعت على طاولة المفاوضات على اعتبار انه مهم جدا في عهد الرئيس بايدن، نزل من العناوين.
السعودية يمكنها الان الاستنتاج بانه عندما تصمم الولايات المتحدة على ان ايران لا تستطيع تخصيب اليورانيوم في أراضيها، فهي ستجد صعوبة في نفس الوقت في منحها اذن مشابه. هذه المواضيع التي كانت الشرط الأساسي للسعودية من اجل التطبيع مع إسرائيل قبل الحرب في غزة، تم استبدالها منذ ذلك الحين بشرط جديد للسعودية، الذي طالب باجراءات تؤدي الى إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة كاساس للتطبيع.
السعودية كما يبدو، “تحدث” استراتيجيتها الإقليمية وتواصل الاعتماد بشدة على “حزام الأمان” الأمريكي العسكري لضمان امنها، وهي ستحاول ان تضع لها شبكة امان سياسية، التي ستبقى فيها لإيران مكانة “الجارة الجيدة”، التي لا يجب المس بها وبنظامها.
هذه الرؤية تستند، ضمن أمور أخرى، الى الادراك الذي بحسبه الهجوم على ايران ربما ابعد قدرتها على انتاج القنبلة، لكنه ابقى على حاله تهديد ايران بالمس بمضيق هرمز وحركة الملاحة في الخليج الفارسي. وهكذا وضع المصالح الاقتصادية للسعودية على لوحة الأهداف حتى لو لم تقم ايران بمهاجمة السعودية بشكل مباشر.
لم تغب عن عيون السعودية أيضا حقيقة انه رغم جهودها امام الإدارة الامريكية الا ان ترامب فضل في النهاية موقف إسرائيل على موقف السعودية، الامر الذي اثار في الرياض علامات استفهام بالنسبة لحدود تاثيرها على الإدارة الامريكية وعلى مستقبل “المحور المناهض لإيران”، وبالاساس من سيرسم خارطة الشرق الأوسط التي يطمح اليها ترامب.
السعودية يجب عليها الاستعداد ليس فقط لوقت الحرب. فاتفاق نووي جديد يؤدي الى رفع العقوبات عن ايران سيزيد بشكل دراماتيكي كمية النفط التي تستطيع ايران ان توفرها للسوق العالمية، وأن تنافس السعودية على زبائن استراتيجيين. هذا بالذات في الفترة التي حسب تقديرات موقع “انيرجي انتلجنس” يتوقع ان يكون هناك عرض النفط اعلى من الطلب مقارنة بالوضع الذي كانت فيه سوق النفط في 2021 عندما بدأ بايدن في المفاوضات من اجل التوصل الى اتفاق نووي جديد مع ايران.
من اجل كبح تاثير رفع العقوبات عن ايران فانه يجب على السعودية (ليس عليها وحدها) التوصل الى اتفاق مع ايران، وعدم استبعاد إمكانية انه يجري الان حوار بين الدولتين، وأن “اظهار الحيادية” السعودية تجاه ايران نبع أيضا من هذه الاعتبارات. يبدو انه بدون اتفاق نووي فان السعودية ستكون معفية من التعامل مع عواقبه الاقتصادية، لكنها ستستمر في البقاء تحت تهديد الحرب، الامر الذي يمكن أن يفرض عليها ثمن اعلى بكثير.
------------------------------------------
إسرائيل اليوم 11/7/2025
اذا وافقنا على دخول فوري للسلطة الفلسطينية الى غزة فسنتمكن من الخروج
بقلم: يوسي بيلين
لا يريدون اغلاق الموضوع. الان لم يعد هذا سرا: حربنا ضد حماس، التي لم تكن حرب اكثر عدالة منها، أصبحت جهدا اعلى لحفظ ائتلاف اليمين لبنيامين نتنياهو. كان يمكن انهاء الحرب بعد بضعة اشهر، حين أصبحت حماس ميليشيا منكوبة، لكن بالتأكيد كان صحيحا ومنطقيا الإعلان عن النصر مع قتل يحيى السنوار، قبل عشرة اشهر.
“المسموح بالنشر يتواصل لان اليمين المتطرف في الائتلاف يشترط استمرار تأييده للحكومة باستمرار المعركة. اما استخدام شعار نتنياهو في انه في اليوم التالي للحرب ستكون غزة “بلا حماس ولا عباس”، ومعارضته القاطعة للانشغال المسبق في مسألة الحكم في القطاع بعد نهاية الحرب – أجلت هي الأخرى نهايتها. التشبيه الكاذب بين حماس وبين عدوه الأكبر – محمود عباس – أدى كما كان متوقعا الى أهون الشرور: نحن نوجد هناك، نسقط هناك، نصاب هناك، نصعد على عبوات، نحاولة اشباع الغزيين الجوعى، نقتلهم، لانعدام البديل، كي نمنع جلبة الرب في توزيع الغذاء، ونأخذ على أنفسنا عبء خدمة احتياط لم يكن لها مثيل.
ان انهاء الحرب والانسحاب الكامل للجيش الإسرائيلي من القطاع هما ما يفترضه الواقع والمصلحة الإسرائيلية. بداية لاجل تحرير فوري لكل المخطوفين وثانيا لاجل السماح بدخول السلطة الفلسطينية الى القطاع، حكمه، إدارة اعماره وضمان الحد الأدنى من الوسائل لوجود السكان. لقد إدارا السلطة الفلسطينية القطاع حين قدمت إسرائيل، بريادة من الليكود وبرئاسة اريئيل شارون، غزة على طبق من فضة لحماس. نتنياهو واصل سياسة شارون. حان الوقت للاعتراف بهذا الخطأ الجسيم وإعادة قطاع غزة المدمر الى الجهة التي يعترف بها العالم كله كما يفترض بها أن تديره.
صحيح. عباس هو رجل عجوز، شعبيته متدنية، لكنه مستعد للدخول الى القطاع، لتجنيد مؤسسات الحكم فيه وهو سيحصل لهذا الغرض على مساعدة هامة من العالم. انظروا ما يحصل في هذه الأيام بالذات لدى جارتنا الشمالية. رئيس اركان لبنان حتى وقت سابق مضى ورئيسها حاليا، جوزيف عون مصمم على تنفيذ اتفاق الطائف في 1989، وبموجبه لن تعمل في لبنان ميليشيات ليست جزءً من جيشه. وهو يسعى لان يبقي المنظمة كحزب سياسي فقط، وثمة مؤشرات على أنه كفيل بان ينجح في ذلك.
بكلمات أخرى، لبنان دولة مهزوزة مع حكومة ضعيفة وساحة سياسية بالكاد تؤدي مهامها. لكنها عنوان وإسرائيل تنجح في الحديث معها كي تضمن الا يهددنا حزب الله. نحن بحاجة أيضا الى عنوان في غزة حتى وان كان ضعيفا لانه ستكون جهات تساعده. اذا وافقنا على دخول فوري للسلطة الفلسطينية الى غزة فسنتمكن من الخروج من هناك.
