التضامن الشعبي الغربي مع القضية الفلسطينية

كنتُ في الحادية عشرة من عمري عندما رافقتُ أخي يوسف إلى مركز الأطراف الاصطناعية في صيدا، وهناك عرّفني إلى طبيب سويسري اسمه إيمانويل كريستن.
إصابة أخي يوسف في قدمه تعود إلى انفجار لغم أرضي في ضيعة سبلين، من مخلّفات الحرب اللبنانية.
كان هذا الطبيب متطوعاً في مؤسسة لا أذكر اسمها، ويشرف على صناعة القوالب الاصطناعية لجرحى الحرب، وكان لطيفاً جداً. حينما عرّفه عليّ قال له أخي يوسف" أختي تحبّ الرسم كثيراً."
منذ ذلك الوقت، كنت أدركُ أهمية التعاطف الشعبي الأجنبي مع القضية الفلسطينية، وحتى عندما سافر أخي يوسف كان يرسل لي بطاقات بريدية عليها رسومات مختلفة بسبب هواية الرسم، ويذكر هذا الأمر كثيراً أمام أصدقائه، الذين كانوا متعاطفين كثيراً مع اللاجئين الفلسطينيين في أوروبا.
مع الانتفاضة الأولى في ١٩٨٧، والتي كانت انتفاضة شعبية نقيّة، بحث فيها الفلسطيني عن هويته وانتمائه الأصلي الحقيقي بغض النظر عن أي اتفاقات أو مفاوضات، وقف الكثير من شعوب الغرب ينظرون إلى هذه الانتفاضة، يرى الشعب يقاوم الدبابات والعتاد العسكري بأجسادهم العارية وبالحجارة سلاحهم الوحيد، مما ساهم في تسليط الضوء على فلسطين القضية باعتبارها قضيه قومية عربية مركزية.
بدأ ت الشعوب الغربيه بسبب التطور التكنولوجي المبدئي تنظر للقضية من زاوية مختلفة وليست معلبة. بدأت الصورة تصل للعالم أجمع، صورة المرأة الفلسطينية وهي تحمل الحجر لتقاوم دبابة، صورة الطفل الفلسطيني وهو لا يخاف من جنودٍ مدججين بالسلاح والعتاد، صورة الشباب الفلسطيني وهم عراة الصدور يواجهون نيراناً لا تخمد.
فكرة المقاومة بدأت تتخمّر في أذهان الكثير من المتضامنين الغربيين ، وتزرع في نفوسهم أحقيّة هذا الشعب في الدفاع المستميت عن أرضه، فنظّموا وفوداً وأسسوا جمعيات تحت اسم المناصرة ، منها على سبيل المثال لا الحصر؛ حملة التضامن مع فلسطين في بريطانيا، اللجنة النرويجية لدعم فلسطين، شبكة المنظمات الأوروبية لدعم فلسطين، بيت حقوق الشعب الإيطالي، مشروع فلسطين الإيطالي، جمعية التضامن الفرنسية الفلسطينية، هذا عدا عن نشطاء من مختلف الدول الغربية.
أمّا حديثاً فإنّ أكبر تضامن شعبي غربي كان من طلاب وطالبات الجامعات العالمية، الذين وقفوا في وجه الحكومات التي تدعم العدو الصهيوني إن كان سياسياً أو عسكرياً، غير آبهين بالإنذارات أو الترحيل. ما رأوه في غزة جعلهم يشعرون بالخزي والعار من حقوق الإنسان التي درسوها في الكتب، اكتشفوا المعايير المزدوجة للغرب في التعامل مع القضية الفلسطينية، استفزّهم بأن ما درسوه عن الحقوق الإنسانية ما هو إلا حبر على ورق.
أنحني أمام هؤلاء الطلاب الذين تتجلى بهم الإنسانية بأبهى صورها، وأقول لكم ألف شكر على ما قدمتموه للقضية الفلسطينية.
في ظل التطوّر التكنولوجي لوسائل التواصل الاجتماعي، كشف هذا التطوّر القناع الغربي للحكومات التي تدافع عن العدو الصهيوني، وكشف الإذلال الرسمي العربي للحفاظ على كراسي الحكم، كشف هشاشة العرب، وبقيت القضية الفلسطينية "القضية العربية المركزية" كما أصرّ على تسميتها سماح إدريس.
التضامن الشعبي الغربي بدأ يأخذ منحى "ردّة الفعل" للأفعال الجُرمية العبثية للعدو الصهيوني، بتشكيل قوافل بحرية وبرية لكسر الحصار على غزة، لم يعودوا يريدون المشاهدة والوقوف دون أي ردة فعل. انطلاق القافلة مادلين البحرية وإن توقّفت في مصر هو نقطة بداية، وبعدها سيكون هناك مئات الناشطين والناشطات الذين سيحاولون كسر الحصار. هؤلاء لا يريدون أن يخسروا إنسانيتهم ويريدون أن ينقلوا رسالة لأحفادهم في المستقبل بأنهم تحركوا ولم يقفوا ساكنين.
المقاومة بأيّ شكلٍ من أشكالها، تحققّ هدفاً في تعرية العدو الصهيوني والمتحالف معه، والتعاطف الشعبي الغربي في بعض جوانبه بات سلاحاً قوياً في وجه النفاق العالمي والعربي، لا لن تموت القضية الفلسطينية ما دام هناك صوت طفلٍ يصرخ بأعلى حسّه "الحرية لفلسطين" وما دام الطالب الأجنبي يرفع علم فلسطين عند اعتلائه منصة التخرّج، وعند وقوف الناشطين والناشطات في وجه النفاق الرسمي الغربي، وعند تكريسهم يوماً من أيام عطلتهم الأسبوعية ليخرجوا مع عائلاتهم، رافعين لافتات وأعلام فلسطين في شوارع مدنهم الأوروبية والأميريكية.
disqus comments here