الصحافة الإسرائيلية الملف اليومي صادر عن المكتب الصحفي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين الجمعة 1/8/2025 العدد 1371

الصحافة الاسرائيل– الملف اليومي افتتاحيات الصحف + تقارير + مقالات |
معهد السياسة والاستراتيجية IPS –1/8/2025
كيف نتجنب الغرق في مستنقع غزة؟
بقلم: عاموس جلعاد
في سلسلة من التحركات العسكرية الهامة، وأهمها تفكيك البنية التحتية العسكرية لحماس، هيأ جيش الدفاع الإسرائيلي، وفقًا لتوجيهات مجلس الوزراء، الظروف اللازمة لعودة جميع الرهائن. ولتحقيق هذه الغاية، يبدو أن لدى إسرائيل مسارين محتملين لتحرير الرهائن. الأول عسكري، وقد ثبت بالفعل عدم فعاليته. والثاني سياسي، وهو في الواقع المسار الوحيد الممكن. ومن المهم الإشارة إلى أن الغالبية العظمى من الرهائن أُعيدوا باتفاق سياسي وليس بعمل عسكري. ولتحقيق هذه الغاية، يجب وضع إطلاق سراح جميع الرهائن فوق جميع الأهداف الأخرى ويجب إعطاء الأولوية لتحقيقه على المدى القريب، حيث أنه مع مرور كل يوم، يزداد الخطر على حياتهم وإمكانية عودة القتلى.
استمرار الفشل السياسي
يحمل الفشل السياسي والاستراتيجي المتفاقم في غزة تداعيات واسعة النطاق على المجالات الاستراتيجية والأمنية والاقتصادية والداخلية في مجال الصمود الوطني. في الواقع، انهارت الخطط السياسية التي اعتمدتها الحكومة في غزة مرارًا وتكرارًا، ولم يُنفذ أيٌّ من القرارات المتخذة. تم التخلي عن فكرة إنشاء مدينة إنسانية، لعدم جدواها من جميع الجوانب – الاستراتيجية والسياسية والاقتصادية والقانونية. كذلك، تبيّن أن فكرة التعبئة السكانية والهجرة الطوعية ليست سوى أوهام لا أساس لها من الصحة، في ظل المعارضة الحازمة والثابتة من الدول العربية والنظام الدولي.
لقد فشلت الخطط البديلة، بدعم من إسرائيل، لتوزيع المساعدات الإنسانية، بل أدت إلى سيطرة حماس على أجزاء كبيرة منها. وقد أدى ذلك إلى اتهامات لإسرائيل بتعمد تجويع سكان غزة. في ضوء ذلك، اضطرت إسرائيل إلى الموافقة على إسقاط المساعدات جوًا، وتشجيعه، خلافًا لسياستها في الأشهر الأخيرة. النتيجة هي أن حماس تستخدم الأزمة الإنسانية كورقة لتشويه سمعة إسرائيل وتحقيق أهدافها في المفاوضات.
من منظور إقليمي، تغرق إسرائيل أكثر فأكثر في مستنقع غزة، دون أفق سياسي ودون استراتيجية للخروج من الحرب. ونتيجة لذلك، تتلاشى احتمالات تعزيز أمنها القومي عبر اتفاقيات سلام إقليمية، وفي مقدمتها مع المملكة العربية السعودية. وهذا يستلزم أيضًا فقدان الإمكانات الاقتصادية الهائلة للجسر البري الذي سيربط الهند وإسرائيل عبر العالم العربي.
ووفقًا للمنشورات، قد يُقدم رئيس الوزراء نتنياهو على قرار بتوسيع العمليات العسكرية في غزة، إذا اتضح أن حماس غير مستعدة لاستعراض قوتها والمضي قدمًا في صفقة. مثل هذا القرار، إذا اتُخذ بالفعل، قد يُعمق غرق إسرائيل في مستنقع غزة، مع استحالة إعادة الرهائن إلى ديارهم.
تسونامي سياسي
يتسلل النقد اللاذع لإسرائيل إلى الولايات المتحدة أيضًا، كما يتضح من تصريحات الرئيس ترامب حول الوضع المتردي في قطاع غزة. حتى أن الصحفية والمعلقة ميجين كيلي زعمت أن “إسرائيل جعلت نفسها شريرة في نظر العالم أجمع، وتفقد الدعم حتى بين الجمهوريين. إسرائيل تفقد مكانتها الأخلاقية، وكما قال الرئيس ترامب بالفعل – حان الوقت لإنهائها”. في سياق مماثل، يشير استطلاع جديد أجراه معهد غالوب إلى انخفاض حاد في الدعم الشعبي في الولايات المتحدة للحرب في غزة. ووفقًا لنتائج الاستطلاع، يعارض 60% من المشاركين الحرب، بينما يؤيدها 32% فقط – وهو انخفاض حاد بنحو 10% مقارنة بالاستطلاع السابق الذي أُجري في سبتمبر 2024، ويعزى ذلك أساسًا إلى انخفاض الدعم بين الديمقراطيين. كما يشير الاستطلاع إلى فجوات كبيرة بين جيل الشباب، الذي يعبر عن مواقف أكثر انتقادًا لإسرائيل، والجيل الأكبر سنًا. هذه اتجاهات طويلة الأمد تُشكّل تحديًا متزايدًا لإسرائيل في الحفاظ على التحالف الاستراتيجي والعلاقات المميزة بين البلدين، حتى في ظلّ الإدارات المستقبلية.
علاوة على ذلك، يُؤدّي تزايد الانتقادات لسياسة الحكومة إلى تحرّكات سياسية عدائية. ويتجلى ذلك في تصريحات الرئيس ماكرون ورئيس الوزراء ستارمر حول نيّتهما الاعتراف بدولة فلسطينية، إذا لم يتغيّر الوضع. إضافةً إلى ذلك، أعلنت أكثر من عشر دول بالفعل عن نيّتها الانضمام إلى هذه الخطوة. يُضاف إلى ذلك التفكير الجاري في الاتحاد الأوروبي لفصل إسرائيل عن برامج البحث والعلم ذات التمويل العالي، وقرار هولندا، التي انضمّت إلى دول أخرى، بمنع دخول الوزيرين سموتريتش وبن غفير إلى البلاد. وتُؤجّج التصريحات غير المسؤولة لوزراء الحكومة حول نيّة محو غزة وتهويدها، مشاعر النقد والكراهية. وقد انعكس ذلك في سلسلة من الحوادث التي تعرّض فيها يهود وإسرائيليون للهجوم حول العالم.
تأثيرات على التصدي لايران
بالمعنى الأوسع، ورغم النجاحات في إلحاق الضرر بالبرنامج النووي الإيراني، يتعين على إسرائيل تركيز أقصى قدراتها ومواردها على مواجهة التهديد متعدد الأبعاد من إيران وحلفائها في المنطقة، والذي تغذيه أيديولوجية متطرفة تدعو إلى زوال دولة إسرائيل. يأتي ذلك في ضوء إدراكها أن إيران ستسعى، في المقام الأول، إلى إعادة إحياء المشروع النووي، الذي يُنظر إليه في طهران على الأرجح حاليًا على أنه الضمانة الرئيسية ضد أي هجمات مستقبلية عليها. هذا إلى جانب جهود إعادة بناء الحزام الناري حول إسرائيل، الذي أُقيم على مدى عقود وباستثمارات بلغت عشرات المليارات من الدولارات.
تآكل متزايد في المناعة الوطنية
على الصعيد الداخلي، تتزايد الأثمان الاجتماعية والاقتصادية التي تُجبر إسرائيل على دفعها نتيجة استمرار الحرب. وكان استبدال رئيس لجنة الخارجية والدفاع، إدلشتاين، بعضو الكنيست بيزموث، يهدف إلى تمكين التقدم في قانون التهرب من التجنيد. تُشكّل هذه الخطوة تهديدًا حقيقيًا لتماسك المجتمع الإسرائيلي، لا سيما إذا سُنّ قانون لا يُلبّي الاحتياجات المتزايدة للجيش (أكثر من عشرة آلاف جندي مقاتل) والمساواة في المجتمع الإسرائيلي، مما يُفاقم العبء غير المعقول على القوات النظامية والاحتياطية.
