مخطط إسرائيلي يعيد رسم خريطة الضفة الغربية

جاء نعي قرية أطوف الفلسطينية، الواقعة على المنحدرات الغربية لوادي الأردن، على شكل سلسلة من الأوراق، عبارة عن إشعارات إخلاء ملصقة على المنازل والبيوت الزجاجية والآبار، تشكل خطاً مستقيماً عبر الحقول المفتوحة.

وقد أبلغت الإشعارات، التي ظهرت بين عشية وضحاها، المزارعين المحليين بمصادرة أراضيهم، وأن أمامهم سبعة أيام من تاريخ تسليمها، الموافق 4 ديسمبر، لإخلاء ممتلكاتهم. وكان من المقرر أن تقوم دولة الاحتلال الإسرائيلي ببناء طريق عسكري وجدار عازل يمر عبر المنطقة.

وبحسب صحيفة “الغارديان” البريطانية قدّم محامو مجلس قرية عطوف استئنافاً، لكن التجربة الطويلة والمريرة علمت الفلسطينيين هنا أن يتوقعوا القليل من المحاكم الإسرائيلية.

قال إسماعيل بشارات، وهو مزارع محلي: “بإمكان الجيش الإسرائيلي أن يفعل ما يحلو له. إنهم لا يكترثون بالقانون أو أي شيء آخر”.

وُزِّعت إشعارات إخلاء مماثلة في اليوم نفسه على امتداد شريط من الأراضي الزراعية الفلسطينية يمتدّ من الشمال إلى الجنوب عبر مدينة عطوف، بطول 22 كيلومتراً تقريباً، مُحدِّداً مسار الطريق والسياج المزمع إنشاؤهما.

مخطط جديد هو الأخطر

اتضح هذا الأسبوع أن هذا الشقّ المفاجئ في الأراضي الفلسطينية هو الجزء الأول من خط تقسيم جديد سيعيد رسم خريطة الضفة الغربية.

زعمت وزارة الجيش الإسرائيلية هذا الأسبوع أن هذا لن يمثل سوى المرحلة الأولى من جدار عازل جديد بتكلفة 5.5 مليار شيكل (1.3 مليار جنيه إسترليني)، سيمتد في نهاية المطاف لمسافة 300 ميل، من مرتفعات الجولان على الحدود السورية شمالاً وصولاً إلى البحر الأحمر قرب إيلات.

ويُطلق الجيش الإسرائيلي على هذا الجدار اسم “الخيط القرمزي”، وسيؤدي إلى تقسيم عدد لا يُحصى من التجمعات السكانية الفلسطينية على طول مساره.

ويدعي الجيش إن بناء الجدار يتم لأسباب أمنية، لكن نشطاء حقوق الإنسان يؤكدون أنه لم تقع سوى حادثة قتل واحدة بالقرب من عطوف في السنوات الأخيرة، أسفرت عن مقتل إسرائيلي.

ويرى هؤلاء أن الدافع الحقيقي هو الاستيلاء على الأراضي وتقويض فرص فلسطين في أن تصبح دولة قابلة للحياة.

قال درور إتكيس، الناشط الإسرائيلي ومؤسس منظمة كيرم نافوت التي تراقب سياسة الأراضي الإسرائيلية في فلسطين المحتلة: “إنها تحدث في جميع أنحاء وادي الأردن، وخاصة في الشمال. (إسرائيل) تتقدم وتسرّع عملية التطهير العرقي لهذه المنطقة”.

تطهير عرقي صريح

تواجه دولة الاحتلال اتهامات دائمة بالتطهير العرقي الصادرة عن منظمات حقوق الإنسان الإسرائيلية والدولية، بما في ذلك مقرري الأمم المتحدة، واصفةً إياها بأنها دعاية ملفقة. كما تنفي أن استيطان الأراضي المحتلة من قبل المستوطنين غير قانوني بموجب القانون الدولي.

قال إتكيس إن ما يقرب من جميع (85%) الألف دونم (100 هكتار) التي شملها الإصدار الأول من أوامر الإخلاء حول عطوف كانت ملكية خاصة.

وتُعد هذه الحقول من بين أكثر الأراضي خصوبة في الضفة الغربية، إذ تراكمت تربتها الغنية ذات اللون البني الداكن على مر آلاف السنين بفعل روافد تتدفق شرقاً إلى نهر الأردن. ولطالما كانت هذه المنطقة من أهم مصادر الغذاء في فلسطين.

ومعظم العائلات المتضررة كانت تزرع الأرض لأجيال، وبعضها اشترى قطعاً جديدة بأسعار مرتفعة في السنوات الأخيرة. جميعهم يملكون سندات ملكية، لكن من غير المرجح أن يغير أي من ذلك نتيجة الاستيلاء الوشيك على الأراضي.