-------------------------------------------
هآرتس 11/7/2025
نعم لدولة فلسطينية، رد على جلعاد اردان
بقلم: عاموس شوكن
من المحزن قراءة هذه الكلمات (مقال جلعاد اردان في صحيفة “إسرائيل اليوم” بتاريخ 29/6): “الدرس من 7 أكتوبر واضح. الدولة الفلسطينية حتى ضمن حدود مقلصة جدا تشكل خطر وجودي على دولة إسرائيل. هي ليست مجرد مسالة أيديولوجية او حق تاريخي، بل مسالة حياة او موت. بين البحر والنهر لا مكان لدولة فلسطينية سيادية، يمكنها في أي يوم محاولة تدمير إسرائيل. أي ارض يسلم على تلال يهودا والسامرة قد تستخدم صباح الغد كقاعدة لاطلاق الصواريخ بعيدة المدى وكقاعدة لاختراق بري يهدد قلب الدولة”.
لو ان بنيامين نتنياهو، الذي انتخب بعد اهود أولمرت لرئاسة الحكومة في 2009، واصل درب أولمرت وعمل مع محمود عباس على إقامة الدولة الفلسطينية، كما يبدو 7 أكتوبر لم يكن ليحدث، والكثير من الاسرائيليين والفلسطينيين الذين قتلوا منذ 2009 كانوا سيكونون على قيد الحياة. ولكن نتنياهو مثلما يتصرف في الحكومة الحالية عمل منذ ذلك الحين ضد مصلحة معظم مواطني إسرائيل، وفضل مصلحة “غوش ايمونيم” وورثتها؛ وربما تبنى في حينه القرار المكتوب في الخطوط الأساسية لحكومته الحالية الذي يقول بان الاستيطان في ارض إسرائيل هو فقط لليهود.
بعد الانتفاضة الأولى والثانية فهم شارون وأولمرت بانه لا يوجد امن لإسرائيل بدون اتفاق مع الفلسطينيين. شارون قرر تحرير قطاع غزة من وجود المستوطنات الإسرائيلية، وأولمرت الذي اصبح رئيسا للحكومة فقد مثل شارون الاهلية وتحدث عن إعادة تجميع في المناطق المحتلة رغم ان ذلك لن ينفذ، لكنه بادر الى اجراء المفاوضات مع عباس من اجل إقامة الدولة الفلسطينية وتم عقد لقاءات كثيرة بينهما.
نتنياهو امتنع عن الالتقاء مع عباس الذي اعترف بدولة إسرائيل، وفضل دعم حماس التي عارضت وجودها. يبدو انه اعتقد بان الفلسطينيين سيسلمون بسيطرة إسرائيل على مجالات رئيسية في حياتهم، بدون مواطنة وتاثير، ووجود السلطة الفلسطينية كان مريح له لانها إدارة المجالات المدنية لحياة الفلسطينيين، واقامت أيضا تعاون امني مع إسرائيل. نتيجة سياسة نتنياهو من ناحية الفلسطينيين في المناطق كانت وما زالت نظام ابرتهايد وحشي وقمعي، الذي اصبح أسوأ من سنة الى أخرى، وادى ويؤدي الى احداث إرهابية كثيرة.
اردان انهى عمله في الأمم المتحدة في آب 2024، لكن يمكن الافتراض انه يدرك الحدث الذي وقع هناك بعد شهر ونصف من استقالته وفي اعقاب الخطاب التقليدي لرئيس حكومة إسرائيل هناك. هذا الحدث وصفه مراسل “هآرتس” جاكي خوري في 3/10/2024 كما يلي:
“تصريح رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو في الجمعية العمومية في الأمم المتحدة في يوم الجمعة الماضي، الذي قال فيه بان إسرائيل محاطة باعداء يريدون تدميرها، اثار غضب وزير خارجية الأردن، ايمن الصفدي، الذي وضع إسرائيل مرة أخرى امام سؤال – كيف، هل هي تنوي انهاء النزاع الإسرائيلي – الفلسطيني. الصفدي، حيث بجانبه كان يجلس وزير خارجية السعودية فيصل بن فرحان، ووزير خارجية مصر بدر عبد العاطي، ورئيس الحكومة الفلسطينية محمد مصطفى، وقف في مؤتمر صحفي في مقر الأمم المتحدة ونقل رسالة واضحة بروحية مبادرة السلام العربية التي قادتها السعودية في السابق. حسب قوله الدول العربية مستعدة لضمان امن إسرائيل شريطة ان تنهي الاحتلال. رئيس حكومة إسرائيل نتنياهو وقف هنا واعلن بان إسرائيل محاطة بمن يريدون تدميرها. “نحن ممثلو الدول العربية، يوجد لنا تفويض من 57 دولة، وتوجد لنا الرغبة في ضمان امن إسرائيل في اطار انهاء الاحتلال وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة”، قال الصفدي.
“وزير خارجية الأردن قال ان من يخلق الخطر على إسرائيل هو نتنياهو، الذي يعارض حل الدولتين. “هل انتم، المراسلون، يمكن ان تسالوا رئيس حكومة إسرائيل ما هي نهاية العملية من ناحيته، باستثناء الحرب، المزيد من الحرب والقتل؟” سال الصفدي الحضور. “جميعنا نريد السلام، وإسرائيل ستحصل على السلام والاستقرار اذا انهت الاحتلال ووافقت على الانسحاب من المناطق المحتلة على أساس حدود 1967″. هذه هي روايتنا. ولكن خلال 30 سنة إسرائيل قتلت كل محاولة للسلام، نحن نريد السلام وتوجد لنا خطط للسلام، اما إسرائيل فليس لديها خطة. خطتها هي تدمير غزة ولبنان، لا يوجد شريك في إسرائيل””.
اردان كتب أيضا في المقال: “الشرق الأوسط يقف على عتبة عهد جديد، عهد من القوة الإسرائيلية والفرص التاريخية… لقد ولدت فرصة لاستغلال سياسي الى درجة انهاء النزاع بين إسرائيل والعالم العربي. الطريق لاتفاق سلام مع السعودية – اللاعبة الأكثر أهمية في العالم العربي – مفتوحة اكثر من أي وقت مضى. تحطيم المشروع النووي الإيراني، انهيار حزب الله وانهيار نظام الأسد، كل ذلك خلق واقع جديد، فيه الدول العربية المعتدلة تدرك ان إسرائيل ليست المشكلة، بل هي جزء من الحل امام الإسلام المتطرف.
“لكن هذا التحالف يجب ان يبنى على واقع، وليس على أوهام. الفلسطينيون، بما في ذلك السلطة الفلسطينية، ليسوا جزء من المعسكر المعتدل. حتى لو كانوا يرتدون البدلات ولا يحملون السلاح علنا، هم يحملون نفس الأيديولوجيا التدميرية لحماس وايران – انكار وجود دولة إسرائيل كدولة يهودية”.
اردان تجاهل اعتراف السلطة الفلسطينية بإسرائيل، وأنه عند تسلم رئيس السلطة عباس لمنصبه في 2006 قال انه سيعمل فقط بالأسلوب السياسي وأنه لن يوافق على العنف. السير في الطريق السياسي مع السلطة لا يروق لنتنياهو لان نتيجة المحتملة هي دولة فلسطينية. نتنياهو امتنع عن الالتقاء مع عباس رغم السنوات الكثيرة التي تسلم فيها الاثنان منصبهما. عند تسلمه لمنصب رئيس الحكومة في 2009 قرر رعاية حماس، التي لم تعترف بإسرائيل واضعاف السلطة.