الخلاصة
في ظل الواقع الراهن، بات من الضروري، وباعتباره الهدف الأسمى والأكثر إلحاحًا، وضع خطة لإعادة جميع المختطفين الخمسين فورًا وإنهاء الحرب في غزة. هذا، إلى جانب وضع استراتيجية لإسقاط حماس وإسقاط حكمها، حتى لو امتدت هذه الاستراتيجية لفترة زمنية أطول. عمليًا، وإلى جانب استمرار الضغط العسكري، تحتاج إسرائيل إلى صياغة بديل حاكم لحماس، بالتعاون مع الدول العربية والولايات المتحدة. هذا من شأنه أن يمهد الطريق للدول العربية لاستثمار الموارد الاقتصادية اللازمة، والتي تُقدر بعشرات المليارات من الدولارات، في إعادة إعمار القطاع. ستسمح هذه العمليات لإسرائيل بتعميق تحالفها مع الدول العربية والولايات المتحدة، وتركيز أكبر قدر من الموارد والقدرات على مواجهة التهديد الاستراتيجي الذي تشكله إيران. وهذا يشير إلى أن أي قرار، باستثناء القرار الذي يؤدي إلى إطلاق سراح الرهائن وإنهاء الحرب، قد يؤدي إلى تعميق غرق إسرائيل في مستنقع غزة، وإضعافها على الساحتين الدولية والعربية، وتفاقم الانقسامات والصعوبات الداخلية.
------------------------------------------
هآرتس 1/8/2025
إسرائيل تسعى الى توسيع حدودها نحو سوريا ولبنان وتدوس على ثآليل أمريكية في الطريق
بقلم: تسفي برئيل
حلم ارض إسرائيل الكاملة لم يعد يقتصر فقط على مناطق الضفة الغربية والأراضي المقدسة لقطاع غزة. اذا صدقنا اقوال بتسلئيل سموتريتش فان حدود الدولة ستوسع لتشمل أيضا مناطق في داخل لبنان. “الآن يمكنني القول لكم بشكل واضح ان الجيش الإسرائيلي لن ينسحب، وبعون الله لن ينسحب، من المواقع الخمسة التي نوجد فيها في داخل لبنان. القرى الشيعية التي تم تدميرها لن تبنى مرة أخرى. لقد وعدنا بذلك عندما وقعنا على الاتفاق، وكان يصعب على كثيرين تصديق ذلك، لكن نحن ننفذه”، قال سموتريتش بحماسة في هذا الأسبوع في مؤتمر بعنوان “ندعم الشمال”.
لقد كان لوزير المالية بشرى هامة أخرى وهي “أقول لكم بان هناك احتمالية كبيرة في ان يتم نزع سلاح حزب الله. وحتى خامنئي يئس من الحزب وهو لا يهتم أبدا بمسألة إعادة ترميمه أم لا. الحكومة اللبنانية بالتأكيد ستكون مسرورة من معرفة كيف ينوي سموتريتش نزع سلاح حزب الله بدون اندلاع حرب أهلية في لبنان”.
في الوقت الذي يرسم فيه سموتريتش خارطة ارض إسرائيل الجديدة، كان من المتوقع ان يلتقي في عاصمة أذربيجان باكو للمرة الثانية في غضون أسبوع وزير الشؤون الاستراتيجية رون ديرمر ووزير الخارجية السوري اسعد الشيباني من اجل مناقشة “الترتيبات الأمنية”، التي معناها العملي يمكن ان يكون توسيع حدود إسرائيل داخل الأراضي السورية. اللقاء تم تاجيله في هذه الاثناء بسبب تمديد زيارة الشيباني في موسكو – الأولى منذ سقوط نظام الأسد. ولكن يبدو ان اللقاء لم يتم الغاءه.
هذه الخطوة تشير الى ان المعيار، نفس المساحة العازلة التي أقامها الجيش الإسرائيلي حول قطاع غزة وينوي الاحتفاظ بها حتى لو تم التوصل الى اتفاق لوقف اطلاق النار، الذي سيؤدي الى انهاء الحرب، سيتم استنساخه في مناطق أخرى، وان إسرائيل تطمح الى احاطة نفسها بقطاع جغرافي أيضا في لبنان وفي سوريا. هذه القطاعات تحظى بمكانة ذخر استراتيجي مهم يجب عدم التنازل عنه، أيضا حتى لو كانت السيطرة عليها ستفشل أي محاولة للتوصل في المستقبل الى اتفاقات سلام، أو على الأقل الى تسويات امنية وسياسية دائمة.
لا يوجد لسيطرة إسرائيل على المواقع الخمسة في لبنان أي صلة بعملية نزع سلاح حزب الله شمال الليطاني، وهي العملية التي تعهدت فيها الحكومة اللبنانية في السنة الماضية عندما وقعت على اتفاق وقف اطلاق النار الذي يستند الى تطبيق القرار 1701. ولكن التعهد الإعلاني للرئيس جوزيف عون ورئيس الحكومة اللبنانية نواف سلام والتنفيذ الفعلي يفصل بينهما حقل الغام قابل للانفجار ويهدد الدولة.
مطالبة أمريكا، كما يصوغها المبعوث الخاص توم براك، هي ان حكومة لبنان التي يشارك فيها ممثلون عن حزب الله، ستتخذ قرار حاسم بتنفيذ نزع السلاح وستبدأ في تطبيقه. لبنان من ناحيته يربط نزع السلاح بانسحاب إسرائيل من المناطق التي احتلتها في لبنان، او على الأقل ان تبدأ في الانسحاب بالتدريج، الذي سيتم تنسيقه مع وتيرة نزع سلاح حزب الله. “خطوة مقابل خطوة”، هكذا يطالب لبنان. إضافة الى ذلك لبنان يريد ضمانات أمريكية، سواء بانسحاب إسرائيل أو بعدم مهاجمة لبنان. براك أوضح للبنان بانه “لن تكون ضمانات” وأن “الولايات المتحدة لا يمكنها فرض على إسرائيل أي شيء في قضية وقف اطلاق النار”، أي ان حرية عمل إسرائيل عسكريا في لبنان لن يتم التشويش عليها.
براك هدد أيضا بانه اذا لم تتخذ حكومة لبنان القرار المطلوب فان الإدارة الامريكية يمكن ان تنفصل عن قصة لبنان، وهي الخطوة التي يمكن لتاثيرها على قدرة لبنان على إعادة الاعمار والحصول على المساعدات والتمويل الدولي ان يكون حاسما. في مناسبات أخرى أوضح بان “نزع سلاح حزب الله هو شان لبناني داخلي”، هذه اقوال مستغربة لان الولايات المتحدة هي العرابة الرئيسية في اتفاق وقف اطلاق النار وعضوة في لجنة الرقابة على تنفيذه.
التهديدات، مثل الكلام الناعم، لم تساعد حتى الآن على حث حكومة لبنان على الانعقاد واتخاذ قرار. الجيش اللبناني يواصل جمع السلاح جنوب الليطاني، ويسيطر على المواقع التي يستخدمها حزب الله بدون مواجهات، لكن نزع السلاح بشكل كامل سيستغرق وقت، ولم يتبين مدى فائدة وجود الجيش الإسرائيلي في جنوب لبنان في تحقيق هذا الهدف. حزب الله يستخدم هذا التواجد للجيش الإسرائيلي كورقة مساومة مع الحكومة اللبنانية. موقف الحزب العلني هو انه طالما ان الجيش الإسرائيلي يستمر في مهاجمة لبنان ويسيطر على المواقع الخمسة فانه لن يسلم سلاحه. من جهة أخرى لا يوجد ما يضمن موافقة الحزب على تسليم سلاحه حتى لو انسحب الجيش الإسرائيلي من هذه المواقع او توقف عن مهاجمة لبنان، لان الشرط الإضافي الذي وضعه حزب الله هو ان أي نقاش حول نزع السلاح لا يمكن أن يتم الا في اطار “استراتيجية دفاع شاملة” يكون الحزب مشاركا فيها.
معضلة لبنان توجد الآن على قرنين – نزع سلاح حزب الله بالقوة والمخاطرة بمواجهات داخلية عنيفة أو جعل إسرائيل تستأنف الحرب بدعم من أمريكا. هذان الخياران يوضحان انه رغم الضربة القاسية التي تعرض لها حزب الله، التي تشمل تصفية قيادته العسكرية وجزء من قيادته السياسية، وفقدان الجبهة الداخلية الشرعية المهمة له في سوريا، والصعوبة التي تكمن في إمكانية ايران لترميمه، الا انه ما زال يستطيع التاثير في السياسة اللبنانية، وهو يستخدم من اجل ذلك سيطرة إسرائيل على مناطق في لبنان.
نقل الصولجان
القصة السورية اكثر تعقيدا. هناك المفاوضات المباشرة بين إسرائيل والنظام السوري بمستويات رفيعة جدا، حتى لو كانت حتى الآن على مستوى رؤساء الدول، جاءت بالأساس بوساطة أمريكا، أذربيجان وتركيا، وفي الخلفية السعودية أيضا. مقابل النزاع مع لبنان الذي أساسه مزدوج بين إسرائيل ولبنان فان سوريا هي مفترق الطرق للمصالح الاستراتيجية والإقليمية والدولية. الرئيس دونالد ترامب في الواقع غطى بالعسل ولي العهد السعودي محمد بن سلمان عندما قام بمصافحة في شهر ايار احمد الشرع كبادرة حسن نية للشخص الذي “يحبه جدا”، و”حملة تطهير” الشرع استمر فيها ترامب عندما رفع عنه لقب الإرهاب وقام برفع العقوبات المفروضة على سوريا، وهكذا فقد فتح امامها أنبوب الاستثمارات والمساعدات الدولية.
