الصحافة الإسرائيلية الملف اليومي صادر عن المكتب الصحفي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين الاربعاء 9/7/2025 العدد 1351

الصحافة الاسرائيل– الملف اليومي افتتاحيات الصحف + تقارير + مقالات |
هآرتس 9/7/2025
حرب بلا هدف
بقلم: عاموس هرئيلِ
قبل بضع ساعات من بداية اللقاء الاول (من بين لقاءين خطط لهما) بين الرئيس الامريكي دونالد ترامب ورئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتنياهو في البيت الابيض، قتل 5 جنود اسرائيليين و14 اصيبوا في انفجار حقل الغام في شمال القطاع. الانفجار، قرب انقاض بيت حانون، ذكر مرة اخرى الى أي درجة اسرائيل عالقة في حرب عديمة الجدوى التي منذ فترة طويلة لم يعد أي مبرر لاستمرارها. “أنت كنت جندي بطل في حرب بلا هدف”، هكذا قام صديق الشاويش بني اسولين، أحد القتلى، من حيفا بتابينه.
القوة التي اصيبت من نيتسح يهودا في لواء كفير كانت تتحرك سيرا على الاقدام في منطقة مفتوحة على بعد مسافة قصيرة عن حدود اسرائيل. عدد من الجنود اصيبوا بانفجار العبوة الاولى. وعندما ركض اليهم اصدقاءهم لانقاذ الجرحى والقتلى، تم تشغيل ضدهم عبوتان متتاليتين. بين العبوة الثانية والثالثة تم اطلاق النار عليهم برشاشات من بعيد. هكذا قتل خمسة جنود واصيب اثنان اصابة بالغة، وتم اخراج سرية كاملة من العمل نهائيا. وربما ان رد القوات افشل محاولة اختطاف جندي. رجال حماس يختبئون في انفاق في داخل المنطقة المدمرة في معظمها، لكن بقايا المباني وحقيقة ان المدينة المدمرة اعلى بقليل من بعض المناطق المحيطة بها، وفرت لهم افضلية امام القوة التي تمت مهاجمتها، والتي كانت جزء من عدد من سرايا مشاة وسرية مدرعة التي تحركت نحو المدينة. في قيادة المنطقة الجنوبية يقدرون انه ما زال يوجد هناك نشطاء يقدر عددهم بعشرات المسلحين لحماس بقيادة قائد كتيبة. الاطار العسكري الذي يوجد تحت قيادته تفكك، ولكنهم في الجيش الاسرائيلي يعترفون انه تكفي لدغات من عمليات راجلة بين حين وآخر، ويكفي استغلال ضعف حركة القوات أو استعدادها، كي يتم الحاق خسائر.
كبار القادة في الجيش الاسرائيلي يعدون بانهم سيواصلون العمل بتصميم ضد بقايا حماس في بيت حانون. لكنهم ايضا هم يعرفون الحقيقة وهي انه سيكون لذلك ثمن في طرفنا، وهكذا ايضا لنشاطات هجومية اخرى التي تريد الحكومة توسيعها في مناطق اخرى في القطاع.
الجيش الاسرائيلي يعمل بين حين وآخر في بيت حانون التي معظم سكانها اضطروا الى مغادرتها منذ بداية العملية البرية في الحرب في نهاية تشرين الاول 2023.
لم يعد احد في الجيش يتذكر كم هو عدد المرات التي دخلت فيها القوات الاسرائيلية الى بيت حانون، وكم هو عدد المرات التي اعلن فيها عن احتلالها أو عن الهزيمة التي لحقت بكتيبة حماس في المكان، حيث ان معظم القادة، من هيئة الاركان وحتى وحدات الجيش الاسرائيلي في الميدان، تبدلوا منذ بداية الحرب. الجنازات الخمسة في خلفية اللقاء بين ترامب ونتنياهو في واشنطن اثبتت مرة اخرى ان هذه حرب يجب أن تنتهي.
حماس مهما تم ضربها فهي لن تغير من الاساس مطالبها بسبب المزيد من الضغط العسكري الذي لا يشمل احتلال كل القطاع. في حين ان احتلال كل القطاع سيكلف خسائر لا بأس بها وسيعرض للخطر حياة العشرين مخطوف الذين ما زالوا على قيد الحياة، والمحتجزين في مناطق تجنب الجيش الاسرائيلي العمل فيها.
مصطلح مغسول
ما الذي يحدث بالضبط بين ترامب ونتنياهو، حتى الآن نحن لا نعرف. مساء أمس التقيا للمرة الثانية في غضون يوم، واللقاء تحدد بعد انذار قصير. ما يسمى مصدر سياسي كبير، وقام بتقديم احاطة امس للمراسلين الاسرائيليين المرافقين للزيارة، قال انه لا يوجد فرق بين مواقف اسرائيل ومواقف الولايات المتحدة في المفاوضات حول وقف اطلاق النار. المهم للطرفين هو واضح ايضا من الحوار القصير الذي وثقته العدسات. ترامب، الذي لا يوجد أي عمل استخذائي تجاهه يربكه، راض عن اعلان نتنياهو عن توجهه الى لجنة جائزة نوبل للسلام، الذي اقترح فيه اسم الرئيس كمرشح للجائزة (ترامب ربما يجب ان يسال نفسه هل شخص نزيه مثل نتنياهو تقرب توصيته الجائزة أو تبعدها عنه). نتنياهو عاد للتحدث عن “الهجرة الطوعية” لسكان القطاع، وهو المصطلح المغسول لخطة طرد عنيفة وقسرية لسكان القطاع.
هذه الخطة ترفع رأسها القبيح مرة كل شهرين تقريبا، بالاساس اثناء زيارة نتنياهو في واشنطن. ترامب الذي عبر عن دعم الفكرة في شباط الماضي يظهر انه فقد الاهتمام بها منذ ذلك الحين. يبدو ان الانشغال الكبير لرئيس الحكومة ورجاله بذلك لا ينبع من اعتبارات استراتيجية أو حتى ضغوط ائتلافية (محاولة ابقاء في الائتلاف احزاب اليمين المتطرف)، ربما هذا يمثل “الماعز” التي يمكن اخراجها من الغرفة في وقت لاحق في المفاوضات اذا اظهرت حماس المرونة.
في هذه الاثناء قال المبعوث الخاص للرئيس الامريكي ستيف ويتكوف قبل سفره الى قطر بانهم نجحوا في التغلب على ثلاث من بين اربع نقاط خلاف بين الطرفين، وانه يأمل باحتمالية استكمال الصفقة حتى نهاية الاسبوع القادم. اضافة الى الخلافات فان المشكلة هي ان توجه نتنياهو هو نحو صفقة جزئية فقط. ليس فقط انه يبحث عن طريقة للعودة الى القتال بعد الستين يوم لوقف اطلاق واعادة نصف المخطوفين الاحياء، بل هو يواصل الدفع قدما بخطة ترتبط بطرد سكان القطاع، دفع معظم سكان القطاع نحو رفح، وهي المدينة التي دمرت بالكامل في عمليات الجيش الاسرائيلي. الوزير بتسلئيل سموتريتش والوزير ايتمار بن غفير يطلبون ذلك، ونتنياهو ووزير الدفاع يسرائيل كاتس يوافقان معهما. الادعاء بأنه سيتم اقامة في رفح “مدينة انسانية” هو ادعاء مدحوض، وهو ليس اقل من محاولة لتعريف الخطوة كتشجيع على الهجرة الطوعية. عمليا، اسرائيل تريد استبدال الظروف القاسية لسكان القطاع، الذين يتجمعون في منطقة المواصي قرب شاطيء البحر، بظروف اكثر قسوة في رفح.
