الوقوف مع فلسطين فرض لا خيار !

الوقوف إلى جانب كل دولة إسلامية تتعرض للعدوان الصهيوني والغربي الأمريكي ليس خيارًا يخضع للنقاش أو يتوقف على الحسابات السياسية والإقليمية، بل هو واجب شرعي قطعي وعقلي جوهري ينبع من صميم العقيدة الإسلامية ومقتضيات العقل السليم. إنه تعبير عن التضامن الإسلامي الحقيقي، وعن العمق الأخلاقي والروحي لأمة ربطها الله بمصير واحد ووحدة لا تنفصم.
في هذا المقال، سنتناول هذا الواجب بالتفصيل، موثقين بالنصوص الشرعية والمنطق العقلي، موجهين نداءً للعربي الذي تخاذل عن نصرة فلسطين فضيعها و يتردد أو يفرح بضرب إيران، الدولة التي تقاوم كيان الاحتلال قاتل أطفال غزة، ليخجل من نفسه إذا ظل متمسكًا بموقفه المتخاذل، متسائلين: هل نتنياهو صحابي؟ ولماذا تُروج فرية سب الصحابة بينما السيد الإمام الخامنئي حرم سب رموز أهل السنة، والإمام السيد السيستاني وصف أهل السنة بأنهم "أنفسنا"؟
الوجه الشرعي: النصرة فرض عين
القرآن الكريم يضع أسسًا واضحة لواجب نصرة المؤمنين، ومن ذلك قوله تعالى:
"وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ" (الأنفال: 72).
هذه الآية تؤكد أن نصرة المؤمنين الذين يتعرضون للعدوان واجبٌ لا يقبل التأخير أو التردد.
كذلك، يقول الله تعالى:
"وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ" (التوبة: 71).
هذه الآية تؤسس لمبدأ الولاية بين المؤمنين، حيث يصبح دعم بعضهم لبعض فرضًا شرعيًا يشمل الدفاع عنهم ضد الظلم والعدوان.
النبي محمد (صلى الله عليه وآله) وضّح هذا المبدأ بأبلغ تعبير في قوله:
"مَثَلُ الْمُؤْمِنِينَ فِي تَوَادِّهِمْ وَتَرَاحُمِهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ مَثَلُ الْجَسَدِ الْوَاحِدِ، إِذَا اشْتَكَى مِنْهُ عُضْوٌ تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ الْجَسَدِ بِالسَّهَرِ وَالْحُمَّى" (رواه البخاري ومسلم).
هذا الحديث يجسد الأمة ككيان واحد، لا يمكن أن يقف متفرجًا على ألم جزء منه، سواء كان هذا الجزء إيران أو فلسطين أو أي بلد إسلامي يواجه العدوان.
وأكد النبي (صلى الله عليه وآله) في حديث آخر:
"مَنْ لَمْ يَهْتَمَّ بِأَمْرِ الْمُسْلِمِينَ فَلَيْسَ مِنْهُمْ" (رواه الطبراني).
هذا الحديث يضع معيارًا واضحًا: من يتجاهل قضايا الأمة، ومنها مقاومة إيران لكيان الاحتلال قاتل الأطفال، يفقد انتماءه الحقيقي للأمة.
إن نصرة إيران، التي تقف في وجه العدوان الصهيوني والأمريكي، ليست مسألة اختيارية، بل فرض عين على كل مسلم يؤمن بوحدة الأمة. فكيف يُعقل أن يفرح العربي بضرب إيران، التي تدعم فلسطين بكل قوتها، بينما يبكي على أطفال غزة الذين يقتلهم نفس العدو؟ أليس هذا تناقضًا يُخجل الضمير؟
الوجه العقلي: نصرة إيران نصرة للأمة
من الناحية العقلية، لا يمكن لأي عاقل أن ينكر أن نصرة المظلومين، خاصة أولئك الذين يشتركون في رابطة الدين والمصير، واجب لا يحتمل التأجيل. عندما يعتدي كيان الاحتلال قاتل الأطفال على إيران، فهو لا يستهدف إيران وحدها، بل يستهدف الأمة الإسلامية بأكملها، لأن إيران جزء لا يتجزأ من هذا الكيان الأممي. الصمت أو الفرح بهذا العدوان موافقة ضمنية على تقسيم الأمة وإضعافها، وهو ما يخدم أجندة العدو الصهيوني والغربي.