لكن الحديث لا يدور فقط عن انسحاب الـ 1800 جندي امريكي. ترامب يجب عليه نقل صولجان محاربة داعش الى شريك مسؤول، وضمان أيضا سلامة الاكراد، حلفاء أمريكا في محاربة تنظيم الدولة الإسلامية. لهذا الغرض ترامب يشكل في سوريا شبكة دعم تستند الى تركيا، التي ستتحمل المسؤولية عن محاربة داعش وترميم وتطوير الجيش السوري، والسعودية تعهدت بضمان “السلوك الجيد” للشرع بعد ان اقنعت ترامب بان الرئيس السوري لم يعد نفس الإرهابي ونفس رجل القاعدة السابق. والدليل على ذلك هو انها تعهدت في الأسبوع الماضي بان تستثمر في سوريا 4 مليارات دولار. وانضمت اليها قطر التي بدات تضخ الأموال الى الخزينة السورية.
في هذه الاثناء النتيجة هي ان احتلال أراضي في هضبة الجولان وفي جنوب سوريا لأغراض امنية بهدف خلق منطقة جغرافية عازلة تمنع اقتراب جهات معادية من حدود إسرائيل، حول إسرائيل الى جهة متورطة في سياسة سوريا، بصورة يمكن ان تزعج الإدارة الامريكية في استكمال خططها. من السابق لاوانه التقدير كيف ستنتهي المحادثات بين إسرائيل وسوريا، وما هي التفاهمات التي سيتوصل اليها الطرفان. ولكن في سوريا، مثلما في لبنان، يتبين، ليس للمرة الأولى، ان خطوات تكتيكية، مثل احتلال “مناطق سيطرة” و”تواجد عسكري محدود” أو “إقامة قاطع امني”، تتحول الى خطوات طموحة تتوسع الى ابعاد استراتيجية التي إسرائيل غير جاهزة للتعامل معها.
-------------------------------------------
هارتس 1/8/2025
وطني اصبح دولة حقيرة، وانا ما زلت اتمسك بدون قدرة على الانفصال
بقلم: ايلانا هيمرمان
رحلة “ال عال” من تل ابيب الى برلين كانت مليئة حتى المكان الأخير، امام مكاتب تسجيل بطاقات الصعود الطابور كان يزداد طوله، ومعظم الركاب الإسرائيليين، أزواج، عائلات واولادها، الذين خرجوا كما يبدو للاستجمام. الناس تقدموا حسب النظام، وضعوا جوازات السفر على جهاز المسح وقدموا التذاكر للمضيفات وانضموا الى الكم الضيق الذي يرتبط بباب الطائرة. أيضا الواقفين في هذا الطابور الذي كان يطول، تقدموا بصبر أيضا، وتجمعوا في صفوف منتظمة عند باب الطائرة وتبادلوا الابتسامات مع المضيفات وبعد ذلك تابعوا الطريق نحو الطائرة، الى الممر الضيق جدا بين صفوف المقاعد الثلاثة، على اليمين واليسار، من اجل البحث عن المقاعد المخصصة لهم.
هنا كان اكتظاظ، حقائب يدوية منتفخة، حقائب السفر الصلبة المحشورة بين الساقين والخاصرة، آباء وامهات شباب كانوا خائفين على الاطفال المحمولين على أيديهم خوفا من ان يحشروا، وراقبوا الأولاد الآخرين كي لا يسرعوا اكثر من اللازم في السير. أيضا هنا الركاب لم يدفعوا ولم يتم دفعهم ولم يحاولوا التجاوز، الجميع انتظروا بصبر جلوس من يقفون امامهم في الدور على مقاعدهم، وكان هناك أيضا من عرضوا المساعدة على من يحتاجونها.
بعد ذلك، خلال ساعات الطيران الأربع المتواصلة، لم تكن هناك أي مشاهد على طلبات زائدة أو احتكاك أو فوضى، ولم اجد أي ذريعة لتبرير السمعة التي كانت للمسافرين الإسرائيليين. امامي وورائي وعلى جانبيّ كان هناك ازواج يحملون أطفالهم. بين حين وآخر كان احد الوالدين يستيقظ وهو يحمل رضيع يبكي، لا يهدئه الاحتضان والمداعبة والقبلات، أو الحلمة الزجاجية التي يتم دفعها الى فمه الصغير. الأب، أو الأم، كان يقف في الممر وهو يحمل الطفل بين يديه بصبر غير محدود مرفق بحركة رقص ايقاعية، ثني خفيف للركبتين وانحناءه رشيقة للحوض يمينا ويسارا. يا له من رقص جميل. اما الوالد الذي كان يبقى جالس كان يستلقي على مقعده براحة. وبين حين وآخر كان يلقي نظرة ودودة الى الزوجة أو الزوج والطفل المشترك.
انا شاهدت هذه الصورة الودودة لعائلات إسرائيلية محبة في بداية الرحلة نحو الحياة العائلية، ولم يسعني الا ان افكر بانه ربما، او على الأرجح حتى وقت قريب، كان هؤلاء الشباب والشابات شركاء في حرب مزقت ودمرت حياة عائلات بالكامل، واصبح هدفها الرئيسي، بل العلني، في هذه الاثناء، ضمان عدم وجود مكان يعود اليه الناجون والمهجرون، وربما كان من بينهم من قتل بسلاحه الخاص أو بالقنابل التي القيت من الجو أو تم تفجيرها من بعيد آباء وامهات في نفس جيلهم وجيل أولادهم.
الصحافي اوري مسغاف كتب “البيانات تتحدث عن 60 ألف قتيل”. وحسب تقديرات مشددة، على الأقل نصفهم ليسوا مخربين، بينهم حوالي 18 ألف طفل. أطفال!، 40 في المئة من المناطق المبنية تم تدميرها، حرثها وتسويتها بالأرض بواسطة القصف من الجو، التفجيرات هندسية، منظومة الجرافات العسكرية والمدنية. هذه ليست اسرائيليتي أو يهوديتي أو دولتي. ليس من اجل ذلك اقيمت هنا بعد الكارثة”، كتب وأضاف. “غيلا غملئيل تنشر الخطط، لكن هنا في غزة لن تقام ريفييرا، بل ستقام يد واسم” (“هآرتس”، 25/7).
هذه السطور قرأتها اثناء تواجدي في برلين. وأنا ما زلت مشوش بين خيارين صعبين، الهجرة أو عدم الهجرة. الامر ليس انني لا اعرف – الوثائق التي يتم الكشف عنها في الاشيف، من بين الوثائق التي ما تزال سرية – انه قبل وقت طويل من تشكيل حكومة بربرية هنا، التي كان هدفها العلني هو قتل واقتلاع وطرد الفلسطينيين من قراهم ومدنهم، كان القادة الكبار الذين ناضلوا على نفس الهدف على راس الهرم العسكري السياسي لإسرائيل. انا اعرف ذلك جيدا. ومع ذلك، تشبثت أيضا خلال سنين وحتى الان بمعرفة انه فقط لأن والدي وجدا مكان للاستقرار هنا في الوقت المناسب، لم يتم قتلهم في أوروبا على يد الالمان. وهكذا تبين أنني ولدت في حيفا وقضيت فيها طفولة وشباب جميل، والعبرية هي اللغة التي احبها واكتبها، وانتقلت للعيش في القدس، التي كانت المدينة المقسمة مع مناظرها الجميلة الطبيعية، وبقيت وطني. مع انني ادركت منذ زمن، على الأقل منذ نهاية الستينيات فصاعدا، ان الحقيقة المرة هي انها ليست وطني وان اسرائيليتها ليست اسرائيليتي ويهوديتها ليست يهوديتي. ما العمل الآن عندما بلغ السيل الزبى، مثلما يقول الشعار الذي اصبح حقيقة، واصبحنا مهاجرين.
يبدو اننا ولدنا لنكون احرار، ومن حصلوا على هذا الترف والقدرة على تحقيقه، الامر الذي تم حرمان منه معظم الناس، لهم الحق الكامل في العيش أينما يريدون. عشرات آلاف الإسرائيليين اختاروا في الفترة الأخيرة ذلك. كثيرون منهم استقروا لسبب ما في عاصمة المانيا، التي منذ الخمسينيات وحتى الآن – كما يقول وزير الخارجية الألماني في مقابلة أجريت معه في الأسبوع الماضي، تؤيد إسرائيل وتزودها بالسلاح على طول الطريق الذي سارت فيه الدولة نحو الهاوية السياسية والأخلاقية التي وصلت اليها الآن.