عباس لا ينكر وجود دولة إسرائيل، وموقفه، الذي بحسبه يجب إقامة دولة فلسطينية في المناطق التي احتلت في 1967، بما في ذلك شرقي القدس وغزة، معروف. اردان تمسك بمطالبة نتنياهو الوقحة التي تقول بانه على الفلسطينيين الاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية. لم يطلب من أي دولة أخرى الاعتراف بذلك، حتى من مصر والأردن. إضافة الى ذلك، مثلما يعتبر نتنياهو نفسه كزعيم للعالم اليهودي (رغم الضرر الكبير الذي الحقه بزيادة اللاسامية في العالم)، فان عباس أيضا هو رئيس خمس سكان إسرائيل العرب، ولا يوجد أي سبب لتجاهل وجودهم. لا توجد أي دولة من الدول التي وقعت على اتفاقات إبراهيم طلب منها الاعتراف بإسرائيل كدولة يهودية.
في حزيران 2024، عندما كان اردان ما زال سفير إسرائيل في الأمم المتحدة، المرشد الإيراني علي خامنئي تحدث في احتفال على مرور 35 سنة على موت سلفه، قائد الثورة الأول الخميني، قال ان وضع الفلسطينيين تحت الحكم الإسرائيلي كان الموضوع الأكثر أهمية بالنسبة للخميني، الذي قال بان على الفلسطينيين محاربة من يمنع استقلالهم. خامنئي أضاف وقال: “المنطقة كانت بحاجة الى 7 أكتوبر، الذي جاء في الوقت – الفلسطينيون نجحوا في فرض الحصار على حكومة الكيان الصهيوني، بحيث لم يعد لها طريق للهرب، والقضية الفلسطينية تحولت الى قضية رئيسية في الراي العام العالمي. الحرب كانت ضرورية في اعقاب العملية الامريكية – الغربية لتغيير الواقع في المنطقة. لقد جاءت في وقت حساس وافشلت كل محاولات التطبيع مع الكيان الصهيوني”. خامنئي قصد في قوله الاتفاق بين إسرائيل والسعودية الذي تبجح نتنياهو في خطابه في الأمم المتحدة في أيلول 2023 بانه سيتم التوقيع عليه بدون فيتو من الفلسطينيين – وبذلك كما يبدو حدد موعد هجوم 7 أكتوبر.
رد عباس على اقوال خامنئي كان مهم. هو قال انه من اقوال الزعيم الإيراني يتبين ان هدف ايران هو “التضحية بدماء الفلسطينيين”. وأضاف: “الشعب الفلسطيني يناضل منذ مئة سنة، وهو ليس بحاجة الى حروب لا تخدم مصالحه: الحرية وحماية القدس والأماكن المقدسة”. وأضاف: “نحن نريد انهاء الاحتلال وتطبيق إقامة الدولة الفلسطينية وعاصمتها القدس، وليس سياسة لا تخدم مصالح الشعب الفلسطيني”.
عندما تكون الأمور بهذه الصورة يجب ان يسال اردان ونتنياهو هل ما يريدانه هو مواصلة نظام الابرتهايد غير القانوني في المناطق المحتلة الى الابد وتوسيعه ليصل الى غزة أيضا؟ وتقديم دعم حكومي للارهاب اليهودي في المناطق كما اعطي في السنوات الأخيرة، التي تذكر بتحذير يشعباهو لايفوفيتش بان الاحتلال سيصنع من اليهود يهود نازيين، ويواصل العيش مع الإرهاب الفلسطيني والحرب الإسرائيلية ضده، أو انهما يعتقدان ان وهم بتسلئيل سموتريتش، السنوار الإسرائيلي، وربما أيضا وهم نتنياهو، اختفاء الفلسطينيين من المناطق المحتلة ومن غزة، سيتحقق؟.
الحقيقة، نحن لسنا بحاجة الى الاقوال الحكيمة لوزراء خارجية الدول العربية من اجل ان نفهم بان الخطوة الصحيحة لإسرائيل التي ستعزز امنها بشكل جوهري هي الكف عن السيطرة على شعب اخر، المحروم من الحقوق، وتؤيد إقامة دولة فلسطينية. وهي خطوة ستعطي الحرية وتقرير المصير والكرامة للفلسطينيين، وستحسن مكانة إسرائيل في العالم، لا سيما في الدول الإسلامية التي اصبح لإسرائيل علاقات معها، وستحسن كثيرا علاقات مواطني إسرائيل الفلسطينيين بدولتهم وتجعل ايران تتوقف عن رؤية في إسرائيل عدوة، وستزدهر الدولتان، إسرائيل وفلسطين.
يجدر التذكير بالاقوال التي قالها رئيس الحكومة اسحق رابين في الكنيست في كانون الثاني 1993: “ايران توجد في المرحلة الأولى من جهودها لامتلاك قدرة غير تقليدية بشكل عام ونووية بشكل خاص. نحن نقدر انه يوجد لدى ايران الان القوة البشرية المناسبة والموارد الكافية لامتلاك السلاح النووي في غضون عشر سنوات. نحن نتابع نشاطات ايران النووية وجهات أخرى في المجتمع الدولي، التي لم تخف حقيقة ان إمكانية ا،متلاك ايران للسلاح النووي يجب ان تقلق، وهذا احد الأسباب التي بسببها علينا استغلال نافذة الفرص والتقدم نحو السلام”.
-------------------------------------------
معاريف 11/7/2025
التهديد النووي الايراني لم ينتهِ، لذا يجب إزالة غزة عن جدول الاعمال
بقلم: ألون بن دافيد
يبدو أن الشهر القاسي والنازف الذي مر علينا في غزة رجح الكفة الجماهيرية: معظم الإسرائيليين ملوا الحرب ولا يروا فيها غاية ومنفعة. منذ فترة وكان المعطى ينعكس في الاستطلاعات لكن في الأسابيع الأخيرة اسمع حيثما اتجهت السؤال: ما الذي لا نزال نفعله هناك؟”.
باستثناء النواة الصلبة لمشاهدي قناة النظام، حيث الحرب تحرر والضحايا يقلل من شأنهم، كف الإسرائيليون عن الايمان بهذه الحرب، هكذا على الأقل حسب مشاهدتي غير العلمية. الجيش الإسرائيلي يخرج عن طوره لينشر ويمجد كل نفق لا يزال يدمر، لكن شعب إسرائيل بات تعبا على النهوض في كل صباح على “سمح بالنشر”.
يحتمل ان يكون هذا الشعور ينجح أيضا في اختراق سور القطيعة التي تحيط برئيس الوزراء. هذا لا يمنعه من ان تتخذ له الصور على البساط الفاخر في بلير هاوس، مع الحلاق ومع المزينة في الليلة التي نحد فيها نحن على مزيد من المقاتلين الذين سقطوا، لكن محاولته تزييف التعاطف في الزيارة لنير عوز تثبت ان حتى في عمره المتقدم – بقيت احاسيسه السياسية حادة.