المبرر كالعادة هو ان النصر بحق في متناول اليد. نتنياهو يحتاج الى بضعة اشهر فقط من اجل القضاء كليا على حماس. قبل سنة تقريبا تم تسويق بهذه الطريقة احتلال رفح. قبل شهرين كان يوجد حل سحري آخر، وهو السيطرة على توفير المساعدات الانسانية التي ما زالت تجري بصعوبات كثيرة (وكلفت حياة مئات الفلسطينيين الذين في معظمهم جاءوا فقط لطلب الغذاء). الآن في المفاوضات اسرائيل تصارع فقط على مستقبل صندوق المساعدة الذي توجد علامات استفهام كثيرة حول علاقته برجال اعمال وربما سياسيين. من يتلقى النار في هذه الاثناء هو رئيس الاركان ايال زمير، الذي يصيب بالقلق نتنياهو وكاتس وغيرهما بسبب تحفظه من نية تجميع السكان في رفح. التسريبات ضده هي جزء من محاولة متعمدة لتخويفه بهدف ترويضه وكبحه.
------------------------------------------
معاريف 9/7/2025
على إسرائيل ألا تفوت الفرصة الناشئة لتحقيق اتفاق مع سوريا
بقلم: ميخائيل هراري
لقد غير انهيار نظام الأسد في سوريا بشكل دراماتيكي صورة الوضع الإقليمية. فمنذ صعود احمد الشرع الى الحكم ازدادت التوقعات باختراق بين سوريا وإسرائيل. الظروف الحالية على الأرض معقدة جدا وتستوجب تفكيرا معمقا عما يمكن وينبغي تحقيقه، في ظل الامتناع عن خطوات متسرعة من شأنها أن تضر في سياق الطريق.
النظام السوري الجديد لا يسيطر بشكل فاعل على كل أراضي الدولة. الشرع يبدي براغماتية مبهرة، لكن لا يزال يتعين عليه ان يجسر بين الأيديولوجيا الإسلامية الراديكالية وبين قدرته على تنفيذ المطلوب. وتدخل لاعبين خارجيين (تركيا، إسرائيل) يشكل تحديا حقيقيا. وبالطبع، تحتاج سوريا الى عملية اعمار هائلة. ومع ذلك فان روح الاسرة الدولية ملت نظام الأسد – ولهذا فقط استقبلت باذرع مفتوحة النظام الجديد. خروج ايران من سوريا الذي يعد كمصلحة توجد باجماع شبه عالمي، عُزي كثيرا لصالح الشرع. والرئيس ترامب، في سلوك غير تقليدي غير بجرة قدم السياسة وعانق الشرع.
هذه العوامل، الى جانب الخريطة الإقليمية الجديدة التي لا تزال توجد في مسيرة إعادة تصميم، طرحت الامكانية لتحقيق اتفاق بين سوريا وإسرائيل. كيف، إذن، يمكن تحقيق مثل هذا الاتفاق، حين من جهة حذار علينا أن نفوت الفرصة الناشئة ومن جهة أخرى هام الا نقفز عاليا وبعيدا اكثر مما ينبغي؟
في بداية الحرب الاهلية في سوريا طرح في إسرائيل السؤال هل نفضل استمرار حكم الأسد (“الشيطان المعروف”) ام البدائل المعارضة. إسرائيل اختارت الامتناع عن الدعم الفاعل في اسقاط النظام. أدى هذا القرار الى تفضيل “سوريا ضعيفة” عديمة القيادة الفاعلة. هذا يستوجب ان توضح إسرائيل اذا كان هذا المفهوم لا يزال على حاله.
مسألة أخرى تتعلق بشخصية الشرع. الشكوك في شأنه مفهومة، لكنها تستوجب قرارا: هل نعطيه إمكانية الاستمتاع من الشك ومن التأييد الواسع الذي يحظى به في الساحة الدولية والعمل لاجل تعزيز حكمه بشكل يخدم المصالح الإسرائيلية؟ هل السعي الى انجاز طموح كاتفاق سلاح (بدون هضبة الجولان)، ام حتى الانضمام الى مظلة اتفاقات إبراهيم، يخدم الشرع في مسيرة تثبيت حكمه وكنتيجة لذلك المصلحة الإسرائيلية، ام تعرضه للمصاعب؟
بعض من الأسئلة سيلقى جوابا ما في اثناء زيارة نتنياهو الى واشنطن. في كل حل من المهم ان تقترح إسرائيل منحى مسؤول، يتضمن بضعة بنود: تعهد متبادل للعودة الى اتفاق الفصل في 1974، بما في ذلك جول زمني وضمانات ضرورية تتيح انسحابا إسرائيليا الى خط الحدود الملزم. اتفاق على إقامة آلية ثلاثية، إسرائيلية – سورية – أمريكية، غايتها الوصول الى توافقات بشأن “احترام سيادة الدولتين”؛ اعلان مشترك بشأن تطلع الدولتين الى وقف حالة الحرب وتبني مسار متفق عليه لعلاقات سلام؛ التزام امريكي تجاه سوريا ولبنان لتسوية ترسيم الحدود البرية بينهما، بشكل يسمح بحل الخلاف الحدودي الإسرائيلي – اللبناني؛ اتفاق على تشجيع الحوار غير الرسمي بين الجمهور في إسرائيل وفي سوريا؛ والدفع قدما بخطوات لبناء الثقة في المستوى الإنساني او الاقتصادي.
-------------------------------------------
هآرتس 9/7/2025
هكذا ضخم نتنياهو النووي الايراني، وهكذا سُحرت طهران من المواجهة الاسرائيلية
بقلم: الحرب النووية
التغييرات الدراماتيكية التي جرت في الشرق الاوسط منذ 7 اكتوبر، لا سيما بعد انهيار حزب الله وسوريا والمواجهة المباشرة المتعاظمة بين ايران واسرائيل – كل ذلك جعل ايران تقوم بتقصير الجدول الزمني الذي خططت له لاستكمال المشروع النووي. هذا حدث ايضا بدون قرار رسمي من الزعيم الاعلى. هذا التقدير الذي كتبته أنا وعدد من المحللين لا يجب أن يكون مفاجئا، لان السجل يدل على ان دولة عتبة نووية أو أي دولة تنسب لها هذه الحالة (باكستان، اسرائيل أو حتى الولايات المتحدة في الاعوام 1945 – 1048) ستغير مرحلة في وضعها النووي العملي في حالة وقوعها في ازمة. وهذا التغيير هو تطور منطقي في الحالة المذكورة.
ما لا يقل عن ذلك اهمية هو الاشارة الى انه رغم الاختلاف الكبير بين ايران واسرائيل، إلا انه يوجد تشابه مفاجيء من حيث الصورة التي واجهت فيها الدولتان على مر السنين التحدي النووي والقنبلة المنسوبة لاسرائيل. وكنت ساقول حتى أن هذا التشابه ظاهر ليس فقط في خصائص وسلوك الدولة، بل في خصائص وسلوك المجتمع، في الثقافة وربما حتى في الدين.
في البداية أنا سأتطرق الى خصائص الطموح. الشعبان يعتبران نفسيهما خلية في سلسلة تراث قومي، ثقافي وديني ثري عمره آلاف السنين. الشعبان يعيشان مع الشعور بأنهما ضحية تاريخية دائمة وعلى قناعة بان الله اعد لهما مكانة خاصة ومختارة بين الأمم. الشعبان يؤمنان بانهما يمتلكان القدرة النووية، أو على الاقل قريبان منها.
نقطة التشابه الثانية هي الاسلوب – طريقة العمل، الذي بواسطته تمكنت الدولتان من تحقيق الطموحات النووية امام الصعوبات والمعارضة الداخلية والخارجية. ورغم الفرق الواضح في التكنولوجيا بين المشروعين النوي والعسكري لاسرائيل وايران فان المشروع النووي الايراني يقوم على تخصيب اليورانيوم، في حين أن مشروع اسرائيل يرتكز الى المفاعل، القوة الداخلية التي حركته وشكلته، لكن ايضا كبحت وضبطت الطموحات النووية للدولتين، ارتكزت الى دمج مشابه للتصميم التكنولوجي الذي تمت موازنته عن طريق الحذر السياسي والدبلوماسي.