-------------------------------------------
هآرتس 1/8/2025
عدد القتلى في غزة الذي نشر في “هآرتس” مبالغ فيه
بقلم: سيرجيو دي لا فرغولا
رد البروفيسور مايكلى سباغيت، الذي جاء لدحض مقالي (“هآرتس”، 4/7) الذي تطرقت فيه لعدد من نقاط ضعف المقال التمهيدي (المقال الذي لم يجتز بعد نقد الزملاء) الذي نشره عن عدد القتلى في غزة (“هآرتس”، 17/7)، لم يصحح الأخطاء التي اشرت اليها في استعراضي لهذه المقدمة، وحتى يكشف عن أخطاء جديدة وحاسمة. ولكن في البداية اريد الإشارة الى نقاط مهمة، التي بخصوصها يوجد اتفاق بيني وبين سباغيت.
الأولى، انا اتفق مع سباغيت، وهو ناشط حقوق انسان ورئيس منظمة “كل ضحية هي مهمة”، بأن كل ضحية هي مهمة. واضيف بان هذا صحيح بالنسبة للطرفين. لولا المذبحة عديمة الضمير التي نفذها الغزيون بقيادة حماس في 7 تشرين الأول 2023 لما كنا نحصي الان القتلى في غزة، الذين ماتوا نتيجة عمليات عنيفة وغير عنيفة. هذا الواجب المحزن لاحصاء الموتى ينبع من التزام مهني وضمير مدني على حد سواء.
الثانية، انا اتفق مع سباغيت، الاقتصادي الذي يحظى بالتقدير، بأن تقارير وزارة الصحة في غزة حول عدد القتلى غير موثوقة. سباغيت لا ينفي قولي بان وزارة الصحة في غزة لم تقم في أي يوم بعملية إحصاء كاملة لجثث الذين ماتوا بسبب نشاطات الحرب، وهو يعتمد بالأساس على تسجيل المستشفيات، وأيضا على تصريحات غير مؤكدة التي مصدرها قوائم مستقلة أو الشبكات الاجتماعية.
وزارة الصحة في غزة لم تميز بين الذين ماتوا لاسباب طبيعية (6 – 7 آلاف في السنوات الأخيرة) وبين ضحايا الحرب، ولم تميز أيضا بين المقاتلين والمدنيين. أيضا هي لم تميز بين الذين قتلوا نتيجة عمليات الجيش الإسرائيلي وبين الذين قتلوا باصابة حوالي ألف صاروخ اطلقتها حماس والجهاد الإسلامي التي سقطت بالخطأ في غزة. وهو لم يقم باحصاء كم عدد القتلى من حماس أو الجهاد الإسلامي الذين قتلوا على يد هذه التنظيمات، وكم بينهم هم من رجال حماس أو الجهاد الذين قتلوا على يد معارضيهم.
وزارة الصحة في غزة ليست جسم علمي محايد، بل هي وزارة حكومية لحماس. مع كل الاعتماد والتحيز الشاملين القائمين في مثل هذا الوضع. في اعقاب فحوصات فان وزارة الصحة في غزة قامت بتحديث بين حين وآخر الأرقام وخفضتها. حتى الذين يصدقون بان عدد القتلى اعلى مما نشرته وزارة الصحة في غزة بدأوا في اجراء حساب استقرائي، من ارقام مؤكدة، التي هي ادنى من الأرقام التي نشرتها وزارة الصحة في غزة.
من هنا جاءت مبادرة سباغيت، نشر تقدير افضل بواسطة عملية مسح للوفيات قام بها في غزة، والتي ترتكز الى عمل ميداني مستقل. ولكن للأسف الشديد، هذا الجهد المقدر له لا يلبي معايير الحد الأدنى المهنية، سواء من ناحية التخطيط أو من ناحية التنفيذ.
الأشخاص الذين أجريت عليهم عملية المسح لم يشكلوا عينة عشوائية لكل العائلات في غزة، بل نوع من “عينة حصصية” ترتكز الى محافظات غزة الخمسة. في كل محافظة تم اختيار 200 منطقة تعداد اصغر، كل منها تشمل عشر حالات، وذلك من اجل الوصول الى عينة تتكون من 200 مشارك. بسبب القتال لم يكن لدى من قاموا بعملية المسح أي طريقة مباشرة للوصول الى 3 من بين الـ 5 محافظات (شمال غزة، مدينة غزة ورفح). صحيح انه كانت لديهم إمكانية للوصول الى محافظتي خانيونس ودير البلح. ممثلون عن سكان المحافظات الثلاثة الأولى تم مسحهم في الملاجيء وفي أماكن لجوء أخرى. الافتراض بان من تم تهجيرهم مثلوا بشكل صحيح من لم يتم اخلاءهم هو افتراض غير منطقي. من الواضح ان الضرر الذي لحق بمن تم اخلاءهم كان اكبر من الذين لم يتم تهجيرهم.
لو ان سباغيت كلف نفسه عناء قراءة وتحليل نتائج الاستطلاع الذي اجراه لكان لاحظ جوانب أخرى من التناقض في البيانات حسب المحافظات. يصعب علاج البيانات بسبب التناقض بين الروايات المختلفة في المقال الذي نشر في السابق. مجموع عدد القتلى حسب المحافظات لا يساوي مجموع عدد كل القتلى.
لكن هذه عيوب بسيطة. الامر الذي لم يتم تفسيره هو لماذا، حسب بيانات سباغيت، معدل الوفيات الأعلى لكل ألف مدني جاء في محافظة دير البلح (57، بينهم 47 ماتوا بسبب العنف و10 ماتوا موت غير عنيف). هذه المحافظة كان يمكن لمجري الاستطلاع الوصول اليها، وأيضا تعرضت نسبيا لقدر اقل من الدمار في الحرب. المقال أيضا يتحدث عن 42 في المئة من اجمالي حالات الموت العنيف، لكن فقط عن 27 في المئة من حالات الموت غير العنيف في مدينة غزة، مقابل 11 في المئة و25 في المئة على التوالي في خانيونس، أي ان هناك تناقض بين ظاهرتين، التي كما يبدو مرتبطة ببعضها البعض.
هناك عيوب هامة أخرى في استطلاع سباغيت، الذي يحاول اخفاءها ولكن بدون نجاح. الأول هو اختيار عائلات في كل وحدة من العينة الجغرافية، مثلما يمكن رؤيته في احدى الخرائط التي تظهر في ملحق مقاله، ماخوذة من منطقة إحصاء واحدة في محافظة دير البلح، عدد من الحالات المشابهة تظهر في خرائط مناطق استطلاع أخرى.
تموضع الـ جي.بي.اس لكل مقابلة يظهر ان من يقومون باجراء المقابلات في هذه المنطقة قد تقدموا على طول شارع ما، مع تجاهل المنطقة التي توجد في محيطه. توزيع السكان (أيضا سكان العينة) يعتبر عامل مهم في تنوعهم. لم تكن هناك عشوائية، بل اختيار منهجي ومتحيز للعائلات المشمولة في العينة، مثلما هي الحال في مناطق أخرى كثيرة مشمولة في عملية المسح. هذا مثل تنفيذ عملية مسح في تل ابيب، بحيث تم اخذ عينة من خمسة مبان في شارع روتشيلد، ومنطقة هذه العينة سميت تل ابيب. اما ان هذا سوء إدارة للمسح أو تلاعب.
مشكلة مبدئية أخرى هي اختيار المشاركين في العائلات التي تم اختيارها. عملية المسح مكنت كل من هو مستعد للمشاركة في المسح من فعل ذلك، وليس بالتحديد المشاركين الذين تم اختيارهم بشكل عشوائي.
إضافة الى ذلك أسلوب وقف التفتيش من اجل إيجاد عائلات أخرى بعد ان تم الوصول الى حصة العشر عائلات في منطقة إحصاء ما، هو خرق للمباديء الأساسية لنظرية العينة ومنهجيتها. حسب سباغيت فان العينة كانت “الأكثر عشوائية التي يمكن ان تكون”، و”كل شخص في عائلة معينة كان يجيب نفس الإجابات”. الامر ليس في الحقيقة هكذا، سواء كان الامر يتعلق بحالة حرب أو سلام. العينة يمكن ان تكون جيدة أو سيئة.
سباغيت نفسه يعترف انه لم يكن هناك أي رقابة لمنع تقارير مزدوجة عن نفس حالات الوفاة، من جانب اشخاص في عائلات مختلفة، عندما انفصل هؤلاء وبعد ذلك تمت إعادة اسكانهم في ملاجيء الطوارئ. هو يعترف بهذه المشكلة، ولكن حسب قوله هي ضئيلة (ربما كانت هناك حالتان من بين 400 ألف حالة)، قال. الحقيقة هي انه لا يوجد لسباغيت أي رقابة على التقارير المزدوجة، ومن الواضح أن معطياته مضخمة لأننا لا نعرف كم هو عدد الاشخاص الذين كان يمكن أن يبلغوا عن نفس الحدث.