وبينما يكون لا يزال محمولا على أصداء النجاح في ايران، يعرف نتنياهو أن بوسعه ان يمرر صفقة جزئية تعطي شهرين من الهدوء من البلاغات عن ضحايا، وبعد ذلك نرى. الإنجازات المذهلة التي سجلها الجيش الإسرائيلي في الفصل الأول من المعركة تجاه ايران (ولا، ولن يكون الأخير) جسدت مرة أخرى الفجوة بين الثقافتين المتنافستين على الهيمنة في إسرائيل.
من جهة الثقافة المظلومة التي تطورها الحكومة الحالية، التي تستند الى ائتلاف من منتخبين عديمي الشخصية بلا قدرة تنفيذ، يعينون لمناصب مركزية أناسا عديمي الاهلية مثلهم تمجد الجهل. بالمقابل، ثقافة التميز التي طورها سلاح الجو، الذي لعله الجهاز الأكثر نجاحا في الحياة الإسرائيلية العامة، الذي يقوم على أساس تقصي الحقيقة، احد المسؤولية عن الأخطاء والتعلم الدائم، وهي القيم التي ليس بينها وبين حكومتنا أي قرب. المأساة هي ان نتنياهو تربى في ثقافة التميز وينتمي اليها، لكنه يستند سياسيا الى المظلومية.
منذ الساعات الأولى لنشوب المعركة، بعد ضربة البدء كاملة الاوصاف، بدأت المعركة على الحظوة. الموساد كان الأسرع بين باقي الأجهزة وسارع الى وضع نفسه كمن قاد الى النجاح. ودون التقليل من مساهمته، كان الموساد الجهة الأكثر ثانوية في النجاح الذي سجل حيال ايران. الخطة التي بناها سلاح الجو، شعبة الاستخبارات وشعبة العمليات في السنتين الأخيرتين، جمع المعلومات الدقيقة وبناء خريطة الأهداف – هي التي شقت الطريق بالضربة الساحقة التي أوقعت على ا يران.
إذن في المعركة على الحظوة يجدر بنا أن نذكر الان، وبالذات لانهم يبقون على الصمت، رئيس الأركان السابق هرتسي هليفي أيضا، الذي اشرف على بناء القدرة، رئيسي شعبة الاستخبارات اهرون حليوة وشلومي بندر الذين عملا على نيل المعلومات الاستخبارية وبناء الأهداف ورئيس شعبة العمليات المنصرف عوديد بسيوك الذي بنى ونفذ الخطة العملياتية، وبالطبع كل مرؤوسيهم.
دوما ستكون لنا غزة
مع دخوله الى منصبه شخص رئيس الأركان الحالي ايال زمير نافذة الفرص الضيقة التي فتحت امامه وعرف كيف يحسن وينفذ الخطة كي يحقق الإنجاز. لنتنياهو حظوة مزدوجة: في القرار الذي اتخذه قبل اكثر من سنة بنقل قيادة المعركة حيال النووي الإيراني من ايدي الموساد الى الجيش الإسرائيلي وكذا في شجاعة تنفيذها.
لكن رغم النجاح الظاهر، فان التهديد النووي من ايران لم ينتهِ ولم ينقضِ. وبالتالي يوجد الحاح لإزالة غزة عن جدول الاعمال وعدم الاكتفاء بصفقة جزئية لاجل تحقيق الإنجاز العسكرية في ايران في شكل انجاز سياسي افضل ومتواصل. غزة ستبقى تشغلنا لسنوات طويلة. هي وسكانها لن يختفوا ولن يبدأوا بمحبتنا، لكن في هذه اللحظة تتعلق على الشجرة ثمار كثيرة يمكن قطفها على أساس ما سبق أن تحقق: السعودية، ربما أيضا لبنان، ربما أيضا سوريا واتفاق نووي مع ايران. نفق آخر ندمره في بيت حانون لن يغير الصورة.
ان شهية الرئيس الأمريكي، التواق للتصفيق ولجائزة نوبل يمكن ان نستغلها لانجازات كثيرة. أخيرا وقعت امام نتنياهو فرصة لتسجيل مكانه في التاريخ كرجل دولة. قبل سنين، حين كنا لا نزال نتحادث كان يصف بانفعال مقنع غايته التوراتية كرسول معد لإنقاذ شعب إسرائيل. منذئذ كرس معظم وقته أساسا لينقذ نفسه وليدمر المؤسسات الرسمية لإسرائيل. في عمر 76 يقف امام نتنياهو خياران جوهريان هل يعمل على تثبت مكانة إسرائيل في المنطقة لسنوات الى الامام، ام لتثبيت ائتلافه الفاشل. هل يقود إسرائيل الى مستقبل تطوير التميز ام المظلومية؟ معقول الافتراض انه سيقبل بخنوع الصفقة الجزئية التي يمليها عليه ترامب. هي لن تكون جيدة لكنها ستنقذ بضعة نفوس معذبة من الجحيم في غزة وتوفر حياة بضعة جنود آخرين قبل ان نعود الى القتال. كي يوازنها هو كفيل بان يختار مواصلة القتال ضد ايران، إذ في النهاية لا يمكن إبقاء الشعب في صهيون بلا تهديد وجودي ما.
-------------------------------------------
هآرتس 11/7/2025
إسرائيل انتقلت من معركة لمنع إقامة دولة فلسطينية الى حرب ابادة
بقلم: مايا روزنفيلد
ليس هناك الكثير من جرائم الحرب اكثر حقارة من اطلاق النار من قبل جنود جيش محتل باتجاه تجمع لاشخاص محاصرين، خائفين، الذين يتدافعون في طابور لتوزيع الطعام. في إسرائيل، الذي ذكرى كارثة يهود أوروبا ما زالت تواصل تشكيل مخزون ارتباطات الكثير من مواطنيها، فان اطلاق النار المتعمد على جمهور متعب، يائس وعاجز، يتساوق تقريبا بشكل تلقائي مع اعمال النازيين. ولكن من يقومون بالقتل هم جنود الجيش الإسرائيلي، والجمهور الذي يتم قتله هو غزي، والذي مدنه دمرت وخيامه تم اشعالها، وكل ذنبه هو انه أراد احضار قطعة خبر لاولادهم. لذلك فان تقرير “هآرتس” لـ نير حسون وينيف كوفوفيتش وبار بيلغ في 27/7 الذي كشف ان شهادات الضباط وجنود الجيش الإسرائيلي عن التعليمات التي حصلوا عليها من قادتهم، اطلاق النار على الجمهور غير المسلح لابعادهم عن مراكز توزيع الطعام رغم انهم لم يهددوا حياة احد، توجد لها أهمية صحافية واخلاقية من الدرجة الأولى.