حسب التقارير فان الدولتين بدأتا المشروع النووي لهما بالسر، من خلال اقامة بنية تحتية واسعة لانتاج مواد متفجرة لسلاح مستقبلي، اسرائيل في ديمونة بدأت في نهاية الخمسينيات، في حين ان الجمهورية الاسلامية الايرانية في نتانز (وفي مواقع اخرى) بدأت في بداية سنوات الالفين. في الحالتين اعمال الانشاء تم الكشف عنها من الخارج خلال فترة قصيرة نسبيا، وزعماء الدولتين اعلنوا بشكل احتفالي ان ديمونة ونتانز يتم بناءها لاغراض سلمية فقط.
الدولتان ادركتا ايضا، حتى في بداية الطريق، بأنهما ستضطران الى تقبل الرقابة من الخارج، التي يمكن ان تكبح قدرتها على انتاج القنبلة. لحسن حظ اسرائيل فان الرقابة فيها كانت ثنائية، سرية وغير متواترة، من خلال زيارة سنوية في ديمونة للمراقبين الدوليين. في المقابل الرقابة في ايران كانت علنية ورسمية وهي ما تزال مستمرة بواسطة مراقبي للوكالة الدولية للطاقة النووية، وهذا كان فرق مهم.
بنظرة الى الوراء أنا على ثقة بانه كان واضحا لدافيد بن غوريون، الأب المؤسس لديمونة، من بداية الطريق ما الذي يريده بالضبط، وماذا يمكن بالضبط أن تمنحه نتائج المشروع، اكثر مما لعلي خامنئي، الزعيم الاعلى والأب المؤسس لنتانز، بعد اربعين سنة تقريبا. كلاهما بدءا الرحلة بدافع الخوف الوجودي الذي أصله تاريخي. بالنسبة لبن غوريون كان هذا الكارثة، وبالنسبة لخامنئي كان هذا صدام حسين والحرب بين ايران والعراق، بدون أن يقوما بصياغة لانفسهما كما يبدو الحلم النووي بما يتجاوز الحدس الاساسي جدا. على أي حال، الاثنان عرفا بشكل تلقائي انه محظور عليهما النبس بكلمة “قنبلة”. حتى ان خامنئي قيد نفسه بفتوى – ضد السلاح النووي.
حقيقة ان مشروع ديمونة بدأ تقريبا قبل مشروع نتانز بنصف قرن، توضح جزئيا على الاقل، لماذا اسرائيل وايران توجدان الآن في مكان مختلف كليا. الدولتان ادارتا المشروع النووي لدى كل واحدة في سياقات مختلفة، ومواجهة قوى سياسية واعراف دولية مختلفة. عالم الخمسينيات والستينيات كان، حيث كانت ذكرى الكارثة ما زال حية، اكثر ودية وتسامحا وتساهلا مع اسرائيل. الغرب سمح لاسرائيل، برئاسة الولايات المتحدة، بتطوير خيار نووي فريد بموافقة ضمنية طالما أنها تلتزم بصيغة الغموض التي يمكن التعايش معها. الغموض النووي لاسرائيل، نوع مختلف من الوجود النووي، لم يكن مجرد استجابة لارادة العالم، لا سيما الولايات المتحدة، بل كان خيار اسرائيلي وحل وسط متميز بين التصميم والحذر.
الامور حدثت هكذا، حيث نسب لاسرائيل وضع الوقوف على العتبة النووية في موازاة ولادة ميثاق منع انتشار السلاح النووي. خلال الاعوام 1968 – 1970 امتنعت اسرائيل عن اتخاذ أي قرار بشأن التوقيع على الميثاق، عندما ابلغ السفير الاسرائيلي في الولايات المتحدة في حينه اسحق رابين، رسميا هنري كيسنجر في شباط 1970 بان اسرائيل قررت عدم التوقيع على الميثاق، كيسنجر سمع ذلك وتعهد بنقل ذلك للرئيس، وحتى أنه تفهم الامر ولم يظهر أي غضب من قرار اسرائيل. بعد بضعة اسابيع من ذلك وقعت ايران في ظل قيادة الشاه على الميثاق وتعهدت قانونيا بعدم تطوير السلاح النووي.
رغم كل الفروقات إلا أن هناك تشابه كبير بنيوي بين ايران واسرائيل ما زالت موجودة حتى الآن. الدولتان حتى الآن لا تدعيان علنا بانه يوجد لهما الحق او التطلع الى امتلاك السلاح النووي. وهما حتى الآن تمتنعان عن القيام بخطوة علنية تربط مستقبلها القومي بالقنبلة. ولكن الدولتين تريدان ان يعترف العالم ويقدر قربهما من القنبلة المنسوبة لها.
الكتاب الذي الفته بعنوان “اسرائيل والقنبلة” تمت ترجمته للغة الفارسية (بشكل غير قانوني)، ونشر في طهران في 2002 من قبل معهد ابحاث يرتبط بوزارة الخارجية الايرانية. عندما قرأت مقدمة النسخة الايرانية باللغة الانجليزية، لم اتمكن من عدم التفكير بان ايران سُحرت بالغموض الاسرائيلي، الذي يشكل نوع من اسلوب فريد للحفاظ على القرب من القنبلة. وحتى لو لم يعط العالم ايران أي مجال للغموض، إلا أنه يبدو انها في الفترة التي سبقت الحرب حاولت خلق لنفسها مثل هذا الفضاء.
الاسرائيليون ليس من عادتهم التفكير في الوجود المهيمن والاحتكاري لقدرتهم الخفية، لكن فيما يتعلق بالقنبلة الايرانية، التي هي في الواقع غير موجودة، هم لا يتشككون بان لها وظيفة واحدة فقط وهي تدمير بلادهم. لقد نجحت 30 سنة من الهستيريا الوطنية بشأن “التهديد الوجودي الايراني” في اعادة اشعال تخوفات الكارثة في اوساط الشعب الذي تطارده هذه الكارثة. ورغم وجود دولة واحدة فقط في الشرق الاوسط (حسب مصادر اجنبية) طورت قدرة كارثية باسم الالتزام بضمان عدم حدوث كارثة اخرى.
من المدهش مناقشة كيف ان زعيم اسرائيلي واحد، الذي اخفاقاته ادت الى الكارثة الحقيقية الاكبر التي مر بها الشعب اليهودي منذ الكارثة، هو الذي نجح خلال ثلاثة عقود في تحويل التحدي النووي الايراني الى راية المشروع الوطني، الذي في اساسه تطوير مخاوف الكارثة. الساحة السياسية الاسرائيلية وافقت تقريبا بدون أي تحفظ على الرواية التي قامت بتضخيم، بتلاعب، المشروع النووي الايراني، وحولتها من مشكلة جيوسياسية يجب مواجهتها الى خطر وجودي لمستقبل شعب اسرائيل، وكأنها لا تعرف ان اسرائيل ليست لوحدها.
منذ ولادتها في 1945 خضعت القنبلة لتحولات في السياسة وفي الوعي الدولي: من سلاح قوي قابل للاستخدام اصبحت نوع من المطرقة، رمز للقوة والهيبة، شيء وجوده يثير مشاعر السحر والخوف وحتى العبادة، لكن ايضا شيء يعرف الجميع بانه لا يمكن استخدامه كخيار أول.
ان مطرقة القنبلة الاسرائيلية (حسب مصادر اجنبية) تشبه مطرقة ايران لـ “التخصيب”، كتعبير عن القرب من القنبلة (غير الموجودة). ربما هما شكلين فريدين لنفس المطرقة. على افتراض وجودهما هما لم تخلقا ضد احد، بل من اجل الردع وزيادة وتضخيم وتقديس قوة خالقيهما.
-------------------------------------------
هآرتس 9/7/2025
كل قائد يخترع العجلة، ويتربى هنا جنود لا يعرفون ما الذي لا يعرفونه
بقلم: اسحق بريك
مقولة “كلما ضربوه ينمو ويندفع” تصف بشكل جيد الوضع الاستراتيجي لدولة اسرائيل في الشرق الاوسط. اسرائيل محاطة من كل الجهات بحركات ارهابية ورجال عصابات، ليس فقط في الدول التي لها حدود معها، بل ايضا في دول الدائرة الثانية والثالثة. الحديث يدور عن عشرات الدول التي لها مساحة واسعة ويعيش فيها مئات ملايين الاشخاص والتي تشكل بوتقة صهر لمنظمات ارهابية في الشرق الاوسط وفي كل العالم.