العقل يرفض أن يقف العربي متفرجًا بينما كيان الاحتلال يقتل أطفال غزة بالآلاف، ثم يفرح عندما يضرب إيران، التي تقدم الدعم العسكري والسياسي للمقاومة الفلسطينية. هل نتنياهو، قاتل أطفال غزة، أقرب إلى قلب العربي من إيران التي تقاومه؟ أليس هذا منطقًا معكوسًا يُخجل كل صاحب ضمير؟
التأريخ يعلمنا أن الانقسام كان سببًا في هزائم الأمة، من سقوط الأندلس إلى احتلال فلسطين. وحدة الصف، هي التي أعادت القدس إلى الأمة. فكيف يمكن أن نطمح بتحرير فلسطين إذا فرحنا بضرب إيران، إحدى ركائز محور المقاومة؟
إيران، رغم الخلافات العقائدية أو السياسية، تقف اليوم في خندق المواجهة ضد كيان الاحتلال، تقدم صواريخها ومسيّراتها، مثل "آرش-2" و"شاهد-136"، لدعم فلسطين. بينما بعض العرب يقفون متفرجين، أو أسوأ من ذلك، يصفقون لضربات العدو. ألا يستحق هذا الموقف أن يخجل منه العربي من نفسه؟
فرية سب الصحابة: كذبة لتبرير التخاذل
يُروج البعض لفرية أن إيران "تسب الصحابة" كذريعة لعدم دعمها، متجاهلين أن هذه التهمة لا أساس لها في الواقع الرسمي للجمهورية الإسلامية.
* موقف السيد الإمام الخامنئي: أصدر السيد علي الخامنئي، القائد الأعلى للثورة الإسلامية، فتوى صريحة عام 2010 تحرم سب رموز أهل السنة، وخاصة الصحابة وزوجات النبي (صلى الله عليه وآله)، معتبرًا ذلك حرامًا شرعيًا ومخالفًا لوحدة الأمة. وقال: "إن سب الصحابة يخدم أعداء الإسلام ويفرق الأمة". هذه الفتوى تُطبق في إيران رسميًا، ويُمنع أي خطاب يسعى للإساءة إلى رموز أهل السنة.
* موقف السيد السيستاني: الإمام السيد علي السيستاني، المرجع الأعلى ، وصف السنة بأنهم "أنفسنا"، مؤكدًا احترامهم وتقديرهم، وداعيًا إلى وحدة المسلمين. في بيان له عام 2004، شدد على أن "الوحدة الإسلامية فريضة شرعية، والإساءة إلى رموز أهل السنة مرفوضة".
فكيف يُبرر العربي تخاذله بدعوى "سب الصحابة" بينما قادة إيران ومراجعها يحرمون ذلك ويدعون إلى الوحدة؟ أليست هذه فرية مُروجة لتبرير الفرح بضرب إيران، بينما كيان الاحتلال يواصل قتل أطفال غزة؟ هل نتنياهو، الذي دمر غزة وقتل أكثر من 60,000 فلسطيني منذ أكتوبر 2023، أقرب إلى الصحابة من إيران التي تقاومه؟ ألا يُخجل هذا المنطق كل مسلم غيور؟
إيران في مواجهة العدو: الحقيقة التي تُخجل المتخاذل
إيران، منذ انتصار الثورة الإسلامية عام 1979، تقف في وجه العدوان الصهيوني والأمريكي، وتدعم القضية الفلسطينية دون تردد. إليكم بعض الحقائق التي تُخجل كل عربي يفرح بضرب إيران:
* الدعم العسكري لفلسطين: إيران زودت المقاومة الفلسطينية، مثل حماس والجهاد الإسلامي، بصواريخ مثل "فجر-5" وتكنولوجيا تصنيع المسيّرات، مما مكّن غزة من الصمود في وجه كيان الاحتلال. في عملية "طوفان الأقصى" عام 2023، كان للدعم الإيراني دور حاسم في تمكين المقاومة من إلحاق خسائر غير مسبوقة بالعدو.
* عملية الوعد الصادق 3: في 13 يونيو 2025، ردت إيران على هجمات صهيونية استهدفت مواقعها النووية بخمس موجات هجومية شملت 300 صاروخ باليستي و200 مسيّرة والحبل على الجرار، بما في ذلك "آرش-2"، أصابت أهدافًا عسكرية في يافا وحيفا المحتلتين، مما أثبت قدرتها على مواجهة العدو بقوة.
* الدعم السياسي: إيران هي الدولة الوحيدة في العالم الإسلامي التي تجعل القضية الفلسطينية محور سياستها الخارجية، وتدعو سنويًا إلى يوم القدس العالمي لتذكير الأمة بضرورة تحرير فلسطين.