هكذا فان صرخة المطالبة بدماء 549 من سكان غزة الذين قتلوا والـ 4 آلاف الذي أصيبوا اثناء انتظارهم لتوزيع الغذاء في الشهر الماضي، منذ اليوم الذي تم فيه تفعيل “مراكز التوزيع” في 27 أيار وحتى تاريخ نشر التقرير في “هآرتس”، ارتفعت وتردد صداها في ارجاء العالم لبضعة أيام، لكنها فشلت في اختراق جدران الانكار الإسرائيلي. سكرتير الأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش خرج بتصريح خاص في 2 حزيران في اعقاب التقارير الأولى عن قتل غزيين وهم في طابور لتوزيع الغذاء وعبر عن صدمته العميقة من ان “فلسطينيين يعرضون حياتهم من اجل الطعام”. في 22 حزيران عندما عدد “شهداء قطعة الخبز”، مثلما يسمون في وسائل الاعلام الفلسطينية والعربية، وصل الى 400، اعلن رئيس مكتب التنسيق للشؤون الإنسانية في المناطق المحتلة، “أوتشا”، جونثان فيتل، انه “في الوقت الذي تشخص فيه انظار العالم الى مكان اخر (القصد هو الحرب بين إسرائيل وايران م.ر) فانه في غزة الناس يقتلون وهم يحاولون الحصول على الغذاء. جهودهم للبقاء تواجه بحكم الإعدام” (تصريحه لصحافيين في دير البلح في 22/6).
قنوات الاعلام الرئيسية في إسرائيل تجاهلت هذه التصريحات كما تجاهلت تصريحات سابقة لها وبعدها. فقط كشف شهادات الجنود والضباط في “هآرتس” نجح في اختراق الدرع الاصم واثار عاصفة جماهيرية في إسرائيل، وان كان ذلك حدث بسبب اعمال القتل، وبدرجة اكبر بسبب كشفها.
لكن بدون التقليل من أهمية كشف “هآرتس” فان شهداء قطعة الخبز، 640 شخص، حوالي 22 في المئة من بين 2900 فلسطيني قتلوا بنار الجيش الإسرائيلي في القطاع منذ بداية فتح مراكز التوزيع المحمية في 27 أيار وحتى 2 تموز؛ وان 10 في المئة من بين الـ 6454 قتيل، الذين تم احصاءهم هناك بين موعد استئناف القصف الإسرائيلي في غزة في 18 آذار و2 تموز (البيانات حسب تقرير “اوتشا” في 3/7). من اجل فهم تموضع شهداء قطعة الخبز في صورة القتل والدمار الشاملة مطلوب تسليط الضوء على مجمل مكونات المرحلة الحالية في حرب الإبادة التي تشنها إسرائيل في القطاع.
الانتقال الى المرحلة الحالية حدث في اعقاب قرار استراتيجي لإسرائيل، خرق اتفاق وقف اطلاق النار الذي وقعت عليه مع حماس في كانون الثاني 2025، والعمل على تدمير شامل لقطاع غزة. الخرق شمل ثلاث خطوات، أو لبنات أساسية، التي تستكمل بعضها البعض. الأولى هي عدم تنفيذ الانسحاب من محور فيلادلفيا الذي كان يجب تنفيذه في نهاية المرحلة الأولى في الصفقة. لو ان إسرائيل انسحبت من فيلادلفيا لكانت المساعدات للقطاع تم ادخالها من معبر الحدود مع مصر، الذي كان سينتقل الى سيطرة مصر. هذا لم يحدث. التداعيات الحاسمة لهذا الخرق كان يمكن تقديرها فقط باثر رجعي إزاء الخروقات التي جاءت في اعقابه.
المرحلة الثانية هي منع مطلق لادخال المساعدات الى القطاع بدءا من 2 آذار. من اجل فهم حجم الكارثة التي تسبب بها هذا الخرق للفلسطينيين، يجب التطرق في البداية الى ادخال مساعدات الطوارئ وتوزيعها في الـ 15.5 شهر التي سبقت وقف اطلاق النار وخلاله. من اليوم الأول للهجوم في غزة (7/10/2023) استخدمت إسرائيل وسائل كثيرة لمنع ادخال الغذاء والأدوية والمعدات الطبية والوقود الى القطاع، ومنع أو تشويش توزيعها. لقد قصفت مؤسسات ومنشات إنسانية (مستشفيات، عيادات، ملاجيء عامة، مخازن غذاء، منشات تحلية المياه وما شابه)، وقتلت وجرحت المئات من رجال الطواقم الطبية، ومنعت ادخال المساعدات الى مناطق كثيرة ووصول طواقم الاغاثة الى هذه المناطق.
لكن مجمل هذه الوسائل لم ينجح في احباط منظومة خدمات الطوارئ التي بنيت في القطاع طوال 23 سنة، بين تشرين الأول 2000 وتشرين الأول 2023، ردا على الازمة الإنسانية المتواصلة التي اوجدها الحصار، الاغلاق، الهجمات العسكرية المتكررة من جانب إسرائيل. هكذا على سبيل المثال، الاونروا، وهي اكبر هذه المنظمات، وهي منظمة مخضرمة واكثر ثراء بالموارد من بين منظمات الإغاثة الدولية العاملة في القطاع، نجحت في توفير خدمات طبية لـ 15 الف مريض كل يوم، رغم شل 15 مركز من بين 22 مركز طبي ثابت لها، ونجحت في توزيع رزم مساعدة ومياه للشرب لمئات الاف العائلات رغم التهجير المتكرر لها من قبل الجيش الإسرائيلي.
في الليلة بين 18 و19 اذار بدات إسرائيل في تنفيذ اللبنة الثالثة من خرق وقف اطلاق النار: استئناف عمليات القصف المكثفة على كل المراكز السكانية في القطاع مع عمليات تهجير جماعي للسكان ودفعهم الى مجمع مقلص الذي حجمه اقل من 20 في المئة من مساحة القطاع. طبيعة القصف وحجم الضرر الكبير لها لم تكن تختلف بصورة جوهرية عن الاضرار التي عرفها القطاع في الأشهر التي سبقت وقف اطلاق النار. ولكن منع ادخال المساعدات خلق نقص في الغذاء والأدوية والوقود، الامر الذي تفاقم كلما طالت أيام الهجوم وادى الى شل شبه مطلق بمنظومة إغاثة الطوارئ.
المخازن الكبيرة للاونروا في جنوب القطاع، التي يتم منها نقل التموين لعشرات المنشات ومئات مراكز التوزيع، فرغت في شهر نيسان. في الوقت الذي فيه الجوع والنقص انتشر وازداد والاف الشاحنات المحملة بالغذاء والأدوية انتظرت على أبواب القطاع بسبب رفض إدخالها. الامر الصادم بشكل خاص هو منع ادخال الوقود الذي يشل انتاج الكهرباء في القطاع. بدون كهرباء لا يمكن تشغيل منشات تحلية المياه، وحدث نقص شديد في مياه الشرب. بدون كهرباء المستشفيات تقلص الى الحد الأدنى تشغيل المولدات فيها، وقدرتها على انقاذ الحياة سيقل. يصعب تحمل التقارير اليومية لمدراء المستشفيات التي ما زالت تعمل في القطاع، وهي تتحدث عن جموع المصابين ومرضى الكلى والسرطان، والأطفال الخدج وحتى المرضى بامراض بسيطة الذين حكم عليهم بالموت.