ايضا عندما تسجل اسرائيل أي نجاح امام اعداءها فانه ما زال لا يمكنها سحق رأس الافعى، التي ترسل السم الى كل الاتجاهات. معنى هذا الواقع هو انه كتب علينا العيش على حد السيف لسنوات طويلة اخرى.
في عصر تقدم التكنولوجيا الذي فيه أي شخص يمكنه بكبسة زر ان يشغل سلاح دقيق ومدمر، فان افضلية جودة الجنود آخذة في التضاؤل، إلا اذا عرفوا كيفية استغلال جودة القوة البشرية في الجيش الاسرائيلي بطريقة سليمة.
المثال الكلاسيكي على ذلك هو ما يحدث للجيش الاسرائيلي في قتاله ضد حماس منذ سنتين تقريبا. الجيش غير قادر على الانتصال على الارهاب ورجال العصابات، حتى عندما يدور الحديث عن مقاتلين الكثير منهم في سن اقل من 18 سنة ولا توجد لهم تجربة عملية. مع ذلك، يقيمون لقوات الجيش الاسرائيلي “استعراض للهدف”. اسباب ذلك هي ان الجيش الاسرائيلي لا يستغل بالصورة الافضل مزايا القوة البشرية الكثيرة فيه. هاكم بعض هذه المزايا.
غياب التفكير بعيد المدى: في المستوى السياسي والمستوى الامني لا يستثمرون التفكير في الحاجة الى اعداد الجيش الاسرائيلي لعمليات بعيدة المدى، 5 – 10 سنوات. الجميع ينشغلون بهنا والان وباشعال الحرائق.
غياب طلبات عملياتية مستقبلية: لا يوجد في الجيش الاسرائيلي أي جهة تبلور وتقدم طلبات عملياتية للصناعات الامنية من اجل تطوير بحسبها السلاح المستقبلي. مثال بارز على ذلك هو التطوير في روسيا وفي الصين للصواريخ البالستية فرط الصوتية التي تقوم بالمناورة والانفصال، التي لا يوجد لصاروخ الجيش لدينا أي رد كامل عليها. فقط تطوير الليزر القوي هو الذي يمكن أن يوفر الرد على ذلك. ولكن بسبب أنه لا يوجد طلب عملياتي كهذا من قبل الجيش فان الصناعات الامنية لا تنشغل بهذا الامر على الاطلاق وتقترح على الجيش سلاح آني تم تطويره، ضمن امور اخرى، بهدف الربح وليس لتقديم رد على التهديدات المستقبلية.
اهمال الاعداد والتدريب: لا يوجد في الجيش تشديد على الاعداد المهني للجنود، وعلى التدريب الذي يعدهم لكل ساحات القتال – في مناطق ماهولة، مناطق جبلية، مناطق مفتوحة وما شابه. التدريبات قليلة، سواء في الجيش النظامي أو في الاحتياط. لذلك فانه لا يوجد أي استيعاب لوسائل قتالية جديدة (معظم وحدات الاحتياط دخلت الى حرب “السيوف الحديدية” بعد خمس سنوات بدون تدريب).
انهيار منظومة التحقيقات واستخلاص الدروس: مجال التحقيقات واستخلاص الدروس في الجيش البري افلس. الدروس التي تمت مراكمتها على مدى السنين من الحروب، في الاوقات العادية تم دفنها، وكل قائد يقوم باختراع العجلة من جديد. لقد نما هنا جيل من القادة والجنود الذين لا يعرفون ما الذي لا يعرفونه. ولا يوجد لهم أي اساس صلب يمكن ان يبدأوا منه.
مغادرة ضباط وضباط صف جيدين: في اعقاب عدم الرضا عن سلوك الجيش في الاوقات العادية، فان ضباط وضباط صف جيدين كثيرين في الخدمة الدائمة يتركون الجيش الاسرائيلي، ومعظم الشباب لا يريدون الانضمام للخدمة الدائمة. نتيجة لذلك فان مستوى جودة قيادة الجيش انخفضت بدرجة كبيرة.
ثقافة تنظيمية معيبة: الثقافة التنظيمية المعيبة، التي تشمل عدم الانضباط العملياتي، الميل الى عدم التحقق من تنفيذ الاوامر، الامتناع عن تنفيذ تعليمات الرقابة والمتابعة، أو استخلاص الدروس وتطبيقها، نقص المصداقية التي تميز تحقيقات الجيش البري، ثقافة الكذب التي تتفاقم وتزدهر، المعايير المنخفضة وعدم تنفيذ التعليمات والاوامر – كل ذلك هو جزء من قائمة طويلة تضر بشكل خطير بأداء الجيش البري. جميع العمليات التي ذكرت تؤدي الى ان ضباط غير مناسبين وغير مؤهلين يصلون الى مناصب رفيعة في الجيش الاسرائيلي. كثيرون منهم تنقصهم الرؤية الواسعة أو القدرة على النظر للمدى البعيد. وهم يميلون الى الانشغال بالامور التافهة بدلا من الامور الاساسية، وقدرتهم على التنفيذهم والتخطيط أدنى من المستوى المطلوب – كل ذلك كما قلنا هو جزء صغير فقط من القائمة الطويلة.
الجيش يجب ان يمر باعادة نظر معمقة في كل ما يتعلق بجودة القوة البشرية والثقافة التنظيمية الاشكالية لديه. فقط اشخاص مميزين يستطيعون الحفاظ على الثقافة التنظيمية السليمة يمكنهم اصلاح الجيش بكل مركباته.
انا هنا لن اذكر جميع الاقتراحات التي ارسلتها للمستوى السياسي والمستوى الامن، ولكن بصدق هناك حلول جيدة، وكل ما هو مطلوب هو أن يشمر الجيش عن سواعده.
-------------------------------------------
معاريف 9/7/2025
على الجيش الإسرائيلي أن يعرف بان مواضع خلل القيادة العليا
بقلم: افي اشكنازي
استيقظت إسرائيل أمس على يوم صعب على نحو خاص. فالنبأ عن سقوط خمسة مقاتلين واصابة 14 آخرين في معركة وجه صفعة للجمهور الإسرائيلي. اليأس في إسرائيل هو ليس فقط بسبب الألم الهائل على سقوط أفضل أبنائنا، بل بسبب حقيقة انه لا يبدو افق للعيان. التخوف هو متى مرة أخرى ستفتح نشرات الاخبار مع عبارة “سمح بالنشر”.
تحقيق حدث المعركة في بيت حانون هو قصة أليمة لكن فيه أيضا الكثير من الفخر. فالمقاتلون الذين سقطوا ورفاقهم الذين أصيبوا اظهروا لنا جميعا ما هو بأس الروح، الرفاقية والتمسك بالمهمة. رغم الخطر، النار الثقيلة وحقيقة انهم يسيرون في حقل من العبوات الناسفة، أراد المقاتلون المرة تلو الأخرى، موجة إثر أخرى، انقاذ رفاقهم المصابين. رغم الجحيم واللظى الذي لا يتوقف. مقاتلو نيتسح يهودا اعادوا لشعب إسرائيل تعريف ما هي البطولة! ما هي الرفاقية!. الى جانب هذا ينبغي النظر الى الحدث بعين واعية وطرح بضعة أسئلة قاسية على القيادة العليا في الجيش الإسرائيلي. مجازيا، بيت حانون هي نوع من حي لمدينة سديروت – على مسافة كيلو متر فقط عن الحدود. من نافذة في بيت حانون يمكن ان يطل المرء على نوافذ بيوت الاحياء الشمالية لسديروت، نير عام وايرز.
بيت حانون توجد مجازيا على تل وتحتها نوع من “الحمام”. بحيث ان لها تحكما في الرصد والنار بالمجال الشرقي والشمالي. بيت حانون تقع على ارض رمال البحر. في المرات السابقة أيضا التي عملها فيها الجيش الإسرائيلي هناك، تحدى هذا الموقع القوات. عبوات ناسفة، نار قناصة وصواريخ مضادة للدروع استخدمت عليهم.