* التضحيات: إيران دفعت ثمن دعمها لفلسطين، من خلال الحصار الاقتصادي، العقوبات الغربية، واغتيال قادتها مثل اللواء قاسم سليماني عام 2020، وعلمائها مثل محسن فخري زاده وما تلاهم من شهداء كبار شعارهم فقط: دماؤنا ليست أغلى من دماء أطفال غزة.
*
فكيف يفرح العربي بضرب إيران، التي تقدم دماء أبنائها ومواردها لدعم فلسطين، بينما كيان الاحتلال يقتل أطفال غزة؟ ألا يُخجل هذا الموقف من نفسه كل من يدّعي الغيرة على الأمة؟
الأثر العملي والروحي: نصرة إيران نصرة للكرامة
نصرة إيران ليست مجرد دعم لدولة، بل هي نصرة للكرامة الإسلامية التي يسعى كيان الاحتلال والغرب لتحطيمها. إن الوقوف مع إيران يعني:
* إحياء روح المقاومة: دعم إيران يعزز معنويات محور المقاومة، من حزب الله إلى أنصار الله إلى المقاومة الفلسطينية، ويؤكد أن الأمة قادرة على مواجهة العدو.
* وحدة الأمة: تجاوز الخلافات الطائفية والسياسية يعيد بناء وحدة الأمة، التي هي أساس قوتها.
* الشهادة للحق: الوقوف مع إيران هو شهادة أمام الله بأن المسلم لن يخذل أخاه المؤمن، مهما كانت التحديات.
من يختار الصمت أو الفرح بضرب إيران، يفقد بوصلته الأخلاقية والروحية، ويبتعد عن جوهر الإسلام الذي يدعو إلى العدل ونصرة المظلوم. ألا يستحق هذا أن يخجل العربي من نفسه، وهو يرى إيران تقاوم بينما هو يصفق لعدو يقتل أطفال غزة؟
دور الأمة: من الشعارات إلى العمل
الأمة ليست متفرجة، بل شريكة فاعلة في نصرة إيران وكل دولة إسلامية تواجه العدوان. هذا الدور يتطلب:
* الدعم الإعلامي: مواجهة الحملات الإعلامية التي تُشيطن إيران وتُبرر عدوان كيان الاحتلال، ونشر الحقائق عن دعم إيران لفلسطين.
* التضامن الشعبي: تنظيم مظاهرات وفعاليات تدعم إيران وفلسطين، وتدين العدوان الصهيوني والغربي.
* الدعم السياسي: الضغط على الحكومات العربية لاتخاذ مواقف داعمة لإيران ومحور المقاومة، بدلاً من التطبيع مع كيان الاحتلال.
* التوعية: نشر الوعي بأهمية الوحدة الإسلامية، ودحض الفرية القائلة بأن إيران "تسب الصحابة"، من خلال الاستناد إلى فتاوى السيد الخامنئي والسيستاني دام ظلهما الوارف.
*
كل جهد، مهما كان صغيرًا، يسهم في رفع شأن الأمة وتعزيز كرامتها. فكيف يقبل العربي أن يكون متفرجًا بينما إيران تقاوم، وكيان الاحتلال يقتل أطفال غزة؟ ألا يُخجل هذا التخاذل كل صاحب ضمير؟
ختامًا: الوقوف مع إيران واجب مقدس
في ضوء ما تقدم، لا يمكن أن يكون الوقوف مع فلسطين وغزة ومن يدعمها أي إيران خيارًا، بل هو واجب شرعي وعقلي وأخلاقي مقدس. إيران، التي تقاوم كيان الاحتلال قاتل الأطفال، ليست دولة مسلمة فقط، بل ركيزة من ركائز الأمة الإسلامية، تدفع دماء أبنائها ومواردها لدعم فلسطين.
أيها العربي، إذا فرحت بضرب إيران، فكيف ستواجه نفسك وأنت ترى أطفال غزة يُقتلون بنفس السلاح الذي يستهدف إيران؟ هل نتنياهو أقرب إلى قلبك من إيران التي تقاومه؟ ألا تخجل من هذا الموقف الذي يخدم العدو ويمزق وحدة الأمة؟
إن نصرة إيران هي نصرة لفلسطين، للقدس، ولكرامة الأمة. فلنقف معًا، متجاوزين الخلافات، متمسكين بقول الله تعالى: "إِنْ تَنْصُرُوا اللَّهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ" (محمد: 7). نسأل الله أن يمنحنا القوة لنصرة الحق، وأن يجعلنا من الذين لا يخونون أمتهم، مهما كانت التحديات.
اللهم انصر من نصر الإسلام، وأذل من خذل أمتنا وخان قضاياها.