الصرخة العالية والمتواصلة التي اطلقتها مجموعة طويلة من منظمات الإغاثة وحقوق الانسان إزاء الكارثة الإنسانية المتعاظمة، لم تنجح في وقف إسرائيل، لكنها اجبرتها في النهاية الى ادخال المساعدات الى القطاع، لكن برعاية الدعم الأمريكي فعلت ذلك بالقطارة وحسب شروطها. بدلا من السماح لالاف الشاحنات التي تنتظر الدخول وملء المخازن لمنظمات الإغاثة والمستشفيات، وبدلا من السماح لالاف العمال المدربين في الاونروا ومنظمات الأمم المتحدة الأخرى بتوزيع المواد الغذائية والمياه والبطانيات ومواد التنظيف في 400 نقطة توزيع التي تستخدمها لذلك، استخذمت إسرائيل صندوق المساعدة لغزة الأمريكي أربعة مراكز توزيع في منشات تحت سيطرة الجيش الإسرائيلي وحمايته. وهذه تحولت الى افخاخ موت.
ان خرق وقف اطلاق النار مع حماس تم التخطيط له مسبقا كخطوة تستهدف زيادة المس بسكان غزة عن طريق دمج القتل الجماعي، تدمير البنى التحتية الحيوية والتهجير بالاكراه، الى جانب منع المساعدات الإنسانية وتحييد منظمات الإغاثة وخدمات الطوارئ القائمة. كل عامل من عوامل هذه العملية هو جريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية. ودمجها لا يمكن اعتباره الا افظع الجرائم ضد الإنسانية، سواء من ناحية النية التي وراءها او من ناحية النتيجة.
نظرا لان هذه الجريمة الفظيعة تتواصل حتى كتابة هذه السطور، وأيضا وقفها عن طريق وقف النار لا يضمن ان لا تستأنف في المستقبل، ونظرا لانه أيضا حتى لو توقفت فانه لا يوجد غفران لها، من المهم محاولة فهم ما الذي يسمح بحدوثها.
يبدو أنه يوجد لمؤسسات الأمم المتحدة والمنظمات المتفرعة عنها الأدوات والاليات لمنع حدوث هذه الجريمة الأكثر فظاعة من جميع الجرائم، او على الأقل القضاء عليها في مهدها، حيث ان كل واحد من مكوناتها هو بمثابة خرق خطير جدا للقانون الدولي والمواثيق ذات الصلة التي وقعت عليها إسرائيل وكان يمكن ان تكون ملتزمة بها. من يتابعون يعرفون انه في هذه المرة “العالم لم يصمت”، على الأقل ليس المؤسسات الأكثر أهمية في المجتمع الدولي. من أيام الحرب الأولى تم بذل جهود محمومة للأمم المتحدة لوقف جرائم الحرب الإسرائيلية، في لجان الأمم المتحدة، الجمعية العمومية ومجلس الامن، ولكن هذه تم احباطها مرة تلو الأخرى بواسطة الفيتو الأمريكي في مجلس الامن، الذي يلغي القوة التي أعطيت لهذه المؤسسة، وفي الواقع سبب وجودها. الحماية التي تعطيها أمريكا لإسرائيل بواسطة الفيتو التلقائي يضعها فوق القانون الدولي ويسمح لها بخرق بصورة منهجية كل قرارات الأمم المتحدة والمواثيق، وأن تتبول من الشرفة على الأمم المتحدة وعلى مبادئها.
في هذا السياق يجب التذكير بان استخدام الفيتو الذي يسمح باستمرار جرائم الحرب في غزة هو حالة متطرفة لنفس النهج، الذي بواسطته تسمح الولايات المتحدة لإسرائيل بمواصلة السيطرة على المناطق المحتلة منذ 58 سنة رغم ان سيطرتها على الفلسطينيين وعلى أراضيهم هو خرق فاضح للقانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة، بما في ذلك قرار التقسيم (181)، الذي بفضله قامت إسرائيل.
لكن مع كل أهمية الفيتو فان افظع الجرائم لم تكن لتحدث وتستمر لولا “التصور المشترك للقيادة السياسية والعسكرية في إسرائيل التي تسمح بتنفيذها واستمرارها”. الحرب في غزة لم تكن لتحدث كما حدثت، ولم تكن لتتطور كما تطورت بسبب مصالح سياسية شخصية لبنيامين نتنياهو، لو كان استمرارها مخالف لتصور القيادة الأمنية العليا لكان من المرجح ان يؤدي ذلك الى وقفها. التصور هو الرؤية الاستراتيجية التي توجه القيادة الإسرائيلية منذ ان ادارت ظهرها للحل السياسي الذي يقوم على إقامة دولة فلسطينية الى جانب إسرائيل وإقامة علاقات سليمة بينهما. هذا التصور يفترض إمكانية استمرار السيطرة على المناطق المحتلة والسكان الفلسطينيين الى الابد، وتوفير قدر كبير من الامن الشخصي والرفاه الاقتصادي لاغلبية المواطنين الإسرائيليين.
حتى 7 أكتوبر الافتراض المرافق لهذا “التصور” هو ان الوسائل العسكرية الرئيسية المطلوبة لضمان استمرار هذه الثنائية هي قمع أي مظهر من مظاهر المقاومة الفلسطينية في المناطق وحماية ذاتية للراي العام الإسرائيلي. الهجوم القاتل لحماس في 7 أكتوبر أدى الى تغيير الرؤية بالنسبة للوسائل، لكن التصور بقي على حاله. انه يمكن مواصلة الاحتفاظ الى الابد بالمناطق المحتلة، وأيضا توفير الامن لمواطني إسرائيل، لكن لا يكفي بالقمع والحماية، مطلوب حرب إبادة. في الـ 21 شهر الأخيرة نحن نشاهد انتقال لإسرائيل من الحرب التي استهدفت منع إمكانية إقامة دولة فلسطينية في المناطق المحتلة الى حرب هدفها منع الفلسطينيين من مواصلة العيش في هذه المناطق.
ليس سكان غزة هم الهدف الان، ويشاهدون فظائع حرب الإبادة بكل رعبها، أيضا سكان الضفة الغربية. حيث ان 40 الف من سكان مخيمات اللاجئين في جنين وطولكرم ونور شمس تم اقتلاعهم من بيوتهم في “عملية تدمير غير مسبوقة” التي بدأ بها الجيش الإسرائيلي في كانون الثاني 2025 (في ذروة وقف اطلاق النار في القطاع)، وموعد انتهاءها غير معروف. عشرات البيوت تم تفجيرها ومحوها، أوامر هدم (التي الالتماس ضدها تم رفضه في المحكمة العليا)، تهدد مئات البيوت الأخرى، بنى تحتية دمرت تماما وعشرات الاف المهجرين الذين فقدوا كل عالمهم لا يعرفون ماذا سيجلب لهم اليوم. في الأشهر الستة الأولى في 2025 وثقت “اوتشا” ليس اقل من 740 اعتداء لمستوطنين التي انتهت باضرار في الأرواح او الممتلكات في اكثر من 200 تجمع في مناطق مختلفة في الضفة الغربية (4 هجمات كل يوم بالمتوسط). من 492 فلسطيني الذين أصيبوا في هذه الاعتداءات، 340 أصيبوا على يد المستوطنين والباقين على يد الجنود.