لقد بنى المخربون في المجال انفاقا وهم يتحركون فيها كالخلدان – يخرجون من الفوهات ومن أنقاض المباني، يحفرون بالأيدي في رمال البحر، يزرعون عبوات ناسفة ويعودون ركضا الى أنقاض مبنى او فوهة نفق وينتظرون وصول قوة من الجيش الإسرائيلي. عندما يقترب المقاتلون من فخ الموت، يشغلون العبوات. المشكلة هي ليس في السلوك التكتيكي لمقاتلي الجيش الإسرائيلي بل في سلوك مستويات القيادة. أولا، الجيش الإسرائيلي ملزم أن يتأكد الا تبقى هياكل مباني واقفة في كل مجال يدخله لاحقا، في نصف قطر بمسافة 400 متر على الأقل.
أول أمس فقط روى وزير الدفاع الإسرائيلي إسرائيل كاتس عن طلبه من الجيش عشية الحرب في ايران تخريب شوارع طهران كي يهز استقرار النظام الإيراني. الامر لهذه المهمة الذي صدر لسلاح الجو يسمى “تورنادو”.
الان، يا إسرائيل كاتس، حان الوقت لان يتحرك التورنادو كعامود النار قبل قوات الجيش الإسرائيلي في غزة. ان تسقط البيوت وتنهار بلا حساب قبل وصول المقاتلين. يمكن عمل هذا بمعونة سلاح الجو، بمعونة سلاح البحرية، دبابات ومدافع.
كما لا يوجد أي مانع قضائي. حقيقة أن المباني وهياكل البيوت تستخدم مآوي للمخربين هي فخ موت للمقاتلين. اللوائح يجب أن تكون واضحة: بداية ننزل المباني ونهيرها – بعد ذلك نتقدم.
ثانيا، ليس واضحا لماذا اختاروا في الجيش الإسرائيلي ان يدخلوا قوة سرية نيتسح يهودا في محور طوبغرافي دون يمكن التحكم به من الغرب ومن الجنوب. اين أفعال الاحابيل؟ احد مباديء الحرب وتخطيط المعركة. قادة الجيش ملزمون بان يفهموا بان الجمهور الإسرائيلي قلق. هو قلق من فكرة أن الجيش آخذ في الغرق في الوحل الغزي. ان ثمن الشهداء المتزايد لا يطاق. المجتمع الإسرائيلي لا يمكنه أن يسمح لنفسه بكوارث جسيمة بهذا القدر مثل كارثة بيت حانون، او مثل كارثة مقاتلي كتيبة 605 للهندسة القتالية قبل ثلاثة أسابيع، حين سقط سبعة مقاتلين ارسلوا لمناورة في خانيونس مع آلية من الحرب العالمية الثانية غير مناسبة لميدان المعركة الحالي.
على الجيش الإسرائيلي أن يعرف بان مواضع خلل القيادة العليا – التي تكلف شعب إسرائيل ثمنا باهظا للغاية من حيث الإصابة للمقاتلين، من أفضل أبنائنا وبناتنا – لم يعد ممكنا قبولها في الجمهور الإسرائيلي.
-------------------------------------------
هآرتس 9/7/2025
معسكر للتجميع تنوي اسرائيل اقامته على انقاض مدينة رفح
بقلم: تسفي برئيل
اخيرا اسرائيل انضمت لاسرة الشعوب المتنورة، مثل المانيا، اليابان، الصين والولايات المتحدة. ايضا سيكون لها معسكر تجميع كبير ومنظم، سيقام على انقاض مدينة رفح، وسيتم نقل اليه “طواعية” حوالي 600 ألف غزي. ولان الامر يتعلق بمشروع تاريخي فريد في نوعه فانه مهم ان يتم اختيار اسم مناسب للمعسكر، ليس شيء يذكر ولو بالتلميح ان الامر يتعلق بمعسكر تجميع يثير على الفور الدلالات المالوفة، بل شيء عادي وطبيعي مثل “معسكر اسرائيل”، على اسم الجنرال الذي قام بطرح هذه الفكرة وهو الوزير يسرائيل كاتس.
ربما ايضا يمكن كتابة لافتة جميلة وتعليقها على مدخل المعسكر. ليس “العمل يحرر”، لان هذا ليس معسكر عمل، بل شيء مثل “أهلا وسهلا بالقادمين الى الحرم الجامعي لاعادة التثقيف”، الذي يلمح لعملية “نزع التطرف”، التي يتوقع أن يمر فيها سكان المعسكر في سنوات تواجدهم في هذه المنشأة للتثقيف. وبعد ان يتم الاتفاق على الاسم واللافتة يجب التطرق الى التقدير المتسرع لكاتس، الذي يقول بأنه يمكن اقامة هذه “المنشأة” خلال الستين يوم من وقف اطلاق النار، الذي لم يدخل حتى الآن الى حيز التنفيذ، ومن غير الواضح اذا كان سيأتي.
هذا التسرع يثير الخوف من ان هذا الشخص غير جدي، وان توجهه نحو مشروع آخر، ثمين وخاص وغير مخطط له، كتوأم لصندوق “المساعدة الانسانية لغزة”، الذي انتهى بفشل ذريع دموي. معسكر تجميع نموذجي لا يمكن ان يفشل اذا كان القصد هو تاسيس نموذج في اعقابه ستقام معسكرات اخرى تشمل ما بقي من المليون و500 غزي، الذين سيواصلون في هذه الاثناء العيش بدون اطار اسرائيلي دافيء وداعم. هذا المعسكر، الذي ستعيش فيه المجموعة السكانية التي هي اكبر بضعفين ونصف من تل ابيب، يقتضي التخطيط الدقيق والتنظيم الكبير وميزانية ضخمة. لحسن الحظ أنه لا يجب علينا اختراع العجلة من جديد. في ارشيفات المانيا، اليابان والولايات المتحدة، يمكن ايجاد خطط جاهزة تشمل جدول الاعمال، محتويات وجبة الطعام، آلية الحراسة وترتيبات دفن الاموات. البشرى حسب كاتس هي ان الجيش الاسرائيلي لن يقوم بتوزيع الغذاء. من المؤسف انه لم يشرح من الذين سيوزعونه ويمولونه (هذا موضوع بسيط، اقل من 600 ألف دولار في اليوم، بدون تكلفة الحماية). من اين سياتي الاطباء والممرضين ومن الذي سيسمح بخروجه للعلاج. لا يمكن الاعتماد على ان الخطط ستشمل تعيين “رؤساء”، قادة مربعات، مسؤولين عن توزيع المياه والعيادات، الذين ربما يتم تجنيدهم من “رابطة اصدقاء أبو شباب”، الذين سيحافظون على النظام.
فرقة موسيقية، يجب أن تكون هناك فرقة موسيقية لاستقبال موظفي الصليب الاحمر وغيرهم من الضيوف، الذين سياتون للاعجاب من المشروع الفريد في نوعه.
هذا سيكون بالطبع معسكر مغلق، سكانه يمكنهم فقط الدخول وليس الخروج. ولكن لماذا يريدون الخروج من هذا “المنتجع” والى اين. الجيش الاسرائيلي ايضا لن يدير الحياة الصاخبة في هذه المنشأة، بل “فقط هو سيضمن الحماية من بعيد”، قال كاتس. مع ذلك، يجب معرفة كم هو عدد الجنود المطلوب من اجل “الحماية من بعيد” لمدينة محاصرة يوجد فيها مئات آلاف الاشخاص اليائسين. نحن رأينا في السابق ماذا يعني “ضمان الحماية من بعيد” عندما اجرى الجيش الاسرائيلي حوار مؤدب مع آلاف الغزيين الجائعين، الذين اسرعوا الى مراكز توزيع المساعدات، وترك مئات منهم قتلى. وما الذي سيحدث اذا قرر هؤلاء الـ 60 ألف من المستجمين في “معسكر” اسرائيل في يوم سبت اقتحام الاسلاك الشائكة والتقدم نحو “موفري الحماية”؟.