وقد قدّم محامو البلدية الفلسطينية المحلية استئنافاً ضد قرار الإخلاء أمام محكمة إسرائيلية، لكنهم لم يتلقوا أي رد حتى نهاية هذا الأسبوع.

ومن المتوقع أن يستولي المستوطنون الإسرائيليون على الأرض المستقطعة، مع التخطيط لإنشاء مستوطنة جديدة غرب الطريق العسكري الجديد.

تمدد استيطاني غير مسبوق

في جميع أنحاء الضفة الغربية، يجري التخطيط لبناء المستوطنات بوتيرة غير مسبوقة.

ووفقاً لمنظمة السلام الآن الحقوقية، فقد تم نشر مناقصات لأكثر من 5600 وحدة سكنية حتى الآن هذا العام، وهو رقم قياسي غير مسبوق، ويزيد بنسبة 50% عن الذروة السابقة في عام 2018.

هذه فقط المستوطنات المعتمدة رسمياً. أما مراكز الاستيطان الجديدة، وغالباً ما تكون مجرد مجموعة صغيرة من الأكواخ أو المباني المتنقلة، فتنتشر على طول الوادي بوتيرة متسارعة.

ورغم أنها غير مرخصة رسمياً، إلا أنها تُسهَّل عملياً من قبل الجيش والشرطة، بدعم من أعضاء اليمين المتطرف في الائتلاف الحاكم.

بدأ مزارع فلسطيني واحد على الأقل في عطوف بنقل مواشيه تحسباً للإخلاء، لكن إسماعيل بشارات قال إنه سيبقى في مكانه ويرى ما سيحدث. ليس لديه خيار آخر.

ففي إحدى أمسيات الشتاء هذا الأسبوع، كان متجهاً إلى السوق حاملاً صناديق من الفلفل الأخضر الطازج الذي يزرعه في بيوته البلاستيكية. تقع جميع أراضيه البالغة 12 دونماً (1.2 هكتار) شرق الطريق العسكري والجدار المقترحين، وتُروى بأنابيب مياه تمتد من قمم التلال غرباً. ستُقطع هذه الأنابيب جميعها عندما يصل الجيش لبناء الطريق والجدار.

قال بشارات: “ماذا يمكنني أن أفعل؟ لا أستطيع الزراعة بدون ماء”.

وتوقع عبد الله بشارات، رئيس مجلس القرية، أن يتم قطع ما يصل إلى 40 عائلة من عطوف عن القرية وعن إمدادات المياه الخاصة بها.

وقال: “جميع هذه العائلات تملك سندات ملكية. يزرعون العنب والفلفل والطماطم والبطاطس والموز والزعتر والزيتون. هذه الأرض خصبة للغاية، ولهذا السبب يتم الاستيلاء عليها. الهدف الأساسي هو الاستيلاء عليها ليستخدمها المستوطنون”.

وأضاف أنه أُبلغ من قبل ضباط إسرائيليين أن عرض الطريق والحاجز معاً سيبلغ 50 متراً، لكن لن يُسمح ببناء مبانٍ فلسطينية أو القيام بأعمال زراعية على طول طوق أمني بعرض 200 متر على كلا الجانبين. ولم يصدر أي تأكيد رسمي من الجيش بشأن هذه المنطقة العازلة الواسعة.

في مرحلة ما من مساره، سيلتف الجدار المخطط له حول قرية خربة يرزة، وهي قرية فلسطينية تقطنها رعاة أغنام، ويحاصرها بالكامل. ولا يزال من غير الواضح ما إذا كان سيُتاح لهم أي وسيلة للدخول والخروج من السياج.

وقدمت وزارة الجيش الإسرائيلية هذا الأسبوع خطة “الخيط القرمزي”، التي عرضت الحاجز الحالي باعتباره مجرد الجزء الأول من مشروع ضخم يهدف إلى عزل وادي الأردن عن بقية الضفة الغربية.

وقال اللواء إيرن أوفير، المسؤول الكبير في وزارة الجيش: “إن الحاجز الأمني الذي بدأنا بنائه اليوم سيمتد على مسافة 500 كيلومتر تقريباً”.

وبحسب صحيفة تايمز أوف إسرائيل، فإن المشروع الأولي حول عطوف تم تصوره بعد حادثة أمنية واحدة في أغسطس 2024.

وختم إتكيس بالقول: “إنهم يستخدمون هذا الحادث كذريعة للاستيلاء على عشرات الآلاف من الدونمات من الأراضي، ودفع المجتمعات الفلسطينية إلى خارج وادي الأردن

disqus comments here