“تضخيم” البيانات يؤثر على كل الإجابات المحتملة: “هل شخص (من قائمة أعضاء عائلة) ما زال يعيش في البيت (الذي كان يعيش فيه في 6 تشرين الأول 2023) أو أنه انتقل الى مكان آخر أو توفي أو هو مفقود؟”.
الإجابات المحتملة كانت: 1- ما زال يعيش في البيت. 2- غادر غزة. 3- انتقل الى مكان آخر في غزة. 4- توفي. 5- مفقود. 6- معتقل. هذه الصياغة لها معان كثيرة لأننا لا نعرف كيف يتم تعريف “البيت” حتى 6 تشرين الأول. هل القصد هو ان الأشخاص يعيشون في نفس الشقة؟ في نفس البناية؟ في نفس المدينة؟ هل سباغيت يعرف الاشكال المعقدة للعائلات والبيوت في الشرق الأوسط.
حتى على فرض انه لم تشمل العينة قسمين أو اكثر من نفس العائلة الأولية، من الواضح تماما ان العينة عانت من التحيز، في اعقاب انقسام عائلات كثيرة الى وحدات فرعية، وعدد من المشاركين في الاستطلاع كان يمكنهم الإبلاغ عن نفس الأشخاص من العائلة الرئيسية، الأكبر. ان الافراط في العد هو مشكلة متاصلة في صيغة السؤال والجواب.
لا يمكن اتهام سباغيت بامر واحد وهو العنوان “100 ألف قتيل”، الذي اعطي للمقال الأصلي لنير حسون (“هآرتس”، 27/6). سباغيت لم يقل ان عدد القتلى في غزة هو 100 ألف. ارقامه، مهما كانت متحيزة، اشارت الى 75.200 حالة وفاة عنيفة (64.100 حالة وفاة بدون بيانات طاقم غزة 9)، و16.300 حالة وفاة غير عنيفة. اذا انقصنا من مجموعهما الرقم 6 – 7 آلاف حالة وفاة التي تحدث في السنة العادية، فسنجد ان حوالي 85 الف شخص قد ماتوا نتيجة الحرب. وحتى لو وافقنا على هذا العدد غير الموثوق والمضخم فان الفرق، 15 ألف، ينبع كله من سياسة التحرير غير المسؤولة التي تتبعها صحيفة “هآرتس” ورؤساء التحرير فيها.
-------------------------------------------
معاريف 1/8/2025
قليل جدا، متأخر جدا
بقلم: نحمان شاي
عندما نزل موسى من جبل سيناء، يحمل الواح العهد، لاحظ أن أبناء شعبه، إسرائيل، يحتفلون حول عجل من الذهب. ويحكم، قال وحطم الواح العهد. الشعب غير جدير بتلقيها، قال لنفسه.
لنتنياهو لم يعد هناك الكثير مما يحطمه. هذا الأسبوع سقط أيضا الاعلام الرسمي (الهسبرا). الحقيقة، نوع من العجل الذهبي الذي بدأ الإسرائيليون فجأة السجود له، ينمون ايمانا مغلوطا ما لانه سيجلب لحياتهم، لحياتنا، النجاة والامل. إذن لا. الحقيقة هي في الواح العهد، الحقيقة هي السياسة التي اتخذتها وتتخذها إسرائيل – وهذه السياسة هي عجل ذهبي لا يمكنه ان ينقذنا حقا.
أنا مؤمن كبير بالاعلام الرسمي، او بتعريفه الادق – “الدبلوماسية العامة”. ولماذا الادق؟ لانه يعزوها لعالم الدبلوماسية ويبرز جانبا جديدا ومختلفا جدا من هذا العالم: إدارة شؤون الدبلوماسية في العلن، في شفافية وتجاه جماعات واسعة، شعوب كاملة أو مجموعات وطوائف تتجاوز أحيانا الحدود الجغرافية والقومية. هكذا تعمل الشبكات الاجتماعية في أيامنا.
لقد كان الامريكيون هم الأوائل الذين جعلوا الدبلوماسية العامة أداة في سياستهم الخارجية، فيما عززوها سواء بالادوات وبالوسائل للتأثير والاقناع ام في الأبحاث العميقة التي مهمتها فحص التأثير، توثيقه وتحسينه.
لقد اندفعت الدبلوماسية العامة الى مقدمة الساحة الرئيس بعد الحرب العالمية الثانية في المعركة التي وقعت بين القوتين العظميين الولايات المتحدة وروسيا على النفوذ في العالم ما بعد الحرب. وقد أفلت فور سقوط برلين في نهاية الثمانينيات في ما مال الناس ليسموه خطأ “نهاية التاريخ”، لكنها عادت وبقوة عندما انهار البرجان التوأمان في 11 أيلول ودخل العالم في معمعان في الحرب الحضارية، ومرة أخرى اضطر للدبلوماسية العامة، للاقناع وللتأثير.
التاريخ الإسرائيلي مليء هو الاخر بالدبلوماسية العامة. في بداية أيام الدولة وفي فصول أخرى، مثلما بعد 1967 وبقدر ما بعد 1973 تمتعنا برأي عام إيجابي وبعطف كبير. لكن ينبغي الاعتراف باننا بالتدريج فقدنا ائتماننا الدولي. فالسيطرة المتواصلة في “مناطق”، الرفض الثابت لكل تسوية سياسية، وفي النهاية الصراع العلني والجماهيري على الديمقراطية الإسرائيلية – سحق مكانتنا في الاسرة الدولية وصعب الحال علينا.
وعندها جاء 7 أكتوبر. كانت هذه لحظة رهيبة في تاريخ إسرائيل، تاريخ الشعب اليهودي – والعالم ذهل. إسرائيل خرجت الى معركة كبرى، عادلة وشرعية، وضربت اعداءها من كل حدب وصوب. هذه المعركة استقبلت جيدا، وإسرائيل تمتعت بدعم واسناد، ولكن بعد 20 شهرا من القتال انهارت تماما. ما نراه في الأسابيع الأخيرة، في الأيام الأخيرة، هو انهيار في المكانة الدولية لإسرائيل، لمؤسساتها، وكما رأينا – لمواطنيها أيضا أولئك الذين يعيشون فيها وأولئك الذين يحملون اسمها في ارجاء العالم.
على مدى السنين نجحت إسرائيل في صد حملة الـ BDS. لقد حاول الفلسطينيون عبثا ان يلصقوا بنا وصمة العنصرية، السلب والتطهير العرقي، وقدرنا عليهم. صحيح اننا لم نفعل هذا وحدنا. دول، منظمات دولية، أصدقاء إسرائيل وبالطبع جاليات يهودية ارتبطت معا كي تزيل عن إسرائيل هذه الوصمات وتبعد عنها التهديدات المختلفة.
اما الان فهي تتحقق امام ناظرينا.
بالقوة فقط؟
عندما ضاق الحال عليهم، توجه الإسرائيليون الى الاعلام الرسمي (الهسبرا)، الى الدبلوماسية الإسرائيلية العامة. لو أن، هم يقولون، لو أن فقط الهسبرا كانت نشطة، لو انه كان لنا اعلاميون جيدون وميزانية مناسبة، لكان كل شيء مختلفا. انا مؤمن عظيم بالهسبرا، عملت بها، كتبت وبحثت. لكن الحالة التي امامنا باتت اكبر من الدبلوماسية العامة.
صحيح، لو كنا حققنا بعضا من توصيات مراقب الدولة، توصيات لجان التحقيق المختلفة، الطواقم المهنية الخاصة، لكان اسهل علينا بكثير. لكن، أيها الأصدقاء والصديقات، ما كان بوسعنا بمعونتها ان نصد هذه الهجمة. هذا الفشل ليس هو فشل الدبلوماسية العامة بل فشل الحكومة. الهسبرا يمكن أن تشرح السياسة. بل يمكنها حتى ان تؤثر عليها. لكن من اللحظة التي انطلقت فيها السياسية الحالية للقوة وفقط القوة على الدرب، كان يمكن أن نتوقع “الانفجار الكبير”. صفر مراعاة للرأي العام، لاصدقائنا المختلفين، باستثناء، بالطبع الولايات المتحدة، وتجاهل تحذيرات مسبقة أدى بنا الى الكارثة.
من كان يصدق ان بعد 7 أكتوبر ان تعترف فرنسا، بريطانيا ودول أخرى او تفكر بان تعترف بدولة فلسطينية؟ ما الذي حصل، هل جن العالم؟ هل يتلقى الفلسطينيون الان جائزة على أفعال قتل واغتصاب وتنكيل، وبالطبع – على احتجاز مخطوفينا؟ الى هذا المكان جاءت بنا الحكومة، وزراؤها ونوابها، بتصريحات غير مسؤولة وبافعال تجاهلت القانون الدولي، النقد والتحذيرات المسبقة.