هاكم الاساس. رفح ستغير وجه الجيش الاسرائيلي، الذي سيتحول الى سلاح حماية معسكر التجميع الاكبر في العالم. مئات الجنود وربما الالاف سيقضون وقتهم كسجانين من بعيد، يراقبون عن كثب مئات الاف الاطفال والنساء والشيوخ، صبح مساء، اسبوع بعد اسبوع وسنة بعد سنة. يمكن للمرء ان يتخيل بالفعل قصص البطولة التي سيروونها عن خدمتهم الجليلة، المعيارية، كحراس اسوار، وأي نوع من المواطنين سيصبحون بعد هذه الخدمة.
-------------------------------------------
إسرائيل اليوم 9/7/2025
حماس في غزة لا تزال تهديدا وجوديا
بقلم: اللواء احتياط غيرشون هكوهن
الثمن الباهظ بحياة مقاتلي الجيش في القتال ضد حماس في غزة يستوجب جهدا لاستيضاح غاية الحرب.
حماس في غزة كمنظمة عسكرية ضربت بشدة بالفعل. في كل اشهر القتال، بمواظبة مصممة، نجحت قوات الجيش الإسرائيلي في تصفية عناصر ذات مغزى في المنظومة القتالية لحماس: صفي اكثر من 20 الف مخرب، تقريبا كل سلسلة القيادة في مستوى قائد سرية، قائد كتيبة وقائد لواء، وكذا منظومة النار الصاروخية ومنظومة الإنتاج. ومع ذلك نجحت حماس في تجديد صفوف النشطاء والمسلحين وإدارة قتال عصابات ناجع حيال قوات الجيش الإسرائيلي. وفوق كل ذلك، في المستوى الاستراتيجي، في المفاوضات لتحرير المخطوفين تنجح حماس في الإصرار على شروطها التي لا تساوم عليها بهدف الاملاء على إسرائيل انهاء الحرب بشروطها.
بمناسبة يوم عاشوراء الذي حل يوم ا لاحد الماضي – احياء لمعركة كربلاء التي ذبح فيها السُنة الامام حسين ورجاله – عرضت قيادة الحوثيين في اليمن صمود حماس في غزة كقدوة لروح التضحية لكربلاء في تلك الأيام. ثمة لذلك تداعيات لفهم الجيش الإسرائيلي ودولة إسرائيل لمعنى الحرب ضد حماس. في مزاج الجمهور الإسرائيلي عن الحرب في غزة، لم ينشأ بعد فهم بمعنى بقاء حماس في وعي النصر. في هذا الجانب، فان بقاء حماس في نهاية الحرب كقوة مسلحة ومقاتلة من شأنه أن يحدث الهاما للاسلام الجهادي ويعظم التهديدات على دولة إسرائيل.
ان اصطلاح “تهديد وجودي” جدير حقا بنظرة متجددة. هو غير قابل للقياس كميا بالتهديد العسكري الجسدي فقط. هو ملزم بان يتناول المدى الواسع للمعتقدات والتطلعات القومية الدينية للطرفين اللذين يقاتلان الواحد الاخر. حتى دولة قوية وصامدة يمكن أن توجد تحت تهديد وجودي. لقد ابدى الجيش ودولة إسرائيل عظمة ومناعة على مستوى غير مسبوق، وعموم التهديدات حولنا ضعفت جدا. ومع ذلك فان حماس بقوة صمودها تطرح على دولة إسرائيل تهديدا لا ينبع من حسابات قوتها العسكرية حيال الجيش الإسرائيلي بل من الرمز الذي تمثله للعالم الإسلامي بايمانها وقوة صمودها.
في هذا الفهم لتهديد حماس في غزة، في تداعياته لمستقبل وجود دولة إسرائيل حيال أعداء يتمسكون بحلمهم لابادتها، فانه في النصر الإسرائيلي في نهاية الحرب يوجد اضطرار وجودي. الغاية لمواصلة القتال مبررة في هذه النظرة، الى ما ابعد مما يحاول منتقدو الحكومة كعرضه كليس اكثر من مصلحة سياسية لرئيس الوزراء.
-------------------------------------------
يديعوت احرونوت 9/7/2025
بين واشنطن وغزة فيتنام في غزة
بقلم: نداف ايال
لقاء ترامب – نتنياهو الأول، أمس فجرا، عقد على ثلاثة مستويات مميزة. الأهم هو الوجدان. عندما التقى الرئيس رئيس الوزراء، انتظر سيارته كان يمكن أن نرى ما حصل بينهما. امسك ترامب بنتنياهو مثلما يمسك المرء باخ في المعركة. كانت الرسالة واضحة: قاتلنا معا. اذا كان احد ما لم يفهم الرسالة، فقد جاءت الصورة التي وزعها البيت الأبيض – الاثنان كانا يقفان تحت صورة ترامب بعد أن أصيب في محاولة الاغتيال. وكان العنوان: “FIGHT FIGHT! FIGHT!”. نحن كلانا من القرية ذاتها، يقول ترامب لنتنياهو.
المستوى الثاني هو الرغبة في الوصول الى وقف نار. ليس صدفة ادمان البادرات الطيبة من البيت الأبيض: الرئيس يريد للحرب ان تتوقف. هذا ليس تحليلا. هو يقول هذا علنا. توجد دول أخرى في الشرق الأوسط تنظر جيدا وتضغط، وهي قريبة من البيت الأبيض، على رأسها السعودية. الولايات المتحدة تمارس ضغط هائلا في الأيام الأخيرة على قطر. لقاء آخر مع ترامب في البيت الأبيض عقد منذ الليلة – يحتمل لاجل اطلاق بيان هام، مثلا، عن وقف نار في القطاع.
بالنسبة لرئيس الوزراء أيضا فان تحقيق وقف نار الان هو في المقدمة العليا، او على الأقل هذا هو الانطباع الذي يعطيه. هل سيفرض البيت الأبيض هذا بفظاظة على نتنياهو؟ اذا ما حاكمنا على الأمور من البادرات الطيبة الخارجية، فان ترامب ونتنياهو يوجدان في ذروة شهر عسل، لكن الرئيس معروف بانه يعرف كيف يغير السلوك عند الحاجة، وبسرعة.
المستوى الثالث هو ما يحتاجه نتنياهو كي يبقى سياسيا، وترامب يسره المساعدة. الى هنا تدخل الاقوال عن مستقبل غزة، استمرار التنفس الاصطناعي لمبادرة “الهجرة الطوعية” من القطاع، رزمة التطبيع المحتملة، وغيرها. كل شيء يسمح لسموتريتش وبن غفير ان يرفعا شارة النصر، وفي واقع الامر يقتربان من حلمهما العظيم – حكم عسكري في القطاع، طرد الفلسطينيين. طالما كان ممكنا الإبقاء على علائم حياة “الحلم” واضافة تقدمات إقليمية، سيكون سهلا اكثر على نتنياهو تمرير الصفقة. البيت الأبيض يفهم جيدا سلسلة الضغوط هذه.
المرحلة الفيتنامية في القطاع
لكن على الرغم من العلاقات الممتازة التي بثها ترامب ونتنياهو في لقائهما الأول، لم يكن ممكنا امس التطرق للقاء – غير الدراماتيكي في تلك المرحلة – عندما كانت الاخبار من قطاع غزة عن خمس عائلات إسرائيلية أخرى شهدت خرابا تاما.