منذ 7 أكتوبر والضفة الغربية مغلقة كليا. مئات البوابات الحديدية والحواجز تقيد حركة السكان نحو قراهم او أماكن سكنهم. اكثر من 100 الف عامل الذين كانوا يعملون في إسرائيل قبل الحرب فقدوا مصدر الرزق، ومثلهم عشرات الاف أصحاب المصالح التجارية الصغيرة والعمال المحليين. نسبة البطالة التي كانت 15 في المئة قبل الحرب قفزت الى حوالي 35 في المئة، حسب تقدير حذر، وكل ذلك بدون الإشارة الى الاقتحامات اليومية للجيش في القرى ومخيمات اللاجئين والمدن، التي كل هدفها هو القاء الرعب، والاف المعتقلين، نصفهم في الاعتقال الإداري، الذين لم يكن لهم أي علاقة بهجوم حماس، والذين يموتون في السجون تحت ظروف لا يستوعبها العقل.
نحن، معارضو الاحتلال في إسرائيل، القدامى والشباب، ما تبقى مما كان في السابق يشكل معسكر سلام واسع ومفعم بالامل، لم ننجح في وقف حرب الإبادة في غزة. ولكن ما يفعله الجيش الإسرائيلي والمستوطنين في الضفة ما زال يمكن وقفه. وهذا يجب ان يكون مهمتنا الان. التاريخ لن يغفر لنا اذا فشلنا في ذلك.
-------------------------------------------
يديعوت احرونوت 11/7/2025
إذا لم يتحقق اتفاق سنتوجه الى حكم عسكري في قطاع غزة
بقلم: ناحوم برنياع
الخطة التي حاول وزير الدفاع إسرائيل كاتس تسويقها تحت عنوان “مدينة إنسانية” ولدت قبل سنة ونصف في مكتب منسق شؤون الحكومة في المناطق. الفكرة كانت بسيطة: إسرائيل تنقل السكان من منطقة ما في القطاع الى منطقة أخرى وعلى الطريق ترشحهم: من يشتبه بهم كرجال حماس، لا يمرون. في الأرض التي تبقى يقوم الجيش الإسرائيلي باعمال تطهير جذرية، يقتل، يعتقل ويدمر.
في الشمال الخطة لم تنجح: الابعاد كان ابعادا لكن الترشيح لم ينجح. مؤخرا قامت الخطة من جديد، في الجنوب، في المنطقة التي بين محور موراغ وما كان محور فيلادلفيا، باسم جديد وكاذب: “مدينة إنسانية”. اكثر مما هي خطة عسكرية، هي خدعة سياسية. حسب الانباء التي تأتي من واشنطن، الرئيس ترامب يستخدم الفيتو. ليس مصير المطرودين هو ما يقلقه، بل مصير الصفقة التي يطلب استكمالها. من تحت التزلف المتبادل تختفي مصالح متضاربة. كتبت عن الاثنين اللذين يرقصان الواحد قبالة الاخر، على حبل رفيع. في ساعة كتابة هذه السطور هما لا يزالان يرقصان.
هذه الخطة مثلما عرضت على الإدارة: فور بدء وقف النار تصعد تراكتورات الى الأرض كي تجسد للغزيين وللعالم بان شيئا ما جديدا يحصل. يقوم مركز غذاء، خدمات، عيادات، مستشفى. في المرحلة التالية، يتاح لـ الـ 600 أو 700 الف نسمة الذين يسكنون في هذه اللحظة في الخيام في المواصي، السير جنوبا. يجتازون ترشيحا دقيقا. المنطقة التي تخلى تطهر وعندها يطرد اليها مئات الاف آخرين يعيشون اليوم في ما كانت ذات مرة غزة وخانيونس، مخيمات الوسط وبناتها. في المرحلة التالية توضح إسرائيل لدول في المنطقة: حماس انهيناها. من الان غزة ليست فقط مشكلتنا. الان دوركم.
الخطة لا تتضمن تهجيرا. حسب مصادر في إسرائيل، أوضحت محافل سعودية واماراتية لترامب بان التهجير ليس واردا، اذا كان يريد مالهم وتأييدهم.
مسؤولون امريكيون سألوا كيف يمكن تنفيذ خطة كهذه في 60 يوما. لست واثقا من أن الجواب الذي حصلوا عليه اسعدهم. انتم لا تعرفون الغزيين، قالوا لهم. محمد يأخذ الخيمة على رأسه، يحمل العائلة على عربة يجرها حمار وينتقل. انم تتوقعون مدينة يكون فيها لكل عائلة عنوان: كتلة A، صف B، خيمة 123. هذا لا يجري هكذا في غزة.
نقل سابق، قدر الامريكيون بانه سيستغرق شهرا فأكثر، انتهى في غضون أسبوع ونصف. الوتيرة كانت مبهرة. الصور كانت رهيبة. الضرر فاق المنفعة.
في المدينة (في الجيش يفضلون تسميتها “رفح الجديدة”) سيقام حكم محلي، يستند الى العشائر. “كل اضعاف لحماس يرفع نجم العشائر”، يقول مصدر إسرائيلي رسمي. “غزة عشائرية اكثر من الضفة”. العشيرة ترتب توزيع الغذاء والطابور للعيادة. رجالها لن يحملوا سلاحا.
ماذا سيحصل اذا لم يتحقق اتفاق؟ بادئة ذي بدء، المخطوفون سيتركون لمصيرهم – مرة أخرى. نتنياهو سيتعين عليه أن يواجه رئيسا أمريكيا متقلبا ومحبطا. الضغط للاستيطان في المناطق التي اخليت من سكانها، سيشتد. في الجيب المأهول بالسكان يقوم حكم عسكري. الحكم العسكري في غزة يقرب إعادة إقامة الحكم العسكري في الضفة. “منذ اتفاقات أوسلو ونحن نتحرك على المحور بين دولة فلسطينية وحكم عسكري. لم نكن في أي مرة قريبين بهذا القدر من نقطة النهاية، من الحكم العسكري”، قال لي مصدر مسؤول.
رسالة واضحة من دمشق
يبدو وزير الخارجية في حكومة سوريا الجديدة، اسعد حسن الشيباني اكبر بقليل فقط من 38 سنة. شنب اسود واسع يتكثف فوق شفته العليا. لحيته على الموضة، مضبوطة كي تبدو مهملة، اهود باراك اكثر، آريه درعي اقل. شعر ابيض يتناثر فيها. انجليزيته افضل بكثير من انجليزية وزير خارجيتنا. بدلته الزرقاء تجلس عليه جيدا وكانه خاطها افضل خياطي دمشق أو لندن او ميلانو.
الانتقال من جهادي الى دبلوماسي، من مطارد الى حاكم، سهل على نحو عجيب. الملابس هي الرسالة. عصبة صغيرة من الشباب، مساعدون او حراس او هؤلاء وأولئك، يحيطون به. هم يبثون ارتياحا، ثقة. احد منهم لا يحمل سجادة صلاة.