الجوع الذي انتشر في غزة هو على ضميرنا. صحيح لهذه اللحظة، تحاول إسرائيل ان تغطي على قصورات الآونة الأخيرة و “تغرق” غزة بالغذاء. لا اعرف ان كان الحال هكذا، وحتى ان كان، احد لا يمكنه أن يمحو دفعة واحدة الضرر المتراكم واحد لا يمكنه أن يحول الميول المتبلورة في العالم تجاه إسرائيل. قليل جدا ومتأخر جدا.
إذن انتم تسألون، هل سنخرج من هذا؟ وكيف سنخرج من هذا؟ أولا، لست واثقا على الاطلاق باننا سنخرج. لكن ربما الطريق الوحيد ليس مؤتمرا صحفيا آخر، اعلانا او تعيينا لمتحدث لمنظومة الهسبرا الفاشلة بل سياسة تأخذ بالحسبانه بانه خلف حدودنا يوجد ناس – نساء، شيوخ، أطفال وحتى رجال – ممن ليسوا رجال حماس وليسوا نشطاءها. هم يدفعون الثمن.
صحيح حماس تفعل ما تعرفه، لكن الادعاءات توجه الينا لأننا القوة المسيطرة في القطاع – 75 في المئة من الأرض، كما يجدر التذكير. لأننا دولة، وهم منظمة إرهاب حقيرة. وفي النهاية، لا تنسوا، نحن يهود ولنا اخلاقنا، ولن نتخلى عن قيمنا، ولا حتى لغرض استمرار القتال في غزة. الحرب هناك ستنتهي في يوم من الأيام، اضرارها من الداخل ومن الخارج لا بد اننا سنحملها لسنوات طويلة.
------------------------------------------
هآرتس 1/8/2025
الإبادة الجماعية خاصتنا
بقلم: يولي نوفيك
السؤال الذي بدأ يلح علينا هو هل يمكن أن يكون هذا حقا؟ في الوقت الذي فيه عدد كبير في العالم يعرفون الإجابة، هنا ما زالوا يجدون صعوبة في الإجابة. ربما لانهم يدركون ان الحقيقة تهدد أسس ما اعتقدنا اننا عليه وما اردنا ان نكون عليه، وستلزمنا أيضا بالاعتراف بامور صعبة جدا بخصوص المستقبل. ولكن ثمن عدم الرؤية اعلى بكثير من ثمن الاعتراف بالحقيقة.
مفهوم الإبادة الجماعية يصف حدث يصعب استيعابه. بالنسبة للاسرائيليين أبناء جيلنا فان هذا كابوس بعيد، شيء ما من مكان آخر وزمن آخر، ظاهرة تحدث على كوكب آخر. كل من تربى في ظل المحرقة سال نفسه على الأقل مرة واحدة في حياته: كيف واصل أناس عاديون حياتهم وسمحوا لذلك بان يحدث؟ في تطور مخيف للتاريخ اليوم نحن، الناس الذين يعيشون هنا، أولئك الذين يجب عليهم الإجابة على هذا السؤال.
منذ سنتين تقريبا ونحن نسمع ممثلو الجمهور عندنا وقيادات كبيرة في الجيش يدعون الى التجويع والتصفية وتسوية وتدمير غزة والانتقام. لقد اعلنوا من البداية بان هذا ما ينوون فعله، وبعد ذلك ارسلوا وقادوا الجيش الإسرائيلي كي يفعل ذلك بالضبط. هذا في القانون هو تعريف الإبادة الجماعية: هجوم منسق ومتعمد ضد اشخاص ينتمون لمجموعة معينة، ليس بسبب طبيعتهم أو بسبب ما فعلوه كاشخاص، بل من خلال نية تدمير مجموعتهم. ولكن نحن لم ننجح في سماع ما قيل بصراحة. لقد روينا لانفسنا قصة تمكن النفس من تحمل الفظائع. من اجل ان لا يتعين علينا تحمل المسؤولية وابعاد التهمة والالم. لقد تحولنا لنصبح نفس الأشخاص العاديين الذين يواصلون حياتهم ويسمحون لـ “هذا” بأن يحدث.
أنا أحاول ان أتذكر متى كانت اللحظة الأولى التي شعرت فيها بأن هناك شيء ما في الواقع قد تغير، وأننا نعيش في عالم آخر. واعتقد ان هذا كان بعد شهرين على ما كنت اسميه “حرب”. ثلاثة عاملين في “بتسيلم” وأبناء عائلاتهم كانوا في حينه داخل قطاع غزة، وهم اشخاص يعملون في هذه المنظمة منذ سنوات، شركاء حقيقيين، يدافعون عن حقوق الانسان، من الدرجة الأولى، وهم تحدثوا عن أقارب لهم دفنوا تحت الأنقاض وعن عدم القدرة المطلقة للدفاع عن أولادهم وعن الخوف الذي يشل.
من هناك بدأت بالنسبة لهم سلسلة احداث ربما سيتم الحديث عنها في وقت ما وربما لا، لان هذه قصة عادية – مجرد قصة، ثلاثة اشخاص من بين الملايين المحظوظين الذين نجوا من الجحيم. ولكن هذا بالتحديد المحاولات غير المعقولة لإنقاذ الأبرياء من الموت مقابل فدية مالية عن كل رأس (كانت حياة الفلسطيني تساوي 20 ألف شيكل في تلك الأيام، وحياة الطفل اقل قليلا)، هي التي جعلتني ادرك ان القوانين قد تغيرت.
هذه كانت المرة الأولى. ومنذ ذلك الحين هذا الشعور يصيبني مرة تلو الأخرى – ذكريات من عوالم أخرى، لم اكن موجود فيها ولكني سمعت عنها. قصص من أماكن محيت فيها الإنسانية، وفيها بقي اشخاص مهملين ومكشوفين. خطوط حمراء أخرى يمنع اجتيازها. المزيد من اللحظات التي تحول فيها غير المعقول الى واقع. كل شيء لم نعتقد انه سيحدث: قتل عشرات الالاف، تهجير الجموع بالاكراه، وبعد ذلك مرة تلو الأخرى مدن كاملة تحولت الى انقاض، مباني انهارت فوق رؤوس سكانها، تجويع، تحطيم الاحلام المستقبلية ومحو شبه مطلق للامل. والأطفال. كم من الأطفال.
الإبادة الجماعية لا يمكن ان تحدث بدون جمهور واسع يشارك فيها، يؤيدها أو يغض النظر عنها. هذا جزء من المأساة – تقريبا لا يوجد أي شعب نفذ إبادة جماعية لم يفهم في الوقت الحقيقي معنى افعاله. هذا دائما اعتبر قصة للدفاع عن النفس، عدم وجود خيار، قصة عن شيء جرته الضحايا لنفسها.
القصة السائدة في إسرائيل هي ان كل شيء بدأ في 7 أكتوبر، بذلك الهجوم الفظيع الذي بعده كل شيء يحدث في غزة هو كما يبدو ضروري ومبرر من اجل الدفاع عن إسرائيل. محظور، ولا يمكن، التقليل من هول هجوم حماس في غلاف غزة في ذلك اليوم. كان ذلك هجوم اجرامي استهدف في معظمه المدنيين وتضمن عدد لا يحصى من الجرائم الخطيرة التي لا يمكن أن يتحملها العقل. مجتمع كامل أصيب بصدمة حقيرة ومركزة، التي اثارت دفعة واحدة الشعور العميق بالتهديد الوجودي.
لكن رغم ان 7 أكتوبر كان قوة محركة كبيرة إلا أن الامر احتاج شروط سابقة أخرى من اجل السماح بحدوث الإبادة الجماعية؛ من اجل التحول الى مجتمع قادر على محو إنسانية البشر بصورة تمكن من فقدان القدرة على التعاطف – والقول لانفسنا بان كل طفل هو حماس، وان كل عائلة هي خلية إرهابية. من اجل التحول الى مجتمع يرتكب الإبادة الجماعية كان مطلوب عشرات السنين من العيش تحت نظام الابرتهايد والاحتلال، التي فيها وضعت وحُصنت الأسس النظامية والنفسية للتفوق والقمع والانفصال والخوف.