المقارنات التاريخية هي دوما فظة، مغلوطة ومضللة. لكن دروس التاريخ يجب معرفتها، وصداها يمكنه أن يعلمنا الواقع. إسرائيل توجد في مرحلة فيتنامية في قطاع غزة. فهي رهينة شعارات وتعنى برفع ثابت بالرهان. خذوا شعار لن نتوقف الى أن ينزع سلاح حماس. اذا ما “وافقت” حماس صباح غد على نزع سلاحها – فهل هذا سيحصل؟ من سيتأكد من ان هكذا سيكون؟ الجواب هو ان فقط الجيش الإسرائيلي يمكنه أن يفعل هذا، وهو يمكنه أن يفعل هذا فقط اذا ما سيطر في كل غزة بحكم عسكري كامل ومطلق. فلا يمكن لاي اماراتي او مصري أن يمر من زقاق الى زقاق في دير البلد ليتأكد من جمع كل الكلاشينات. بكلمات أخرى اذا ما وافقت حماس على جمع السلاح، فستكون هذه خدعة. الا اذا احتلت إسرائيل كل المنطقة. وعندها، لا حاجة لان توافق حماس منذ البداية، ولا توجد أي قيمة لاتفاق معها. وبالتالي لماذا تطرح إسرائيل هذا الطلب؟ اجيبوا انتم.
شعار آخر هو ان حماس “لن تحكم القطاع”. لقد وافقت حماس مبدئيا منذ الان الا تحكمه، لكن إسرائيل تريد أن تتأكد من أنها لن تحكمه حتى من خلف الكواليس. كي يكون هكذا يجب أن يكون واحد من اثنين: إما ان يحكم الجيش الإسرائيلي القطاع مباشرة، وعندها، مرة أخرى، لا معنى للاتفاق مع حماس. او ان تحكم السلطة الفلسطينية غزة، كعدو لدود لحماس. عن السلطة نتنياهو غير مستعد لان يسمع، وهكذا أيضا قال “مصدر سياسي كبير” فجرا. احتلال عسكري إسرائيلي؟ هو لا يستبعد. نتنياهو يؤشر لرجاله (واساسا لوزيري اليمين المتطرفين) بان الحكم العسكري على الطريق.
خذوا شعارا آخر: المشكلة التي بسببها تعود إسرائيل المرة تلو الأخرى الى المناطق إياها التي سبق أن دخلتها في القطاع هي انها لم “تعالج” كما ينبغي البنى التحتية لحماس. الانفاق، ما تحت الأرض، الكتائب. لو انها فقط تستولي على المنطقة وتتخلص من نهج الاجتياحات، فان حماس ستهزم. هذا شعار قدم للجمهور الإسرائيلي قبل “عربات جدعون”.
هاكم الواقع: صحيح، من بداية الحملة دمرت إسرائيل بنى تحتية لحماس اكثر بكثير. عملت بشكل جذري اكثر وبقيت في الميدان. الكثير من كتائب حماس تضررت بشدة. هاكم الثمن: منذ عادت إسرائيل للقتال وأوقفت وقف النار، في شهر اذار، سقط 38 مقاتلا في القطاع. وتيرة عشرة في الشهر تقريبا. لكن المتوسط يكذب: في اذار وفي نيسان سقط جنود قليلون. ابتداء من 1 حزيران تكبدنا معظم الخسائر. بكلمات أخرى: قدرات حماس لاصابة الجنود لم تتآكل.
الشعار الجديد: مدينة إنسانية
خمس ضحايا الجيش في بيت حانون سقطوا على مسافة اقل من كيلومترين عن الجدار الفاصل مع غزة، في منطقة هي جزء من الحزام الأمني الفاصل. مبدئيا، الجيش الإسرائيلي لم يتركها ابدا. عمليا، هو لم يكن في البلدة. الجيش، بخاصة في حجم قواته الحالي لا يحتمل أن يكون في كل مكان. وبالنسبة لشعار “المكوث: من يريد أن “يمكث” في المنطقة يستدعي حرب عصابات تتعلم القوة المحتلة. الجيش يتمترس، حرب العصابات تجد الثغرات. الجيش يحفر، حرب العصابات تحاول ان تحفر اعمق. حزب الله، فيتنام، أفغانستان، العراق، غزة. يمكن ان نحصي جثث المخربين الذين قتلهم الجيش الإسرائيلي، لكن في قطاع مكتظ لم يعد فيه اقتصاد، ولا توجد فيه مدارس، ولا يوجد حكم من السهل تجنيد شباب للقتال ضد إسرائيل. الامريكيون ارتكبوا خطأ فظيعا في العراق: اقالوا جيش صدام حسين. الإسرائيليون ارتكبوا ويرتكبون خطأ اكبر في القطاع: اقالوا الجميع.
الان يبيعون شعارا جديدا. فقط اذا ما اقمنا من جديد قطاع غزة في رفح، مثابة “مدينة إنسانية” لاجل الوصول اليها “يرشح السكان الفلسطينيون” من المخربين. وعندها حماس ستهزم. إسرائيل ستنقل بالقوة مليونين من السكان الى جنوب القطاع؟ وكيف ستفعل هذا – باجتياح مناطق في غزة يوجد فيها مخطوفونا؟ ماذا سيكون عليهم؟ وماذا سيكون بالضبط في هذا المجال الإنساني؟ ومما سيرتزق الفلسطينيون هناك – ومن سيمول هذا؟ مرة أخرى الجمهور الإسرائيلي؟ وكيف بالضبط سيتأكدون من ان حماس “لن تدخل” الى “المدينة الإنسانية”؟ هل سيقيمون حولها جدارا؟ تحدثت مع بعض من واضعي هذه الخطة. هم أيضا ليس لديهم أجوبة حقا.
ينظرون الى المدى القصير
في لقاء ترامب نتنياهو الأول بحثت هذه المواضيع بشكل مبدئي فقط. الامريكيون لم يشككوا بالمنطق الإسرائيلي. نتنياهو أوضح بان حماس لن تحكم غزة، والرئيس، عندما سئل عن حل الدولتين، وجه السؤال بكياسة الى رئيس الوزراء. نتنياهو، من جهته، أجرى العرض مع كتاب “توصية” لجائزة نوبل؛ مشكوك ان يساعد هذا احتمالات الرئيس، في ضوء الصورة الحالية لرئيس الوزراء في العالام، وفي اسكندنافيا بخاصة؟
في الشرق الأوسط، دوما جدير وضع وزن زائد على المدى القصير. ما هو مهم هو ما يحصل الان، وليس ما يخطط له بعد سنة، شهر أو أسبوع. في المدى القصير توجد محاولة جدية للوصول الى وقف نار وإعادة عشرة مخطوفين احياء. البيت الأبيض يريد هذا، وعلى ما يبدو نتنياهو هو الاخر، بشروطه. الامر الهام الذي حققه حتى الان هو انطباع الحلف العميق بينه وبين الرئيس الأمريكي. اذا كان نتنياهو يريد صفقة، فهو سيستخدم هذا الحلف كي يقنع بن غفير وسموتريتش بان هكذا إسرائيل ستتمكن من العودة الى الحرب.
------------------------------------------
يديعوت احرونوت 9/7/2025
فخ بيت حانون
بقلم: يوسي يهوشع
الحادثة الفتاكة التي وقعت في بيت حانون، وكلفتت حياة 5 مقاتلين واصابة 14 آخرين، هي نموذج واضح لكمين عصابات كلاسيكي لحماس، التي حتى في وضعها الحالي قادرة على أن تتعرف بشكل جذري على أنماط عمل الجيش الإسرائيلي وايقاع إصابات شديدة به.
من تفاصيل التحقيق يتضح انه عند الساعة 22:00 ليلا، اجتازت قوة من كتيبة “نيتسح يهودا” على الاقدام محورا سبق ان عملت فيه قبل ذلك دبابات وآليات هندسية. في لحظة الاجتياز فجرت ساحة العبوات، وفي اثناء محاولات الإنقاذ والاخلاء اصطدمت القوات بنار دقيقة. لاجل العمل لمثل هذا الشكل كانت حماس مطالبة بان تنفذ رفضا وتشخيصا لحركة الجنود، ومن هناك ان تستغل سيطرتها على طبيعة المنطقة وكذا قدرات القتال من مسافة قصيرة. في هذه الحالة التي تضمنت عددا من المخربين اكثر مما يواجهونه في القطاع كانت النتيجة فتاكة.