رأيته في 11 حزيران، قبل يومين من الحرب في ايران. المكان كان قلعة تاريخية خارج أوسلو، عاصمة النرويج. وزارة الخارجية استدعت الى هناك عصبة كبيرة من وزراء الخارجية، الدبلوماسيون، رؤساء منظمات وصحافيين الى مؤتمر دولي تحت اسم “منتدى أوسلو”. الشرق الأوسط نال تمثيلا واسعا: وصل وزراء خارجية ايران، مصر، السعودية وغيرها. من إسرائيل وصل عاموس هرئيل، المحلل العسكري الفاخر في “هآرتس” وأنا. الاقوال من فوق المنصة وحول الطاولات، كانت محظورة على الاقتباس، ما هو دارج. بالنسبة للصحافي هذه المناسبات هي مدرسة.
كل وزير القى محاضرة، وفي نهايتها أجاب على الأسئلة. عندما وقف الشيباني خلف المنصة، ينتظر بصبر سامعيه، توجهت اليه. صافحني. مصافحة شجاعة واثقة بنفسها. عرضت نفسي باسمي، باسم صحيفتي وباسم دولتي. هو لم يسحب يده، ابتسم فقط. سألت اذا كان يوافق على منح مقابلة لـ “يديعوت احرونوت” هو واصل الابتسام، واصل الصمت الى أن توجه اليه احد ما وحرره لشأنه.
الشيباني يتحرك ويتنقل في العالم لهدف واحد: إعطاء شرعية للنظام الذي يمثله. التركيز هو السبيل الوحيد للنجاة في حقل الألغام الذي خلفه نظام الأسد وراءه وحقول الألغام التي زرعتها الجهاديون في سنواتهم. الرسالة واضحة: لدينا مشاكل لنحلها، داخلية وخارجية، ليس لنا أعداء، ليس لنا مقاطعات. نحن مستعدون للحديث مع الجميع – مع إسرائيل أيضا.
بين نقاش ونقاش جلس الشيباني لحديث عمل مع عباس عرقجي احتل الاثنان طاولة في وسط الصالة. تجاهلا دائرة الأشخاص التي أحاطت بهما، لكن في واقع الامر كانا يقصدانها: انظروا الينا، نحن الأكثر شرعية في العالم، الأكثر حضارة، الأكثر موضوعية – نحن انتم. لماذا تعاقبونا بالعقوبات؟
عرقجي لم يعرف انه في غضون يوم ونصف سيصفى بعض من زملامئه الكبار، منشآت عسكرية ومدنية ستدمر. والنظام سيواجه مسائل وجودية. هل كان الشيباني يعرف؟ مشكوك جدا. لكن عندما طارت طائرات سلاح الجو شرقا، حكومته، مثل حكومات عربية أخرى اختارت غمض العيون. غمض العيون هو جزء من حملة الشرعية، جزء من اختبار القبول لاسرة الشعوب. هو وضع مؤقت.
-------------------------------------------
هآرتس 11/7/2025
بري واللحام في قبضة الظلامية.. وبن غفير: سأستعين بسارة لنحدد مفهوم “معتقل سياسي”
بقلم: أسرة التحرير
إن تمديد اعتقال الصحافي، إسرائيل بري، أمس يعد تجاوزاً لكل خط أحمر في حماية حرية التعبير وفي الإنفاذ الانتقائي للقانون على خلفية أيديولوجية. فقد نشرت بري تغريدة مثيرة للحفيظة. “العالم أفضل هذا الأسبوع بدون خمسة شاركوا في إحدى الجرائم الوحشية ضد الإنسانية”. كتب غداة مقتل خمسة جنود في غزة.
عن حق، قضت قاضية محكمة الصلح في تل أبيب، رفيت بيلغ، أمس، بأن أقوال بار دايان “تمس بمشاعر الجمهور بل ومثيرة للحفيظة”. بعثته اعتقال لثلاثة أيام بغير حق، وبذلك استسلمت لنزوات وزير الأمن الداخلي بن غفير، ومنفذ أوامره المطيع، كوبي يعقوبي، مأمور السجون.
وكان بن غفير تباهى أمس بهذا الاعتقال ووصف بري بأنه “مجرم أمني”، رغم أنه بخلاف بن غفير الذي أدين بالإرهاب، لم تتم إدانة بري بشيء. وسارع يعقوبي للسير على الخط وفقاً لروح الوزير، ووجه تعليماته لتصنيف بري كمعتقل أمني وإرساله إلى منشأة اعتقال أمنية. أمس، امتثل بري أمام المحكمة بتمديد اعتقاله مرتدياً ملابس مصلحة السجون، كآخر المخربين.
بري لم يمس بأمن الدولة، إنما عبر عن رأي متطرف، لكن هذا هو بالضبط اختبار حرية التعبير: إذا لم تترافق الأقوال بمس بالأمن فمن واجب الديمقراطية احتواء هذه الأقوال أيضاً. اعتقاله اعتقال سياسي لمعارض للنظام، كما هو متبع في أنظمة الطغيان الظلامية.
قبل بضعة أيام من ذلك، استدعي افيعاد جليكمان تحت طائلة التحذير لدى شرطة لواء تل أبيب للاشتباه بأنه دفع عاملة لدى سارة نتنياهو. مراسل المحكمة الذي استُهدف منذ زمن بعيد كعدو نتنياهو وعائلته، يظهر في الشريط المسجل وهو يحاول شق طريقه إلى الخارج في ختام مداولات في المحكمة، في دعوى نتنياهو ضد سلفيا تناسيا، عاملة سابقة في منزل رئيس الوزراء. الناطق بلسان الليكود، غي ليفي، صرخ بأن جليكمان اعتدى على عاملة في فريق سارة نتنياهو. الشكوى رفعت، ثم سارع قائد اللواء، حاييم سرغلوف، مقرب المفتش العام ومنفذ أوامر الوزير، لإصدار التعليمات باستدعاء جليكمان للتحقيق تحت طائلة التحذير.
بالتوازي، تم اعتقال الصحافي الفلسطيني ناصر اللحام، المحرر الرئيس لوكالة الأنباء الفلسطينية “معا” الذي يدير أيضاً مكاتب القناة اللبنانية “الميادين” المتماثلة مع حزب الله، هذا الأسبوع. اللحام مشبوه بالتأييد والتحريض للإرهاب، وكذا بتقديم خدمات لمنظمة إرهاب والمس بأمن الدولة، سبب وظيفته في “الميادين”.
لقد وقع الصحافيون ضحية لروح العصر الظلامية. وفي الوقت الذي ينثر فيه سياسيون من اليمين دعوات الانقسام والتحريض على ارتكاب جرائم حرب مخيفة، ها هم منتقد الحكومة على بؤرة استهداف شرطة بن غفير. مؤسف أن يتبين لنا أن جهاز القضاء أيضاً يتعاون مع هذه الروح الخطيرة. يجب تحرير بري واللحام فوراً، وينبغي الاعتذار لجليكمان لمجرد التحقيق.
-----------------انتهت النشرة-----------------