خلال سنوات نحن عشنا بصورة منفصلة – الإسرائيليون والفلسطينيون – لانهم علمونا الاعتقاد بان هذه هي الطريقة الوحيدة للعيش هنا. في العقود الأخيرة تشكلت هذه النقطة النهائية للفصل والابعاد على شاكلة الحصار الشامل لقطاع غزة. سكان غزة، الناس الذين يعيشون في غزة، تم اهمالهم في وعي الإسرائيليين. هم الناس الذين كان يمكن قصفهم مرة كل بضع سنوات بدون تمييز وقتلهم بالمئات والالاف بدون محاسبة. عرفنا ان ملايين الأشخاص في غزة يعيشون في ظل الحصار، وعرفنا عن حماس، وعرفنا من يمولها. حتى اننا رأينا صور من داخل الانفاق. بأثر رجعي عرفنا كل شيء. فقط شيء واحد لم ناخذه في الحسبان وهو ان ينجحوا في اختراق الجدار والوصول الينا.
7 أكتوبر لم يكن فقط فشل للجيش، الذي لم ينجح في حماية المواطنين الإسرائيليين. 7 أكتوبر كان قبل أي شيء آخر فشل اجتماعي وفكري لكل من فضل الاعتقاد بانه يمكن الإبقاء على العنف والقمع في احد جانبي الجدار ومواصلة العيش بهدوء نسبي في الجانب الآخر. هذا التمزق حدث عندما حكمت إسرائيل الحكومة اليمينية الأكثر تطرفا في تاريخها، وكان شعبها يعتبر تدمير غزة تحقيقا لرؤية قديمة. هكذا في تشرين الأول 2023 تبددت كل احلامنا.
من اجل الوقوف امام الإبادة الجماعية، والنضال ضدها، يجب علينا فهمها. التقرير الذي قمنا بنشره في “بتسيلم” عن الإبادة الجماعية خاصتنا يوجد فيه قسمان. الأول يصف كيف يتم تنفيذ الإبادة الجماعية باندماج أساليب القتل الجماعي، تدمير ظروف الحياة، التفكك الاجتماعي والتجويع، التي يتم تاجيجها بالتحريض الهستيري على الإبادة الجماعية في الرأي العام في إسرائيل. الثاني يتناول كيفية تطور الظروف التي مكنت النظام في إسرائيل من ان يصبح نظام إبادة جماعية.
هذا التحليل قام به فلسطينيون وإسرائيليون يهود معا. وهو اقتضى منا رؤية الواقع بشكل مشترك. وفي هذا الواقع المشترك يوجد تاريخ، توجد صدمة قومية لليهود، ويوجد أيضا 7 أكتوبر. كل هذه الحقائق لا تقف في تناقض مع حقائق أخرى يصعب استيعابها، لكن لا يوجد خيار. حقيقة ان الفلسطينيين كمجموعة كانوا دائما اتباع دونيين للنظام الإسرائيلي. بعضهم اعتبروا مواطنين وحصلوا على درجة اعلى بقليل من الحقوق مقارنة مع الآخرين، وبعضهم حصلوا على حقوق اقل، وبعضهم بقوا مهملين تماما ويواجهون العنف غير المتوقف. محظور علينا مواصلة النظر الى الواقع من خلال الرواية الكاذبة التي اوصلتنا الى هنا، رواية الفصل، الحرب الخالدة، وان الشعب سيسكن وحيدا.
الإبادة الجماعية بكونها اعتداء على الإنسانية نفسها، تلزمنا بالنظر الى الواقع من نقطة رؤية إنسانية، والنضال معا على معنى ماذا يعني ان تكون انسان. والاعتراف بان هذه هي قصتنا، قصة أصحاب هذا المكان. قصة طويلة، متعرجة ومعقدة، مؤلمة ودموية، التي وصلت الآن الى الذروة، الى هاوية لا يمكننا تخيل الوصول اليها، ومن غير الواضح متى سنصل الى القعر.
نحن أيضا، رجال ونساء “بتسيلم”، نشطاء حقوق الانسان الذين يعيشون ويتعلمون وينشرون عن العنف منذ سنوات الذي تمارسه إسرائيل ضد الفلسطينيين، لم نصدق انه ستكون لحظة سننشغل فيها بجريمة الإبادة الجماعية. خلال اشهر من التحقيق العميق الذي في اطاره قلبنا في كل الأمور، شهدنا على جسدنا الطريقة التي فيها يرفض العقل الحقائق، مثل السم الذي يرغب الجسم في لفظه من داخله. ولكن الان نحن نعرف ان هذا السم اصبح موجود هنا، وهو حقيقي ويغرق الناس الذين يعيشون هنا، إسرائيليين وفلسطينيين، في خوف وضياع غير معقولين.
نظام الحكم في إسرائيل ينفذ إبادة جماعية. وفي اللحظة التي يتسرب فيها هذا الاعتراف نحن اصبحنا نعرف ما هي المرحلة القادمة، حيث انه طوال حياتنا فكرنا بهذا الامر، في كل مرة سالنا فيها انفسنا: “ماذا كنت سافعل، هناك، في الكوكب الاخر”. هذا السؤال له جواب واحد صحيح فقط وهو: كنت سافعل كل ما في استطاعتي لوقف الإبادة الجماعية.
------------------------------------------
يديعوت احرونوت 1/8/2025
لم يعد لهذه الحرب اهداف
بقلم: جيك سوليفان
مستشار الامن القومي الامريكي السابق
احتفظت بصور المخطوفين الأمريكيين الذين احتجزتهم حماس على طاولتي في البيت الأبيض. عرفت أسماءهم وقصصهم وكذا عرفت عائلاتهم جيدا. شجاعتهم كانت تبعث على الالهام وكذا من ألمهم وغضبهم المحتمين. اكثر من 600 يوم مرت منذ مذبحة 7 أكتوبر، ولا يزال لا توجد نهاية للحزن – الحزن على الضحايا، على المخطوفين وعلى عائلاهم وكذا الحزن على المواطنين الفلسطينيين الذين يقتلون ويعانون في حرب غزة.
عندما انتهت ولايتي في البيت الأبيض في كانون الثاني كان لا يزال لنا مكان في الامل في ظل كل المأساة. نجحنا في إحلال وقف نار على أساس إطار عرضه الرئيس بايدن في أيار، وفي اعقابه تحرر 30 مخطوفا وتقررت جداول زمنية واضحة لاتصالات تحول وقف النار الى انهاء الحرب وإعادة كل المخطوفين. إسرائيل دمرت المنظومات العسكرية لحماس، صفت زعمائها في غزة، وبدعم من الولايات المتحدة تصدت بشكل حازم بتهديدات إقليمية.
عندما انهار وقف النار، استؤنف القتال وتوقفت المفاوضات. توجهت، في هذه المرحلة كمواطن خاص – الى محافل في حكومة إسرائيل. اما الان فبودي أن أتوجه اليكم – مواطني إسرائيل. الى الجمهور الذي عانى وقاتل، الذي يتصدى لنقد دولي متزايد واغلبيته الساحقة تريد انهاء الحرب. على زعمائكم ان يضعوا على الطاولة مقترحا جديدا لاعادة كل المخطوفين الى الديار مقابل وقف نار دائم – انهاء تام للقتال.
اسمحوا لي أن اشرح. اليوم، إسرائيل قوية واعداؤها ضعفاء. لكن إسرائيل لم تترجم إنجازاتها العسكرية الى استراتيجية تضمن أمنا بعيد المدى لمواطنيها. الزعماء الإسرائيليون يتطلعون لخوض حرب بلا نهاية، تجلب إنجازات عملياتية طفيفة، تكاد لا ترى، بثمن كارثة إنسانية متواصلة وتقتيل رهيب لفلسطينيين أبرياء. العزلة الدولة لإسرائيل تتسع، تتعمق وتتعزز – والامر يمس بأمنها وبرفاهها على المدى البعيد. إضافة الى ذلك فان استمرار القرار يمنع كل إمكانية لرؤيا إيجابية من الاستقرار والتطبيع الإقليمي.
في ضوء كل هذا، فان الهدف الإسرائيلي في المفاوضات يجب أن يتسع الى ما يتجاوز وقف نار من 60 يوما فقط وان يتضمن مقترحا جريئا وفوريا: انهاء الحرب، مقابل إعادة سريعة لكل المخطوفين – احياء واموات. بلا جدالات إضافية عن مراحل. بلا تصريحات علنية أخرى لوزراء إسرائيليين تقول ان الحرب يمكنها ان تستأنف بعد شهرين. في هذا المقترح، حماس تمنح السيطرة الإدارية في غزة لجسم فلسطيني مدعوم من دول المنطقة. الاسرة الدولية تساعد في المهمة العظيمة لاعمار غزة.
هل حماس ستوافق على مثل هذه الصفقة؟ اعتقد أن في نهاية الامر ستكون ملزمة، وبخاصة اذا ما جندت الولايات المتحدة العالم لدعم ذلك وممارسة ضغط ذي مغزى على حماس.