يجسد الحدث كم هي بيت حانون، المجاورة للجدار تبقى تشكل مجال إرهاب نشط رغم مرور 21 شهرا منذ بداية الحرب والمكان احتل ما لا يقل عن ثلاث مرات. سبب ذلك، حتى وان كان المخربون لم يعملوا هذه المرة من داخل النفق هو مثابة “مدينة تحتية” أقيمت تحت الأرض وتسمح للمخربين بالبقاء، الانتظام والقيام بالعمليات. الشبكة معروفة منذ عهد الجرف الصامد بسبب النفق الذي خرج منه المخربون الذين قتلوا المقدم دولب كيدار. الـ 11 سنة التي انقضت لم تجلب معها الا رفعا للمستوى. في منطقة خانيونس أيضا التي دمرت عمليا، ينكشف مزيد ومزيد من الانفاق الفاعلة. يتبين أن تدمير المباني لا يلغي الانفاق التي تحتها. عمليا، يوجد في ذلك أحيانا ما يجعل المعالجة الهندسية لها صعبة.
الاستنتاج هنا هو انه لا يمكن التفكيك التام لبنية الإرهاب بالحصار او بالقصف من الجو. لاجل الازالة التامة للتهديد على البلدات وعلى قوات الجيش مطلوب عمل مبادر مركز وعميق اكثر بكثير يحتاج الى وقت (لا يوجد للمخطوفين) واحتمال لمزيد من الخسائر في صفوف الجيش، حيث يصرخ النقص بالمقاتلين والانهاك لا يطاق. مشروع بالتأكيد، وهذا أيضا هو روح رئيس الأركان الفريق ايال زمير التفضيل في هذه المرحلة باتفاق وقف نار وإعادة مخطوفين وفقا لمنحى ويتكوف. الثمن، ولا ينبغي تجاهله، هو إبقاء تهديد بيت حانون، على كل ما ينطوي عليه ذلك من معنى بالنسبة لبلدات الجدار.
يطرح السؤال ما الذي يميز بين الجبهة الشمالية والجنوبية: حزب الله أيضا تلقى ضربات على اليمين وعلى اليسار لكنه موجود كمنظمة وبقيت لديه وسائل لضرب بلدات الجدار. لماذا يمكن لإسرائيل هناك ان تدافع عن الحدود من خلال مهاجمة كل محاولات تعاظم القوة لحزب الله، فيما أن معارضي وقف النار في غزة في هذه المرحلة يدعون خلاف ذلك؟ الجواب يكمن في الفرق الجوهري بين حزب الله وحماس: حزب الله هو منظمة إرهاب هي جزء من دولة لبنان، التي يمكن الحديث معها بعد تصفية قيادة حزب الله وتحييد قسم هام من تهديد الصواريخ. على حزب الله تمارس رافعات، له معارضة شديدة من الداخل من جانب جهات عديدة وكحركة سياسية توجد له مصالح وهو أيضا يتأثر بالضغوط. اما في غزة بالمقابل فلا بديل لمنظمة الإرهاب وبالتالي لا توجد أيضا روافع يمكن ممارستها عليها في هذه اللحظة.
وعليه فلا ينبغي أيضا تجاهل تأثير المساعدات الإنسانية على مصاعب انهاء القصة: أول امس ادخل الى شمال القطاع 22 شاحنة مساعدات. المستوى السياسي هو الذي أمر الجيش بالسماح بادخالها، وبعض من البضاعة وصل أيضا الى بيت حانون. في هذا أيضا ما يعرض القوات للخطر إذ ان المساعدات تخلق الظروف لبقاء السكان المدنيين في منطقة قتالية نشطة بدلا من الاخلاء من هناك. حماس التي الاختباء بين السكان هو من الحجارة الأساس لبقائها، تستغل هذا كي تسحق قدرات المناورة للجيش الإسرائيلي. الاعتبارات الإنسانية لا بأس بها: سهل جدا الصراخ بانه محظور ادخال ملعقة ماء في الوقت الذي إدارة ترامب هي الأخرى تعرف كيف تصدم من الوضع في غزة بقدر لا يقل عن سابقتها. لكن يوجد لهذا ثمن عملياتي، وعلى المستوى السياسي ان يقول هذا بصدق للجمهور: هكذا جد صعب هزيمة العدو.
ضابط كبير، يعرف جيدا ساحة القتال، يقول ان بيت حانون يجب أن تمحى كمجال إرهاب نشط. “على الجيش الإسرائيلي أن يسيطر في المنطقة ويجب إقامة عائق من الجانب الغربي”، يقول. “اذا كنا نريد الدفاع عن البلدات، فيجب على المنطقة ان تكون بمسؤولية امنية دائمة”. هذه الاقوال، على أي حال، نسمعها في واشنطن وفي الدوحة أيضا.
------------------------------------------
هآرتس 9/7/2025
نتنياهو بالتنسيق مع “هتلر”: سنحشرهم في “معسكرات رفح”.. ثم نطردهم
بقلم: أسرة التحرير
الشعب المختار، والديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط، والجيش الأكثر أخلاقية في العالم، يعرض الآن “المدينة الإنسانية” في غزة. لا يهم في أي غلاف لامع ستغلف خطة نتنياهو ووزير الدفاع إسرائيل كاتس، فهما يعملان علناً على تجميع السكان في غزة في معسكرات تمهيداً لترحيلهم إلى خارج قطاع غزة.
إن عرض كاتس لخطة “المدينة الإنسانية” في رفح، حيث سيجمع مئات آلاف الفلسطينيين تحت إغلاق وتفتيش، ودون إمكانية خروج، كحل إنساني، ليست إلا تشويهاً تقشعر له الأبدان. لشدة الرعب، هذه خطة شوهاء يعمل عليها نتنياهو في واشنطن، حيث شرح، في ظل استخفاف بذكاء العالم كله، بأن “فكرة ترامب تسمى خياراً حراً. من يريد البقاء يمكنه ذلك، لكن من يريد المغادرة فينبغي السماح له أيضاً”. وأضاف رئيس الوزراء بلا خجل: “هذا ليس سجناً، هو مكان مفتوح”.
مع أنها أقوال تبدو كمحاكاة ساخرة، لكنها ليست بفكرة نظرية. فحسب مصادر سياسية، هدف الخطوة هو جمع معظم سكان القطاع في مدينة مغلقة، تضخ إليها المساعدات الإنسانية، تطفح بـ “تشجيع الهجرة الطوعية”. كل هذا منسق مع جهات أمريكية، بل إن نتنياهو تباهى بأننا “نتقدم في إيجاد دول لاستيعاب سكان غزيين”.
هذا ليس حلاً إنسانياً، بل ترحيل. العالم المشوه وحده يمكن الحديث فيه عن إرادة حرة في سياق سكان عاشوا أكثر من 20 شهراً تحت القصف والتجويع وقطع الماء والكهرباء والأدوية. يدور الحديث عن نقل قسري لسكان مدنيين، محظور حسب القانون الدولي ويشكل جريمة حرب.
داخل المؤسسة الأمنية تنطلق صافرة طوارئ. ففي نقاش مشحون في الكابنيت السياسي الأمني، طلب رئيس الأركان أيال زامير وقف التصويت لإيضاح المعاني، لكن نتنياهو رفض بحزم: “غير مستعد، بحثنا هذا”. وعندما سأل رئيس الأركان إذا كان مطلوباً من الجيش الإسرائيلي السيطرة على مليوني مواطن، أجاب نتنياهو: “سأجلب عشراً من D9 لتهيئة المجال الإنساني”. وقد رد الاعتراض العسكري بالضغط، واتخذ القرار بالإجماع. لكن في إسرائيل-نتنياهو، عندما يحذر أحد ما في جهاز الأمن من خطر أو من سياسة خطيرة، فهذه علة للتخلص منه. رئيس الأركان الهجومي بات يروق أقل لأعضاء الحكومة، من اللحظة التي أجبرهم فيها على الاعتراف بالواقع.
تدهور خطير: من قصف مستمر إلى محاولة لهندسة مستقبل القطاع في ظل الدوس على القانون الدولي، وهدم الجيش، وترك جنود الجيش لمصيرهم، وإفساد المجتمع والدولة. يجب وقف هذه الخطوة الخطيرة فوراً.
-----------------انتهت النشرة-----------------