ثمة من سيقول: لكن لا يزال يوجد مقاتلون من حماس في غزة. وقف النار في جنوب لبنان اثبت بان إسرائيل يمكنها أن تشعر بامان حتى دون ان تقتل كل واحد من مخربي حزب الله – هدف عسكري غير قابل للتحقق على أي حال. إسرائيل يمكنها أن تتصرف بالشكل ذاته حيال حماس في غزة أيضا.
آخرون سيقولون: لكن حماس ستتسلح من جديد. هنا أيضا، الاستراتيجية التي تنفذها إسرائيل منذ الان في لبنان – اعمال لغرض منع نقل السلاح الى حزب الله – يمكن أن تنفذ في غزة أيضا. عمليا، إسرائيل توجد في موقف افضل لمنع إعادة تسليح حماس لان لها تحكما أوسع بكثير على حدود غزة مما على حدود لبنان. فضلا عن ذلك يمكن لإسرائيل أن تعمل على بلورة استراتيجية دبلوماسية مع الدول العربية التي دعت لأول مرة الى نزع سلاح حماس.
انا على علم تام بتحديات غير مسبقوة تتصدى لها إسرائيل في غزة، لكن البديل لانهاء الحرب هو مواصلة حرب لا نهاية لها، بثمن أخلاقي واستراتيجي باهظ لإسرائيل، دون انجاز حقيقي باستثناء الهدف المنكر وغير المقبول لليمين المتطرف: تدمير تام لغزة وتقليص سكانها في ظل إقامة مستوطنات بدلا منهم. على إسرائيل أن تبدي بان هذا ليس الاتجاه الذي تسعى اليه. والا فانها سترى اصدقاءها يصبحون منتقديها.
اعرف ان إسرائيل لم تختار هذه الحرب. كانت حماس هي التي انقضت على الجدار، نفذت مذبحة وحشية بعائلات بريئة، اعتدت جنسيا على النساء، اختطفت مئات الأشخاص وبعدها فرت عائدة الى غزة كي تختبيء وتقاتل من خلف دكان مدنيين. إسرائيل اضطرت لان تتصدى لتحدٍ غير مسبوق – ان تقاتل مخربين اختلطوا بسكان أبرياء ويعملون من منظومة انفاق هائلة تمر من تحت مباني مدنية.
لكن التعقيدات التي تتصدى لها إسرائيل في ميدان المعركة هذا لا تبرر الواقع الصادم الذي يضور فيها أبرياء جوعا. لا شيء يبرر هذا. استمرار الحرب يؤدي الى تفاقم الازمة الإنسانية. انا على اتصال مع مسؤولين إسرائيليين كبار حول المعاناة العميقة للفلسطينيين الأبرياء، ولا سيما الأطفال. في الأشهر الأخيرة رأينا حصارا طويلا على دخول المنتجات الأساسية لكل القطاع. وبعده تنفيذ خطة غير منظمة لتوزيع المساعدات مست بشكل معيب بالمواطنين الفلسطينيين وساهمت بجباية ثمن انساني رهيب.
تدعي المحافل الإسرائيلية بان هذا ليس بمسؤوليتهم – ان الشاحنات تدل الى غزة وان الأمم المتحدة او حماس مذنبون في ان المساعدات لا توزع. لكن الحقيقة هي أن إسرائيل هي التي تسيطر عسكريا في غزة، وبالتالي عليها ملقاة المسؤولية لخلق الظروف التي تسمح لرجال المساعدات الإنسانية المهنيين بتوزيع الإغاثة لمواطني غزة بشكل آمن.
الخطوات الأخيرة، مثل الهدن الإنسانية، هي خطوات في الاتجاه الصحيح. لكن المقياس الوحيد المهم هنا هو ليس الجهد – بل النتيجة. اذا لم تصل المساعدات لمن يحتاجها فعلى إسرائيل أن تجد السبيل لايصالها اليهم. عندما تقرر إسرائيل حل مهمة خطيرة ومعقدة، تثبت المرة تلو الأخرى قدرتها على عمل ذلك. “هذا ببساطة صعب للغاية” ليست الجملة التي تسمعها من زعماء إسرائيليين يقولونها حول شيء ما يهمهم. وهذا ليس ردا مقبولا على هذه الازمة الإنسانية.
جذر المشكلة، بالطبع، هو استمرار الحرب. المعاناة لن تنتهي طالما لم تنتهي الحرب. ومرة أخرى – لم يعد لهذه الحرب اهداف ترمي الى حماية امن إسرائيل. وعليه، فاني ادعو الى تغيير نهج إسرائيل، انهاء تام للحرب وإعادة كل المخطوفين.
أتذكر كيف حصل في زيارتي الأولى لإسرائيل كمستشار أمن قومي للولايات المتحدة، امتدت لقاءاتي مع المسؤولين الإسرائيليين الى اكثر مما كان متوقعا. كان هذا في الحانوكا، وعندما حل المساء اشعلنا معا شموع الشمعدان. في تلك اللحظات، على ضوء الشموع، لم يشعر الكثيرون بمسافة الاف الكيلومترات بين واشنطن والقدس. دولتانا هما ديمقراطيتان مصممتان وتعجان بالحياة. نحن نتجادل بحماية، لكننا قادرون ا يضا على اصلاح طريقنا. ونحن نتحدث الواحد مع الاخر بصراحة، بصدق، كاصدقاء حقيقيين. بهذه الروح اكتب هذه الاقوال
-------------------------------------------
هآرتس 1/8/2025
أصوات في إسرائيل: نعم للدولة الفلسطينية.. وهكذا يتصرف الأصدقاء
بقلم: أسرة التحرير
أمس انضمت ألمانيا، حارسة العتبة لحكومة نتنياهو في الاتحاد الأوروبي، إلى قائمة زعماء من الصف الأول لدول الغرب، وعلى رأسها بريطانيا وأستراليا وكندا وفنلندا والبرتغال وغيرها، التي أعلنت بأنها ستعترف بدولة فلسطينية للدورة القريبة القادمة للجمعية العمومية في الأمم المتحدة.
إعلان هذه الدول المتوازن يتضمن شجباً حاداً لهجمة 7 أكتوبر التي تسمى “لاسامية وإرهابية”، وكذا دعوة لوقف نار فوري، وتحرير كل المخطوفين ودخول المساعدات الإنسانية إلى غزة. وزراء الخارجية الذين اجتمعوا في مؤتمر السلام في نيويورك، ناشدوا دول العالم لإقامة علاقات دبلوماسية مع إسرائيل والتعبير عن إرادتها للبحث في دمجها في المنطقة.
يتبين أن إعلان الرئيس إيمانويل ماكرون عن نية فرنسا الاعتراف بدولة فلسطينية كان السنونو الأول الذي يبشر بحلول الربيع، والأمل لبداية ازدهار سياسي. وها هو ذا، كل خطوة تحمل في طياتها ذرة احتمال للسلام، يصفها المستوى السياسي الإسرائيلي، وبما في ذلك محافل في المعارضة، كـ “تسونامي سياسي” – وكأنها كارثة طبيعية تقصر يد الإنسان عن التصدي لها.
إن ضرورة دولة فلسطينية ليست “انهياراً أخلاقياً” أو “جائزة على قتل جماعي”، كما يعرضها اليمين وأحزاب الوسط – اليمين. دولة فلسطينية، وبالتأكيد منزوعة السلاح تستثمر في التعليم وفي البنى التحتية وتعيش بأمان وسلام إلى جانب دولة إسرائيل، هي الحاجز الوحيد في وجه الإرهاب وسفك الدماء، واستمرار تدهور إسرائيل إلى هوة الأبرتهايد وعزلها في معسكر المنبوذين. أما تخليد الاحتلال وسلب الأراضي وضم المناطق فهي انهيار أخلاقي وأمني متواصل، وجائزة لقتلة حماس وأمثالها في جبهة الرفض الفلسطينية والإسرائيلية.
لقد قامت فكرة فلسطين إلى الانبعاث من أنقاض رفح وخان يونس وصور فظيعة لأطفال جوعى. ينبغي الأمل ألا تنضم الخطوة الحالية إلى إعلانات مشابهة قامت وسقطت. الأصدقاء الحقيقيون لدولة إسرائيل ملزمون باتخاذ كل الوسائل الشرعية والمقبولة لإيقاف الضم الزاحف، ومنع طرد الفلسطينيين من الضفة، وكبح هذيانات العودة إلى غزة وتجنيد فوري لإعمار القطاع تحت قيادة فلسطينية محبة للسلام وناجعة
إن معسكر السلام الإسرائيلي ملزم بأن يصحو ويرحب بالمبادرة الفرنسية والسعودية. إقامة دولة فلسطينية مستقلة عنصر ضروري في تسوية إقليمية واسعة. حل الدولتين يجب أن ينتقل من مركز الساحة الدولية إلى رأس جدول الأعمال الإسرائيلي.
-----------------انتهت النشرة-----------------